تضطلع الجماعات الترابية بالمغرب، سواء كانت جهات أو مجالس إقليمية أو مجالس عمالات أو جماعات حضرية وقروية بمهام كثيرة ومتنوعة في عدة مجالات من بينها تدبير المجال والشبكات وتقديم خدمات القرب للمواطن على كامل التراب الوطني كونها الإدارة الأقرب للساكنةأينما وجدت.
ويمكن أن نقسم مجموع هذه الاختصاصات الى جزأين متباينين ومتكاملينإداري وتقني ظلا يشكلان عجلة اشتغال الجماعات الترابية منذ الاستقلال لتعرف هذه الاختصاصات توسعا مهما مع صدور القوانين التنظيمية 111.14، 112.14 و 113.14 المتعلقة بالجهات ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات في الوقت الذي تعرف فيه أغلب الجماعات الترابية نقصا حادا في الموارد البشرية في العديد من الاختصاصات التقنية.
يتعلق الأمر بمجالات تقنية مهمة لحاضر ومستقبل التراب الوطني كالتعمير والبناء والهندسة المعمارية وهندسة المناطق الخضراء والبيئة وإنجاز وتدبير الطرقات وشبكات الكهرباء، والماء والتطهير السائل والصلب والتنمية القروية وإنجاز برامج التنمية…
ومع بروز الجهات كجماعات ترابية أنيطت لها اختصاصات مهمة، توسع دور الوظيفة الهندسية ليشمل مجالات أخرى في ميادين التخطيط المجالي و التهيئة الترابية والبيئة والهندسة المالية، إضافة الى الحاجة الماسة لهندسة المعلوميات والشبكات مع التطور السريع للإدارة الرقمية داخل الجماعات الترابية، ناهيك عن ظهور وانتشار التدبير المفوض لبعض الخدمات وشركات جهوية ومحلية ومجموعات جماعات لتدبير بعض التجهيزات والخدمات التي تستلزم في معظمها اختصاصات هندسية ملائمة من أجل السهر على التسيير الأمثل لهذه المصالح ومساعدة المنتخبين والمجالس الإدارية لهذه الهيئات لاتخاذ القرارات الصائبة.
وبالرغم من تشعب هذه الاختصاصات وتنوعها في السنوات الأخيرة والتي ظل يمارسها مهندسون بالجماعات والمجالس الإقليمية ومجالس العمالات والجهات، لم تأت القوانين التنظيمية السالفة الذكر بأية تحفيزات لصالح الوظيفية الهندسية الجماعية من شأنها الحفاظ على ما تبقى من المهندسين الحاليين بالجماعات واستقطاب مهندسين اخرين في كل الاختصاصاتوالذين ظلوا ينفرون من هذا القطاع لانعدام التحفيزات ومحدودية الترقي في المسار الإداري للمهندس بالجماعات مقارنة بباقي القطاعات الوزارية.
وحتى وإن كان المهندسون يخضعون لنفس المرسوم رقم 2-11-471 الصادر بتاريخ 14 شتنبر 2011 المتعلق بهيئة المهندسين والمهندسين المعماريين المشتركة بين الوزارات، فإن القوانين التنظيمية 111.14، 112.14 و 113.14 المتعلقة بالجهات ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات كرست حيفا كبيرا في حق المهندسين الجماعيين بإلغائهالمناصب المسؤولية كالمهندس الجماعي والمهندس الإقليمي والمهندس الجهوي واقتصارها لحالة وحيدة يمكن للمهندس أن يلج عبرها لمناصب المسؤولية وهي إما رئيس قسم كمدير عامللمصالح أو رئيس مصلحة بتعويضات غير محفزة تبلغ 1700 و 3000 درهما فقط.
وبالنظر إلى خصوصية الممارسة الهندسية داخل الجماعات الترابية مقارنة بباقي القطاعات، كونها الوظيفة الوحيدة التي تمتد على كامل مجال التراب الوطني بتراتبية عمودية من الدواوير والجماعات إلى العمالات والأقاليمثم الجهات وأفقية لتشمل كامل الاختصاصات الهندسية القطاعية من التعمير إلى الهندسة المدنية، الكهرباء، البيئة، الإعلاميات، إعداد التراب، الطوبوغرافيا… الى الهندسة القروية ومجالات أخرى.
ناهيك عن دورها المتميز، الغير موجود في باقي القطاعات الوزارية الأخرى والمتعلق بتأطير وتكوين المنتخبين الجماعيين في اختصاصات تقنية دقيقة عندما يتحملون مسؤولية تسيير الجماعات الترابية كل 5 أو 6 سنوات، فإن وزارة الداخلية مطالبةبالأخذ بعين الاعتبار لكل هذه والخصوصيات واقتراح نظام أساسي عادل ومحفز لايهمش الوظيفة الهندسيةويعطي لها المكانة المستحقة دون وضعها تحت سلطة الإدارة العامة للمصالح. كل ذلك في إطار قانون أساسي جديد ومحفز وهيكل تنظيمي بقطبين تحت السلطة المباشرة لرئاسة الجماعة الترابية، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الجماعة الترابية والاختلاف الموجود بين الجهات، الأقاليم والعمالات والجماعات:
- القطب الإداري الذي يجمع بين المدير العام للمصالح ومدير شؤون الرئاسة.
- القطب التقني الذي يجب أن يرتكز على إعادة العمل أو خلق ثلاث مناصب للمسؤولية بالجماعات والعمالات والاقاليم والجهات في درجة رئيس قسم على الأقل:
- منصب المهندس الجماعي والذي كان معمولا به في العديد من الجماعات بالمغرب وكان له دور أساسي في حفظ الذاكرة التقنية والفنية للعديد من الجماعات وكان يعتبر مرجعا لكل التدخلات القطاعية في المجال الترابي للعديد من المدن. يسهر على التسيير الأمثل لكل المصالح التقنية من التعمير ورخص البناء الى إنجاز وتدبير الشبكات والطرق والمناطق الخضراء والمصالح المفوض تدبيرها للخواص وشركات التنمية المحلية وبرامج التنمية…(حتى في الجماعات القروية التي يتعذربحكم حجمها استقطاب مهندسين، يكون من الأفضل أن يفتح المجال للتقنيين الجماعيين لتقلد هذا المنصب).
- منصب المهندس الإقليمي بمجالس العمالات والأقاليم والذي سيسهر على إنجاز، تتبع وتدبير كل الدراسات والمشاريع التنموية المتعلقة بالتنمية القروية والحضرية التي تدخل في اختصاص هذه المجالس وضمان الاحترامالتام للمعايير التقنية وللمساطر الإدارية.
- منصب المهندس الجهوي الذي سيضطلع بأدوار مهمة في مجال التخطيط المجالي وإعداد التراب والبيئة والتنسيق مع والوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع والشركات الجهوية المزمع تفعيلها…
إن من شأن هذا الهيكل التنظيمي وهذه التراتبية المقترحة إعادة الاعتبار للوظيفة الهندسية الجماعية وتحفيز كل الاختصاصات الهندسية لولوج الجماعات الترابية وبذلك الرفع من الأداء التقني والإداري للجماعات الترابية المغربية والتدبير الأمثل للموارد المالية والبشرية، وتقوية قدراتها الذاتية وضمان جودة الدراسات والمشاريع المنجزة والتخفيف من نزيف هجرة المهندسينوهدر الموارد المالية إسوة بمثيلاتها في الدول المتقدمة التي تعطي دورا محوريا للأطر الهندسية داخل الجماعات الترابية.
وفي غياب طرح هذه المراجعة الضرورية للنظام الأساسي في أطار الحوار القطاعي الذي يجري حاليا بين وزارة الداخلية والتنسيق النقابي، ستظل الجماعات الترابية التي ألقي على عاتقها اختصاصات تقنيةمهمة، غير قادرة على القيام بأدوارها على أحسن وجه وغير مؤهلة لاستقطاب الكفاءات الهندسية من جميع الاختصاصات الضرورية.
عمر ناجي
رئيس فرع الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة بالناظور والدريوش