الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أعلن عن إعادة فرض رسوم جمركية على عدة منتجات زراعية أوروبية، بما في ذلك زيت الزيتون. القرار جاء في توقيت حساس يعكس التحولات في النظام التجاري الدولي، ليعيد ترتيب مراكز القوى الفاعلة في سوق زيت الزيتون العالمي، ويفتح المجال لتحولات استراتيجية تؤثر على مواقع دول بأكملها في السوق الأمريكية، خصوصًا بلدان الجنوب المغاربي مثل المغرب وتونس والجزائر.
القرار الأمريكي لم يقتصر على كونه تعديلًا بسيطًا في الرسوم الجمركية، بل مثّل خطوة جذرية نحو إعادة تقسيم الأدوار داخل سوق تعتمد بشكل كبير على الاستيراد. الولايات المتحدة، التي تستهلك سنويًا قرابة 360 ألف طن من زيت الزيتون ولا تنتج سوى 20 ألف طن محليًا (أي أقل من 5٪ من احتياجاتها)، جعلت الرسوم الجمركية أداة رئيسية لإعادة ضبط التوازنات، مما يحدد من يملك القدرة على الوصول إلى المستهلك الأمريكي ومن يُستبعد من المنافسة.
منذ بدء تطبيق السياسات الجمركية الجديدة، برز المغرب في موقع تفاوضي مريح، حيث تخضع صادراته إلى الولايات المتحدة لرسوم نسبتها 10٪ فقط، وهي أقل بكثير مقارنة بتلك المفروضة على الاتحاد الأوروبي (20٪)، تونس (28٪)، الجزائر (30٪)، وحتى سوريا (41٪). هذه التغييرات قدمت للمغرب فرصة استثنائية للتموضع في الفراغ الذي خلفه تراجع القوى الكبرى مثل إسبانيا، التي تعد أكبر مصدّر إلى الولايات المتحدة وتشكل صادراتها من زيت الزيتون رقمًا اقتصاديًا ضخمًا بقيمة 6 مليارات يورو.
المغرب لم يعتمد فقط على تأثير السياسة الجمركية. بل عمل طيلة العقود الماضية على تنمية إنتاجه من زيت الزيتون من حيث الكم والنوع، مع التركيز على الزيوت البيولوجية والمستمدة من مناطق مثل مكناس وتاونات وفاس، التي اكتسبت سمعة قوية بفضل خصائصها البيئية والمنشأ المحلي. هذه العناصر تلبي تطلعات المستهلك الأمريكي الذي يزداد اهتمامه بالجودة والتتبع البيئي.
على الجانب الآخر، تونس تواجه معضلة صعبة. رغم كونها ثاني أكبر مصدّر عالمي لزيت الزيتون بعد إسبانيا، تجد نفسها تحت وطأة رسوم جمركية مرتفعة بنسبة 28٪، ما يجعل موقفها في السوق الأمريكية عرضة للتدهور رغم جودة منتجاتها وشهرتها في الزراعة العضوية. هذه الأزمة قد تضعف قدرتها التنافسية لصالح دول أخرى كمثل تركيا والأرجنتين وتشيلي وأستراليا، التي تتمتع برسوم منخفضة تبلغ 10٪ فقط.
إقرأ ايضاً
أما الجزائر، فالوضع أكثر تعقيدًا. القطاع الزراعي الناشئ فيها يجد نفسه أمام تحديات كبيرة، مع فرض رسوم جمركية تصل إلى 30٪، إضافة إلى غياب منظومات متكاملة للتصدير تتوافق مع المعايير الفنية والصحية الدولية.
الدول المغاربية تترقب بحذر الفرصة القائمة في السوق الأمريكية. لكن هذا السوق لا يخلو من التحديات، فهي تطلب توافر معايير صارمة تشمل الجودة، التتبع، والشهادات العضوية. النجاح فيها يتطلب أكثر من مجرد رسوم جمركية مخفضة؛ يحتاج إلى استثمارات مستدامة في الإنتاج والتسويق.
رغم أن المغرب يبدو الأكثر قدرة على الاستفادة من تراجع أوروبا في السوق الأمريكية، إلا أن الموقف يظل محفوفًا بالمخاطر بسبب الطبيعة غير المستقرة للقرارات التجارية في عهد ترامب. علاوة على ذلك، قد يلجأ المنتجون الأوروبيون إلى خيارات مثل تأسيس مصانع داخل الولايات المتحدة لتجنب الرسوم والعودة للمنافسة بقوة. كما أن المنافسة بين الدول النامية نفسها تزداد شراسة حيث تتحرك تركيا، الأرجنتين، تشيلي وأستراليا بسرعة لتعزيز حضورها في هذا السوق الواعد.
