أريفينو /حسن المرابط
يقف ميناء الناظور غرب المتوسط، المشروع العملاق الذي يتخذ مكانه في خليج بطوية، ليكون بمثابة منارة أمل تعد بتغيير جذري في المشهد الاقتصادي لإقليم الناظور والجهة الشرقية بشكل عام.
يتجاوز الطموح مجرد إقامة بنية تحتية مينائية ضخمة يمكنها معالجة ملايين الحاويات وأطنان البضائع سنويًا، ليمتد إلى تأسيس نظام صناعي ولوجستي متكامل. يصاحبه وعد بتوفير ما يصل إلى 100 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة على المدى البعيد. وهذا العدد الكبير يثير تساؤلاً جوهريًا: هل تملك القوى العاملة المحلية في الناظور المهارات والكفاءات اللازمة لتلبية احتياجات هذه الوظائف المستقبلية، أم أن المنطقة على وشك مواجهة تحدي الفجوة المهارية الذي قد يحول دون الاستفادة القصوى من هذا الاستثمار الضخم؟
يهدف الميناء والمنطقة الحرة المجاورة إلى جذب صناعات حديثة ومتطورة، تُعرف بـ “المهن العالمية الجديدة للمغرب”. تشمل هذه القطاعات الواعدة صناعة السيارات، الأنشطة اللوجستية، الصناعات الميكانيكية، تخزين ومعالجة الهيدروكربونات (بما فيها الغاز الطبيعي المسال)، ترحيل الخدمات (Offshoring)، والطاقة المتجددة، خصوصًا ذات العلاقة بالرياح. تحتاج هذه الصناعات إلى مهارات تقنية خاصة، وقدرات إدارية ولوجستية عالية، وكفاءات في مجالات التكنولوجيا والهندسة. وهي مهارات قد لا تتوفر بشكل كافٍ حالياً في سوق العمل المحلي الذي يعتمد بشكل كبير على قطاعات تقليدية مثل الصيد البحري، الزراعة، والتجارة، بما في ذلك التجارة المرتبطة بمليلية.
تُظهر المؤشرات الاجتماعية في الإقليم تحديات قائمة، منها قلق الشباب بشأن المستقبل وفقدان الثقة في المؤسسات، مما يدفع بعضهم للتفكير في الهجرة. في هذا السياق، يصبح تأهيل الكفاءات المحلية ضرورة ليس فقط اقتصادية لضمان نجاح مشروع الميناء، بل أيضًا اجتماعية لإعادة الأمل وتوفير بدائل حقيقية للشباب. قد يؤدي الفشل في سد هذه الفجوة المحتملة في المهارات إلى الاعتماد المفرط على العمالة من خارج الإقليم أو حتى من الخارج، مما قد يحرم السكان المحليين من الفوائد المباشرة للمشروع وربما يثير توترات اجتماعية.
إقرأ ايضاً
وبناءً على ذلك، تبدو الحاجة ملحة لوضع استراتيجية استباقية لتنمية الموارد البشرية في الناظور. يتطلب ذلك تنسيقًا وثيقًا بين إدارة الميناء والمؤسسات التعليمية والمهنية والقطاع الخاص. يجب تصميم برامج تدريب وتأهيل تتوافق بدقة مع متطلبات الصناعات المستهدفة، مع التركيز على المهارات التقنية والرقمية واللغوية. كما ينبغي تعزيز الشراكات بين الشركات والمؤسسات التعليمية لضمان توافق التدريب مع احتياجات سوق العمل الذي سيخلقه الميناء.
يمثل مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط فرصة تاريخية للإقليم لتحقيق طفرة نوعية في التنمية. لكن ترجمة هذه الفرصة إلى واقع ملموس يفيد السكان المحليين يحتاج إلى استثمار متوازن في رأس المال البشري. إن جاهزية الكفاءات المحلية لاستيعاب الوظائف الجديدة هو التحدي الأساسي الذي سيحدد ما إذا كان الميناء سيصبح محركًا للتنمية الشاملة والمستدامة، أو مجرد بنية تحتية ضخمة يستفيد منها الآخرون بشكل أكبر. يتم بناء مستقبل الناظور الاقتصادي اليوم، ليس فقط بالخرسانة والفولاذ، بل أيضًا بتأهيل العقول والسواعد المحلية.
