الوشاح الأسود: أقصوصة مستوحاة من زمن العولمة التي لاتعترف إلا بالقوي !!!

14 سبتمبر 2016آخر تحديث :
الوشاح الأسود: أقصوصة مستوحاة من زمن العولمة التي لاتعترف إلا بالقوي !!!

images-2

الوشاح الأسود

بقلم : الدكتور الحسن بالعربي أستاذ بجامعة ألميريا بإسبانيا.

لم يكن أبدا في حسبان إبليس الذهاب الى الشرق، فهو لم يكن يحب الصحاري، ولا القفار، ولا حرارة الشمس المحرقة. كان إبليس يفضل ظلمات الغرب وصقيع شتائه، وكان فخورا بما يراه ويسمعه: معارك وحروب شتى، وظلم وظلام في كل البقاع.

هكذا مرت الأزمنة والعصور، حتى اندلعت الحربان العالميتان الاثنتان، وكان إبليس أسعد وأعق خلق الله، تلذذ كثيرا لسحق الملايين من اليهود لأنه لم يكن يحبهم، ولا كان يحب المسلمين، ولا المسيحيين، ولا النازيين ولا الفاشيين، ولا الشيوعيين، ولا الرأسماليين. كان يكره الحيوان، والنبات، والبشر، وكل خلق الله من غير جنسه.

مع مرور الأيام والأعوام بدأ يسمع ما لم يكن في حسبانه؛ كلام حول الإنسان وحقوقه، والحيوان والرفق به، والبيئة والحفاظ عليها. في بادئ الأمر ظن أن هذا “الهراء” الذي كان يسمعه هو من جراء الصدمة التي تلقاها الغرب من هول الحروب، لكن سرعان ما عاين أنهم في الغرب قطعوا مع أجدادهم وأسلافهم فأصبح للإنسان عندهم حقوق وكرامة

ومما زاد لطينه بلةّ، وزاده حزنا، هو دخول العالم فيما سُمي بـ”الحرب الباردة”، فإبليس لم يكن راضيا عنها، فهو يحب تلك التي تسكب فيها الدماء وتزهق الأرواح، كما كان يحب رائحة البارود ويحب سماع دوي القنابل والصواريخ.

ضجر وحزن وأضرب عن الطعام، فلم يعد يطيق ما يسمعه وما يراه. إعتزل إبليس في بلاطه وقد غمرته الكآبة، فقرر أن ينتحر ليضع حدا لمعاناته. في اليوم الذي كان سينفذ فيه قراره، غفا فزاره غراب عجوز في منامه؛ نحيف الجسم، طويل المنقار، ذو ريش أسود، ملطخ بالدماء. حكى الغراب لإبليس ما قد إقترفه ذووه بحَمام الزيتون في الشرق، وعن بهاء وقمرة لياليهم الصاخبة.

انبهر إبليس ببلاغة الغراب العجوز، وعندما استيقظ من غفوته وقد عادت الابتسامة إلى محياه، طلب من خدمه وحشمه أن يفطروه خبزا وزيتونا وعسلا. عَدل إبليس عن فكرة الإنتحار وقرر الرحيل الى الشرق. أخد كل بطائقه البنكية وركب أفخر وأسرع طائرة، من خطوط شرقية. أجلسوه في الدرجة الأولى وقدموا له “الشامبانيا” و”الكافيار”.

عند الوصول استقبلوه بالتمر والحليب، وبالورود والزغاريد. أسكنوه في أفخم جناح بأفخر فندق وبأعلى برج. نام بعد ذلك دهرا ثم استيقظ على ضجيج سيارات الإسعاف والمطافئ، ومن التلفاز تعالى صوت مقدم أخبار الظهيرة: فلسطين رٌملت…. والعراق مٌزقت…. وليبيا خٌربت…. واليمن أُتلفت…وسوريا أٌحرقت، ووووو…

أخذ إبليس، كبير الشياطين، سماعة التليفون واتصل باستقبالات الفندق، فطلب حجز الجناح لما تبقى من عمره، وطلب أيضا أن يأتوه بسجادة للصلاة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق