لا يزال موضوع الفيضانات التي شهدتها مجموعة من أقاليم الجنوب الشرقي للمغرب، في الأيام الأخيرة، وحده متصدر ساحة النقاش العمومي بالمغرب، بالنظر إلى ما خلفته هذه الفيضانات من وفيات (11 شخصا) ومفقودين (9 أشخاص) في صفوف سكان تلك الأقاليم، وإلحاقها خسائر مادية “جسيمة” في صفوف المنازل والمنشآت الفنية والبنية التحتية بالمناطق المتضررة. وفي انتظار الكشف عن الحصيلة النهائية لهذه الكارثة الطبيعية، التي يقول السكان إنها لم تشهدها منذ عقود، اختار خبراء في الصحة لفت الانتباه إلى ضرورة “الاستباق” لتفادي التداعيات الصحية لمثل هذه الحوادث، لا سيما “انتشار الأمراض المعدية بالمناطق القروية تحديدا”.
وحذر الخبراء من أن “المستنقعات والبرك المائية الراكدة التي تخلفها الفيضانات بالأودية تشكل مرتعا لتكاثر وتطور مجموعة من الأمراض المعدية كالليشمانيا”.
وفيما اختلفوا حول مدى نسبة خطورة “انطباق هذا الوضع بأودية الجنوب الشرقي بعد مرور الفيضانات الأخيرة” اتفقوا على أن “ضرورة التسلح بالوقاية من خلال تكثيف الوزارة لحملات لتعقيم هذه المستنقعات والبرك، وتوفيرها وسائل النظافة والتعقيم لفائدة الساكنة المتضررة”.
“خطر.. ويقظة”
جعفر هيكل، أخصائي في الأمراض الأوبئة والأمراض المعدية والصحة العامة، أكد أن “المستنقعات والبرك المائية الراكدة المليئة بالأوحال التي تخلفها الفيضانات بمجموعة من الأودية، خصوصا بالمناطق القروية، تعد أمكنة مفضلة بالنسبة لنواقل الأمراض المعدية للإنسان كأنثى ذبابة الرمل ناقلة الليشمانيا، من أجل التطور والتكاثر”.
وفي هذا الصدد، أشار هيكل، إلى “أن الجهود التي بذلها المغرب لمحاربة مجموعة من هذه النواقل لم تُفض إلى القضاء عليها نهائيا؛ ما يجعل خطرها قائما دائما”.
وطمأن الأخصائي في الأمراض الأوبئة والأمراض المعدية والصحة العامة أن “مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية ترفع غالبا منسوب اليقظة الوبائية عند تسجيل مثل هذه الفيضانات التي شهدها الجنوب الشرقي خلال اليومين الماضيين، وتهيب بالمديريات الإقليمية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية تكثيف المراقبة الوبائية من قبل المراكز الصحية القروية، ومن خلال حملات ميدانية للكشف والرصد من جهة، ومن جهة ثانية الحرص القيام بحملات تعقيم استباقية بواسطة المبيدات الكيميائية ضد نواقل الأمراض المعدية بمختلف الضايات المائية غير النظيفة التي يمكن أن تنتشر بها في هذه المناطق”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “مبدأ الوقاية خير من العلاج يقتضي استباق أي تكاثر لهذه الأمراض بالمناطق المعنية بالفيضانات الأخيرة؛ من خلال التنسيق بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة الفلاحة والغابات التي ينبغي عليها أن توفر المعلومات الكافية بشأن الأماكن التي تنتشر فيها هذه البرك المائية بغرض مباشرة تعقيمها من قبل الفرق المختصة”، مشيرا أيضا إلى أن “السكان مطالبون بدورهم باتخاذ إجراءات وقائية؛ ضمنها استعمال وسائل النظافة والتعقيم، والابتعاد قدر الإمكان عن الأماكن التي يتكاثر فيها البعوض والذباب نواقل الأمراض المعدية، والالتزام بالنصائح التي تقدمها المراكز الصحية في هذا الصدد”.
“خطر ضعيف.. ولكن”
وبالنسبة للطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية؛ فإن “إمكانية تسبب الفيضانات الأخيرة في انتقال أمراض معدية في صفوف السكان تظل ضئيلة جدا؛ بالنظر إلى ثلاثة اعتبارات أساسية: الأول يتمثل في كون البرك والمستنقعات المائية التي ستخلفها هذه الفيضانات بالمنطقة ستجف في مدة قصيرة جدا، وبالتالي لن تتحول إلى مكان لتكاثر الذباب والبعوض التي تعد نواقل لهذه الأمراض. أما الاعتبار الثاني فهو عدم حدوث هجرات جماعية بفعل الفيضانات؛ مما يقلل احتمال انتشار الأوبئة بين سكان مناطق تختلف فيها المناعة ضد الأمراض. أما الاعتبار الثالث فهو كون المنازل المتضررة من جراء هذه الفيضانات تبقى محدودة؛ ما يجعل اللجوء إلى خيارات الإسكان الجماعي للمتضررين مستبعدا.. وبالتالي، فإن الاختلاط كأحد حوافز انتقال الأمراض المعدية غير حاضر في هذا السياق”.
لكن الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية أكد، أن “الحديث عن ضعف نسبة الخطر لا يلغي بالبتة ضرورة تعزيز اليقظة الوبائية من طرف الوزارة الوصية والحرص على اتخاذ تدابير استباقية لتفادي انتشار هذه الأمراض”، موردا “توفير وسائل النظافة والتعقيم اللازمة لفائدة سكان المناطق المتضررة والحث على استمرارية المراكز الصحية القروية بالجنوب الشرقي في تلقيح الأطفال، وتوفير قوافل طبية لهذه الغرض في القرى التي تضررت مراكزها الصحية بفعل هذه الفيضانات”.
وأوضح حمضي أن “قيام وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بهذه الإجراءات ليس أمرا عسيرا؛ لأن مساحة المناطق المتضررة محدودة، والإمكانيات المتوفرة لدى الوزارة من وسائل التعقيم ولقاحات الأطفال كبيرة جدا”، مختارا من جهة أخرى “لفت انتباه السلطات إلى ضرورة رفع منسوب التأهب لإغاثة النساء الحوامل اللواتي قد يشكين مضاعفات الحمل في بعض المناطق التي انقطعت الطرق المؤدية إليها”.