الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، حياته و كفاحه ضد الاستعمار (1947م-1963م)

13 فبراير 2008آخر تحديث :
الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، حياته و كفاحه ضد الاستعمار (1947م-1963م)
الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، حياته و كفاحه ضد الاستعمار
  .
الباحث : حسن محمد حسن البدوي
إنا بصدد الحديث عن فترة من أهم فترات تاريخنا الحديث والمعاصر، فترة شهد فيها العالم أبشع صور التكالب الاستعماري لنهب واستنزاف خيرات وموارد الشعوب الضعيفة والمغلوبة على أمرها، ولما كان الوطن العربي الكبير قد شغل الجزء الشمالي للقارة الإفريقية بأكمله، إضافة إلى منطقة الشمال الغربي لقارة آسيا…

…لذا فقد عُد من أهم المناطق استراتيجية في العالم. ولما كان العرب قد تحكموا منذ زمن بعيد بحكم هذا الموقع المتميز في طرق تجارة الحرير القادمة من الصين وتجارة البُهار القادمة من الهند، لعدة قرون سبقت اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح؛ لذا فقد ظل هذا الكيان العربي مطمعاً للغزاة والمغامرين؛ وكان اندفاع موجات الاستعمار في العصر الحديث من القارة الأوربية صوب أقرب بلدان العرب إليهم بمنطقة شمال إفريقيا، فتم لهم احتلال الجزائر عام 1880م، وفرضت الحماية على تونس عام 1881م، ثم على مُراكُش عام 1912م.

لقد عمُرت تلك الفترة بالعديد من صور مقاومة السيطرة الأجنبية، وبرزت بعض الشخصيات أمثال الأمير عبد القادر في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا، وسيدي محمد أمزيان وسيدي عبد الكريم الخطابي في مُراكُش، وكان من المجاهدين الكثير والكثير ممن يضيق المقام عن ذكرهم، لذا سنعرض لسيرة أحد رموز الكفاح العربي في شمال إفريقيا وهو الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.

ولد محمد بن عبد الكريم الخطابي بكراً لأبيه عام 1882م، نشأ في كنفه وتلقى عليه هو وشقيقه الأصغر مبادئ الدين الحنيف، إضافة إلى العلوم الدنيوية، بغية الوقوف على أحوال الغرب وطبائعهم، عملاً بمبدأ “من علم لغة قوم أمن غدرهم”؛ لذا فقد أرسل والده شقيقه الأصغر لتلقي علوم التعدين بالعاصمة الأسبانية مدريد، في الوقت الذي كانت تحتل فيه أسبانيا بعض المناطق بشمال مُراكُش، أما هو فقد أرسله والده للعمل بمدينة بمليلية الواقعة ضمن منطقة النفوذ الأسباني أيضاً، فقام بتدريس اللغة العربية للضباط الأسبان، كما عمل بالصحافة. فلما رأى منه الأسبان اتزاناً وعدلاً عُين قاضياً في مليلية، فحرص خلال عمله معهم على الوقوف على حقيقة نواياهم وعلى الهدف من تواجدهم في بلاده، حتى إذا ما تأكد له عزم الأسبان على المضي في سياسة البطش والظلم في المناطق التي احتلوها، فضلاً عن عزمهم التوسع في باقي أراضى الريف، استدعاه والده هو وشقيقه، مُعلنين الجهاد ضد أعداء الوطن.

دار الصدام بين الفريقين، فلما توفي الأب خلفه ابنه الأكبر في قيادة المجاهدين، واستمرت المعارك قرابة الأربع سنوات، حقق خلالها الريفيون بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي انتصارات لا تزال مضرباً للأمثال في البراعة وحسن التخطيط، إذ تمكنوا بحسن القيادة من دحر أكبر قوة عسكرية جردها ضدهم الأسبان بقيادة الجنرال “سلفستري” في منطقة أنوال الريفية عام 1921م، مواصلين تقدمهم للقضاء على باقي مناطق النفوذ الإسباني في مُراكُش. حتى إذا ما فتح الله عليهم ودانت لهم القبائل؛ أعلنوها دوله ريفية مستقلة لا تخضع لسلطة المستعمر الغاشم، بل تدين بالولاء للسلطان الشرعي للبلاد.

لما فشلت أسبانيا في القضاء عليهم، عملت على إضعافهم بأن استفزت ضدهم السلطان، وأوقعت في نفسه كذباً أن محمد بن عبد الكريم ما هو إلا ثائر، طامع في عرش البلاد، فانطلت اللعبة على السلطان، الذي كانت فرنسا قد وقعت معه عقد الحماية عام 1912م، فخشي من ضياع سلطانه، وأعلن أن محمد بن عبد الكريم خارج عن طاعته، وبذا أصبح على محمد بن عبد الكريم مواجهة مستعمر غاصب، وسلطان مُغيب، والعديد من الخونة الجهلاء. لكن إصرار المجاهدين وإيمانهم بحق بلادهم في التمتع بحرية كاملة غير منقوصة، لا باحتلال عسكري ولا باتفاقيات ومعاهدات، جعلهم يواصلون الكفاح محققين نصراً تلو نصر، فلما شعر الأسبان بأن سلطانهم في مُراكُش قرب من الزوال وأن استنفارهم للسلطان ضد ابن عبد الكريم لم يُجد نفعاً، بحثوا عمن يُعاضدهم للصمود أمام تقدم المجاهدين، فلم يجدوا سوى اللجوء إلى فرنسا، المنافس الأول لهم في المنطقة، فوضعوا اليد في اليد للقضاء على ابن عبد الكريم ورجاله، ودارت المعارك هنا وهناك واتسعت ساحات القتال وفعل الحلفاء كل ما هو مشروع وغير مشروع لإبادة الريفيين، فكانت الغازات السامة والمحرقة، وقصفت الأسواق، واستبيحت الحرمات، ومورست كل وسائل البطش والتنكيل بالأهالي العزل وبالمجاهدين.

حتى إذا ما قضى الله أمره، وكان ما كان من استنفاذ المجاهدين لكل وسائل الدفاع والصمود أمام هذا الطوفان الجارف، ومع ما لأمير المجاهدين من حكمة ونباهة، فضل أن يكون هو كبش الفداء ليصون على من تبقى من أهل الريف ومن المجاهدين حياتهم؛ ونفي هو وأسرته وبعض مساعديه إلى جزيرة “ريينيون” إحدى المستعمرات الفرنسية الواقعة في المحيط الهندي عام 1926م، فغابوا عن بلادهم لأكثر من عشرين عاماً، عانوا خلالها مرارة النفي والبعد عن الأهل والأوطان.

أمضى الأمير تلك السنوات في محاولات ومحاولات من أجل العودة إلى بلاده، لكن دون جدوى، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م وما نتج عنها من تغير في موازين القوى العالمية، وافقت فرنسا على التخفيف من قيوده بنقله إلى أراضيها، وأثناء عبوره لقناة السويس المصرية، عرض عليه بعض المغاربة المقيمين بالقاهرة النزول بمصر، فوافق عرضهم رغبة الأمير، ونزل إلى أرض مصر مواصلاً كفاحه من جديد، والتف حوله مجاهدو شمال إفريقيا المقيمين بالقاهرة عاقدين العزم على تكوين هيئة مغربية كبيرة توحد جهودهم، على أن يكون هو زعيمهم الأول ومرشدهم الخبير، بالفعل أسس الأمير الخطابي لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة عام 1948م وأصبحت اللجنة الممثل الشرعي للمغاربة، بعد أن نالت تأييد ودعم العديد من الدول العربية والإسلامية، خاصة مصر.

بيد أن تباين أفكار أعضاء اللجنة بدا واضحاً ومنذ اللحظة الأولى لممارسة اللجنة لنشاطها، ففي الوقت الذي أقر فيه البعض وجهة نظر الأمير المُنادية بالكفاح المسلح، باعتباره الوسيلة المُثلى للتعامل مع الاستعمار – في الوقت ذاته – نادى البعض بالدخول في مباحثات ومشاورات سلمية مع المستعمر، كما نادوا بألا يتعدى دور الأمير الخطابي في رئاسة اللجنة دوراً شرفياً باعتباره أحد رموز الكفاح المغربي وفقط؛ فلما رأى الأمير إصرارهم على تهميشه والمضي في تلك السياسة التي تنتقص من كرامة بلادهم، آثر الانفصال عن اللجنة، على أن يواصل كفاحه منفرداً مع من تبقى معه من المجاهدين المخلصين.

في تلك الأثناء استطاع بعض التونسيين بقيادة الحبيب بورقيبة، وبعض أعضاء الأحزاب المُراكُشية، أن يتوصلوا بالتفاوض مع الفرنسيين إلى اتفاقات من شأنها منحهم استقلالاً ذاتياً، شريطة ألا يتخطى هذا الاستقلال دائرة الارتباط الدائم بفرنسا، وظل الأمير الخطابي وحيداً هو ومن معه من المجاهدين الجزائريين – وبعض ذوي الهمم والوطنية من المغاربة والتونسيين- لذا كانت تصاريحه ونداءاته تصل إلى شعوب شمال أفريقيا منبهة إياهم إلى ما يُحاك لهم، ومستنفرة لهممهم من أجل التخلص من الاستعمار وأعوانه؛ على هذا لم تكن تصرفات الأمير الخطابي لتجد قبولاً لدى هؤلاء الذين انخدعوا بالاستقلال الوهمي، فتنكروا له ولجهاده وعمل بعضهم على الإيقاع بينه وبين ملك المغرب، بالرغم من ذلك كله أصر الأمير على مواصلة الكفاح.

يعبر قطار الحياة بالأمير الخطابي وتنقضي أكثر من ثمانية عقود عاشها الأمير جاهراً برفضه لكل صور الاستعمار، وفي شهر رمضان عام 1963م وبأرض الكنانة تنتهي رحلة كفاح بطل المغرب وأسد الريف، بعد أن قرت عينه برؤية بلدان شمال إفريقيا تستقل الواحد تلو الآخر.

أما أهمية هذا الموضوع فتأتي متوافقة مع ما تعيشه أمتنا العربية اليوم من اضطرابات شملت كل مناحي الحياة بها، الأمر الذي انعكس بدوره على روح شبابها مُحبطاً إياه ومُثبطاً لهممه وعزائمه، بعد أن فقدوا القدوة والمثل الذي يحتذى، لذا حاولنا استحضار روح أحد أعلام الوطنية العربية وواحداً من رموزها العظام، عسى أن يكون لشبابنا فيه القدوة -في زمن عزت فيه القدوة ناهيك عن ما يُمكن أن يُحققه مثل هذا العمل من تقريب واجتذاب لإخواننا العرب في المغرب العربي – بعد أن كستهم الحُلة الأوربية – منذ عدة عقود، رغم رحيل المستعمرين بأجسادهم عن بلادهم. إضافة إلى تصحيح الكثير من المغالطات التاريخية التي شابت كتابات معظم الذين أرخوا لتلك الفترة الهامة من تاريخ شمال أفريقيا، والتي انتشرت بكل أسف في مقرراتنا الدراسية في المدارس والجامعات العربية.

أما البحث فينقسم إلى مقدمة وفصل تمهيدي وأربعة فصول وخاتمة، ألحق به كتاب خاص أدرج به مجموعة كبيرة من الوثائق، والخرائط، وصور الأمير الخطابي، وبعض الشخصيات الهامة، على النحو التالي:

الفصل التمهيدي : المغرب تحت السيطرة الأجنبية

الفصل الأول : الأمير الخطابي ولجنة تحرير المغرب الكبير

الفصل الثاني : الأمير الخطابي يواصل الكفاح من القاهرة

الفصل الثالث : الأمير الخطابي والاستقلال

الفصل الرابع : مواقف وقضايا في حياة الأمير الخطابي

الخاتمة : وبها أهم ما كشف عنه البحث من معلومات وحقائق جديدة، وما استخلص من تلك المعلومات من نتائج تخص فترة الكفاح المغربي في العصر الحديث، وكيف لعب الأمير الخطابي دوراً كبيراً في تشكيل مجريات الأمور خلال تلك الفترة الهامة من تاريخ شمال إفريقيا بأكمله.



اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق