سلسلة حوار : أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد” الحلقة الحادية عشرة مع الدكتور فريد بوجيدة

أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد “
الحلقة الحادية عشرة من سلسلة ” مع الناقد ” مع الدكتور فريد بوجيدة.
السلام عليكم دكتور: فريد بوجيدة.
أولا أرحب بكم، وأشكركم على تفضلكم بالإجابة عن أسئلتي.
1 ـ ليكن أول سؤال، من هو فريد بوجيدة؟
جواب:
ــ أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الأول بمدينة وجدة ، المدينة التي احتضنت طفولتي، وفيها درست وترعرعت وتكونت مداركي الأولى، و مارست فيها هواياتي الأولى، ونشاطي الجمعوي المبكر، و بمدينة فاس وبالضبط بجامعتها العريقة طورت معارفي وثقافتي السياسية والفنية . اعتبر نفسي فاعلا جمعويا ومهتما بمجال الصورة والسينما، وباحثا سوسيولوجيا راصدا للتحولات الاجتماعية والثقافية ، وكان لي في هذه المجالات حضورا و بعض الكتب مثل “الثقافة والسياسة: قراءة في المسار الفكري للفعل الثقافي” ، و”السينما والثقافة الشعبية” ، و”الصورة والمجتمع: من المحاكاة إلى السينما “، و ” التحولات الاجتماعية والثقافية في المغرب من خلال السينما ” و الكتاب الذي كان من المفترض أن يصدر وهو ” أعطاب السينما المغربية ” .
سؤال:
2 ـ هل النقد السينمائي بدأ معكم كهواية كما يقع مع جميع أنواع الإبداع الأخرى؟ أم أن فريد بوجيدة كان مهيئا من البدء لذلك، وكانت رؤيته للإنتاج السينمائي من زاوية خاصة تختلف عن المشاهد العادي؟
جواب:
إن علاقتي بالسينما بدأت من الحي الذي عشت فيه طفولتي وشبابي، إذ كان هذا الحي محاطا بثلاث قاعات سينمائية، وكان أطفال الحي مسكونين بالفرجة ، في ظل فضاءات احتفالية مثل الملعب البلدي ، وساحة سيدي عبد الوهاب ، و كانت القاعات السينمائية جزء من الطفولة ، هذا على مستوى الشغف الأول، أما الكتابة النقدية فممارستي لها لم تكن صدفة، أنا من خريجي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية ، التي قطعت فيها أشواطا ، (من تلميذ إلى مؤطر) ، كما خضت في هذه “المؤسسة” جميع التجارب الفنية ، بداية من تعلم المشاهدة ، إلى كيفية صناعة الفيلم ، مرورا بالورشات التقنية والدروس السينمائية ، واللقاءات الفكرية ، وجميع أوجه الثقافة السينيفيلية. أعتبر نفسي محظوظا لأنه كان لي احتكاك مبكر بسينمائيين كبار من جنسيات مختلفة سواء كانوا مخرجين أو نقاد أو فنانين…تعلمت منهم ما لم يتعلمه الآن طالب في معهد متخصص . أستحضر هذا الجانب للتأكيد على أنّ الصدفة لا يمكن لها أن تنتج ناقدا ، خاصة أننا بصدد مجال تلعب فيه المخيلة دورا كبيرا، كما أن الدراسة والتعلم عاملان أساسيان مع تطور العلوم الإنسانية وتنوع المناهج وطرق القراءة، وتعدد الرؤى والتصورات، تماشيا مع التقدم الملموس لتكنولوجيا الصورة وطرق التواصل. أريد أن أقول ، إنّ مساري في الأندية السينمائية كما في الدراسة المنظمة استثمرت فيهما عشقي للسينما والإطلاع على مدارسها خاصة الطليعية منها، وكذلك ما وفرته سيميولوجيا الصورة من أدوات لإعطاء فعل القراءة نضجا من خلال تناول المادة المرئية وأيضا من خلال الكتابات التي اهتمت بالعلامات المرئية بشكل عام مثل كتابات رولان بارت وجوليان كريماس، أو تلك التي اهتمت بتفكيك الصورة السينمائية مثل كتابات كريستيان ميتز، أو تجربة مجلة ” دفاتر السينما” في اعتبارها أن السينما تفترض شكلا آخر من النقد يستجيب لخصوصياتها، لأنها لغة لها منطقها وبلاغتها، فكانت الأفلام مجالا للقراءة بالمعنى الواسع، أي قراءة الحوار ، والضوء واللون والحركة والموسيقى…إلخ
سؤال:
3 ـ من موقعكم كناقد سينمائي كيف ترون مستقبل السينما المغربية مقارنة بالإنتاج السينمائي العربي ؟
جواب:
إذا استثنينا السينما المصرية وإلى حد ما السينما المغاربية، لا يمكن أن نتحدث عن السينما العربية ، لان العربية كصفة للسينما كانت مقرونة بالسينما المصرية التي هيمنت مدة طويلة على البلدان الناطقة بالعربية . وإذا استحضرنا الظروف الحالية لسوريا التي كان لها حضورا على مستوى الإنتاج الدرامي ، والتراجع التدريجي للسينما المصرية يمكن القول، إن السينما المغاربية بدأت تتجه نحو بناء مسار جديد خاصة مع ظهور سينمائيين جدد تلقوا تكوينا في أوروبا ، وخريجين من المعاهد الوطنية لهذه الدول، ولذلك فالصورة العامة عربيا على هذا المستوى تبين صعودا للسينما المغاربية عموما ( تونس والجزائر والمغرب ) وانحسارا للسينما المصرية خاصة مع أفول الجيل الأول الذي أسس الصناعة السينمائية وقاد مشعل التنوير ، والجيل الثاني الذي جعل من الثقافة المصرية جسرا للتواصل مع العالم ، في الستينيات والسبعينيات ودفع الجيل الذي بعده إلى استلهام مضامين الواقعية المنشودة. وإذا أردنا التطرق للسينما المغربية بالتحديد ، فإنه لا بد من استحضار بعض العناصر الايجابية والتي تتعلق بالتقدم النسبي على مستوى الإنتاج ، وبروز سينمائيين وسموا السينما المغربية بطابع جديد منذ التسعينيات، وظهور سينمائيين لهم رؤية، وتمكن جيد من أدوات التعبير البصري، إضافة إلى رصيد معرفي ملحوظ، غير أن هذه العناصر تبدو غير كافية للحديث عن سينما وطنية، بالقدر الذي يمكن لنا أن نصدر حكما على مستقبل هذه السينما، وقد بينت في كتابي الأخير بعض الأعطاب الخاصة بالسينما المغربية والتي تتمثل أساسا في الكتابة السينمائية، وبناء السرد وبعض المكونات الأخرى.
سؤال:
4 ــ أستاذ علم الاجتماع ومهتم بالسينما والصورة، كيف يمكن لعلم الاجتماع أن يخدم النقد السينمائي وأي علاقة بين علم الاجتماع والصورة ؟
جواب:
لقد تطرقت لهذا الموضوع في عدة مناسبات سواء في مقالاتي أو في الكتب التي ألفتها، تحدثت أولا حول غياب الرجل الأكاديمي عن المجال السمعي البصري عموما وحول دور الصورة في الإعلام المرئي و المعرفة الجديدة، فالصورة كما يقول ريجيس دوبري لا تستحضر الميت بل تتحكم في الكائن الحي، وهي بهذا المعني تعيد بناء الحقيقة، وتساءلت عن هذه المفارقة أي عن حضور الصورة كاستهلاك يومي وغيابها في البحث الجامعي، كما بينت أن السينما هي المنسي في الثقافة ، وهي تكاد تكون في الاعتقاد ” الأكاديمي”ّ ثقافة استهلاكية أو شعبية . وهذا واضح من حيث عدد الأطروحات المنجزة و مسالك الماستر، لكن في السنين الأخيرة بدأ الاهتمام بالسينما، وهو ما ساهمنا فيه سواء في المؤسسات الثانوية أو الجامعية. وعن العلاقة بين علم الاجتماع والصورة، فإننا في حاجة إلى وضع مجموعة من المتون المرئية تحت مجهر المتابعة السوسيولوجية، والمتابعة في هذا المعنى لا تعني فقط تفسير مجموعة من الممارسات الفنية من خلال رصد بعض المعطيات الخاصة بما تم إنجازه على المستوى السينمائي، بل فهم آليات التفكير التي تحكمت في نقل الوقائع الاجتماعية إلى مشاهد قابلة للعرض.
سؤال:
5 ـ أصدرتم عدة كتب في النقد السينمائي، مثل الثقافة الشعبية والسينما، والصورة والمجتمع من المحاكاة إلى السينما وغيرها كما كتبتم مقالات تحليلية حول عدة أفلام، ماذا يعني لكم النقد السينمائي؟
جواب:
لقد قسمت في إحدى مقالاتي النقد السينمائي إلى ثلاثة أنواع: أولا النقد الصحفي ويتميز بالمتابعة والكتابة السريعة، والسطحية، ثانيا النقد المتقطع الذي ورغم عمقه لا يتابع ما يجري كثيرا ، بل يمارس انتقائية في التعامل مع الأفلام، وثالثا النقد المركب الذي يجمع بين المواكبة الحثيثة لمستجدات الحقل السينمائي والعمق الفكري المطلوب، وهنا لابد من الاعتراف بأن النقد السينمائي لا يجب أن يتعامل بشكل بارد مع حقل مرئي ملتهب وذلك بادعاء الحياد الجاف، بل لا بد أن ينتصر للقيم الجمالية والفنية، والعمق الفكري، وأن يكون له حدا أدني من الإلتزام الفكري في بعده الإنساني، والذي يعتبر النقد السينمائي ممارسة ثقافية تساهم مثلها مثل الفيلم في التأثير على القارئ، وهذا يعني أن النقد السينمائي يجب أن يولد من داخل السينما باعتباره جزء من عملية الإبداع ، فكل قراءة في رأينا يجب أن تكون من جهة خلاصة تركيبية لمشاهدة مُوَجّهة غير بريئة، ومن جهة ثانية مناسبة لإنتاج نص جديد وإعادة اكتشاف الأثر الفني باستمرار.
سؤال:
6 أصدرتم كتاب ” التحولات الاجتماعية من خلال السينما المغربية ، هل لكم أن تقربوا القارئ من هذه التحولات ؟
جواب:
في الحقيقة ” التحولات الاجتماعية من خلال السينما ” كتاب أكاديمي يخلو من السجال والأحكام العامة، استند إلى دراسة سوسيولوجية للمتن المرئي ، مسترشدا بمنهجية دقيقة تتوخى دراسة الصورة باعتبارها متنا للقراءة ، وكأداة لفهم الخصائص المشتركة لتوزع الموضوعات. وشمل البحث تقريبا 150 فيلما على مدى عشر سنوات من سنة 2000 إلى 2010 وهي بداية ما سمي في الأدبيات السياسية بالعهد الجديد ، ورصد هذه التحولات على مستوى النتاج السينمائي تطلب منا دراسة وفهم مجموع الموضوعات الحاضرة بقوة، وإبراز مدى انفتاح المخرجين المغاربة على موضوعات جديدة، وتبين أن الجانب الاجتماعي هيمن على اهتمامات جل السينمائيين، وان موضوع الفساد بكل تجلياته من الموضوعات الأساسية التي حضرت بشكل مثير ، وأن هناك نزوع براغماتي عند المغربي الذي بدأ يقبل أكثر السلوكيات انتهازية ، وهو الذي أصيب بالصدمة جراء الهجرة وعملية التثاقف، ومستعد للتنازل على مجموعة من القيم لأجل تحقيق أغراضه، وفي نفس الوقت هو دائم البحث عن الأب البيولوجي والذي يمثل في لاوعي المخرج النموذج الثقافي والفكري المفتقد .. لقد عكست السينما بوضوح ذلك التحول مما جعل موضوعات مقبورة تعود إلى السّطح لتأخذ مكانها داخل إطار الصورة وتعبر عن تحولات حقيقية على صعيد المجتمع والثقافة.
سؤال:
7 ـ سؤال أخير، هل ترون في الإنتاج السينمائي معنى وقيم تساهم في تربية الناشئة أم مجرد فرجة ومتعة للمشاهدة ؟
جواب:
في الحقيقة السينما ليست واحدة ، والأفلام التي تبث عادة في القنوات الأرضية والفضائية وتتكرر ويعاد إنتاجها عبر الانترنيت، لا تمثل بالضرورة الإنتاج السينمائي بهذه العمومية، يجب الابتعاد عن الاختزال و التفصيل ما أمكن . هناك كم هائل من الأفلام ، منها ما هو طويل، وما هو قصير، وما هو سينمائي وما هو تلفزيوني ، فيها الروائي، والوثائقي، فيها التجاري المعد للاستهلاك السريع، وما هو عميق يحترم خصوصية السينما كخطاب مرئي يتطلب الهضم الهادئ، منها كذلك التربوي الذي يستهدف شريحة معينة من الأطفال، وفيها التجريبي الموجه للخاصة من المهتمين …في هذا الإطار فالسينما الجادة التي تحمل خطابا اجتماعيا وجماليا وتربويا موجودة بالفعل، ولها حضور لكنها غير معروفة للجمهور الكبير، ومن أهداف أي مشروع تربوي حقيقي في المستقبل، أن يجعل هذه الأفلام في متناول الناشئة، لكن السينما أيضا في حاجة إلى مُسْتَقبِل يدرك تمام الإدراك أن الخطاب المرئي ليس هو الخطاب الشفوي، وهذا لن يتحقق إلاّ بإدخال السينما إلى المؤسسات التعليمية. في الحقيقة كل الأفلام الجادة تحمل معاني وقيما، إذ لا يمكن أن نحارب الرداءة إلا بإعداد جيل من الناشئين القادرين على التعامل مع الصورة كخطاب يحمل وسائله التعبيرية، جيل مبدع غير مستهلك، جيل له ذكاء بصري و مهارات نقدية للقراءة والتفكيك.
شكرا لكم استاذي الفاضل، مسيرة موفقة بإذن الله تعالى.
حاورته المبدعة: أمنة برواضي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق