مسارات مغاربة في إسكندنافيا .. سليمة الدحماني ريفية تتواصل بلسان القطاع البنكي

4 نوفمبر 2022آخر تحديث :
مسارات مغاربة في إسكندنافيا .. سليمة الدحماني ريفية تتواصل بلسان القطاع البنكي

طارق العاطفي | أمين الخياري
على الرغم من الولادة على التراب الدنماركي فإن سليمة الدحماني، المنحدرة من أسرة متشبعة بالتعابير الثقافية المغربية الملازمة لمنطقة أجدير، بالقرب من مدينة تازة، لا تزال تحافظ على بصمات هوياتية مرتبطة بالوطن الأم؛ أبرزها الحديث بالعربية الدارجة، وأيضا اللسان الأمازيغي لمنطقة الريف.

للدحماني طريقتها الخاصة في التعامل مع الثراء الثقافي الذي كسبته من الانتماء إلى المغرب والدنمارك، وتعتبر أن ذلك من بين المحددات التي جعلتها تسير بثبات نحو تحقيق مسار مهني متميز يزاوج بين التخصص في التواصل وملازمة متطلبات القطاع البنكي في التعامل مع زبنائه الباحثين عن ما يلائم وضعياتهم في الخدمات المالية.

خليط متجانس
ازدادت سليمة الدحماني سنة 1986 وسط أسرة تنحدر من منطقة أجدير، ضواحي مدينة تازة في المغرب، وارتبطت السنوات الأولى من عمرها بالعيش في التجمع السكاني “هولبيك” الكائن على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة الدنماركية كوبنهاغن.

وتقول سليمة: “كبرت في أسرة ملتزمة بالعمل، إذ كانت لأبي وأمي أنشطة مهنية منذ الوصول إلى الدنمارك؛ لكن ذلك لم يمنع حصولي، بمعية إخوتي، على قدر كبير من الرعاية كي أتشبع بثقافتين متباينتين: الأولى مغربية بحكم الانتماء إلى الجذور، والثانية دنماركية نتيجة الاستقرار في إسكندنافيا”.

وأتاح الثراء الثقافي المحيط بنشأة الدحماني تمكنها، في وقت مبكر، من ضبط التواصل باللغات العربية والأمازيغية والدنماركية، والتمرس على الجمع بين التقاليد والعادات المتصلة بالوطن الأم، من جهة، وضبط الإيقاع المناسب للعيش ضواحي كوبنهاغن من أجل التطور في المجتمع، من جهة ثانية.

فن اللامبالاة
تستحضر سليمة الدحماني ما خبرته في سنوات الطفولة والشباب بين أقرانها كي تؤكد أن الإحساس بالاختلاف حاضر لدى كل ذوي الأصول الأجنبية أينما كان مقامهم عبر العالم. ومن حين إلى آخر، تبرز بعض التعابير العدائية من أناس لديهم مواقف سلبية تجاه مشاركة فضاء العيش مع الوافدين من وراء الحدود.

وتفسر “ابنة أجدير” بقولها: “صادفت متنمرين في عدد من محطات عمري؛ لكن ذلك يبقى متصلا بحوادث معزولة لا ترقى إلى مستوى اعتبارها ظاهرة. وقد اخترت أن أتعامل مع ذلك، حسب كل حالة على حدة، بما لا يتيح الفرصة لاستهدافي بشكل مؤثر على نفسيتي؛ وبالتالي الحصول على بيئة غير صدامية تخدم تطوري”.

“التركيز كان حاضرا على التقدم في التحصيل الدراسي، أولا، ثم البحث عن منصب شغل يسمح بالحصول على مقابل مالي لتلبية حاجياتي على الواجهتين الشخصية والمهنية؛ وبالتالي، لم أكن أبالي بمن يريدون إحباطي بالميز المبني على أسس عرقية وثقافية”، تضيف الدحماني.

التخصص في التواصل
استكملت سليمة الدحماني الطور الأساسي من التعليم، ومدته 10 مواسم في الدنمارك، ثم تحصلت على شهادة الباكالوريا لتتوجه إلى الدراسة الجامعية، مبتغية استكمال مرحلة التكوين في مجال التواصل قبل البحث عن فرصة شغل ملازمة لهذا الميدان الذي أفلح في نيل اهتمامها مع توالي السنين.

وتشير ذات الأصل المغربي إلى أن مرحلة الإقبال على التعليم العالي، وإن كانت منكبة في الأصل على العلوم ذات الصلة بالتواصل، إلا أنها جذبت انتباهها إلى وحدات تكوين أخرى تساير هذا التوجه؛ أبرزها ينكب على أداء المقاولات والشركات في ميادين التسيير والتدبير والبناء التنظيمي الداخلي.

وبناء على هذا الميل إلى البذل في القطاع الخاص والبنيات الليبرالية عموما، استهلت سليمة مسارها المهني في مرفق مصرفي بالموازاة مع الدراسة الجامعية، رامية إلى جمع الخبرة الميدانية بالتكوينات النظرية الأكاديمية، ومتوخية الحصول على فرصة مواتية لاستثمار ذلك في ما يتيح لها البصم على مسار تفتخر به لاحقا.

البناء بالتدرج
بحكم الانتماء إلى أسرة تؤمن بالعمل وترفض الاتكال على الغير، أقبلت سليمة الدحماني على الاشتغال منذ حصولها على صفة طالبة جامعية، مستهلة هذا الأداء من موقع “مساعدة إدارية” في فرع بنكي؛ وما يعنيه من التكلف بالأمور البسيطة التي تتيح لباقي المستخدمين القيام بمهامهم في ظروف أكثر راحة.

وتقول سليمة: “كنت حريصة على ملاحظة كل التفاصيل الدقيقة في العمل خلال هذه الفترة، راغبة في التعرف على ما يقوم به الجميع كي أستفيد من ذلك مستقبلا، وبعدها غيرت الوجهة نحو شركة أكبر، وبعدها عدت إلى البنك الذي احتضنني في البداية، وبقيت هناك 8 سنوات، ثم حصلت على فرصة أخرى للعمل في مصرف آخر؛ وهو الذي أتواجد فيه منذ 8 سنوات أيضا حتى الآن”.

وطيلة هذه الفترة الزمنية، بانطلاقة متواضعة من مهام تقديم المساعدة لعمل الآخرين بأعمال، ومرور عبر 3 منصات للبذل المهني، واظبت الدحماني على التطور من مرحلة إلى أخرى، حتى صارت اليوم متصلة بمهام قيادية في توفير الجودة ضمن التواصل مع زبناء القطاع المصرفي، والرفع من المردودية انطلاقا من خبراتها التواصلية وإلمامها بالتطورات المتتالية التي يشهدها هذا التخصص.

التمويلات العقارية
تشرف المنتمية إلى صفوف “مغاربة إسكندنافيا”، في الفترة الحالية، على فريق للتواصل يواكب حاجيات مؤسسة بنكية رائدة في مملكة الدنمارك، وتتولى مهاما قيادية في تحقيق المطلوب من طاقمها الذي يضم 25 شخصا من ذوي الخبرة في ميادين متنوعة يحتاجها القيام بصياغة استراتيجيات تواصلية ناجعة وتفعليها بطريقة سلسة على أرض الواقع.

وبهذا الخصوص، تقول الدنماركية المغربية عينها: “العمل يرتكز على مواكبة المعاملات المصرفية عموما؛ لكن التوجهات الكبرى للمؤسسة تجعلني أركز، بشكل أكبر، على التدخلات التواصلية المرتبطة بالرواج الذي تشهده التمويلات الخاصة بالقطاع العقاري، سواء تلك التي تهم الراغبين في الشراء أو الأطراف التي تتوفر على منتجات موجهة إلى البيع”.

“أحرص على تولى مهمة تطوير الآليات التواصلية بما يساير المستجدات اليومية المتسارعة، والتعاطي مع الزبناء الراغبين في الحصول على عروض تمويل في مجال العقارات المخصصة للسكن أو الأنشطة المهنية؛ وبالتالي المزاوجة بين رغبة البنك في الإقناع، من ناحية، وتوخي الزبون الحصول على عرض ملائم لوضعيته، من ناحية أخرى”، تزيد الدحماني.

بين العمل والأسرة
تعتبر سليمة الدحماني أن العمل في القطاع البنكي لم يكن مغريا لها وقت التفكير في الأحلام المهنية الملائمة لها، وتحديدا قبل الحصول على شهادة الباكالوريا؛ ثم صار مصدر سعادة لوجدانها مع دخولها إلى هذا الميدان وتوالي سنوات البذل في المجالات المرتبطة به ضمن نطاق علوم التواصل.

وتقول المنتمية إلى شريحة “مغاربة العالم” في هذا الإطار: “دائما أستحضر هجرة والدَي من المغرب. لقد كان الدافع الأساسي هو البحث عن مستقبل أفضل عبر ملازمة طريق التطور. ولهذا، أفخر بكوني ملتزمة بهذا النهج، وأن أعمل من أجل عائلتي وأسرتي في مضمار يشدني إليه بقوة حاليا”.

رغم ما تحقق في مسار سليمة فإنها ترى أن أداء واجباتها الأسرية وإعطاءها مكانة سامية لأدوار الأمومة المنوطة بها قد يكون مؤثرا على طموحاتها المرحلية بإدخالها مرحلة كمون ظرفية؛ لكنها تشدد على أن رغبتها في الوصول إلى مراكز أكثر قوة لا تزال حاضرة، دون حصرها في مهام مستقبلية محددة أو فضاء جغرافي بعينه.

التوجه إلى التدافع
كنصائح للراغبين في الهجرة عموما، وبارتباط مع إيقاع العيش في الدنمارك على وجه التحديد، تصر سليمة الدحماني على أن ضبط لغة البلد تبقى أولوية للمريدين النجاح في هذا النطاق الاسكندنافي، لتحقيق الاندماج وإن كان هناك نبذ للوصول إلى درجة الانسلاخ التام عن الهوية الأصلية.

وتقول البالغة قرابة 37 سنة من الحياة في الهجرة إن المغاربة الوافدين على الدنمارك لا ينبغي أن يراهنوا على إتقان اللغة الفرنسية من أجل وضع خطة للتطور؛ لكن التوفر على مدارك لغوية أنجلوساكسونية قد يكون مفيدا في المرحلة الأولى، دون أن يغني عن الحصول على إشهاد رسمي بتعلم الدنماركية لاحقا.

“كلما زاد مستوى التعلم إلا وارتفعت حظوظ المهاجرين في تحقيق النجاحات التي يبتغونها. لذلك، لا محيد عن الإقبال على التمدرس أو استكماله في الدنمارك.. ولا بد، طبعا، على الجميع أن يتدافعوا للبحث عن ما يلائمهم في أي ميدان، تماما كما يقع في أي مجتمع عبر العالم”، تختم سليمة الدحماني.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق