يشكل الهدر الغذائي آفة خطيرة بالمغرب، في ظل اضطراب التزود في الأسواق بالمواد الغذائية وارتفاع معدل التضخم الذي يهدد بمفاقمة كلفة هذه الظاهرة الاستهلاكية، حيث تشير أرقام منظمة الزراعة والأغذية العالمية “فاو” إلى تزايد نسبة الهدر خلال رمضان الذي يمثل ذروة الاستهلاك بين شهور السنة، ليصل إلى 84.8 في المائة.
ويرتبط هذا السلوك المثير للقلق بشكل كبير بعادات الاستهلاك لدى الأسر، التي تشتري غالبا كميات كثيرة من المواد الغذائية تفوق حاجتها؛ ما يؤدي، حسب المصدر نفسه، إلى التخلص مما يعادل 600 درهم من الأغذية في القمامة، حيث يؤدي المستهلك بدرجة أولى هذه الفاتورة، ويؤثر بشكل سلبي على دورة الإنتاج والتوزيع، وكذا التسعير بالأسواق.
كلفة مقلقة
إذا كان الصيام يفيد في مفهومه الامتناع عن الشرب وشهوتي البطن والفرج، في سعي نحو الارتقاء الروحي، فإنه أيضا في أهم مقاصده يستهدف تعزيز التضامن مع الفقراء والمعوزين والإحساس بمعاناتهم؛ وهو الأمر الذي يتعارض مع موجة الهدر الغذائي التي يشهدها شهر رمضان، حيث تتحفز الغرائز الاستهلاكية إلى مستويات غير مسبوقة.
بالنسبة إلى إسماعيل إدريسي القيطوني، خبير اقتصادي وباحث في سلوك المستهلك، فظاهرة الهدر الغذائي تمثل كلفة مقلقة بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، فبعيدا عن تحفيز الاستهلاك للطلب، فإن القدرة الشرائية للأسر تتأثر سلبا بارتفاع حجم الانفاق على الاستهلاك، خصوصا في ظل الظرفية الراهنة التي تتسم باضطراب في توفير مجموعة من المواد الغذائية بالأسواق، وارتفاع أسعارها بفعل التضخم الحالي.
وأوضح إدريسي القيطوني، في هذا الباب، أن معدل الاستهلاك خلال الشهر الفضيل يقفز بنسبة 50 في المائة مقارنة مع باقي فترات السنة؛ ما يحول هذا الشهر إلى مناسبة مهمة ضمن الأجندة التجارية، خصوصا لدى البنوك التي تراهن على تحفيز طلب القروض الاستهلاكية، حتى في ظل الظرفية الحالية التي تتسم بارتفاع كلفة الاقتراض وتطور معدلات الفائدة، ما يمثل بالتالي فاتورة إضافية تتحملها الأسر، غير القادرة على تمويل استهلاكها بما يتوفر لديها من مداخيل.
إقرأ ايضاً
اختلالات استهلاكية
يشهد رمضان تغيرا مهما في عادات الاستهلاك لدى الأسر، وهو الواقع الذي تؤكده الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، حيث تشير إلى أن الوقت الذي تقضيه الأسر في التسوق يرتفع بحوالي 45 دقيقة، مقارنة بفترات أخرى من السنة؛ وهو الوضع الذي يشكل خللا في السلوك الاستهلاكي للأسر، التي ترمي كل واحدة منها 600 درهم في القمامة خلال الفترة المذكورة.
ومن جهته، يتساءل جمال الدين بنيوب، باحث في علم النفس الاجتماعي، حول اعتبار المبالغ المهدورة من قبل كل أسرة خلال رمضان إشارة إلى التحول نحو “مجتمع استهلاكي”، وفق المفهوم النيو ليبيرالي الحديث؟، مؤكدا أن الشهر الفضيل أصبح فرصة جيدة للبيع بشكل أفضل وتحفيز الأفراد على استهلاك المزيد، ليصبح موعدا مهما في جداول التسويق للعلامات التجارية الكبيرة، وخاصة في صناعة الأغذية.
وأضاف بنيوب أن المستهلك أصبح يجد نفسه محاصرا في هذه المرحلة الاستهلاكية؛ بينما يحاول، من خلال صيام شهر رمضان، الذي يمثل ممارسة دينية وروحانية، تجاوز غرائزه، وبالتالي يرى أن مستوى استهلاكه يتزايد بشكل مستمر، في شكل مشتريات وأفعال اندفاعية، يمكن تبريرها أساسا بالجوع، الذي يثير عادة سلوكيات شراء اندفاعية لدى المستهلك؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى هدر غذائي يُقدر بنحو 91 كيلوغراما للشخص سنويا، وفق إحصائيات منظمة الزراعة والأغذية العالمية.
يشار إلى أن المغرب يعاني شأنه شأن دول عربية أخرى من ارتفاع في معدلات الإنفاق على الطعام؛ فحسب إحصائية حديثة، جاءت الكويت والإمارات وقطر وعمان والسعودية في مقدمة الدول العربية التي شهدت أعلى معدلات إنفاق على التغذية من جانب الأسر شهريا

عذراً التعليقات مغلقة