حاورها : ميمون حرش
أول لقاءٍ حواريٍ لي مع زلفى كان عام 2016،وحوارنا الجميل مبثوث في كتابي ” هؤلاء أسعدوا القراء-حوارات العرين“، وها أنا أستضيفها مرة ثانية في سلسلة “كلمني عنه“في الجزء الثالث منها ، وإيماناً مني بقوة شخصية زلفى في الأدب ، والنضال، أمسِ، والآن، سأكرر ما قلته عنها منذ ما يقرب عن عشر سنوات في كتابي :
إذا سألتموني عن «الأنفة» أقول لكم: هل تعرفون زلفى أشهبون؟
زلفى شهية في الحرف، وقوية في الموقف، وبين الحاليْن هي صوت ريفي أصيل، تكشف ، كل مرةعن قدر كبير من الألق في كتاباتها، و من الانخراط ، قولا وفعلاً، في نضالاتها؛ استطاعت أن تجعل أعناق القراء المارين السرعان تلتاع لها، يبطلون “رياضتهم” لحظاتٍ، وربما أكثر، للسؤال عن هذا الوجه الريفي الذي استطاع أن يجد له مكاناً راقياً، في مجاليْ الأدب والإعلام.
في نصوصها زخم من المواقف الإنسانية، وإلى جانب «المظلوم» تركن، تحمل قلمها الفياض، تنتصب أمام الورقة البيضاء، ولا تعترف بعلامة «قف» أمام خدمة «الإنسان» سواء في مجال الإعلام، أو القصة، أوالشعر، أو… كلما قرأتُ لها خرجتُ بانطباع أثير: «إنها ريفية طالعة من بحر أزرق “.
حبها لمدينة الناظور عجيب، لا يمكن أن تلقاها، مع دردشة في قضايا كثيرة،دون أن تذكر الناظور ،المدينة تسكن منها القلب، حاضرة في اهتماماتها ، و من الأولويات، لديها.
زلفى حاصلة على إجازة في التسيير المحاسباتي والمالي، ودبلومٍ في البرمجة المعلوماتية؛ أصدرت «جداريات» في القصة القصيرة جداً، ولها أعمال مشتركة في السرد: «أنامل ريفية»، و«أقواس قصصية»، وهي الآن منكبة على التحضير لطبعة ثانية لجداريات، تضم، زيادةً، مجموع القراءات التي قدّمها أساتذة كثرفي تجربتها السردية الأولى.
زلفى عضوة في المكتب المسير لفريق الهلال الناظوري لكرة القدم النسوي،
وكاتبة جهوية لمنظمة النساء الاتحاديات بجهة الشرق،
ونائبة الكاتب الجهوي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بجهة الشرق.
زلفى ، في بوح جميل، تابعونا في الحلقة 10 من سلسلتنا.
لتكن كلمتي الاستثنائيةأولا،
وقبل الإجابة عن أسئلتك الطّريفة أستاذي ميمون، لابد من وقفة تبجيل وتقدير لك لأجزل إليك الشّكر الكبير بحجم حبّي واحترامي لأستاذ تعلّمت منه الكثير منذ سنوات الدّراسة ولازال يعلمني أكثر في مجالات الأدب، ويفتح في وجهي دائما أبواب السّؤال والاستفادة بل والضّيافة، في قسمه، في بيته وبين أبنائه، في حوارات العرين، وفي فضائه الجديد “كلّمني عنه”.. مثلي ربما قليلون، من يستمرون على تواصل مع أساتذتهم في هذا العصر. ولقارئ هذا الحوار أقدّم لكم: مخرج ومقدّم هذه السّلسلة “الأديب ميمون حرش” أستاذي منذ سنوات 97-98، كنت تلميذته ولا زلتُ أنهل منه الكثير.
من القلب الصّادق، بــارك الله فيك أستاذي وفي صحّتك وأسرتك وفي هذا الجسر الذي تبنيه بين شخصيات وقرّاء من خلال سلسلة حواراتك.. شكرا لك أستاذي العزيز.
- موقف طريف حدث لك في الأسرة، أو المدرسة، أو الحياة بشكل عام،
الحياة محطّات لا تخلو من المواقف المختلفة، ورغم كلّ ما أُعرف به من جديّة وصرامة أحمل في شخصيتي زلفى الطفلة المرحة والمشاكسة، وأنا أٌقف أمام “خزانة” المواقف احترت أي طريفة تستحق المقاسمة مع قراء سلسلة “كلّمني عنه”..
إليكم منّي هذه القصة: “عندما كنت تلميذة في الصّف الثاني من السلك الاعدادي بمؤسسة محمد الزرقطوني بالناظور، كانت حصص المساء التي تختم يومنا الدّراسي عند الساعة السادسة تنتهي دائما بالتسابق نحو وسائل النقل القليلة آنذاك، كنا نستعين بحافلات نقل المسافرين للتنقل من موقع المدرسة نحو منازلنا. ولأن أغلب ركاب الحافلة من أحياء متقاربة جدا، شكّلنا بحماسنا الطفولي مجموعة مشاغبة.
في إحدى مساءات الشتاء، كنا على متن الحافلة أخذ السابقون مقاعدهم فيما كان نصيبي وأحد زملائي هو الممر الفاصل بين المقاعد، رحلة طريق لابد أن أشغل نفسي في شيء ما، رحت أتباها بقامتي القصيرة الكافية لألمس سقف الحافلة خاصة وأن الأمر نفسه يظل حلما أمام علو سقف حافلة المدينة “الأطوبيس”، دخلت في تحدّ مع زميلي ورحنا نتفقد الأماكن العالية في الحافلة، حتى وجدنا أنفسنا نفكّ المصابيح وأغرقنا الحافلة في الظلام بين صراخ متعمد من أصدقائنا هدّدنا السائق بالنزول جميعا، وقبل أن يصل مساعده إلينا، أعدنا المصابيح الأولى، قبل أن نستمر في إعادة الأخرى تفاجأنا بنظرات أستاذ مادة الاجتماعيات، تسمّرنا حتّى تمنينا النزول في الظلام رغم ما كنا سنعانيه من أزمة في وسائل النقل، أفضل بكثير من الحرج و التوبيخ الذي شعرنا به بحضور أستاذنا.. حضوره بيننا كان كافيا ليعم الصمت الرهيب في ما تبقى من طريق العودة.
- الكتابة، حينتواتيك، كيف تُلبين نداءها.. هل من طقس معين،
لا أعترف في الكتابة إلا بطقس واحد: حضور الورقة والقلم، حاسوب ووقت فراغ، هاتف ومساحة فارغة… غير ذلك قد أكتب وأنا في مقهى، في محطة قطار، في السيارة… مثلما أكتب في غرفتي، لا فرق بين كل الحالات. فالكتابة أستاذي “إحساس = فكرة” “يجتاحك = تنتشلك” من أي وسط ويجبرك على التدوين، وأنت سّي ميمون كاتب كبير “ماشاء الله” تعرف أن الكتابة عن الأحزان مثلا لا يعني أبدا أنّها تُكتب بعد انقضائها ونسيانها؛ قرأنا نصوصا قيّمة جدا ترثي فقيدا لحظات بعد رحيله لم تستلزم “حتما” من كاتبها أكثر من قوة مشاعر الفقد والألم.
- ورطة نُسجت لك أو وقعتِ فيها صدفة… كيف تخلصتَ منها،
ورطة.. إن كان لابد من لفظة “وقوع” فقد كان تفاعلي العصبي مع بعض الأحداث خطأ. ومن منّا لم يستقبله زميل في العمل مثلا بصدر ضيق وخطط سيئة، الحمد لله حمدا كثيرا على نعمة الحفظ واللطف.. في كل مجالات الحياة نكتشف الجيد والسيء في رفاقنا، منهم من يسقطه الخريف ومنهم الثابتون على جدار المواقف لا تحركهم ريّاح، هؤلاء طوق نجاتنا إن حدث وتورطنا.
- أجمل أو أغرب، أو أسوأ تعليق عن “إبداعك”، سمعتِه من أحدٍ وجهاً لوجه، أو قرأته مكتوباً.
قبل التحاقي بالعمل الجمعوي التطوعي بإقليم الناظور، كنت نشيطة في مجموعات أدبية فايسبوكية؛ ننشر فيها كتاباتنا الابداعية، نتلقى آراء الأعضاء منهم أساتذة ونّقاد وكتّاب روّاد ومبتدؤون، نتنافس على المراكز الأولى في مسابقات تنظمها إدارة المجموعة…
كانت هذه الفضاءات الافتراضية حقيقية جدا، وهامة في مسارنا الأدبي، جمعتنا بأسماء وازنة وبأصدقاء اشتغلنا معهم في الواقع من أجل النّهوض بالوضع الثقافي في مدينتنا..
في إحدى هذه المجموعات، كنت أنشر فيها نصوصي الشعرية فقط. ولأننا، قبل سنوات كثيرة، لم تكن صورنا متاحة على الانترنت، في أول فرصة جمعتني بأحد أعضاء المجموعة في لقاء أدبي بمقر مكتبة المركب الثقافي بالناظور، أوّل ما قاله بعدما تأكّد أنني زلفى “أنت شاعرة المجموعة ؟! لا أصدّق”، أخبرني فيما بعد أنه توقع شابة غير محجبة، بزيّ متبرج..!!
- أمر تكشفينه، لأول مرة، وتميطين اللثام عنه لمحبيك..
ما لا يعرفه عنّي الكثيرون، أنني و”التّعلّق” غرباء، وفي عبارتنا الدّقيقة نقول بالدّارجة “مكنربيش الكبدة”.
مهما كانت علاقتي بالأشخاص، بالأشياء، بالأماكن.. فأنا لا أتعلّق بها حتّى وإن أحببتها كثيرا.. قد أسجّل أسفي عند انتهاء العلاقة إن كان الطّرف الثّاني عزيزا أو عزيزة، لكنني لا أتأسف عمّا يضيع من الأشياء وينكسر، عن انتقالي من مكان لمكان، من عمل لعمل، من مدينة لمدينة..
يملؤني إيمان كبير بأن ما أعيشه كل يوم مدبّره حكيم لطيف، وكلّ ما أحرص عليه في العلاقات الانسانية هو الصّدق والخير، لا أحبّ مجالس النّفاق والسّوء. لست ملاكا نعم، لكنّني ومطلقا لا أتعمّد أذية أحد.
- كلمة استثنائية، منك
كلمتي الاستثنائية، جعلتها الأولى وستكون الأخيرة: شكرا لك أستاذي ولكل قرّاء السلسلة.