تحدثت تقارير إعلامية في الآونة الأخيرة عن وجود محاولات لتحقيق تقارب في العلاقات المغربية الإيرانية، على شاكلة التقارب السعودي الإيراني الأخير، ينهي سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين بسبب اتهام الرباط طهران بدعم ميليشيا البوليساريو الانفصالية عسكريًا عن طريق وكيلها في الأراضي اللبنانية “حزب الله”؛ إذ سبق لوزير الخارجية الإيراني الأسبق، حسين أمير عبد اللهيان، الذي قضى في حادثة “طائرة رئيسي”، أن عبر عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع المغرب، وهو ما يثير تساؤلات حول جدية هذا التقارب المحتمل بين الرباط وطهران، وحول مدى نضج شروطه السياسية وأبعاده الاستراتيجية على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في هذا الصدد، يؤكد باحثون في الشأن الدولي أن التطبيع الإيراني المغربي رهين بمجموعة من المحددات والشروط، ولا يمكن أن يمر إلا عبر بوابة الصحراء التي يعتبر المغرب ملفها خطًا أحمر، خاصة في ظل الدعم الإيراني لمشروع الانفصال في الأقاليم الجنوبية للمملكة، في وقت تسعى فيه الرباط إلى الحفاظ على سيادتها الترابية وتحصين أمنها القومي واستقرارها الروحي في مواجهة المد الشيعي، والحفاظ أيضًا على العلاقات التي تربطها بمجموعة من الدول الحليفة لها في المنطقة.
وسجل الباحثون الذين تحدثوا حول الموضوع أن طبيعة المقاربات المغربية تجاه العديد من الملفات تتعارض مع طبيعة السياسة الإيرانية، ما يجعل التقارب بين البلدين أمرًا مستبعدًا على الأقل في السياق الحالي. ذلك أن استئناف العلاقات بين الرباط وطهران يتجاوز مجرد النوايا الدبلوماسية ليشمل حسابات استراتيجية معقدة مرتبطة بقضايا مصيرية بالنسبة للمغرب وبالتأثيرات المحتملة لأي خطوة في هذا الاتجاه على الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا.
عقيدة واضحة
قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “الحديث عن تقارب دبلوماسي مغربي-إيراني أمر مستبعد على المستوى القريب والمتوسط على الأقل، فلا توجد حاليًا نقاط توافق مشتركة يمكن أن يعتمد عليها الطرفان لإطلاق حوار سياسي ينهي عقودًا من التجاذبات الدبلوماسية والتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي المغربي التي انتهت بالقطيعة التامة كقرار استراتيجي مغربي لوقف الأجندة الإيرانية التخريبية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط”.
وأوضح البراق أن “المملكة المغربية في إطار عقيدتها الدبلوماسية واضحة المعالم والملتزمة بالقانون الدولي وبسيادة الدول وباستقلالية قرارها السياسي، لا يمكن أن تقبل بتعاون سياسي مع نظام يبني عقيدته الدبلوماسية على إفشال الدول واستراتيجية “تصدير الثورة” وتسليح وتدريب وتمويل الميليشيات المسلحة لإحداث فراغات أمنية تساعد نظام الملالي في طهران على تحقيق التوسع العسكري والهيمنة الجيو-سياسية كما حدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن وقطاع غزة، حيث تحولت هذه البلدان إلى خطوط دفاعية تستخدمها طهران لحماية وتأمين البر الإيراني وإبعاد المواجهات العسكرية عنه”.
وتابع الخبير ذاته بأن “المغرب لديه ثوابت أساسية تحدد سلوكه الدبلوماسي مع محيطه الإقليمي والدولي، حيث يعتبر الصحراء المغربية خطًا أحمر لا يقبل التفاوض عليه أو محاولة أي طرف ابتزازه بها. وبالتالي، فإن طهران قبل كل شيء مدعوة إلى العمل على اتخاذ خطوات جدية وملموسة تتضمن وقف كل أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي لميليشيا البوليساريو الإرهابية في مختلف الهيئات الدولية والقارية، ووقف كل أشكال التنسيق بين حزب الله، ذراع الحرس الثوري، وميليشيا البوليساريو عن طريق إلغاء عقود التدريب العسكري وتوريد السلاح التي تورطت فيها ميليشيات حزب الله”.
وبيّن أن “السياسات الخارجية الإيرانية الحالية تتعارض بشكل كلي مع المقاربة المغربية الشاملة لتحقيق الأمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي. وعليه، فإن الحديث عن تقارب دبلوماسي محتمل بين الرباط وطهران يظل أمرًا مستبعدًا في ظل إصرار النظام الإيراني على دعم المشاريع الانفصالية والإرهابية في شمال إفريقيا، وبشكل خاص تنظيم البوليساريو عن طريق تسخين جبهات المواجهة الممكنة أمامها بتهديد الاستقرار الإقليمي وفتح المجال السيادي الجزائري ليصبح عمقًا جيو-سياسيًا لمخططات الحرس الثوري في المنطقة”.
إقرأ ايضاً
وختم البراق بالقول: “الدبلوماسية المغربية لديها تقدير موقف واضح ومتماسك ومنطقي لتطور الأحداث في الشرق الأوسط، خاصة المرتبطة منها بتطبيع العلاقات الإيرانية مع دول الجوار وانعكاساتها على القضايا الإقليمية الكبرى وتأثير استراتيجية تبريد الأزمات التي تنتهجها السياسة الإيرانية في العالم العربي. وعلى هذا الأساس، فإن أي قرار سياسي مغربي في هذا الإطار سيتم في الوقت المناسب بشكل يخدم المصالح العليا للشعب المغربي والأمن القومي للوطن بأبعاده المتعددة”.
شروط مغربية
أورد جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “الحديث عن وجود مشاورات من أجل بحث إمكانية استئناف أو عودة العلاقات المغربية-الإيرانية، يأتي في سياق متغيرات دولية وإقليمية عديدة. فمن جهة، يسعى المغرب إلى تعزيز مكانته كفاعل دبلوماسي مرن وقادر على بناء شراكات متجددة تخدم مصالحه الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، تبحث إيران عن توسيع شبكة علاقاتها الدولية في ظل العزلة التي تواجهها بسبب العقوبات الغربية، من خلال الاستفادة من دور المغرب ومكانته في شمال إفريقيا وعلاقاته المتميزة مع الكثير من الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا”.
وأضاف القسمي أن “هذا التقارب المحتمل يمكن ربطه كذلك بتغير الديناميكيات الإقليمية، بما في ذلك تطبيع العلاقات بين إيران وبعض الدول العربية، والتحولات الجيو-سياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي قد تدفع كلا الطرفين إلى إعادة تقييم مواقفه الاستراتيجية، عملاً بمقولة: لا عدو دائم ولا صديق دائم، التي تعد من أهم مبادئ الواقعية السياسية التي تشير إلى كون العلاقات الدولية تتغير باستمرار بناء على المصالح المتغيرة للدول”.
وأكد المصرح أن “طبيعة العلاقات المغربية الإيرانية المستقبلية تحددها ثلاثة إلى أربعة محددات رئيسية. أول وأهم محدد هو السيادة المغربية على الصحراء، إذ لطالما أبدى المغرب حساسية من الدعم الإيراني لجبهة البوليساريو، وهو ما يعتبره تدخلًا في شؤونه الداخلية”، مضيفًا أن “المحدد الثاني يتعلق بالبعد المذهبي والديني، حيث اختلاف العقائد والمذاهب بين البلدين، وموقف المغرب الصارم ضد أي محاولات إيرانية لنشر التشيع داخل البلاد”.
أما المحدد الثالث، يسجل القسمي، فيتعلق بـ”التحالفات الإقليمية والدولية للبلدين. فلكل بلد تحالفاته الخاصة به، فعلاقات المغرب مثلًا مع دول الخليج وتحالفه الوثيق مع كل من السعودية والإمارات تلعب دورًا هامًا في تحديد طبيعة العلاقات مع إيران”.
وخلص تبعًا لذلك إلى أن “أي تقارب وعودة للعلاقات بين المغرب وإيران رهين بمدى الاستجابة للشروط المغربية التي سببت القطيعة بين البلدين، وعلى رأسها توقف إيران عن أي دعم مباشر أو غير مباشر لجبهة البوليساريو، مع ضمانات إيرانية بعدم التدخل الديني في المغرب وعدم القيام بأي أنشطة مذهبية فيه، مع تأكد الرباط طبعًا أن أي تحسن في علاقاتها مع إيران لن يؤثر على علاقاتها مع حلفائها الخليجيين وشركائها الغربيين”.