منبر الرأي : قيس مرزوق الورياشي..اليسار والأمازيغوفيليا والوعي الشقي..

4 نوفمبر 2019آخر تحديث :
منبر الرأي : قيس مرزوق الورياشي..اليسار والأمازيغوفيليا والوعي الشقي..

اأريفينو : قيس مرزوق الورياشي / 4 نوفمبر 2019.

في كثير من الأحيان أقرأ بعض التهجمات، خصوصاً هنا في الفايسبوك، على ما يسميه بعض المتحمسين للأمازيغية ب”اليسار العربوشي”!

بكل صراحة، هذه التهجمات وهذه النعوت أشمئز منها كثيراً. إنها لا تعبر عن وعي تاريخي ولا ديمقراطي بالمسألة اللغوية التي بدأنا نطرحها منذ سبعينيات القرن الماضي. إنها، في نظري، تعبر عن وعي شقي لشباب لم يستوعب بعد جدلية العلاقة بين اللغة/اللغات الوطنية مع الصراعات السياسية ذات المضمون الطبقي.

اليسار، أصدقائي صديقاتي، هو حصيلة قيم رسختها نضالات الشعوب عبر زمن طويل؛ فقيم الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية هي قيم لصيقة بقوى اليسار في صراعها مع قوى اليمين التي لا تعمل إلا على الدوس على هذه القيم لضمان استمرارية هيمنتها حتى تستمر في الاستغلال الفاحش للإنسان وللثروات الوطنية.

وما يسميه البعض ب”اليسار العربوشي” تهكماً لا وجود له إلا في مخيلتهم، ويعبر عن وعي شقي لديهم.

صراع الأمازيغ ليس مع كيان وهمي يسمونه “عربوشاً”. إن الصراع الحقيقي هو مع من يبيع ويشتري ويتاجر في ثروات “العربوش” و”المازيغوش” معاً.

وحتى أُذكّر المولعين بالصراع الوهمي للأمازيغ ضد “العربوش”، وخصوصاً ضد ما يسمونه ب”اليسار العربوشي”، أقول لهم بأن المسألة الأمازيغية، لغة وثقافة وجهات منسية، طُرحت أول ما طرحت، في سبعينيات القرن الماضي، ضمن حركية اليسار ونضالات اليسار وتوجهات اليسار، ولم تُطرح ضمن برنامج اليمين الذي لا برنامج له إلا الاستحواذ على مقدرات الشعب. ولولا اليسار ما كانت هناك إثارة للمسألة الأمازيغية.

إن تطوير وتبني لغة شعب مهمش يتكلم الأمازيغية ويتماهى مع قيمها الروحية والكونية لا يمر عبر العداء لقوم يعتبرون من الماضي السحيق: آل قريش وآل الأموي. إن بناء أو إعادة بناء الهوية الأمازيغية (أو الهويات الأمازيغية) لا يمر عبر العداء لفلسطين أو سوريا أو العراق أو الحجاز أو حتى لمصر والسودان. إن بناء الهوية الأمازيغية، أو إعادة بنائها يمر عبر الحوار الحضاري مع العرب (الموجودين بيننا والموجودين في جوارنا) ومع الأفارقة وشعوب البحر الأبيض المتوسط.

قريش والأمويون لم يعودوا أعداء، فورثتهم وأحفادهم اليوم يعانون مثلنا من سيطرة العصابات المصادرة لحريتهم ولتطلعاتهم نحو العدالة الاجتماعية والديمقراطية. هم مثلنا تماماً، يشبهوننا في تُمّوزغتنا كما نشبههم في “عربوشيتهم”، فحراكات الشباب في السودان أو اليمن او مصر او سوريا أو العراق او لبنان أو ليبيا أو تونس أو الجزائر أو حتى في السعودية، هي حراكات شبيهة لحراكاتنا: نفس الشعارات، نفس الطموحات، نفس التطلعات نحو الحرية والعدالة والديمقراطية.

وأخيراً، أقول لكم، شباب “الحركة الأمازيغية”، وبأسف وحزن شديدين، بأنكم فقدتم البوصلة عندما تشيرون إلى اليسار المغربي الذي يوجد في مرحلة وهن اليوم (وما هي إلا مرحلة) ب”اليسار العربوشي” تهكماً، وتنسون طاصيلتكم التي هي من صلب هذا الشعب المكافع، ولم توجهوا يوماً، ولو للحظة، سهامكم نحو “اليمين العربوشي”، الذي هو عدوكم الحقيقي.

إن الأمازيغوفيليا، التي تعني الحب المبالغ فيه للأمازيغية، في ظل وعي شقي، لا يمكن أن تكون إلا سلاحاً ارتداديا. وقديماً قيل: ومن الحب ما قتل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق