وجهة نظر: شيطنة المحتجين في الريف يشكل خطرا على مستقبل الملكية‎

15 يونيو 2017آخر تحديث :
وجهة نظر: شيطنة المحتجين في الريف يشكل خطرا على مستقبل الملكية‎

سعيد السالمي* “* مترجم من الانجليزية من موقع مديابارت”

يعيش المغرب منذ أسبوعين على وقع حملة اعتقالات عشوائية للمحتجين السلميين في الحسيمة، في منطقة الريف شمال البلاد، طالت أزيد من 180 من قيادات الحراك بتهمة المس بأمن الدولة وغيرها من التهم التي قد تؤدي الى عقوبات بالسجن المؤبد. وهو ما يعتبر سابقة في تاريخ المغرب منذ تفجيرات 2003 الارهابية، ولو أن المحتجين هذه المرة سلميون رفعوا مطالب اقتصادية واجتماعية بسيطة: الحق في الشغل وبناء مستشفى وجامعة. مطالب تعكس الوضعية السوسيوقتصادية الكارثية التي يكمن حلها في حقل السياسات العمومية وليس في المقاربة الامنية والاعتقالات بالجملة التي لم تزد الوضع إلا تعقيداً.

وجب التذكير أن الشرارة التي أطلقت هذه الاحتجاجات هي قتل بائع للسمك، شاب في الثلاثينات من عمره تم فرمه في شاحنة للنفايات في الحسيمة. طالب المحتجون بإحقاق العدالة ومعاقبة الجناة، وهو ما ردت عليه السلطات بإعلان فتح تحقيق. كان هذا كافيا لإنهاء المشكل لو كنا في بلد لم تفتقد فيه الثقة بين النظام والمواطن، الا ان انعدام الثقة بين النظام وساكنة الريف دفهم الى رفض كل الوعود بفتح تحقيقات.

سرعان ما اتخذت الاحتجاجات طابعا اجتماعيا في هذا البلد الذي يحتل المرتبة 123 في تصنيفات الامم المتحدة للتنمية البشرية، وتجاوزت نسبة البطالة 15.7 % في الوسط الحضري، و40% في اوساط الشباب بين 15 و24 سنة في المدن. فطالب المحتجون بخلق فرص للشغل، وبناء جامعة في هذه الاقليم البالغ عدد سكانه 400 الف نسمة، وغالبا ما يجبر فيه الطلبة على التوقف عن الدراسة في غياب الامكانيات المادية الضرورية لاستكمال دراستهم في المدن الاخرى. كما طالبوا ببناء مستشفى متخصص في أمراض السرطان المتفشية بكثرة في تلك المنطقة بسبب الاسلحة الكيماوية التي استعملها الجيش الاسباني لقمع المقاومة التي قادها عبد الكريم الخطابي، أيقونة الذاكرة الجماعية لهذه الساكنة.

جدير بالذكر ان تهميش المنطقة ليس وليد أيامنا هذه، بل يعود الى فجر الاستقلال عندما أخضعتها الملكية الى نظام عسكري عقب القمع العسكري العنيف الذي قاده الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك لسحق انتفاضة الريف 1957 ــ 1959.

وعندما اعتلى الملك محمد السادس العرش سنة 1999، وضع حدا لتهميش المنطقة ولكن التوتر ظل على حاله، ولعل ما زاد من استياء الساكنة الريفية اليوم هي المشاريع التي دشنها الملك ولم تنجز.

يبدو أن النظام المغربي فضل أن يتعاطى مع احتجاجات الريف دون أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الوقائع التاريخية، وهو ما دفعه الى ارتكاب ثلاثة أخطاء رئيسية زادت من تعقيد الوضعية.

الخطأ الاول يكمن في التماطل. لقد لعب النظام على عامل الزمن إلا أن المحتجين وأغلبهم من الشباب ظلوا مستميتين وصاروا أكثر تنظيما، بل أكثر من ذلك، انضمت إليهم النساء والاطفال والشيوخ وظهر للحراك قائد ورمز، هو ناصر الزفزافي، الذي يوجد الآن رهن الاعتقال بتهمة “المس بامن الدولة” وتلقي تمويلات أجنبية لأن أحد اقاربة بعث له من الخارج حوالة بقيمة 270 يورو.

الخطإ الثاني يكمن في تفضيل المقاربة الأمنية على كل الخيارات الاخرى. حيث سعى النظام إلى التشهير بالمحتجين وشيطنتهم بهدف عزلهم، فوصفهم وزير الداخلية بالانفصاليين، واتهمهم شيوخ الدين المقربون من النظام بالتحريض على الفتنة. هذه الاستراتيجية اصطدمت بالهوية الجهوية التي لا تزال موسومة بصدمات التاريخ والعلاقة المتشنجة التي ظلت تربطها السلطة المركزية، فزادت من حدة الحراك ووفرت له حاضنة اجتماعية قوية، وصار شعار المحتجين هو “الموت ولا المذلة” كما يقولون في وقفاتهم.

الخطأ الثالث هو القمع العنيف الذي تصرفت به قوات الامن خلال الاسبوعين الاخيرين. هناك أشرطة عديدة تظهر عناصر الشرطة وهي ترشق نوافذ البيوت بالحجارة في جوف الليل، وتشتم الساكنة بألفاظ عنصرية جارحة، ورغم أن هذه الحملة العنيفة أسفرت عن اعتقال ازيد من 180 محتجاً، بمبررات غير مقنعة، فقد ظل المحتجون يخرجون الى الشارع للاحتجاج. وتحولت هذه العملية التي كان الهدف منها “تهدئة الشارع” إلى استفزاز حقيقي يغذيه الشعور بالاهانة التي لا يزال حاضرا.

هذه الاختلالات التي عرفها تدبير الحراك، لم تمنع المحتجين من التشبث بالخطوة (أ) من الاحتجاج السلمي، إلى حدود اللحظة على الاقل، ذلك أنهم لم يحتلوا أماكن عمومية ولم ينفذوا أي اعتصام مدني. إلا أن الاصرار على استفزازهم قد يدفعهم الى خطوات أخرى قد تنزلق بالبلاد إلى كارثة، ليس فقط على المغرب ولكن على المنطقة المغاربية ككل، سيما أن موجة الاحتجاجات وصلت الى الرباط ومدن أخرى. أليس من الافضل أن نحتاط قبل فوات الأوان؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق