في خطوة أثارت جدلا واسعا داخل الجزائر وخارجها، أصدر رئيس أركان الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، قرارات غير مسبوقة تمثلت في إغلاق قاعات الصلاة داخل الثكنات العسكرية ومنع أفراد الجيش من أداء العمرة والحج. هذه القرارات، التي وُصفت بالصادمة، تضع تساؤلات حول مدى توافقها مع هوية الجزائر كدولة مسلمة، وتكشف عن تناقض صارخ بين أفعال القيادة العسكرية وادعاءات النظام بدعم القضايا الإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. فكيف يمكن لنظام يمنع جنوده من أداء فريضة الحج أن يُقنع العالم الإسلامي بصدقية الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى؟
كشف هشام عبود، الإعلامي والمعارض الجزائري اللاجئ في فرنسا، أن رئيس أركان الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، أقدم على إغلاق قاعات الصلاة داخل الثكنات العسكرية ومنع عناصر الجيش من أداء العمرة والحج.
وقال عبود في بث مباشر عبر قناته على منصة يوتيوب إن هذه هي المرة الأولى التي يُتخذ فيها مثل هذا القرار في بلد إسلامي، معتبرا الخطوة « تطاولا على الدين » ودعا شنقريحة إلى مراجعة قراراته.
ولم يمر هذا القرار مرور الكرام، بل أثار انتقادات واسعة، خصوصا في بلد يُعتبر الإسلام جزءا من هويته الوطنية والدستورية.
واعتبر بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر إقدام شنقريحة على إغلاق قاعات الصلاة بالثكنات العسكرية الجزائرية « تعدّيا مباشرا » على حق ممارسة الشعائر الدينية داخل مؤسسة يفترض أنها جزء من نسيج الدولة الإسلامية. كما أدانوا منع الجنود والضباط من أداء الحج والعمرة، معتبرين ذلك يعكس موقفا متناقضا من القيم الإسلامية التي يدعي النظام الجزائري احترامها.
زيف الخطاب الرسمي
من اللافت أن هذا القرار جاء في سياق خطاب رسمي دائم للسلطات الجزائرية يدعي نصرة القضايا الإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لكن، كما عبر العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن منع أداء الفرائض الدينية الأساسية داخل الجيش يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى انسجام هذه السياسات مع الخطاب الرسمي.
أحد المعلقين تساءل: « كيف لمن يغلق قاعات الصلاة ويمنع العمرة والحج أن يدعي السعي لتحرير المسجد الأقصى؟ » بينما استنكر آخر قائلا: « حتى الجيوش في الدول الغربية تتيح لجنودها المسلمين ممارسة شعائرهم بحرية، فكيف يحدث هذا في بلد مسلم؟ »
ردود أفعال غاضبة
تعليقات النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي عكست غضبا واستنكارا واسعا. أحدهم وصف القرار بأنه « محاربة لله ورسوله »، في حين دعا آخر إلى إنقاذ الجزائر من « سياسات جنرالات تعمق الجروح بدلا من معالجتها ».
إقرأ ايضاً
وكتب مواطن جزائري تحت اسم « كامارو » تعليقا يقول فيه: « شنقريحة يحارب الله ورسوله.. أتوقع له نهاية مأساوية.. ». بينما تساءل مواطن آخر يدعى مولاي زاهير قائلا: « سبحان الله العظيم أليس هناك من يوقف هذا المعتوه عند حده؟ الا زالت الجزائر تعاني من أزمة رجال.. أنقذوا الجزائر من هذا المعتوه ومن امثاله قبل فوت الأوان »، وبدوره تساءل المواطن زكرياء عن السبب الذي يجعل الشعب وجنود الجزائر « يتحملون كل هذا الذل على الرغم من أنهم يزعمون أنهم أبناء الشهداء».
وأثارت الخطوة أيضا قلقا حتى في أوساط المواطنين المحايدين، حيث اعتبرها البعض محاولة لتضييق على الحريات الدينية وتهميش القيم الإسلامية داخل المؤسسة العسكرية.
تناقضات عميقة
تكشف خطوة شنقريحة (79 سنة) بإغلاق قاعات الصلاة ومنع أداء العمرة والحج داخل المؤسسة العسكرية عن تناقضات عميقة تعصف بالنظام الجزائري، وتطرح تساؤلات حول توجهه العام تجاه الدين ودوره في المجتمع. هل يسعى النظام العسكري الدكتاتوري إلى فرض نموذج جديد داخل الجيش بعيدا عن المظاهر الدينية؟ أم أن الأمر يعكس توجها سياسيا يعادي الحريات الدينية؟
في ظل هذه القرارات المثيرة للجدل، تتزايد الهوة بين القيادة والشعب، حيث يبدو أن النظام الذي يدعي نصرة القضايا الإسلامية يحتاج إلى إعادة النظر في ممارساته الداخلية. إذا كان النظام يسعى حقا إلى تقديم نفسه كمدافع عن الإسلام، فعليه أن يبدأ باحترام دين الدولة وهويتها الثقافية بدلا من قمعها.
هذه التناقضات لا تضعف فقط مصداقية الشعارات التي يرفعها النظام، بل تزيد من التوتر والانقسام داخل المجتمع الجزائري، لتُبقي سؤالا مفتوحا: كيف يمكن لبلد يتبجح برفع شعارات دعم الإسلام وقضاياه أن يتبنى ممارسات تضيق على حرياته الدينية؟