تحليل إخباري: هدوء يسبق العاصفة.. لماذا لم يمتلئ الناظور بمهاجريه رغم تجاوزنا منتصف يوليوز؟
أريفينو.نت/خاص
مع انتصاف شهر يوليوز، الذي كان يُعتبر تقليدياً بداية ذروة الموسم الصيفي وعودة أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، تشهد منطقة الناظور وضواحيها وتيرة عودة أبطأ من المعتاد. هذا الهدوء الملحوظ يثير تساؤلات في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية بالمدينة، التي يعتمد جزء كبير من حيويتها الصيفية على تدفق أبنائها المهاجرين. لكن نظرة تحليلية أعمق تكشف أن هذا التغير ليس بالضرورة مؤشراً سلبياً، بل هو انعكاس لتحولات عميقة في عادات السفر والتطلعات السياحية لأجيال جديدة من المهاجرين.
توقيت العطلة المدرسية لم يعد العامل الحاسم الوحيد
تقليدياً، كان انتهاء الموسم الدراسي في معظم الدول الأوروبية في منتصف شهر يوليوز بمثابة طلقة البداية لرحلة العودة الجماعية. ورغم أن هذا العامل لا يزال مؤثراً، إلا أنه لم يعد السبب الأوحد الذي يحدد توقيت العطلة. العديد من العائلات، وبعد انتهاء التزامات أبنائها المدرسية مباشرة، أصبحت تفضل استهلال عطلتها بوجهات أوروبية أخرى، خاصة في إسبانيا القريبة جغرافياً وثقافياً، قبل شد الرحال إلى أرض الوطن.
الجيل الجديد يغير بوصلة السياحة: الناظور محطة ضمن رحلة أوسع
أحد أبرز الأسباب الكامنة وراء هذا التغير يكمن في اختلاف أولويات الأجيال الجديدة، خاصة الجيلين الثالث والرابع. هؤلاء الشباب، الذين نشأوا في بيئة أوروبية، لم تعد تربطهم بالناظور علاقة الحنين الخالصة التي ميزت آباءهم وأجدادهم. أصبحت تطلعاتهم سياحية بالدرجة الأولى، حيث يبحثون عن تجارب متنوعة ومرافق ترفيهية حديثة. وفي ظل افتقار منطقة الناظور لمقومات سياحية متكاملة تتجاوز الشواطئ والمطاعم التقليدية، يختار عدد متزايد من الشباب وعائلاتهم تقسيم عطلتهم الصيفية. فأصبحت الوجهات السياحية المغربية الأخرى كطنجة، تطوان، ومراكش، أو حتى المنتجعات الإسبانية، جزءاً لا يتجزأ من برنامجهم الصيفي، ليصبح الناظور محطة لصلة الرحم ورؤية الأهل أكثر منه وجهة سياحية متكاملة.
ثورة الطيران منخفض التكلفة: زيارات متفرقة على مدار العام
لعب انخفاض أسعار تذاكر الطيران دوراً محورياً في تغيير نمط العطلة السنوية. لم تعد “عطلة الصيف” هي الفرصة الوحيدة لزيارة المغرب. أعداد كبيرة من العائلات المهاجرة، بفضل الرحلات الجوية الرخيصة والمباشرة إلى مطار الناظور-العروي، أصبحت قادرة على زيارة المنطقة عدة مرات في السنة خلال العطل القصيرة (عطلة الربيع، الخريف، ونهاية الأسبوع الطويلة). هذا التوزيع للزيارات على مدار السنة خفف من ضغط “العودة الكبرى” في فصل الصيف، وجعل من يوليوز شهراً أقل ازدحاماً مما كان عليه في السابق.
شهر غشت: الموعد المفضل للقاء العائلي الموسع
تشير كل التوقعات، بناءً على تجارب السنوات القليلة الماضية، إلى أن شهر غشت سيشهد الذروة الحقيقية لموسم عودة المهاجرين. والسبب اجتماعي بالدرجة الأولى؛ حيث تفضل غالبية العائلات، القادمة من بلدان أوروبية مختلفة كهولندا، بلجيكا، ألمانيا، وفرنسا، تنسيق عطلها في هذا الشهر لضمان لقاء أكبر عدد ممكن من الأقارب والأصدقاء. شهر غشت تحول إلى ملتقى سنوي كبير للجالية، وهو ما يفسر تفضيل الكثيرين تأجيل عودتهم إلى هذا الشهر لضمان الاستفادة القصوى من التجمعات العائلية.
دعوة للتأقلم: اقتصاد الناظور أمام تحدي استقطاب السياحة الداخلية
هذه التحولات الجديدة تضع اقتصاد الخدمات المحلي في الناظور أمام تحدٍ كبير وضرورة حتمية للتأقلم. الاعتماد الكلي على شهر واحد (غشت) لتحقيق الأرباح لم يعد استراتيجية مستدامة. يجب على الفاعلين المحليين، من أصحاب فنادق ومطاعم ومحلات تجارية، العمل بجدية أكبر على تطوير منتجات سياحية قادرة على جذب السياح على مدار السنة. ويبرز هنا دور السياحة الداخلية كرافد أساسي لتعويض النقص المسجل في فترات معينة. إن استقطاب المواطنين من مدن مغربية أخرى عبر توفير بنية تحتية ترفيهية وثقافية متنوعة، وتنظيم مهرجانات وأنشطة جاذبة، هو السبيل الوحيد لضمان حيوية اقتصادية مستمرة للمنطقة وعدم البقاء رهينة للتغيرات العميقة في عادات الجالية المقيمة بالخارج.