من حافي القدمين في بني سيدال بالناظور إلى سدة حكم روتردام..ابوطالب يحكي أسرار رحلته المعجزة للجزيرة!

10 مايو 2025آخر تحديث :
من حافي القدمين في بني سيدال بالناظور إلى سدة حكم روتردام..ابوطالب يحكي أسرار رحلته المعجزة للجزيرة!


أريفينو.نت/خاص
في سرد مؤثر لرحلة حياة استثنائية، كشف السياسي الهولندي البارز ذو الأصول المغربية، أحمد أبو طالب، عن تفاصيل المسار الذي قاده من قرية نائية بإقليم الناظور، حيث الفقر المدقع وسقف الطين، إلى كرسي العمودية في روتردام، ثاني كبرى مدن هولندا النابضة بالحياة. هذه التفاصيل جاءت خلال حديثه لبرنامج “المقابلة” الذي بثته شاشة الجزيرة.
نشأة تحت سقف الطين.. وأحلام تجاوزت حدود “نقطة صغيرة على الخريطة”!
استعاد أبو طالب ذكريات طفولته في بلدة بني سيدال الريفية بإقليم الناظور، واصفاً إياها بحياة بسيطة في كنف بيت يفتقر لأبسط مقومات الحياة العصرية كالكهرباء والماء. وروى كيف كان يقطع المسافات إلى المدرسة حافي القدمين خلال أيام الشتاء القارسة، معتبراً قريته “نقطة صغيرة على خريطة العالم”. إلا أن هذا الواقع لم يحد من أحلامه الكبيرة التي بدأت تتشكل في وجدانه وهو يرى والده يهاجر صوب هولندا بحثاً عن لقمة العيش، بينما بقي هو في كنف والدته بالمغرب، يرقب بعين الطفل ذلك التناقض الصارخ بين الحرمان والسعي نحو الكرامة.


الأم وقود الطموح.. وقيمة العمل الجاد تُكتسب في حقول بني شيكر!
أكد أبو طالب أن والدته كانت مصدر إلهامه وقوته الأول، حيث أصرت على أن يستكمل تعليمه رغم قسوة الظروف المعيشية. فكان ينكب على دروسه المتواضعة بجانب دفء موقد النار، مستعيراً الكتب من أقاربه أو من المدرسة ليُشبع نهمه المبكر للمعرفة. وأضاف، في حديثه للجزيرة، أنه تعلم قيمة العمل الجاد في سن مبكرة، إذ اعتاد العمل في الحقول ومساعدة أسرته، مما غرس فيه مبادئ الاعتماد على النفس، وهي القيم التي شكلت زاده في رحلته اللاحقة إلى هولندا، حيث بدأت فصول جديدة من الكفاح الشخصي والتحديات.
هولندا.. لغة جديدة، مجتمع جديد، وإصرار يكسر الحواجز!
عند وصوله إلى هولندا في سن الخامسة عشرة، وجد أحمد أبو طالب نفسه أمام تحدي تعلم اللغة من الصفر والتأقلم مع مجتمع جديد يختلف كلياً عن محيطه الذي نشأ فيه بإقليم الناظور. لكن بفضل إصراره الصلب على التعلم وتفوقه الدراسي اللافت، تمكن من الاندماج سريعاً. وأشار إلى أن دراسته في المعهد الإسلامي بمدينة لاهاي شكلت نقطة تحول محورية في حياته، إذ أتاحت له الجمع بين العلوم الدينية والتعليم الهولندي الرسمي، وهو ما هيأه فيما بعد للعب دور الوسيط الثقافي بين الجاليتين المغربية والهولندية.
من بلاط الصحافة إلى دهاليز السياسة.. صوت المهاجرين يصدح!
خلال سنوات مراهقته، نما اهتمام أبو طالب بعالم الإعلام، فبدأ بكتابة المقالات في الصحف المحلية، ثم التحق بالعمل في إذاعة إسلامية تقدم برامج موجهة للمهاجرين. وهناك، برز صوته كمعلق اجتماعي ومثقف شاب قادر على التعبير عن هموم وقضايا مجتمعه بلغة هولندية واضحة ورصينة. وأوضح أن هذا العمل الإعلامي كان بمثابة الجسر الذي عبر به إلى عالم السياسة، حيث تلقى دعوة من حزب العمال الهولندي للمساهمة في تطوير سياسات الاندماج، وهناك أظهر كفاءة ملحوظة في صياغة المواقف والتواصل الفعال مع مختلف شرائح المجتمع الهولندي.
عمودية روتردام.. تتويج لمسيرة وتحديات جسام!
في عام 2004، تقلد أبو طالب أول منصب رسمي له كنائب لوزير التعليم والثقافة، ليصعد بعدها سلم المسؤولية ويتولى منصب عمدة مدينة روتردام، مسجلاً بذلك سابقة تاريخية كأول عمدة مسلم من أصل مهاجر يتقلد هذا المنصب الرفيع في تاريخ هولندا.


ويرى أبو طالب أن ما ميز تجربته الفريدة هو تمسكه القوي بهويته الإسلامية والمغربية دون أي مساومة، مؤكداً أن الانتماء المزدوج لا يتعارض إطلاقاً مع الولاء للمجتمع الذي احتضنه وفتح أمامه آفاق النجاح. وأكد أن منصب العمدة لم يكن مجرد شرف شخصي، بل مسؤولية جسيمة تجاه مدينة تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، موضحاً أنه انتهج منذ اليوم الأول سياسة تجمع بين الحزم والانفتاح. ولفت إلى أن اختياره للمنصب حمل رمزية قوية، حيث قوبل برفض من بعض الأحزاب اليمينية، لكنه استطاع أن يكسب ثقة السكان تدريجياً بفضل نزاهته واستقامته ووضوح رؤيته في مكافحة الفساد وتعزيز قيم التعايش.
مواجهة التطرف والدفاع عن الهوية.. رسالة إلى الأجيال!
تحدث أبو طالب، في حواره مع الجزيرة، عن التحديات الكبرى التي واجهها خلال فترة عموديته، من بينها أحداث العنف التي هزت المدينة بعد اغتيال المخرج تيو فان غوخ. وفي مواجهة ذلك، وقف بحزم ضد التطرف، وأطلق مبادرات متعددة لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات. وأكد أنه لم يتردد يوماً في انتقاد أي شكل من أشكال التمييز أو التحريض ضد المسلمين، لكنه في الوقت ذاته رفض رفضاً قاطعاً أي تبرير للعنف باسم الدين، داعياً إلى فهم الإسلام كقوة بناء للمجتمعات لا كأداة لهدمها.
وشدد على أن هويته المتعددة كانت دائماً مصدر قوة له لا ضعف، مشيراً إلى أنه كثيراً ما يستشهد بأحاديث نبوية وخطب إسلامية خلال خطاباته الرسمية، مما يعكس اعتزازه العميق بمرجعيته الدينية حتى وهو في قلب مؤسسة غربية.
ورغم النجاح السياسي الباهر الذي حققه، لم ينسَ أحمد أبو طالب جذوره الممتدة في أرض المغرب، فقد حافظ على علاقته الوثيقة ببلده الأم، ويداوم على زيارته، مؤكداً أن طفولته التي قضاها في قريته بإقليم الناظور هي التي شكلت وعيه الأخلاقي والاجتماعي الذي لازمه طوال مسيرته الحافلة.
واعتبر أن التجربة الهولندية في مجال دمج المهاجرين لا تزال بحاجة إلى مراجعة وتقييم، مشدداً على ضرورة تمكين الشباب المنحدرين من أصول مهاجرة، ومنحهم الفرص الحقيقية لتولي مواقع قيادية في المجتمع. وفي ختام حديثه، وجه أبو طالب رسالة ملهمة إلى الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين، حثهم فيها على الإيمان بقدراتهم على تحقيق النجاح، والعمل الجاد على الجمع بين الاعتزاز بأصولهم والانتماء الصادق للوطن الجديد، دون الوقوع في شرك الشعور بالذنب أو الحيرة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق