أريفينو : متابعة / 30 شتنبر 2024.
بعد انتهاء عملية مرحبا وعودة مغاربة العالم إلى بلدان إقامتهم، لا بد من طرح بعض المشكلات التي واجهتهم خلال زيارتهم للوطن الأم صيف هذا العام، وهي فرصة أيضًا لإلقاء نظرة على السياسات العمومية تجاه مغاربة العالم، وعرض بعض الاقتراحات.
حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يُقدَّر إجمالي مغاربة المهجر بين 6 و 6.5 مليون شخص، موزعين على أكثر من 100 بلد في العالم، ولهم دور بارز في تنمية المغرب؛ وذلك في المقام الأول بفضل تحويلاتهم المالية، واستثماراتهم، والدعم الاقتصادي الذي يقدمونه لعائلاتهم، وبمساهمتهم في انتعاش القطاع السياحي المغربي. ثم إنهم أيضًا سفراء المغرب في بلدان إقامتهم، يدافعون عن وحدته الترابية وعن مصالحه الكبرى.
من بين العقبات التي عكرت صفو جاليتنا المغربية خلال زيارتها للمغرب صيف هذا العام، والتي لا ينبغي التغاضي عنها:
– عملية الدخول والخروج إلى ومن أرض الوطن، عبر نقط العبور في باب سبتة وباب مليلية، التي مرت بمشاكل الاكتظاظ والانتظار الطويل في ظروف لا يعلمها إلا الله ومن عاناها.
– أسعار تذاكر السفر، التي ارتفعت بشكل مهول خلال موسم الذروة، وهذا يتكرر كل صيف. صحيح أن الأزمات الدولية والتقلبات التي يعرفها العالم خلال المدّة الأخيرة ساهمت في ذلك، إلا أن محدودية العرض وجشع بعض شركات النقل البحري والجوي، مع غياب الرقابة من لدن الجهات المختصة، كان لهم أيضًا يد في ذلك.
– الغلاء والزيادات اللامعقولة في أسعار الفنادق والإقامات والمطاعم، التي أصبحت تضاهي أو تتجاوز أسعار الوجهات السياحية الأوروبية ذائعة الصيت.
– المشاكل الإدارية الناجمة عن العطلة القضائية التي تمس بقوة قضايا مغاربة العالم، الذين غالبًا ما يعولون على عطلهم الصيفية لمعالجة ملفاتهم العالقة بالمحاكم المغربية.
إذا ألقينا نظرة على السياسات العمومية تجاه مغاربة المهجر خلال الربع قرن الأخير، نجد فترة أولى جدّ نشطة امتدت من بداية حكم جلالة الملك محمد السادس إلى غاية 2011، حققت فيها إنجازات جدّ هامة، منها:
– إقرار 10 غشت يومًا وطنيًا للجالية المغربية بالخارج، وكان ذلك سنة 2003، ويعد مناسبة للوقوف على أهم الإنجازات وتطلعات مغاربة العالم.
– إنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2007، كمؤسسة استشارية واستشرافية تعنى بقضايا المغاربة عبر العالم وترافع عن مصالح الجالية أمام المؤسسات المغربية.
– إنشاء المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة سنة 2008، الذي من بين مهامه مرافقة الجالية المغربية المسلمة في أوروبا والسهر على حسن أدائها لفرائضها الدينية وسط المجتمعات الأوروبية، وترشيد سلوك تدينهم على نهج الوسطية والاعتدال.
– إدراج حقوق هامة للمغاربة المقيمين خارج الوطن في دستور 2011، خاصة من خلال الفصول 16 و17 و18 و163، التي منحت المغاربة المقيمين في الخارج حقوق المواطنة الكاملة التي تمكنهم من المشاركة السياسية والانضمام إلى الهيئات التمثيلية وهيئات صنع القرار.
– الدور الفعال الذي قامت وتقوم به مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، منذ نشأتها سنة 1990 من طرف المغفور له الملك الحسن الثاني، في الحفاظ على اللغة والثقافة المغربية لدى الجالية المغربية بالخارج.
ثم تلتها فترة ثانية امتدت من حكومة بنكيران الأولى إلى يومنا هذا، تميزت بتراجع ملحوظ في اهتمام الحكومات المتعاقبة بالمغاربة المقيمين في الخارج، حيث أصبحت السياسات العامة تجاههم أكثر ظرفية واستثنائية، لم ترقَ – للأسف الشديد – إلى مستوى توقعات وطموحات هذه الجالية، بالرغم من التراكمات الإيجابية الناتجة عن العناية الملكية الكبيرة بمغاربة العالم منذ بداية حكمه.
لقد مرت سنتان على خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب (2022)، والذي تضمن ورقة طريق يمكن أن تجيب عن انتظارات مغاربة العالم، والحكومة لم تتعامل بالجدية اللازمة.
ونحن على مشارف افتتاح السنة التشريعية 2024-2025، ولحفظ ماء الوجه، على الحكومة المغربية ترك الشعارات الموسمية جانبًا، ووجب عليها الاهتمام بالجالية المغربية بالخارج قولًا وفعلًا.
وهنا بعض النقاط التي أتمنى أن تجد عند الحكومة المغربية آذانًا مصغية:
– ليكن اليوم الوطني لمغاربة العالم مناسبة “كشف حساب” عن المنجزات ونجاعة أداء المؤسسات والهيئات المسؤولة عن تسيير ملف مغاربة العالم خلال تلك السنة.
– تنزيل فصول دستور 2011، المقرة بحقوق مغاربة العالم في المواطنة الكاملة، حيث إن قوانينها التنظيمية لم ترَ النور بعد، وهذا الوضع سبب قلقًا لدى الجالية المغربية بالخارج، وجعلها تشعر بالتهميش.
– تشجيع استثمارات مغاربة العالم، لترقى نوعًا وكمًا، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل الصناعة والسياحة والتعليم. وقد تدعو الحاجة إلى وجود وكلاء اقتصاديين في القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية، مهمتهم جذب المستثمرين، سواء من الجالية المغربية أو من خارجها، وإرشادهم بشأن الإجراءات الإدارية المتعلقة بالاستثمار في المغرب، ومرافقة مشاريعهم خلال مدة التأسيس. وللإشارة، لدى مغاربة العالم رغبة عارمة في المساهمة في تنمية وطنهم الأم.
– تعبئة كفاءات مغاربة العالم، خاصة ذوي المؤهلات العالية والموهوبين، لنقل المعرفة والتكنولوجيا وإشراكهم في المشروعات الكبرى المفتوحة التي أطلقتها المملكة المغربية. دول كثيرة خاضت التجربة بنجاح، ويجب الاستفادة منها، مثل الصين والهند وتايوان وجنوب إفريقيا.
فيما يخص المؤسسات المسؤولة عن ملف الجالية المغربية بالخارج:
– ضرورة تكييف الموارد المالية والبشرية لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج بما يتناسب مع نمو عدد مغاربة العالم، ثم تركيز الاهتمام على الأجيال الصاعدة، التي تحتاج إلى نهج أكثر تكريسًا وتحديدًا لضمان نقل الهوية المغربية إلى الأجيال القادمة وتمتين عرى انتمائها للوطن الأم. من الممكن تعزيز دور هذه المؤسسة من خلال دعم المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال بواسطة التكوين وتمويل مشاريعهم، في إطار تنافسي بقدر وافر من الدقة والشفافية.
– بالنسبة لمجلس الجالية المغربية بالخارج، فبالرغم من كل المشاكل التي عاناها، إلا أنه لعب دورًا مهمًا في إثراء المكتبة الوطنية بمئات الدراسات حول مغاربة العالم، واستطاع أن يحيط بمختلف القضايا الكبرى التي تطرحها الهجرة المغربية، بالإضافة إلى تسليط الأضواء على الكفاءات المغربية عبر العالم في مختلف المجالات. مع أن الظهير التأسيسي للمجلس يقضي بأن يتم تجديد أعضائه كل أربع سنوات، إلا أنه ما يزال مجمدًا في نسخته الأولى بعد مضي 17 سنة على إنشائه، لذا قد حان وقت نفض الغبار عنه وتجديده، وتمكينه بالترسانة القانونية والموارد البشرية والمالية، ليلعب دوره المنشود.
– إنشاء وكالة مستقلة أو وزارة سيادية خاصة بمغاربة العالم، غير معتمدة على أجندات سياسية لأي حزب، حاملة على عاتقها قيادة وتطوير سياسات مستدامة تستجيب بشكل شامل للاحتياجات الخاصة للمغتربين المغاربة، وتتجاوز المقاربات الظرفية التي تتميز بها حاليًا، بالتنسيق مع الهيئات الأخرى المتخصصة، يتولاها من يمتلك دراية واسعة في شؤون الهجرة المتعددة الأبعاد.
الدكتور الحسن بلعربي :