اريفينو خاص سعد جيلال
الجزائر العاصمة – في خطوة تعكس عمق الأزمة وتصاعد التوتر بين البلدين، شن التلفزيون الجزائري الرسمي هجوماً عنيفاً وغير مسبوق على دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الجمعة، الثاني من مايو 2025. التقرير الذي بثته القناة الحكومية، والذي يُعتقد أنه جاء كرد فعل مباشر على مقابلة بثتها قناة إماراتية واعتُبرت مسيئة للوحدة الوطنية الجزائرية، استخدم لغة حادة وغير دبلوماسية، واصفاً الإمارات بـ “الدويلة المصطنعة” ومتهماً إياها بشن “تصعيد إعلامي خطير يتجاوز كل الخطوط الحمراء” ضد الجزائر.
ما وراء الهجوم الناري: جذور الأزمة والمُشعل المباشر
لم يأت هذا الهجوم من فراغ، بل يمثل ذروة جديدة في سلسلة من التوترات المتصاعدة بين الجزائر وأبوظبي. وبينما ترتبط الأزمة بجذور أعمق تشمل:
- الخلافات الإقليمية: تباين حاد حول ملفات ليبيا والساحل.
- قضية الصحراء المغربية والدور المغربي: الدعم الإماراتي القوي للمغرب، بما في ذلك افتتاح قنصلية في العيون، تعتبره الجزائر عملاً عدائياً.
- التطبيع مع إسرائيل: اتفاقيات أبراهام التي زادت الشرخ الأيديولوجي.
- الحرب الإعلامية المتصاعدة: مناوشات سابقة عبر وسائل إعلام مختلفة.
فإن الشرارة المباشرة لهذا الهجوم الإعلامي الأخير تبدو مرتبطة، حسب تقارير ومراقبين، بحوار بثته قناة ‘سكاي نيوز عربية’ التابعة للإمارات مع الباحث الجزائري الدكتور بلغيث. تضمنت المقابلة تصريحات فهمت في الجزائر على أنها إنكار لوجود الأمازيغ في البلاد، وهو ما اعتبرته السلطات الجزائرية تهجماً خطيراً على مكون أساسي من هويتها الوطنية ووحدتها الترابية، واستهدافاً لمنطقة القبائل بشكل خاص.
“دويلة مصطنعة” و”رد الصاع صاعين”: أخطر ما ورد في قصف الجزائر الإعلامي
التقرير الجزائري كان لافتاً في حدة لهجته ومباشرة اتهاماته، ويمكن تلخيص أبرز نقاطه كالتالي:
- وصف الإمارات بـ “الدويلة المصطنعة”.
- اتهام باستهداف “ثوابت الأمة الجزائرية”.
- اتهام بنشر “الفتنة والسموم الإيديولوجية”.
- التأكيد على مناعة الجزائر التاريخية.
- التهديد بالرد “الصاع صاعين”.
من ليبيا إلى الساحل.. تاريخ من التوتر الخفي يتفجر علناً
لم تكن العلاقات دائماً بهذا السوء، لكن السنوات الأخيرة شهدت تدهوراً ملحوظاً شمل تباين المواقف في الأزمة الليبية، واتهامات جزائرية مبطنة للإمارات بتأجيج الصراعات في منطقة الساحل، وتوترات إعلامية متقطعة، وصولاً إلى الموقف الإماراتي من الصحراء المغربية الذي اعتبرته الجزائر تجاوزاً للخطوط الحمراء.
إقرأ ايضاً
المغرب واللعب على التناقضات: مكاسب محتملة من الأزمة الجزائرية-الإماراتية؟
في خضم هذا التوتر، يرى مراقبون أن المغرب قد يكون المستفيد الاستراتيجي الأبرز. فكلما زادت حدة الخلاف بين الجزائر وأبوظبي، كلما تعزز التحالف بين الرباط وأبوظبي. قد يؤدي هذا التوتر إلى زيادة عزلة الجزائر إقليمياً وتحويل المزيد من الدعم الدبلوماسي والاقتصادي نحو المغرب. كما أن انشغال الجزائر بهذا الصراع الجديد قد يقلل من تركيزها على جبهات أخرى.
بين التحليل والتحذير: ماذا يقول الخبراء عن الصدام الجزائري-الإماراتي؟
يرى محللون وخبراء أن هذا التصعيد يعكس:
- تراكم الخلافات: الهجوم هو نتيجة تراكم خلافات عميقة حول ملفات إقليمية وتحالفات تتعارض مع مصالح الجزائر.
- مركزية الملف المغربي: الدعم الإماراتي للمغرب يعتبر عملاً عدائياً مباشراً.
- حساسية قضايا الهوية: يشير محللون إلى أن بث المقابلة المثيرة للجدل للدكتور بلغيث على قناة إماراتية كان بمثابة “القطرة التي أفاضت الكأس”، وكشفت عن مدى حساسية قضايا الهوية والوحدة الوطنية في الجزائر، وكيف يمكن أن تصبح وقوداً للصراعات الإقليمية.
- رسالة داخلية وخارجية: قد يكون الخطاب موجهاً للداخل لتصوير مؤامرات خارجية، وخارجياً ك مؤشر خطير على تدهور العلاقات.
- اتهامات بالتدخل: تلميحات جزائرية سابقة حول دور إماراتي في “إثارة الفتن” بالجوار.
نحو المجهول: هل تتجه الجزائر والإمارات نحو القطيعة الشاملة؟
يمثل الهجوم الإعلامي الأخير، بدافعه المباشر المعلن والمتمثل في المقابلة التلفزيونية، تصعيداً خطيراً ينذر بمزيد من التدهور. هذا التوتر يكشف عن حالة استقطاب إقليمي أوسع تتشابك فيه الملفات، ويبقى السؤال مطروحاً حول كيفية احتواء هذا التصعيد ومنع انزلاقه إلى قطيعة شاملة قد تكون لها تداعيات أوسع على استقرار المنطقة والعلاقات العربية-العربية.
