مدينتي بين الزمان والمكان

24 أبريل 2012آخر تحديث :
مدينتي بين الزمان والمكان

بقلم ذ.محمادي راسي -بني أنصار

في قاموس اللغة مدن مدونا بالمكان: أقام (وهو فعل ممات) المدينة أتاها. تمدن: تخلق بأخلاق أهل المدينة / انتقل من الهمجية إلى الأنس والظرف. تمدين: تنعم. المدينة: جمع مدن بسكون الدال وضمها. ومدائن: مجتمع بيوت يزيد عددها على بيوت القرية أو هي المصر الجامع / علم أطلق على يثرب ويقال أثرب بالهمزة.
المدينة: المصر الجامع قيل المدينة وزنها فعيلة لأنها من مدن بمعنى أقام وقيل مفعلة بفتح الميم لأنها من دان ومن جعلها فعيلة همز ومن جعلها مفعلة لم يهمز كما لم يهمز معايش. والمدينة أيضا علم بالغلبة على مدينة يثرب. والنسبة إلى مدينة يثرب مدني وإلى غيرها مديني، وقيل إذا نسبت الإنسان إلى المدينة قلت: مدني. وإذا نسبت الطائر وغيره قلت مديني، أما المدائن فهي مدينة كسرى فالنسبة إليها مدائني، وهناك مدن تحمل ألقابا كجلق لدمشق نسبة إلى بانيها دمشاق بن كنعان، والشهباء لمدينة حلب لبياض حجارتها، وبغداد تسمى مدينة السلام ويقال لها الزوراء، والمدينة المنورة تقال ليثرب وهناك مدن تحمل أسماء وصفات، مثل: المدينة الزاهرة بالقرب من قرطبة، والمدينة الزهراء ضاحية قرطبة التي تغنى بها الشاعر: ابن زيدون:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا == والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
والحاضرة هي المدينة الكبيرة ذات حضارة ومدر وتمدن خلاف القرية والبادية والبدو والبداوة والوبر.
إن المدن تطورت عبر العصور من حيث العمران والسكان والوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي والتسيير والتدبير، حتى إن بعض الدول قررت التربية على المدنية مادة تدرس في مقرراتها لاحترام المدينة والساكنة والبادية والأخيرة هي النواة الأولى للمدينة، لأنها تمدها بالمواد الغذائية والفلاحية، يجب احترام ذلك الفلاح الذي بمنتوجاته الفلاحية، وتربية الدواجن والمواشي…، يحافظ على استمرار حياته وحياة الآخرين والمواشي والدواب…، وهو عنصر فعال في الاستثمار والازدهار، والرفع من قيمة ومستوى قريته وتساعده في ذلك المرأة البعيدة عن التبرج والدلال والتغنج…
لا أريد الحديث عن المدينة الفاضلة التي دعا إليها الفارابي ولا المدينة الفاضلة التي دعا إليها أفلاطون وكيف يجب أن تكون، ولا يوطوبيا المدينة، ولا مدينة أثينا الديمقراطية في العهد اليوناني المشهورة بالفكر والفلسفة، ولا إسبرطا المشهورة بالانضباط العسكري والرياضات المختلفة لتربية الأجسام، والاعتماد على القوة الجسمية للدفاع عن النفس والدولة، ولا مدينة القدس الروحية التي تحن إلى عزها ومجدها، ولا مكة الدينية، أم القرى أو البلد الحرام أو الحرم كله، ويقال لها تهامة، والحاطمة وبكة بالباء على البدل، وقيل بالباء البيت، وبالميم ما حوله وقيل بالباء بطن مكة، ولا مدينة باريس المعروفة بمدينة الأنوار والسياحة والرومانسية، ولا فاس العاصمة العلمية المعتدلة جوا، في هذا الفصل الجميل، ولا مراكش الحمراء السياحية، المشهورة بالحلقة والفرجة والنكتة، والطبيعة الساحرة، والغروب الشاعري ملهم الشعراء والرسامين، وهي كما نقرأ في الجرائد قبلة للكتاب الأجانب والمستثمرين والسياح… ولا بكين السياسية أو وخانبلق أو خان بالق كما سماها المغول… ولا ولا…
وإنما أريد الحديث عن مدينتي النائمة، ومع الأسف لا أعرف أصل التسمية فهناك من يقول آث أنصار أو آيت أنصار أو بني أنصار نسبة إلى بني نصرــ أو (بنو الأحمر) آخر أسرة بني نصر بالأندلس التي حلت بهذه الجهة، أو الفيض أعراص نسبة إلى الحاكم القاضي علي أعراص…؟؟
قواعد يجب أن تكتب بنو أنصار، وبنو ملحق بجمع المذكر السالم مرفوع بالواو ، فليس هناك عامل سابق ينصب أو يجر أو حرف نداء محذوف مقدر.
مدينتي مدينة النعرات والعصبيات القبلية والاستعلاء ورفض الآخر ،ورفض كل ما هو جدي ، والميل إلى الهرج والبهرجة ،والهرش والهرط ،والرقص على الخواء،والتصرف الاعتباطي اللامسؤول. سلوكات عتيقة فهي كحليمة على عادتها ،و كيد زليخة ،وزهو قارون بنفسه ، وجبروت نمرود وهامان ،مدينتي هي أضل من ضب .
مدينتي رسالة بلا عنوان ومكان وزمان وتاريخ ،رسالة بلا مضمون عديمة الجدوى بدون مرجعية وتوثيق ، فالرسالة لها دورها من الناحية الدينية والسياسية والأدبية والاجتماعية والعاطفية .
مدينتي لوحة سريالية فيها أمشاج من الألوان والألغاز بعيدة عن الواقع ولا تنتمي إليه ،من الصعب فهمها والاهتداء إلى حقيقتها …..
مدينتي مسرحية من مسرحيات اللامعقول .
مدينتي مسرحية بدون الفصول المعهودة ولا ترتبط بالزمان والمكان والأحداث …
مدينتي مسرحية ذهنية جغرافية ركحها مجهولة .
مدينتي أغنية بلا لحن منسجم ولا شدو مترنم ولا صوت منتظم .
مدينتي قصيدة بلا وزن، ولا قافية ، ولا روي ، ولاعروض ، ولا تصريع…..
مدينتي ذات موقع جميل :بحر، وبحيرة، وجبال ،وأشجار وعيون وأنهار، وآبار،وطيور……،ينقصها الوصف والإبداع ، لو بعث بابن خفاجة لوصف طبيعتها بقصائد كثيرة .وابن الرومي لهجانا بالهجاء المقذع ، بسبب الإهمال وعدم العناية والرعاية والصيانة .
مدينتي مقالة مهملة في الرفوف والأركان والخزانات .
مدينتي رواية لم تكتب بعد .
مدينتي تحن إلى تراثها وذاكرتها وتاريخها ورجالاتها ..أين الباحثون …؟.أين المثقفون …؟أين المؤرخون ….؟
مدينتي مدينة الجعجعة ولا نرى طحنا ،ومدينة كل فتاة بأبيها معجبة ، ومدينة ثار حابلهم على نابلهم ,مدينتي مدينة الانفصال والنفور، ورفض الآخر ،ونبذ التفاهم والحوار وتتسم بالأنانية والنرجسية ،والتهكم والاستهزاء، فهذه السلوكات تنم عن ضعف في الشخصية التي لا تستطيع مسايرة الحوار،ومناقشة الأفكار ،وفاقد الشيء لا يعطيه ،فالثقافة ما تبقى في الرأس والصدر، لا ما جمعه الدفتر والقمطر ، وهي سلوكات ليست من شيم المثقفين ،مدينة طابعها بحكم التجربة لا تقبل التواصل والحضور والاجتماع ، رغم وجود جمعيات ذات أهداف اجتماعية وثقافية وفنية ورياضية وخيرية وإنسانية …..اااا.
مدينتي مدينة نائمة وليست عائمة كالبندقية ،مدينة :(الفكر النائم )كما يسميه نيتشيه ،مدينة النوم :والنوم ضرب من النقد خاصة في المسرح كما يقول :شو
مدينتي مدينة العلاجيم والبجع واللواء والكلاب الضالة الجائعة ،والعوسج والحرشف ،تفتقر إلى درء المفاسد أولى من جلب النعم ،فالسيول تأتي درءا ،فالوقاية ثم الوقاية خير من العلاج ،
مدينتي مدينة الظلم: القوي لا يرحم الضعيف ،بل، يأكل حقه ونصيبه من الأرض ويدخله السجن رغم أنه بريء.
مدينة مليئة بالبؤساء والفقراء ،كثر المتسولون والمتسكعون ،أحيانا لا تستطيع المشي في الشارع ،ولا الجلوس في المقهى ،والفقر محارب منذ القدم فقد قيل :(لوكان الفقر رجلا لقتلته ) و(اليد العليا خير من اليد السفلى )،وفي هذه السنة أقدمت مدينة بلد الوليد بإسبانيا على تغريم ومعاقبة كل من قام بالتسول في الشوارع …..
مدينتي تحتاج إلى مراقبة ومحاسبة من حيث التسيير والتدبير ….. فقد قال أبو حامد الغزالي حجة الإسلام :( .من لم يشك لم ينظر ،ومن لم ينظر لم يبصر ، ومن لم يبصر بقي في متاهات العمي ).
الزمـــــــــــــــــــــــــــن:
لا أقصد الزمن السردي والحسي والنفسي والأرضي والمعراجي والعندي والسرمدي والملائكي والفردي والاجتماعي .والفزيائي.النسبي …….وإنما أريد أن أتحدث عن زمن مدينتي الذي لم يعد يجدي ،يذهب هباء منثورا في التفاهات والخزعبلات والحيل والتحايل على المواطن ،وفي جلسات متجاوزة غير مجدية ، زمن لا يستغل لمدينة بني انصار ، ولكن الزمن الذي يستغل هو الزمن الانتخابي الذي لم يتحدث عنه العالمون بالزمن ،يحدث كل أربع سنوات يقترب فيه المترشح من المواطن كما تقترب بعض الأجرام من الأرض ،في الزمن الوجيز مقداره خمسة عشر يوما، يعد فيه المترشح بقيام بمشاريع ضخمة ،وتقديم برامج مفيدة ،وستكون بني انصار جنة الدنيا وقبلتها، وحاضرة كبرى ، متقدمة ومزدهرة في جميع الميادين :في العمران والصحة والثقافة والمساواة والإنصاف وتطبيق القانون ومحاربة الرشوة والزبونية والمحسوبية ……..ثم يختفي المترشح، كأنه يأتي من كوكب آخر، ويختفي أيضا الزمن الانتخابي، وهكذا دواليك وهلم جرا ….وقس على ذلك من زمن انتخابي فارغ ،شكلا ومضمونا ،وكما وكيفا ،يصرف في ترديد شعارات جوفاء حربائية من طرف الفارغة قلوبهم .والخاوية رؤوسهم والمشينة سلوكاتهم والمتقلبة تصرفاتهم ،وتبقى مدينتي تنتظر الوعود والمواعيد العرقوبية ،إلى أن تصيبها الشيخوخة فلا تستطيع ركوب قطار التنمية والتقدم، وتبقى دوما على حالتها راكدة ،لا تستطيع مسايرة الزمن الطبيعي ،لأنها تنتظر الزمن الانتخابي ،والذي لا يمكن تصنيفه لأنه غير مرتبط بالمكان،
والقيام بأي عمل، لا بد أن يرتبط بالمكان والزمان في كل شيء ، في الفلاحة والدراسة والكتابة والأكل والوثائق والمراسلا ت والتأريخ والسرد والمسرح والبناء …..
:وبين المكان والزمان قال المتنبي :
أعز مكان ،في الدنى، سرج سابح /
وخير جليس، في الزمان ،كتاب
وفي رواية أخرى :وخير جليس في الأنام كتاب
ولكن زمن ومكان الفقير والمحتاج والمعدم واليتيم والمتسكع يختلفان عن زمن ومكان الغني و الموسر والثري والمتنعم ……
المكـــــــــــــــــــــــــــــــــان:
المكان الموضع وهو مفعل من الكون ،يقال :هو من العلم بمكان :أي له فيه مقدرة ومنزلة ،هذا مكان هذا ،أي بدله ،وتمكن بالمكان وتمكنه على حذف الوسيط :رسخت قدمه فيه ،ويقال قد يمكن المهر بعد ما رمح وهو مثل يضرب لمن ذل بعد جماحه ،وقد يقال للمكان الفضاء ويدخل في نطاق الكتابة السردية ومن بنيات الزمكانية :نسقية الزمن وجمالية المكان ومن مكونات الأخير الفضاء الحميمي الذي يهدف إلى تحويل الفضاء الهندسي المغلق إلى فضاء متعدد القيم ،والفضاء المركزي :يكتسي الطابع التاريخي المحدد ويعكس من خلال إعادة انتاجه عبر الكتابة وعن الذات المنتجة له متوهمة أنه بؤرة العالم وركيزته التي ينهض على أساسها هذا ما يراه بعض الدارسين للزمان والمكان في الرواية
وما يهمني هو مكان مدينتي :الفضاء الترفيهي والثقافي والفني والجمالي والسياحي . (الحدائق، العمران ،الواجهات ،الأسوار، البنية التحتية ، قنوات الصرف الصحي ، الماء الشروب ،صيانة الأسلاك الكهربائية ،دار للعجزة والمعوقين
مستشفى لمختلف التخصصات ،مركز للقصور الكلوي ،الملعب البلدي السوق …..)
لقد فرحت كثيرا للمبادرة الإنسانية التي تتجلى في نظام المساعدة الطبية عن طريق بطاقة راميد، لمساعدة المحتاجين والفقراء ،نعم سررت كثيرا ،لأن شريحة من سكان المدينة من الجيران والمعارف والعائلات ،ستستفيد بهذه التغطية المجانية ،وجميع المحتاجين اليوم يسارعون إلى تعبئة استمارات للحصول على البطاقة ،هذا دليل على أن المسؤولين يهتمون بالمواطن ،فهذا واجبهم ودورهم ،كما نطلب منهم القضاء على البطالة، بإيجاد الشغل لكل مواطن لأن له الحق في العمل والشغل ،كي لا يشعر أنه مهمل ومهمش، لا دور له في المجتمع . وأحيانا يحس بأنه معوق أو معيوه .
نعم أريد مدينة فاعلة عاملة نشيطة، بشبابها عن طريق الجمعيات المتواجدة ،التي يجب أن تستمر في نشاطها ،بالمبادرة والتضحية ونكران الذات ،من أجل خدمة الشباب والمواطنين، بقيادة العقل والإدراك والوعي والثقافة ،
ولا أريد مدينة فارغة من كل نشاط ثقافي وفني وأدبي ،خالية من المسحة الجمالية والخصلة الأخلاقية ،لا أريد المثقف الجمركي كما يسميه البعض، الذي ينتقد ولا يأتي بالبديل ،”فالناقد أديب فاشل” ،أو” شخص يعرف معالم الطريق لكنه لا يستطيع قيادة السيارة” ،أو”شخص يعيد النص الذي صنعه المبدع” لأنه لا يبدع يظل في موقف حرج، لذلك قيل فيه مثقف حربائي،وهناك المثقف العضوي والملتزم والصامت والمحترق كالشمعة المهموم يفكر وهو مترجل أو واقف أو جالس أو نائم…….
أريد مدينة هادئة رزينة يعمرها التسامح والانفتاح كمدينة “هاربين “ومتقدمة اجتماعيا “كهلسينكي” …أريدها مدينة كبعض مدن العالم التي تقدم للمواطن الجرائد والصحف مجانا وهو في الشارع، أو في انتظار الحافلة ليقرأها ،فالقراءة سلوك حضاري ،بل، هي الحضارة والتقدم والتواصل والوعي ……كما أنها تنقل الكتب بواسطة ناقلة صغيرة إلى الأماكن الرحبة والحدائق، ليقرأها المتنزه فهي( مكتبة متنقلة )تحفز المواطن على القراءة والتثقيف ،لأن الثقافة ملك للجميع ولا حدود لها .
في مدينتي إذا حملت جريدة أو كتابا أو حقيبة فيها حاسوب .. …يقول البعض إنه أحمق أو أبله أو متأخر …فهذه الأقوال :من أذناب العاملين على تأخير وتجهيل هذه المدينة الخالية من كل ما هو ثقافي وفني وترفيهي …..،فقد جعلوها عبارة عن اسمنت قاحلة ماحلة تيماء خالية من كل ما هو جميل …؟
في مدينتي لا تجد ركنا للاستراحة والتأمل، في حديقة مليئة بالأشجار بحفيفها الخفيف كأنه يهمس في أذنك ،ولا تسمع خرير المياه المنبعث من الفساقي، ذلك الصوت المنفرد الذي لا شبيه له ،ولا تسمع شقشقة الطيور، ولا هديل الحمام واليمام ,في هذه الجلسة لا تسعد حواسك جميعا بالمنظر الطبيعي ،من نظر واستماع وشم ولمس وذوق ثم لا تفكر ولا تبدع ،لأنك في مكان قفر … فالطبيعة هي لغة وكما يرى الدكتور محمود أحمدالشربيني ( فالأمواج هي لغة الوجود :لغة اللسان الذي ينطق ،ولغة الأذن التي تسمع، ولغة العين التي تنظر، ولغة العقل الذي يدرك ،بل هي اللغة السائدة في عالم الحيوان وعالم النبات وعالم الجماد )عالم الفكر المجلد السابع العدد الثاني.1976م ص13.
في مدينتي لا تجد مكتبة لقراءة كتاب مفيد/ وهو/ خير جليس وأنيس في الزمن ،لا يطلب درهما ،ولا كأس شاي ،ولا سوملة قهوة، ولا يحدث ضجيجا ولا لغطا ،لا تجد ملعبا لمشاهدة مباراة لتشجيع الفريق ،ولا أماكن لمختلف الرياضات لإنقاذ الشباب من السموم الفتاكة التي لاعلاج لها :أمراض جسمية جسيمة مزمنة ،أو نفسية أو عقلية ،ثم القيام بإجرام أو سرقة لابتياع السموم ،وتكون نهاية مثل هؤلاء الشباب المستشفيات والسجون ، فالعمل العمل ، الرياضة الرياضة، القراءة القراءة ، الثقافة الثقافة ،الفن الفن ، الرحلة الرحلة للترويح والاسترواح ونسيان الروتين ،لاستئناف العمل بنشاط وحيوية …..لامعهدا للرسم والموسيقى للاستمتاع والابتكار والخلق والإبداع ،لا مسرحا لعرض مسرحية لطلاقة اللسان وحل العقد ،لا مكانا لإلقاء عرض ،أو قصيدة ،أو عقد لقاء ،أو تنظيم ندوة .
في مدينتي المكان مفقود ،والزمان ضائع، والعمل ضئيل،
والإنتاج قليل ،والإبداع مضمحل قاحل ،إننا لا نقدر الزمن ،لا أريد أن استعرض ما قيل في الزمان: من أقوال وشعر وحكم من طرف الفلاسفة والشعراء والحكماء وعلماء الفيزياء ……..مآلنا ،وحالنا ،ووضعية مدينتنا وتأخرها وتقهقرها ، ووضعيتنا ،هذه العوامل جميعها سببها الزمن الانتخابي …وقلة الوعي ،والأنانية الفارغة من المضمون والمنفعة العامة ، والنرجسية القاتلة ،وغريزة حب التملك ،والنخبات والمناخيب والأغراء ،وهذا من نتاج الجهل المركب والمكعب ،وكما قال عبد الرحمان منيف (الجهل هو دائما الوجه الآخر للعبودية ).
نعلل النفس بالآمال ،ونقول ما قاله الشاعر في الشطر الثاني :”ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل “اااا
لا يوجد ولو مرحاض واحد في الحديقة ،فكثرة المراحيض في المدن دليل على التحضر والتمدن .
إننا نبكي جدنا العاثر ،ونندب حظنا الغابش، لما آل إليه زماننا ومكاننا ،نتقهقر ونعاني من هشاشة بنية مدينتنا ،فكلما مر الزمن ،زادت المشاكل ،ونقصت المشاريع ،وتبقى المدينة على حالتها جامدة هامدة ،بدون حركة ثقافية ونشاط فني وترفيهي ،ثم ستصيبنا الشيخوخة وشبابنا ،وإن كان أغلبية المبدعين والأبطال، حققوا منجزات كبرى في شيخوختهم :كبيكاسو، وبرنارد شو، ونيلز بور ويوسف بن تاشفين وعمر المختار وميشل دبغي وبافلوف …وغيرهم.أما نحن فقد دهانا الكسل والعجز في ريعان الشباب ، لأننا لم نستغل زماننا ومكاننا بطريقة جيدة محكمة ،ولأننا نراهن على الزمن الانتخابي القصير، المقدر بخمسة عشر يوما ،ثم ننتظر أربع سنوات لنسمع ونستمع إلى نفس الأسطوانة المعطلة إبرة حاكيها .لنبقى مجترين لنفس الأسطوانة المذكورة .
وإخيرا إن الزمان يسير ويمر و”يدور “، نحس ونشعر به من خلال الليل والنهار، ولا نمسه ولا نلمسه ولا نراه،ولايعود

وكما قال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوما //فأخبره بما فعل المشيب
والبيت شاهد في النحو ،فأخبره منصوب بفاء السببية ، التي تضمر أن بعدها وجوبا ،وهي التي يكون ما قبلها سببا لما بعدها في النفي المحض وجواب الطلب المحض ،وهو الأمر والنهي والتمني والترجي والدعاء والاستفهام والتحضيض .والعرض……..
ولكن المكان نراه ونلمسه ،تبقى آثاره شاهدة علينا وعلى أعمالنا ، وقد قيل: هذه آثارنا تدل علينا //فانظروا بعدنا إلى تلك الآثار .ويقول مثل لاتيني الإنسان يفنى والأعمال تبقى .
بني انصار وردة يداعبها نسيم البحر، وتعانقها الجبال والهضاب ،وتسجد لها النوارس والبجع والحمام واليمام ،وتنهل البهائم والمواشي من حياضها وعيونها ،وترعى أعشابها ,وتحمد وتشكر الله على المكان الرحراح الجميل ،والمناخ المعتدل .
إننا جميعا بدون استثناء، لا نحافظ على الزمن والمكان والبيئة ،فبعض الشوارع لاتستطيع أن تسير فيها ،وبعض الأماكن في الحديقة لا تسمح لك بالجلوس ، بسبب الروائح المزكمة المنبعثة من أكوام الأزبال المتراكمة ،.وبعامل الإهمال ،وبمساهمة المواطن نفسه في تلويث البيئة والأماكن العمومية .
ويضاف إلى هذا مساهمتنا في الإفقار الفكري ،الذي يؤدي إلى الخنوع والخضوع، وقبول الواقع الفاسد ،والرضوخ لثلة جاهلة تكون هي السبب الرئيسي ، في شل حركة النشاط الثقافي والرياضي والفكري والسياحي والإبداعي في جميع المجالات ،وحتى على مستوى الجانب الاقتصادي والصحي والاجتماعي والأخلاقي ،وفي التسيير والتدبير لشأن المدينة ،بسبب الفساد الإداري وعدم لزوم المواظبة ،وتصريف الزمان في التفاهات واللعب والاستهتار والتهتر ،والتلاعب بمصالح المواطنين ،وعدم احترام المكان العمومي والخصوصي وحرمة المنازل، مثل هذه الفئات التي نراها تجول وتصول، وتدعي ما ليس فيها ،يجب أن ترحل من وعن هذه البلدة التي جعلوها مريضة زمانا ومكانا .
إن المكان هو الأرض ،والأرض أمنا ،خلقنا فيها ، وسنعود إليها ، فأدم من تراب ، المكان: هو مسقط الرأس والدار والحي والقرية والمدينة والوطن ،هو كل شيء ،لا تستطيع أن تقوم بأي نشاط سياسي، أو ثقافي ،أو رياضي ،أو تجاري ،أو تأسيس جمعية بدون مكان، المكان بصفة عامة هو مصدر قوت وإلهام وإنتاج من غلات وطاقات …والزمان يضبط أعمالنا من حيث العمل والإنتاج ….فالمؤسسات تسير أشغالها وبرامجها بتطبيق الزمن المحدد المنظم……. ولعقد لقاء ما ،لابد من زمان ومكان … .فحتى المنتوجات الفلاحية من ثمار وفواكه وحبوب ……تظهر في وقتها وفق فصول السنة الأربعة .
مدينتي تضيع، وتحار ،وتتردد بعدم احترام الزمن و ضبط توقيته، وعدم احترام المكان الذي هو مقدس عند الدول المتقدمة الواعية المتحضرة ،أماكننا مليئة بالأدران والأتربة والأزبال والزجاج والروائح الكريهة ……إننا نتبجح ونفتخر وندعي التحضر،ونلبس أفخر الثياب ،ونجلس في أرقى المقاهي …..،وأماكننا مفعمة بما ذكرته سابقا ….. فنظافة المدينة هي الدليل القاطع على تحضر وتمدن وثقافة ساكنتها . فشتان ثم شتان …اااوهيهات ثم هيهات ……ااااا
وأختم بهذه المأثورة ” الناس هوسى والزمان أهوس “.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق