عفاريت من ورق..غوص في ذاكرة الطفولة للدكتور بلعربي..

4 سبتمبر 2016آخر تحديث :
عفاريت من ورق..غوص في ذاكرة الطفولة للدكتور بلعربي..

عفاريت من ورق

يكتبها :الدكتور الحسن بالعربيالخوف كان يحيط بنا ونتوجس منه في كل مكان و زمان، وكان عملة تشبه الدولار في إنتشار التعامل به.

حتى عندما كانوا يحدثونا عن الرحمن الرحيم ونحن أطفال، كان الخوف هو سيد الموقف؛ فلم يكن هناك من يحدثنا عن الألعاب والمراجيح التي تعج بها الجنة.

الخوف كان يفتك بنا ونحن نسمع عن السلاسل الطويلة والثقيلة التي ستشد الكافر وتارك الصلاة، ونسمع عن دركات جهنم، والنار التي تشكو حرارتها الى خالقها.

كان الخوف يسبقنا الى أقسام مدارسنا، ويلمع العصي التي سنضرب بها، ويتفنن في إعداد وجبات دسمة من الرسوب والفشل.

كان الخوف جارفا، حيث العفاريت والمخلوقات الغريبة تسكن قرانا، وعقولنا، وتمرح في ليالينا الحالكة.

ما أزال اتذكر تلك الكائنات التي لم تكن تنام ولا تغفو أيام ما كنا أطفالا، حيث كانت متعودة على زيارتنا عندما يرخي الليل سدوله، وتحول أحلامنا الى كوابيس.

كم من غول وغولة (ثمزا) عرفناهما عبر الأساطير التي كانت تحكى لنا ليلا. كان الخوف يجعلنا ننكمش ولا حركة تصدر عنا، حتى نوقظ الأهل بصياحنا مذعورين بعد تسرب تلك الكائنات الى أحلامنا.

غالبا ما كان الاطفال ينطلقون جريا نحو منازلهم عند سماع أذان المغرب، تاركين وراءهم اللعب وملاهيهم، ضانين أن تلك المخلوقات الشريرة تتقدم مع حلول الليل لتحتل كل أزقة القرية ودهاليزها.

رافضا ذلك الوضع، قرر محمادي تحدي الخوف. مع حلول الليل، قصد النهر وهو يعلم أن المكان مرتع لتلك المخلوقات الغريبة، فلطالما سمع من أقرانه الأطفال عن أعراس الجن والعفاريت على ضفاف الأنهار.

كان القمر يختفي تارة و يظهر تارة أخرى، وبدأت تتعالى أصوات استطاع محمادي أن يميز فيها بين نقيق الضفادع، ونعيق البوم، وعواء الذئاب من بعيد.

لاحظ محمادي وجود شبح يقلد حركاته فبدأ قلبه ينبض بسرعة ولم يستطع مقاومة الخوف فحاول الهرب، لكن الشبح كان يلاحقه في كل الاتجاهات.

لم يستطع محمادي أن يتعرف على ملامح ملاحقه مما زاد من خوفه فزاد من سرعة جريه، لكن الشبح كان أيضا سريعا.

تعب محمادي فتوقف لاهثا، فإذا بالشبح يتسمر أيضا. ثم جلس على جذع شجرة، ففعل الشبح نفس الشيء.

إندهش محمادي لفعل هذا المخلوق وظن أنه ربما هي فعلة أحد أصدقائه بغية إخافته، فقام وحاول الإقتراب منه، لكن ذلك كان مستحيلا، فكلما خطا خطوة نحو ذلك المخلوق وإلا و تراجع هذا الأخير بخطوة الى الوراء.

جلس محمادي مرة اخرى القرفصاء، وحرك يديه الإثنتين ليتأكد من فكرة أتته على التو، فإذا بالشبح يقوم بنفس الحركة، فصدرت من أحمد قهقهة قوية إرتمى على إثرها أرضا من شدة الضحك وقد إكتشف أن ظله هو الذي أخافه. لكن سرعان ما انتفض من الأرض مرعوبا وهو يسمع صوت أبيه مناديا إياه، فهرع مسرعا نحو المنزل وقدماه تصلان الى رأسه.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق