ملفات من تاريخ الريف و الامازيغ: الحلقة 3: الأمازيغ والديانة المسيحية: المذهب الأريوسي

19 يونيو 2015آخر تحديث :
ملفات من تاريخ الريف و الامازيغ: الحلقة 3: الأمازيغ والديانة المسيحية: المذهب الأريوسي

hamdaouiينشر بالاتفاق بين أريفينو و الكاتب د.جميل حمداوي عن كتابه ثقافــــــة الأمازيغييـــن وحضارتهــــــم

الأمازيغ والديانة المسيحية:

 

عرف الأمازيغيون المسيحية مع دخول الرومان إلى شمال أفريقيا للهيمنة عليها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ، فاعتنق الأمازيغ هذه الديانة الجديدة، ورأوا فيها الخلاص من الذل والعبودية والظلم. وفي هذا الصدد، يقول أحمد توفيق المدني:” ظهرت بالشرق أنوار الديانة المسيحية في أول عهد القياصرة، فاعتنقها جم غفير من الرومان، وتسربت بواسطتهم إلى المغرب، وقدم مبشروها إليه؛ فأعجب البربر بهذا الدين الآمر بالأخوة والمساواة ومكارم الأخلاق، وتسارعوا إلى الدخول في دين الله أفواجا ، وأصبحت له بيع صغيرة في كافة أنحاء البلاد المغربية.[1]

وكانت تامازغا ، بما فيها قرطاجنة ، تؤمن بالمسيحية ، بعد أن انتشرت أفكار الأريوسيين والدوناتيين من جهة، وأفكار أوغستان من جهة أخرى. وفي هذا الصدد، يقول ليون الأفريقي:” وظل سكان البربر وثنيين مدة من الزمن، واعتنقوا المسيحية قبل مولد محمد عليه السلام بمائتين وخمسين سنة، ذلك لأن المنطقة التي تقع فيها تونس وطرابلس كانت تحت سيطرة بعض أمراء بوي وصقلية، بينما كان ساحل القيصرية وموريطانيا خاضعا لملوك القوط، وفي الوقت نفسه أيضا هرب عدد كثير من الأمراء المسيحيين أمام هيجان القوط ، وتركوا بلادهم الجميلة ليسكنوا ضواحي قرطاج حيث كونوا لأنفسهم ممتلكات بعد ذلك. ومن المعلوم أن هؤلاء المسيحيين كانوا على مذهب الأريوسيين …ولما جاء العرب ليفتحوا بلاد البربر وجدوا المسيحيين يملكون هذه المناطق، فحاربوهم مرارا وأبى الله إلا أن يكون النصر حليف العرب، فهرب الآريون(الوندال) بعضهم إلى إيطاليا، وبعضهم إلى إسبانيا.”[2]

ll

بيد أن الأمازيغ عانوا الكثير بسبب اعتناق الديانة المسيحية؛ لأن الطبقة الرومانية الحاكمة كانت تحارب المسيحية، وتعاقب معتنقيها بوحشية وقسوة وصرامة شديدة. علاوة على ذلك، فقد كانوا ” يبثون العراقيل في الديانة المسيحية؛ فما أغنت عنهم تلك العراقيل شيئا، واستفحل أمرها؛ فأخذوا ينكلون بالمعتنقين تنكيلا شديدا، ولم يقفوا أمام أي فظاعة أو قوة.فكانوا يسجنون المسيحيين سواء بإيطاليا أو بالمغرب؛ ثم يجمعون الناس في يوم مشهور بإحدى الملاعب الكبيرة ، ويخرجون أولئك التعساء رجالا ونساء في وسط الملعب، ويطلقون عليهم الأسود الكاسرة الجائعة؛ فتمزقهم إربا إربا، وتأكلهم على مرأى ومسمع من الجموع المتفرجة؛ كان أولئك الشهداء، شهداء وحشية الإنسان، يموتون بكل جلد وثبات.[3]

ولم تتوقف الديانة المسيحية في امتدادها الروحاني والجغرافي، بل اعتنقها الناس شرقا وغربا، فتمثلها الأمازيغيون؛ لأنها كانت سبيلا للخلاص من الضيم والذل والعار، وسبيلا للتحرر من الاستغلال والاستعمار الروماني.

هذا، ويقول ابن خلدون:  ” فكان البربر بأفريقية والمغرب قبل الإسلام تحت ملك الفرنج وعلى دين النصرانية الذي اجتمعوا عليه مع الروم كما ذكرناه. حتى إذا كان الفتح وزحف المسلمون إلى أفريقية زمان عمر رضي الله عنه سنة تسع وعشرين، وغلبهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح من بني عامر بن لؤي، فجمع لهم جرير ملك الفرنجة يومئذ بأفريقية من كان بأمصارها من الفرنج والروم، ومن بضواحيها من جموع البربر وملوكهم.[4]

وثمة مجموعة من الحركات المسيحية الأمازيغية التي تركت بصمات خالدة في تاريخ تامازغا، وهي على النحو التالي:

 

u المذهب الأريوسي:

 

ينتسب هذا المذهب إلى القس الأمازيغي أريوس الذي كان يعتبر المسيح نبيا من أنبياء الله ، فقد أرسله إلى الناس لهدايتهم. وبالتالي، فليس إلاها ولا ابن إله، فهو مجرد رسول أو واسطة بين البشر والله، تتمثل رسالته في التوحيد (أشهد أن لا اله إلا الله، وأن عيسى رسول الله) ، ونشر الفضيلة والمسيحية السمحة. وبذلك، كان أريوس مسيحيا موحدا، يبشر بالنبي محمد (صلعم).بيد أن دعوته لقيت معارضة شديدة من قبل المسيحية المتعددة. ويعني هذا أن الأريوسية قد شكلت مذهبا دينيا مستقلا عن الديانة المسيحية كما تمارس في روما. وقد انتشر هذا المذهب في شمال أفريقيا وفي مصر، وقد كانت هذه الدعوة ذائعة الصيت في القرن السادس الميلادي، وقد نكل الرومان ومسيحيو التثليث بهؤلاء الأريوسيين أو الآريسيين الشهداء تنكيلا شديدا، فاقترفوا مذابح بشعة في حق أتباع أريوس، وقتلوا منهم اثني عشر مليونا. وفي هذا ، يقول الرسول (صلعم) في رسالته إلى هرقل الروم:” أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ“. ويعني هذا أن الأريسيين أو الأريوسيين هم موحدون قبل الإسلام ، ومبشرون بالدعوة المحمدية العادلة.

وللعلم، فقد كانت مصر موحدة لما دخلها المسلمون ، وقد كانت على دين الأريسيين أو دين التوحيد، ولم تكن آنذاك قبطية،  وحينما جاء الإسلام ، فقد انضم إليه الموحدون الأريسيون.

 

[1] – أحمد توفيق المدني: قرطاجنة في أربعة عصور، طبعة تونس، 1926م، ص:114-117.

[2] – ليون الأفريقي: نفسه، ص:68.

[3] –  أحمد توفيق المدني: قرطاجنة في أربعة عصور، ص:114-117.

[4] – ابن خلدون : نفسه، ص:126.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق