تحليل اخباري: عشرات المليارات على بعد خطوات من الناظور؟

3 مايو 2025آخر تحديث :
تحليل اخباري: عشرات المليارات على بعد خطوات من الناظور؟

أريفينو خاص حسن المرابط

معبر مليلية يخنق شريان الحياة في الناظور؟

تثير الإجراءات المشددة التي تفرضها السلطات المغربية على المعبر الحدودي بين الناظور ومليلية المحتلة تساؤلات مشروعة حول مدى مسؤوليتها عن تفويت فرص اقتصادية حيوية على مدينة الناظور، خاصة في قطاعيها التجاري والخدماتي اللذين يشكلان عصب الحياة الاقتصادية ويشغلان نحو نصف سكان الإقليم. ففي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من أزمة اقتصادية وارتفاع مقلق في معدلات البطالة، يبدو أن هذه الإجراءات تزيد الطين بلة.

طوابير العذاب اليومي: هل تدفع الناظور ثمن كرامة أبنائها وفرصها الضائعة؟

يعيش الآلاف من العابرين يومياً، وبينهم نسبة كبيرة من النساء العاملات في المنازل بمليلية، معاناة حقيقية بسبب الانتظار لساعات طويلة في طوابير لا تنتهي. هذه المعاناة اليومية، التي تمثل إساءة غير مباشرة لكرامة المواطنين المغاربة، لا تتوقف عند حدود الإرهاق الجسدي والنفسي، بل تمتد لتشكل حاجزاً نفسياً يثني العديد من سكان مليلية عن العبور إلى الناظور لقضاء حوائجهم أو للترفيه، مما يحرم القطاع الخدماتي والتجاري المحلي من زبائن محتملين هم في أمس الحاجة إليهم، خاصة في ظل الركود الحالي. إن سيولة العبور كانت تاريخياً شرياناً يغذي أسواق الناظور ومقاهيها ومطاعمها وخدماتها المختلفة.

مفارقة الحدود الصارخة: سلع مليلية تتدفق.. والمواطن تحت مجهر التفتيش! فمن يفتش من؟

تُقدم مبررات رسمية لتشديد إجراءات التفتيش على الأفراد العابرين من مليلية، محورها الأساسي هو منع أي عودة محتملة لظاهرة “التهريب المعيشي”. لكن هذه الادعاءات تصطدم بشكل صارخ ومباشر مع الواقع الملموس داخل أسواق الناظور؛ فهذه الأسواق لا تزال تعرض وبشكل لافت للنظر كميات وفيرة من السلع التي لا يمكن أن يكون مصدرها إلا مليلية، وعلى رأسها الهواتف الذكية الحديثة، وإطارات العجلات، وقطع غيار السيارات المتنوعة، وغيرها من البضائع.

هذا التناقض الفاضح يطرح علامات استفهام كبيرة ومقلقة: إذا كانت هذه السلع المهربة قادرة على اختراق الحواجز والوصول إلى قلب الأسواق بهذه السهولة والوفرة، فمن الذي يخضع فعلياً لهذا التفتيش الدقيق والمُرهق عند المعبر؟ ولماذا يتم التركيز بهذا الشكل الصارم على الأفراد، رجالاً ونساءً، بينما تبدو قنوات تهريب هذه البضائع سالكة؟ السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هنا هو: “من يفتش من، ولماذا؟”، وهو سؤال يعكس حيرة وشكوكاً عميقة لدى سكان الناظور حول جدوى وغاية هذه الإجراءات الانتقائية.

إقرأ ايضاً

شباب تائه بين يأس الهجرة وبطالة قاهرة.. هل للناظور قارب نجاة؟

تُسجل الناظور معدلات بطالة تُعتبر من بين الأعلى على الصعيد الوطني، وتفاقمت الأوضاع بعد إنهاء “التهريب المعيشي” الذي كان يمثل مصدر رزق لعشرات الآلاف، دون توفير بدائل حقيقية ومستدامة. فشل معظم الاستراتيجيات الحكومية في خلق فرص عمل كافية بالمنطقة دفع بعشرات الآلاف من شبابها ورجالها إلى الهجرة نحو أوروبا خلال العامين الماضيين، بحثاً عن أمل مفقود في ظل اليأس وعدم اليقين المسيطرين. أمام هذا الواقع، ألا يجدر بالسلطات البحث عن كل السبل الممكنة لإعادة الروح للمدينة وإنعاش اقتصادها؟

مليارات مليلية.. هل هي حقنة الأوكسجين لإنقاذ اقتصاد الناظور المحتضر؟

إن تسهيل عبور سكان مليلية نحو الناظور، مع الحفاظ على الضوابط الأمنية المعقولة، قد يمثل أحد الحلول الواقعية والمتاحة لضخ سيولة نقدية مهمة في شرايين الاقتصاد المحلي. الحديث هنا عن إمكانية “حقن” الاقتصاد الناظوري بمليارات السنتيمات شهرياً عبر إنفاق سكان مليلية في أسواق وخدمات المدينة. أليس من الأجدى الموازنة بين الهاجس الأمني، الذي لا يمكن إنكاره، وبين الحاجة الماسة لإنعاش اقتصاد مدينة تحتضر وتفريج كربة آلاف الأسر التي تعاني في صمت؟ إن إعادة النظر في إجراءات المعبر قد لا تكون مجرد تسهيل إداري، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية ملحة.

صرخة أخيرة: الناظور ليست ورقة تفاوض.. ابحثوا عن معادلة تنقذ الاقتصاد وتحفظ السيادة!

وفي الختام، تتجه الأنظار نحو السلطات المعنية، مع دعوة صريحة للكف عن توظيف معابر مليلية كورقة ضغط أو مفاوضات شبه يومية في العلاقة مع الجار الإسباني، بمعزل عن تداعيات ذلك على الساكنة المحلية.

إن الواقع الاقتصادي المرير لإقليم الناظور، الذي شهد هجرة نصف شبابه بحثاً عن فرص، بينما يكابد النصف الآخر مرارة البطالة الصريحة والمقنعة، يفرض ضرورة ملحة لأخذ هذا البعد الإنساني والاقتصادي بعين الاعتبار عند رسم السياسات المتعلقة بالمعابر. المطلوب اليوم بإلحاح هو البحث عن صيغة ذكية ومتوازنة، معادلة دقيقة تراعي الحاجة الماسة لإنعاش اقتصاد المنطقة وتخفيف الاحتقان الاجتماعي المتزايد، دون أن يخل ذلك بالمصالح العليا والاستراتيجية للدولة المغربية أو يمس بثوابتها الوطنية الراسخة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق