يبدو أن الخلاف بين مهنيي اللحوم الحمراء بالمغرب لامس “وضعاً مقلقاً” بلغ حدّ “التشكيك” صراحةً في المعطيات التي تقدمها جمعيات مهنية، من قبيل الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز ANOC، التي قالت إن “القطيع الوطني متوفّر” قبل عيد الأضحى، مع أن تحذيرات ارتفعت وقتها بخصوص “مخاوف من لجوء الفقراء إلى أنثى الخروف، الأمر الذي يهدد القطيع الوطني”.
ولا تقبل الجمعية المهنية ANOC هذا التفسير وأثره في الارتفاع “الخيالي” في أسعار اللحوم الحمراء، معتبرةً أن “ذبح النعاج هو الذي كان ساريا منذ عقود طويلة بالمغرب”، مشددةً على أن “الخروف عادةً ما يتمّ ادخاره للعيد أو لذبحه في المناسبات المعروفة”، ومستبعدةً أيّ تراجع للقطيع الوطني الذي يقدره رئسيها عبد الرحمن مجدوبي في حدود 26 مليون رأس في المجمل.
من جهة أخرى، لم تستوعب الجمعية الوطنية لبائعي اللحوم الحمراء بالمغرب، في شخص رئيسها عبد العالي رامو، هذه المعطيات، معتبرةً أنها “مغالطات مكشوفة”، معلناً رفع سقف التحدي إن “استطاعت جمعية مربي الأغنام أن تكشف صراحة عن الأرقام الحقيقية للقطيع بما أن نحو 40 في المائة من المغاربة لم يجدوا أضحية خلال عيد الأضحى الأخير؛ ونحن اليوم ندفع الثمن غاليّا بسبب هذه الفوضى”.
“قطيع بخير؟”
قال عبد الرحمن مجدوبي، إن “استنزاف الأبقار جعل الإقبال يرتفع أكثر على الأغنام في المغرب”، معتبراً أن ارتفاع الأسعار المخيف في الأسواق “يعود بشكل أساسي إلى الجزار والموزعين والمهنيين وليس ‘الكساب’”، الذي، وفقه، “لا دخل له في هذه المسألة، فهو يخرج نحو السوق ويحاول بيع القطيع المتوفر لديه؛ ولهذا نلاحظ أن الموجه للذبح حاليا هو القطيع الذي جرى استيراده لتعزيز العرض خلال عيد الأضحى”.
وتفاعلاً مع سؤال “هل نحن بالفعل أمام خصاص مهول في اللحوم بالنظر إلى اللجوء إلى ذبح النعاج بعد الجائحة؟” لفت المتحدث عينه إلى أنه طيلة 30 سنة التي قضاها في المجال كانت المجازر على طول السنة تقدم لحم النعاج، “ما يعني أن هذه الفرضية ليست صحيحة، مع أنها مطروحة ونسمعها مراراً بكونها لديها دور في هذه الأسعار”، مسجلاً أن “المهنيين يدركون أهمية الخروف الذكر ومن ثمّ يتم تخصيصه لعيد الأضحى”.
وزاد المتحدث ذاته: “أنا كمهني مثلاً إذا ذهبت عند الجزار وعلمت أن اللحوم تخصّ ذكراً من الماشية فلن أشتريها، لكوني أعرف أن الأنثى هي المنتشرة، وأن ذبح ذكر يعود إلى مشكل صحي يعاني منه كان يتطلب نحره والاستفادة منه”، وأورد شارحاً: “بهذا المعنى الاستنزاف ليس مطروحاً والقطيع بخير. و’الكسّاب’ لا يستطيع بيع نعاج تستطيع تعزيز إنتاج العرض الوطني، فالأمر يتمّ النظر إليه بيراغماتية عالية”.
“مغالطات مكشوفة”
عبد العالي رامو، عن الجمعية الوطنية لبائعي اللحوم الحمراء بالمغرب، أشار إلى أن “القول بتوفر القطيع بشكل كاف هو تكريس لمغالطات مكشوفة، فليس معقولاً أن يكون العرض وفيراً ويكون السعر خياليا ومخيفاً إلى هذا الحدّ الذي وصلت إليه اللحوم الحمراء”، مضيفا: “نريد أن نعرف الحقيقة وأن نكفّ عن الضحك على الناس، فنحن نعرف أنه في سنة معينة من السنوات الأخيرة جرى ترقيم حتى القطط من أجل الرفع من عدد القطيع”، وهي المعلومة التي يقول إنه يتحمل مسؤوليتها.
وأورد المهني ذاته متفاعلاً مع سؤال بخصوص استمرار ارتفاع الأثمان، وهل يعني فشل جميع مخططات الحكومة ووزارة الفلاحة: “نحن نجني ثماراً سيئة لمخطط المغرب الأخضر الذي تسبب في كل هذا الوضع المأساوي”، مستدعياً أثر “المقاطعة التي شملت إحدى شركات إنتاج الحليب قبل سنوات”، وقال: “المقاطعة كانت بمثابة ضربة قاضية لقطيع الأبقار، الذي لا يوجد له اليوم حضور مثلما كان في الماضي”.
وأبرز المتحدث ذاته أنه “لا يمكن القول إن هناك قطيعا متوفرا بشكل يستطيع تغطية حاجياتنا الوطنية ونحن نعاين العديد من محلات الجزارة لا تتوفر على لحوم حتى الآن”، موضحا أنه “في الدار البيضاء بكاملها لا تتوفر اليوم 800 رأس من الأغنام، في وقت كانت تصل إلى 2000 أو 2400 رأس في اليوم”، وتساءل: “أين هي هذه الأغنام المتوفرة بكثرة؟ وهل فعلا كل القطيع بخير؟”، منتقلاً إلى الأبقار التي “تصل اليوم إلى 160 بعدما كانت تصل 500 أو 600 رأس في اليوم”، وفق تعبيره.