خبراء يحذرون: العقوبات البديلة قد تزيد موجات الإجرام في المغرب؟

9 مايو 2024آخر تحديث :
خبراء يحذرون: العقوبات البديلة قد تزيد موجات الإجرام في المغرب؟


أعادت الأرقام الواردة في تقرير الأنشطة الخاص بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، الذي أكد تجاوز عدد الساكنة السجنية بالمغرب عتبة المائة ألف عند متم السنة الماضية، منهم أكثر من 37 في المائة معتقلون احتياطيا وأكثر من 47 في المائة من الشباب ما دون 30 سنة، (أعادت) إلى واجهت النقاش العمومي ضرورة تطوير السياسات الجنائية، إذ نادت فعاليات حقوقية بترشيد الاعتقال الاحتياطي وإقرار العقوبات البديلة لمواجهة استمرار ظاهرة اكتظاظ السجون.

إحصائيات مهولة
قال الحسين بكار السباعي، محام وحقوقي، إن “هناك أسبابا عديدة مرتبطة بما تعرفه المؤسسات السجنية من اكتظاظ غير مسبوق يسائل أسباب ارتفاع الجريمة، التي ترتبط بدورها بمشاكل اجتماعية واقتصادية وتربوية تعليمية، وأخرى مرتبطة بهاجس تحقيق الثراء السريع، خاصة في جرائم جديدة أصبحنا نقف على ارتفاع أعدادها بالمحاكم كالنصب والابتزاز الرقمي”.

وأوضح المحامي ذاته أن “هذا الوضع يسائل السياسة الجنائية المتبعة، وكذلك دور العقوبة الحبسية في التهذيب والإصلاح، ووجوب إقرار آلية التجنيح القضائي وترشيد التحقيق الإعدادي، ومنح هيئات الحكم سلطة التكييف في الجنح، ومراجعة مقتضيات المسطرة الغيابية، واعتماد الوسائل العلمية والتقنية في الإجراءات، وكذا تطوير وتقوية آليات مكافحة الجريمة مع تقليص مدد رد الاعتبار”، مشيرا إلى ضرورة “الترشيد الفعلي للاعتقال الاحتياطي بالأساس في ظل توفر وسائل بديلة للمتابعة في حالة سراح وإمكانية الوضع تحت المراقبة القضائية”.

وأضاف المصرح: “اليوم ومع هذه الإحصائيات المهولة للوضع، أصبح القضاء الزجري مطالبا بتفعيل الضمانات التي يمنحها المتهمون المتابعون أمام النيابة العامة أو دفاعهم، منها الضمانات الشخصية والكفالات المالية، مع مراعاة وضعيتهم الاجتماعية، قصد المتابعة في حالة سراح، بوضع معايير خاصة وضوابط فعالة تناسب كل متهم على حدة وخطورة فعله وتجاوز ما يستلزم من وقت كاف لكثرة وضغط الملفات واستكمال الإجراءات المرتبطة بها احتراما لمبدأ قدسية البراءة، مع ضرورة العمل على تفعيل بدائل الدعوى العمومية كالصلح الزجري”.

وحول أهمية العقوبات البديلة في تطوير السياسة الجنائية، أشار السباعي إلى “ضرورة العمل على تقليص المدد في كل من الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي والتأكيد على استثنائيتهما وأن الأصل هو المتابعة في حالة السراح، ووضع معايير ناظمة لتحديد سلطة الملاءمة التي هي بيد النيابة العامة، والعمل على تكملة نصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بالعقوبات البديلة والإسراع في تبنيها كالعمل لأجل المنفعة العامة والغرامة اليومية”.

وخلص المحامي ذاته إلى أن “هذه الخطوات ستساهم في معالجة ما تعرفه المؤسسات السجنية من اكتظاظ وتخفيف الأعباء المالية على الدولة، غير أن مدى اعتبارها خيارا قضائيا ناجحا رهين بسلوك المستفيد من هذه التدابير، الذي وإن عاد للإجرام، فإن ذلك سيسائلنا إنْ كان المجتمع المغربي في حاجة ماسة إلى إصلاح اجتماعي واقتصادي يشمل كل فئاته، وليس لمجرد قواعد قانونية وإجراءات مسطرية يمكنها الحد من الجريمة ومن اكتظاظ مؤسسات التربية والتهذيب وإعادة الإدماج”.

مداخل ضرورية
أفاد عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، بأن “التقرير يسمح باستخلاص مجموعة من الملاحظات، يمكن اختزال أهمها على النحو التالي: لأول مرة في تاريخ المغرب يتجاوز عدد المعتقلين عتبة المائة ألف، فيما يمثل عدد المعتقلين على سبيل الاحتياط ما نسبته 37.56 في المائة، كما يمثل الشباب أقل من 30 سنة نسبة 47.68 في المائة من عموم المعتقلين، وهذه النسب، التي تبقى مرتفعة ومثيرة بشكل كبير، تسائل السياسة الجنائية المغربية، كما تكشف عن اختلالات اجتماعية مركبة وخطيرة يعيش على إيقاعها المجتمع المغربي، مع الأخذ بعين الاعتبار التوقعات الواردة في التقرير ذاته بكون الساكنة السجنية مرشحة للارتفاع بنسبة 20 في المائة في أفق السنوات الأربع المقبلة فقط”.

وحول طبيعة المقاربات الواجب اتباعها لمعالجة كل هذه الإشكالات، قال المتحدث إن “السياسة الجنائية بالمغرب بحاجة إلى مراجعة هيكلية وعميقة، ولا يمكن الاكتفاء برتوشات بسيطة في هذا الفصل أو ذاك. ومن ناحية أخرى، فحين نتحدث عن إعادة الإدماج، خاصة بالنسبة للشباب، فإن الواقع مرير ويتناقض طرديا مع الأهداف المسطرة والتصريحات الرنانة التي تصدر من هنا وهناك”، مضيفا أن “الشباب الذين يتعرضون إلى أحكام سالبة للحرية يصبح مستقبلهم المهني والعملي في مهب الريح بسبب الأحكام التي تلطخ سجلهم العدلي، فيما تكتنف مسطرة رد الاعتبار تعقيدات لا أول لها ولا آخر”.

وتابع بأن “معضلة ارتفاع ساكنة السجون مردها إلى فشل سياسات أخرى، وليس فقط السياسة الجنائية؛ فالعديد من المظاهر، مثل البطالة وانسداد الأفق وضيق دائرة مصادر الدخل والفراغ القيمي، التي يعاني منها الشباب، أصبحت تتفاقم يوما بعد يوم، وتؤدي بهم إلى الإدمان وإلى إفراز طاقاتهم في الصراعات البينية العنيفة، في الوقت الذي لا يتم إيجاد حلول إلا في تطبيق القانون وإنزال العقوبات”.

وزاد شارحا: “من ناحية أخرى، يمكن أن نذكر على سبيل المثال أن من أهم وأخطر الأسباب وراء الصراعات والتطاحنات في العالم القروي المفضية إلى إنزال العقوبات السجنية على الفلاحين، واقع الأراضي السلالية التي جعلت المواطنين في حالة خلاف وصراع مزمنين على مر عقود، الذي سببه السياسات الحكومية منذ فجر الاستقلال”.

وخلص الخضري إلى أن “المداخل الضرورية لإصلاح منظومة القانون الجنائي المغربي هي إقرار العقوبات البديلة، التي من شأنها أن تساهم في إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية بالنسبة لأصحاب المدد القصيرة (سنتين وما تحت)، والتي ستساعد في معالجة ما يصل إلى نصف عدد المعتقلين حسب الأرقام الواردة في التقرير، بالإضافة إلى تدابير أخرى تبدو ضرورية، من قبيل ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وإعادة النظر في تفسير طبيعة بعض الجرائم بشكل دقيق ومحدد، مثل جرائم الاتجار بالبشر وغسيل الأموال”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق