اللقلاق الأنيق :من إبداع الدكتور حسن بلعربي أستاذ بجامعة ألميريا..

24 أكتوبر 2016آخر تحديث :
اللقلاق الأنيق :من إبداع الدكتور حسن بلعربي أستاذ بجامعة ألميريا..

اللقلاق الأنيق

اللقلاق الأنيق
بقلم : الدكتور حسن بلعربي

في أعالي شجرة ترتفع في وسط ضيعة فلاح، كان يعيش لقلاق أبيض رفقة فراخه، وكان عشه محاطا بحقول الخس ونبات الفصة.

وكان ذاك اللقلاق من أشد الطيور غرورا وتفاخرا بقامته الجميلة وأناقته الفائقة، إذ كثيرا ما كان يتباهى برجليه الطويلتين وبريشه الأبيض الناعم، وكثيرا ما كان يسخر من طيور النورس لقصر أرجلها، ومن الغربان لقبحها وسواد ريشها. وكان دائما يقول بأن عشه لابد أن يكون عاليا مثل مقامه العالي بين بني جنسه، ووصل به الحد إلى أنه تكبر وأقصى الدود والحشرات من حميته.

وبما أنه كان صيادا ماهرا، فإنه كان يغزو مياه البحيرة بمنقاره ويقتات بسمك طازج ولذيذ، ويغذي أبناءه الصغار الذين لم يكونوا يفارقون العش. وكان كبرياؤه يزداد يوما بعد يوم، حتى بدأ ينعزل عن أقرانه، ولم يعد يجالسهم أو يرافقهم.

في يوم من الأيام، وبعد أن نفذ مخزون غذائه وغذاء أبناءه، حلق كالعادة نحو البحيرة، وبدأ يناور بمنقاره تحت الماء ويجول طولا وعرضا، ولكن، ولأول مرة في تاريخه الحافل بالانتصارات، لم ينجح في اصطياد ولو سمكة صغيرة واحدة.

وعاد إلى عشه مطأطأ الرأس، خالي الوفاض منهك القزى، ليستسلم للنوم عند غروب الشمس، وأبناؤه يتضورون جوعا. وفي منامه زارته غربان حاولت تلطيخ ريشه بأرجلها، وحاول اللقلاق أن يدافع بكل ما أوتي من قوة، ويصرخ في وجوه الذين غاروا من ريشه الأبيض البراق، ثم استيقظ وهو يهوي نحو الأرض، ليرتطم بكومة من روث البقر، فغاص فيه؛ وبعد جهد كبير تخلص من تلك الورطة، وطار إلى أعلى شجرة قبالة عشه.

وعلى ضوء القمر عاين تلك القذارة التي التصقت بريشه الذي أصبح لونه يميل إلى السواد، كما تقزز من الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث منه. وصب جام اللعنات على الغربان وأهلها، وحتى لا يكون عرضة للتهكم وشماتة الطيور قرر عدم تأجيل تنظيف ريشه إلى الصباح.

فحلق ورسا عند شط البحيرة، وبدأ يغطس في الماء ويتلوى حوله، لكنه لم ينجح في إعادة بياض ريشه ولمعانه، فتذكر كيف تخرج طيور النورس من المياه أثناء الصيد، وهي تلمع بياضا. وعزم تقليدها، فارتفع عاليا فوق المياه العميقة والداكنة، وارتمى بكل قوة نحو الأسفل فشق سطح الماء مثل طوربيد أطلق من السماء، وغاص، وفاهه مفتوح بحكم العادة، وكانت دهشته كبيرة عندما ارتفع من الماء، وسمكة وازنة تلتوي بين فكي منقاره. عندها حط في عشه، وريشه يعكس ضوء القمر، وأكل، وأطعم أبناءه، ووضع جزءا من الصيد جانبا، لعل الغربان تزوره ثانية.

ومنذ تلك الليلة، غدا اللقلاق الأبيض أكثر تواضعا، وأعاد إدراج الدود والحشرات في طعامه ، وأصبح من ألطف الطيور وأحبها إلى قلب البشر.

images
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق