بعيوي: من عامل بناء الى اسكوبار المغرب؟

30 ديسمبر 2023آخر تحديث :
بعيوي: من عامل بناء الى اسكوبار المغرب؟

من بني خالد كانت البداية

يوم السابع من أكتوبر من سنة 2023 تم اعتقال عبد الرحيم بعيوي، رئيس جماعة عين الصفاء، وأخ رئيس جهة الشرق “عبد النبي بعيوي”، على إثر العملية التي نفذتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بحضور عناصر من “الديستي”، والتي استهدفت ضيعتين فلاحيتين إحداهما تعود لصهر بعيوي الكبير بمنطقة الفيضة التابعة لجماعة بني خالد.
هذه العملية أسفرت، حسب مصادر مطلعة،عن حجز عدة أطنان من مخدر «الشيرا» و كميات هائلة من مخدر «الكوكايين»، ومئات الآلاف من الحبوب المهلوسة، بالإضافة إلى أرصدة مالية من عملتي الدرهم والأورو، وهي العملية التي أفضت إلى اعتقال صهر بعيوي “ع.ن” مالك الفيلا المقتحمة بالضيعة المذكورة، وعدد من أفراد أسرته قصد التحقيق معهم كما تم إخراج ثلاث شاحنات بحراسة الشرطة من عين المكان محملة بعشرات الأطنان من المحجوزات.
وكانت الأبحاث الجارية لها علاقة بملف البارون المسمى “المالي”، المعتقل على ذمة قضية الاتجار الدولي في المخدرات، وأيضا برئيس جهة الشرق، عبد النبي بعيوي، الذي كانت قد استنطقته قبل أيام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء.
عقب المداهمة، اعتقل أشخاص آخرون ومثلوا أمام محكمة الدار البيضاء وهم: كاتب عدل، وأفراد من الدرك الملكي، واثنان من أفراد الشرطة ومنعش عقاري، فضلا عن متعهد سياحي ناشط في الناظور والسعيدية ووجدة، وما هي إلا أيام قليلة حتى تم استدعاء عبد النبي بعيوي،الذي كانت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قد استمعت له عدة مرات ضمن أكثر من مائة شخص، من أجل المثول أمامها قصد تقديمه أمام أنظار الوكيل العام للملك لدى استئنافية البيضاء، فمن يكون هذا الشخص الذي أصبح يتحكم في دواليب جهة الشرق، سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا؟
طرق عبد النبي بعيوي أبواب الشهرة، إثر تصدره، إلى جانب سعيد الناصيري، رئيس الوداد الرياضي، لائحة المتورطين في قضية ما بات يعرف بملف “البارون المالي” أو “إسكوبار الصحراء”.
فبعد جلسة دامت ساعات، قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، صباح الجمعة الماضي، بناء على ملتمس الوكيل العام للملك، إيداع بعيوي، رئيس جهة الشرق سجن “عكاشة”.
وتم تقديم المعني أمام أنظار الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في قضية بارون المخدرات “المالي”، بعدما انتهت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من الأبحاث المسندة إليها ليمثل بعدها أمام أنظار قاضي التحقيق.

بعيوي ذو الوجوه المتعددة

عبد النبي بعيوي، الشخص الذي ترعرع في أحياء مدينة وجدة الشعبية، وابن إحدى أسرها البسيطة، من مواليد سنة 1971، انتقل في ريعان شبابه إلى ديار المهجر باحثا عن تحقيق ذاته ومستقبله، قبل أن يعود إلى أرض الوطن، بعد عدة سنوات، محملا بمشاريع واستثمارات في العقار والبناء والتهيئة العمرانية.
أسس شركة “بعيوي للأشغال” التي عرفت تطورا على الصعيدين الجهوي والوطني، واستطاعت أن تفرض اسمها ضمن المقاولات الكبرى في قطاع البناء والأشغال العمومية والعقار، أما على المستوى السياسي، فقد انخرط في حزب الأصالة والمعاصرة، حيث كان نائبا برلمانيا عن الحزب للفترة (2011 – 2015)، إلى جانب عضويته بلجنة البنيات التحتية بمجلس النواب، ورئيسا للجنة البرلمانية المغربية – اليابانية.
وكانت لانتخابات 2015 البصمة التاريخية في مسار “بعيوي” حيث حصل على رئاسة جهة الشرق من بين 12 جهة على صعيد الوطن، بـ 32 ألف صوت حصدها كأول مترشح يصل هذا الرقم بعمالة وجدة، وكأول رئيس للمجلس الجهوي لجهة الشرق في ظل التقسيم الجهوي الجديد للمغرب، والذي دخل حيز التنفيذ في إطار ورش الجهوية المتقدمة.
وفي سنة 2020، تمكن من الحصول على عضوية المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، وعضوية اللجنة الوطنية للانتخابات داخل هذه الهيئة السياسية.
وفي أعقاب الانتخابات الجهوية للثامن من شتنبر، أعيد انتخاب عبد النبي بعيوي كمرشح وحيد لرئاسة المجلس، مستفيدا من التنسيق بين حزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال.
أما على المستوى الاجتماعي فيتردد اسم بعيوي في جهة الشرق كفاعل اجتماعي، من خلال مؤسسته “بسمة للأعمال الخيرية”، والتي يقدم عبرها خدمات إحسانية، من عمليات جراحية وقوافل طبية، و “قفة العزاء” وقفة رمضان.
كما اشتهر في المنطقة بتقديم وجبات الإفطار في شهر رمضان يستفيد منها الفقراء وعابرو السبيل وذلك بوضع خيم بجانب طرقات المدينة…

سوابقه القضائية لم تكن له دافعا لمراجعة الذات

لقد سبق لعبد عبد النبي بعيوي أن لاحقته متابعات قضائية بتهم متعددة ومتنوعة تتعلق بـ”تبذير أموال عمومية”، وأخرى تتعلق بـ”التزوير من أجل الاستيلاء على ملك الغير”، بناء على تقارير “سوداء” رفعها المجلس الجهوي للحسابات، تخص عدة صفقات عمومية لتزويد مجلس جهة الشرق بمواد النظافة خلال مرحلة ” كورونا”، حيث تم تخصيص مبالغ مالية ضخمة فاقت كل التوقعات لهذه الصفقة، والميزانية المبالغ فيها المخصصة للقفف الموجهة للطبقات الهشة في إطار البرنامج الذي سطرته الدولة في إطار مكافحة جائحة «كورونا»…
بعد إحالته على غرفة جنايات الأموال قضت محكمة فاس، في حقه، بسنة سجنا نافذا بصفته صاحب مقاولة ورئيس مجلس جهة الشرق، وسنتين سجنا لرئيس جماعة وجدة عمر حجيرة، والرئيس السابق للجماعة خضر حدوش، وذلك في ملف يتابع فيه 15 شخصا.
كما قضت المحكمة بإدانة عدد من موظفي جماعة وجدة المتهمين في نفس القضية بالسجن، فيما برأت آخرين، حيث توبعت الشخصيات المذكورة وأصحاب مقاولات ومسيري شركات ومكاتب للدراسات، بتهم تتعلق بـ” تبديد واختلاس أموال عامة والتزوير”.
وجاءت المتابعة بناء على ما جاء في تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات، متعلق بجماعة وجدة في الفترة ما بين 2006 و2009، والذي رصد العديد من “الخروقات” على مستوى مدينة وجدة، تهم العديد من المجالات ضمنها تزفيت الطرق.
وسجل قضاة جطو في السنوات المذكورة “اختلالات مالية قدرت بأزيد من 4 ملايير سنتيم، في أشغال التهيئة الحضرية لمدينة وجدة”.
وكانت غرفة الجنايات الابتدائية بفاس، قد برأت سنة 2017 عمدة مدينة وجدة ورئيس جهة الشرق وبقية المتهمين الـ15، قبل أن تتم مراجعة الحكم على المستوى الاستئنافي.
محامي عبد النبي بعيوي، قال آنذاك في تصريحات صحافية إنه “بصدد تقديم طلب توقيف الأحكام، ثم بعد هذه الخطوة سيتم اللجوء إلى محكمة النقض”، وكله أمل في إنصاف موكله، على حد تعبيره. وهو ما حدث فعلا حيث تم إيقاف تنفيذ الأحكام وتم الطعن بالنقض، وقبل أن ينظر قضاة النقض في الملف حصل بعيوي على الضوء الأخضر من أجل أن يتقدم مرة أخرى للانتخابات المحلية والجهوية متصدرا المشهد السياسي بوجدة بأكثر من 32000 صوت بوأته مرة أخرى رئاسة جهة وجدة، قبل أن ينقض ملفه الجنائي ويحال على محكمة الرباط التي متعته بالبراءة من تهم الاختلاس والتزوير، التي كانت مسطرة في حقه، بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومفتشي الداخلية ومحكمة جرائم الأموال بفاس !

تساؤلات مشروعة
حول بعيوي

تساءل الكثيرون من متتبعي الشأن العام بالجهة الشرقية عن مصدر الثروات الهائلة التي يمتلكها رئيس الجهة الشرقية، وعن المقاولات الكبيرة التي بحوزته، والتي لم تغط التراب الوطني، فقط، بل امتدت إلى أدغال إفريقيا.
يحكي العديد من أقربائه أنه إلى حدود الأمس القريب، كان مجرد عامل بناء بسيط في مقاولات «الحاج هوار» قبل أن يقرر المشاركة في الانتخابات البرلمانية لسنة 2011، بعد الربيع العربي وإقرار دستور جديد للمملكة، ليصبح نائبا برلمانيا لولاية ثانية سنة 2016 ورئيسا لجهة الشرق، في حين نال صهره المتابع في نفس الملف مقعدا برلمانيا عن حزب الأصالة والمعاصرة.
ثم جاءت انتخابات 2021 لتكرس هيمنة بعيوي على مناحي المجالس المنتخبة من مجلس الجهة إلى المجلس الإقليمي ثم مجلس جماعة وجدة، حيث كان يعتبر نفسه هو صانع أغلبية مجلس وجدة وهو الآمر الناهي، وهكذا انتخب رئيسا لمجلس جهة الشرق دون عناء، في الوقت الذي انتخب أخوه المتابع بدوره لوجود حالة التنافي، لم يترشح للبرلمان بل زكى المحيطين به.
ويذكر أن بعيوي تردد كثيرا قبل أن يتقدم للترشح في الانتخابات الأخيرة بالنظر إلى الضجة الإعلامية التي أثيرت حول إدانته من طرف محكمة الجرائم المالية بفاس.

بعيوي ذو الأسماء المتعددة من «الوجدي» إلى «المالطي» يواصل رحلة «إسكوبار» رغم اعتقاله

وبإحالة الدفعة الثانية التي يتزعمها بعيوي وصهره والناصري، يكون عدد المعتقلين في الشبكة قد بلغ 28 شخصا، باحتساب الدفعة الأولى المحالة على قاضي التحقيق في أكتوبر الماضي، والتي تضم ثلاثة جزائريين ورئيس جماعة عين بني مطهر السابق وشقيقيه.
ووفق معلومات فإن أفراد الشبكة العنقودية، واصلوا عمليات التهريب الدولي للمخدرات عبر المسالك البحرية والبرية، رغم اعتقال «إسكوبار الصحراء» في 2019، وهو ما ترجم حجز عناصر الفرقة الوطنية أثناء بدايتها البحث في القضية الجديدة لـ 77 كيلوغراما من الشيرا، معدة للتهريب الدولي تم ضبطها في بالشرق.
وفاقت عمليات التهريب الدولي المنجزة من قبل أفراد الشبكة منذ 2006، إلى حدود 2015، ما مجموعه 200 طن، أمن «إسكوبار الصحراء»، رحلاتها نحو مختلف الدول الإفريقية، بالاستعانة بعصابات محلية، كما أن تهريب المخدرات تواصل بعد ذلك، إذ رجح أن تكون الشبكات المفككة في السنوات الأخيرة، تدخل ضمن المستقطبين الجدد بعد اختفاء المالي عن الساحة والزج به في السجن منذ 2019، ما يعني أن البارونات اكتسبوا خبرة وربطوا علاقات بكارتيلات المخدرات، لاسيما أن الأبحاث كشفت أن بعيوي الملقب بـ”المالطي” وصهره بلقاسم، تحولا إلى الذراع التنفيذي بالمغرب للكارتيلات الدولية، ضمن شبكة تؤمن مواصلة الإمداد بالشيرا.
ووفق ما انتهت إليه الأبحاث التفصيلية مع المتهمين الثمانية المودعين بالسجن منذ شهرين، فإن تواطؤا كان يسهل اختراق المخدرات لعدة جهات حدودية لمواصلة رحلاتها نحو ليبيا والنيجر وغيرهما من الدول الإفريقية.
ومن شأن الأبحاث المتواصلة بعد إحالة بعيوي والناصري ومن معهما، أن تورط متهمين آخرين سهلوا عمليات التهريب أو ساعدوا “مجرما على الإفلات من العقاب»، وغيرها من الارتباطات بالشبكة العنقودية ذات الرؤوس الكبيرة، خاصة بعد الشهادة التلقائية التي أدلت بها الزوجة السابقة لبعيوي أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وهو المعطى غير المتوقع حيث تقدمت من تلقاء نفسها للإدلاء بشهادتها ضد زوجها السابق، وقالت إن بعيوي زور صكوك توثيق من أجل سرقة عقارات المالي، بما في ذلك الفيلا الفخمة في الدار البيضاء التي توجد اليوم في اسم سعيد الناصيري والعديد من الشقق في السعيدية، التي يملكها الآن أحد المليارديرات.

الكاتب : مصطفى الناسي

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق