تحليل الأسبوع: شبكة مصالح دولية وراء ابعاد بنكيران و هكذا أفشل الزفزافي خطة تقسيم المغرب الى 4 شعوب؟؟

18 يونيو 2017آخر تحديث :
تحليل الأسبوع: شبكة مصالح دولية وراء ابعاد بنكيران و هكذا أفشل الزفزافي خطة تقسيم المغرب الى 4 شعوب؟؟

إعداد: عبد الحميد العوني/ الاسبوع

أسقطت مظاهرات الحسيمة ضد الانفصال، وتصريح قائدها ناصر الزفزافي: “أنا وحدوي ووطني”، أمام الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء إلى جانب 200 محامي يؤازرونه، كل مشاريع الحكم الذاتي وتقرير المصير، الموجهة من الخارج إلى الأمازيغ من جبل نفوسة في ليبيا وإلى الريف المغربي، مرورا بالقبايل الجزائرية التي دعم مطالبها دبلوماسي مغربي في الأمم المتحدة.

وأنهت هذه التطورات، دعم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في وقت سابق، لإدارة ذاتية للريف وإقليم الصحراء، ودعم المملكة للحكم الذاتي لمنطقة القبايل تبعا لمخطط إقليمي يدعو إلى إطلاق حكومات “أسمار”، “سوس”، “الريف”، “الصحراء الغربية” أقاليم كبرى للمملكة، وبقي رئيس الحكومة الحالي دبلوماسيا مدافعا عن إدارة فيدرالية واسعة في بلاده، منذ إبعاده عن وزارة الخارجية، لبقاء جواز سفره الدبلوماسي تحت رقم “أـ دي ـ 8076151” من 10/1/2012 إلى 10/1/2017 أي قبل أيام من تعويضه عبد الإله بن كيران.

وتلقى العثماني دعما دوليا قويا لرئاسة الحكومة المغربية، قبل أن يقلب المتظاهرون في الريف المعادلة لرفضهم الحكم الذاتي، فاضطرت إسرائيل عبر وزير اتصالها إلى لقاء رئيس البوليساريو، للحفاظ على مشاريع التقسيم في المنطقة، وتبخر لقاء نتنياهو مع الملك محمد السادس في قمة المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.

وحاولت أطراف دولية إخماد حراك الريف على الفور لأنه “محافظ” ومتشدد ولا يخدم الأجندة الدولية المحددة في ما يسمى “المجتمعات

المفتوحة” (أربعة أقاليم لأربعة شعوب في المغرب) التي بدأها رجل الأعمال الأمريكي جورج سوروس بصرف 63 مليون دولار في شمال إفريقيا، انطلاقا من ليبيا، كما جاء في اللقاء الواحد والخمسين لمنظمته في إيطاليا.

وضربت التطورات الأخيرة التوصية الثالثة من “فوروم أمازيغ” يوم 3 فبراير 2008 التي بدأ منها خط الانفصال الموجه للريف، انطلاقا من “استغلال العنف السياسي المغربي ضد “أمازيغ الريف”، كما توضحها لائحة الصحافي الأوكراني في إسبانيا، تريفانو، بالصوت الحي.

وفي مقال للكاتب الأمازيغي ـ الأمريكي من أصل ليبي، إدن ألماسود، “فإن أمازيغ ليبيا في جبل نفوسة هم القادرون حاليا على تقرير مصيرهم، وأن عقبتهم الرئيسية هي فئة المحافظين في القبايل الجزائرية والريف في المغرب، بما يجعل الزفزافي عائقا على الأرض لمشروع الانفصال”، وهو ما تقره “ورقة نيكولاس ستورجان” من الحزب الوطني الأسكتلندي.

واعتقل ناصر الزفزافي فور دعوته الآلاف للتظاهر ضد الانفصال، بما غير الصورة كاملة في مجتمع “تامازغا”، ورفع الغطاء عن لوبي داخل الدولة وخارجها، يدعم تحويل الجهوية الحالية إلى “جهوية متقدمة” لا تقل عن إدارة ذاتية لأربعة أقاليم كبرى في المملكة.

ولتفكيك هذه الصورة المعقدة، قال مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي للحكومة، بأن التعليمات الملكية صارمة في شأن المتابعات الجارية في الحسيمة، وأرادت التحقيقات أن تصل بالدولة إلى “قراءة موضوعية للأحداث”، تجاوزا للارتباك الذي انتقده بن كيران، بفعل اتهام الحكومة حراك الريف بالانفصال، ثم العودة عن ذلك، إثر تقرير أعده وزير الداخلية لفتيت، قبل أسبوعين، عرضه على قادة أحزاب الأغلبية، ودفع المملكة إلى مأزق قرر معه الملك في شخص ممثله، لقاء الأحزاب، وأمر بسير التحقيقات بصرامة كي لا يتم الضغط على المعتقلين واستنطاقهم بما يناسب الموقف المعلن من طرف وزير الداخلية.

الزفزافي صاحب الخطاب “المحافظ”، أزعج النظام لطول الحراك في الريف وقررت الدائرة الماسونية في إيطاليا، التخلص منه لأنه ضد مخطط “الانفصال” الذي فشل في الانتقال من خطوته الثالثة إلى الرابعة في حراك الريف

بالصوت خرج تريفانو، الصحافي الأوكراني، لكشف الخطة المعقدة والماهرة لاستغلال ما سماه عنف النظام ضد “أمازيغ الريف”(1) ومنذ اعتلاء ماكرون ـ المدعوم من سوروس ـ رئاسة فرنسا، لم يعد ممكنا بقاء قيادة رجل محافظ لحراك الريف، وظهرت معارضة شديدة في أوساط الأمازيغ أنفسهم في كل أوروبا.

ويرفض المحافظون التقليديون المشروع الداعي لتحول المجتمع الريفي إلى “مجتمع مفتوح”، وتحركوا بعد مقتل محسن فكري ـ صياد الحسيمة المطحون في شاحنة النفايات ـ فيما يعارضهم حداثيون لهم أنصار في الدولة منذ الاستقبال الذي حظي به جورج سوروس في 12 أبريل 2014 في القصر الملكي بتطوان (العاصمة التاريخية للمغرب الإسباني) كما يحلو لهذه الدوائر تسمية المدينة، وتعد في نظرهم جزءا من الريف.

ومسألة تحويل المجتمع الريفي إلى مجتمع “مفتوح” دون الوصول إلى انفصاله، والإيمان بإدارته الذاتية، خطة لبعض دوائر القرار، وبعد إقالة بن كيران، جاء الدور على قائد ميداني محافظ آخر، هو ناصر الزفزافي.

واتهم إلياس العماري بن كيران بإبعاده عن ملف الحراك الذي طالب فيه بتدخل الحكومة لمعالجته، ورد عليه رئيس الحكومة السابق، بأن هذا ليس من اختصاصه كرئيس جهة، وبقي الموضوع متأرجحا إلى حين إسقاط رأس بن كيران من قيادة الحكومة، وبعدها رأس الزفزافي.

واستخدمت هذه الدوائر الحراك في الريف مرتين في حسابات ضد بن كيران نفسه قبل أن يتحول الزفزافي إلى ورقة مزعجة، لأن الإسلام المحافظ في الريف غير مقبول، وسيكون لتحول الريف إلى مجتمع مفتوح ثمن، على مستوى شكل الإدارة الترابية المؤهلة لحكم ذاتي للإقليم، ورفض العقل المحافظ لوزارة الداخلية هذا التوجه، فتحولت الحسيمة من عاصمة لجهة في المملكة إلى مدينة عادية، وانتقل أغلب الموظفين العموميين خارجها، ولم يبق فيها سوى ألفين منهم، في وسط وصل فيه معدل البطالة إلى 16.3 ونسبة الأمية إلى 39 في المائة، وليس لدى ساكنة من 389 ألف نسمة سوى 39 مؤسسة تعليمية منها 7 خاصة و488 سرير للمرضى.

وفي هذا المسار، لدى المتظاهرين خيار واحد من الاثنين: القبول بالمخططات الخارجية أو الاستثمارات الخليجية، وكلها مرفوضة لأنها من الخارج، فحولوا صوتهم إلى الدولة لضمان بنيات تحتية ومعيشية سليمة، ولأنهم رفضوا كل ما هو خارجي من إدارة ذاتية، وانفصال أو استثمارات تمس تقاليدهم، فإن الدفاع عن “هوية ريفية” لم يكن في مصلحة أي طرف.

بن كيران حمى الحراك في الريف كي لا تستثمره أي جهة خارجية، لكنه في الداخل قتل الجدوى السياسية لحزب الأصالة والمعاصرة وشخص إلياس العماري

دافع رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، عن حراك الريف، لأنه إعلان عن فشل حزب الأصالة والمعاصرة، المفروض على المنطقة وسيطا بين الساكنة والدولة، وهذه الوساطة مرفوضة تعزيزا لعمل الحكومة التي أرادها الأمين العام للحزب الفائز في الانتخاب التشريعية الأخيرة، قادرة على الوقوف في وجه المستشارين الملكيين الذين تحولوا إلى مؤسسة وسيطة، وقد قال بن كيران وقتها بوجود حكومتين في بلده.

ومن جهة ثانية، سكت بن كيران عن الحراك قبل أن يتصدره ناصر الزفزافي الذي رفض ما يسمى بالمشروع التحديثي بتوابعه، وقبل بالشروط التنموية المتعارف عليها دون أي استثمار للحراك من طرف ما يسميه الحراك “الدكاكين السياسية”.

وعرف الجميع أن من قرر عزل بن كيران، قرر بعدها “قطف” رأس الزفزافي خوفا من موجة محافظة في المجتمع تتحرك بقوة في الشارع بعد إفشالها على صعيد المؤسسات.

ومن الطبيعي لمن يريد إحياء رقم إلياس العماري، وباقي المخطط، إبعاد الزفزافي عن الساحة، وانقسمت الساحة حول هذه التطورات ليس في المغرب، بل أيضا في الخارج، فالريفيون المحافظون بلغوا درجة منع فيها أحدهم، وهو عمدة روتردام المحاضر المجدد طارق رمضان، المعروف بدفاعه عن القراءة الحديثة للنص الديني، في مقابل الأمازيغ “الانفصاليين” الذين أرادوا دمج تونس في مخطط “تامازغا” الكبرى، منذ ظهر رجل الأعمال، كامل ليطايف، في نيويورك وأثار مشكل الأمازيغ في تونس، في عشاء 26 أكتوبر 2015، المنظم من مجموعة الأزمات، التي استضافت الإسلامي راشد الغنوشي، قائد حركة النهضة، وقائد السبسي، الليبرالي وزعيم نداء تونس.

ومن الصادم في هذه الدوائر، عدم ظهور أي رجل أعمال ريفي في الحراك، وبقي ناصر الزفزافي معزولا إلى حين إلقاء القبض عليه لتمرير مخطط رفضه، ولم يكن جزءا منه، وخرج ضد الانفصال في آخر تظاهرة انتهت باعتقاله.

ورفض الحراك مخرجات “فوروم أمازيغ” يوم 3 فبراير 2008 الذي كتب اسم جورج سوروس بحرف تيفناغ، ودعا إلى عودة الثروات الطبيعية لأمازيغ البلاد لتنمية مناطقهم، وأشار سكرتيره الخاص، أن الأمازيغ “قوقازيين” ووقفوا في وجه المصريين في إفريقيا، وحكموا القاهرة في العهد الفرعوني والإسلامي (الفاطمي).

إبعاد بن كيران واعتقال الزفزافي الممثلين للإسلام المحافظ الداعي للديمقراطية بطريقة مختلفة وبمعايير محلية بعيدا عن انفتاح المجتمعات وتدمير قيمها وتقاليدها، ضمن خطة موجودة

لم يصدم المراقبون ما حدث من إعادة إخراج الوضع بطريقة مختلفة ضد بن كيران، أو الزفزافي أخيرا، وباقي المعارضين لحسابات داخلية وخارجية مركبة، انتهت إلى إزالة عراقيل حقيقية في وجه المشروع المعروف بالحداثي والنيوليبرالي في المملكة.

وخسر الجميع مشروعا ذاتيا متمتعا بقيمه المحلية في الدمقرطة وحكم المؤسسات وتجويد التدبير، وكأن خيار الشعوب المتأخرة عن الركب هو الانغماس في إدارة فيدرالية ولامركزية ترفضها فئات تقليدية في المجتمع المغربي، ولا يختلف حزب الاستقلال الذي حمل قيم علال الفاسي، أو حزب العدالة والتنمية الذي لم ينكر ابن تيمية، في خوض معركة بن كيران الأخيرة للدفاع عن نزاهة الانتخابات، أو ناصر الزفزافي الذي احتمى بموروث عبد الكريم الخطابي.

والحرب على ما يسمى “التقليدانية” في وجهها العروبي أو الأمازيغي أو السلفي، خوفا من إحياء المدرسة الأخيرة لرواد الاستقلال الراغبين في دولة متمتعة بخصوصيتها وانفتاحها الكامل على العصر، هي معارك متواصلة، لأن التحديث في نظر البعض، يعني “إدارة ترابية لامركزية تنتهي بالانفصال وإعادة رسم الخرائط”.

تقول “ورقة كريستيان فوروم” الموقعة في 25 ماي 2017: “إن مشروع جورج سوروس والماسونية التي تخترق 17 من الدوائر الحكومية في دول المغرب العربي، غير كافية للوصول إلى حرب جذرية ضد تقليدانية الشارع والمؤسسات التي يجب تصفيتها، ولا يمكن لأي مسيحي محلي ـ مغربي ـ الاستفادة منها، لأنها ضد كنيسة مغربية كما تهدد تقاليد ولغة اليهود المغاربة والإسلام المغربي”.

ويخدم تمثيل رجال الأعمال في الحكومات بالمنطقة المغاربية هذا المخطط، أو هم معرضون بفضح جرائم فساد تورطوا فيها، والانقسام الحادث بين المحافظين والتحديثيين في صفوف الأمازيغ، شيء مقصود حسب المنظر والقريب من المخابرات الروسية، فيتاليج تروفيموف(2)، ومدروس “منذ ولاء الطوارق (أمازيغ أصليين) للقذافي، وقد دافعوا عن الهوية المحلية ضد الأمازيغ الذين درسوا في أوروبا ويؤمنون بمدرسة باريس”.

وبين الألسن الأمازيغية التي نجد بعضها ساميا وآخر من القوقاز الجنوبي، فإن تغليب الهاجس التحديثي للمجتمع المفتوح ـ المنسوب إلى جنوب القوقاز ـ في بيئة أمازيغية، حسب الدراسات التي يمولها جورج سوروس، ينفصل كليا عن الأمازيغ الساميين وبني ورياغل من هذه التشكيلة غير المرغوب فيها، وهي تعود بعبد الكريم الخطابي إلى أصول سامية، والزفزافي من نفس القبيلة، لأنه حفيد القايد اليزيد، فيما قتل عمه في 1978 لأنه مدير ديوان الأمير الذي لا زال رفاته في القاهرة.

“عدم تسييس” علم الجمهورية الريفية وتحويله إلى “شعار ثقافي” للمنطقة الرافضة للانفصال، هو أول سلوك قابله أنصار الدولة المركزية والمطلقة بالرفض

أحيت جماهير المتظاهرين في الحسيمة ونواحيها، صورة عبد الكريم الخطابي وعلمه وتراثه في مصالحة واسعة مع التاريخ مع رفض أي وازع انفصالي.

وتظاهر ضد الانفصال 40 في المائة من الريف التاريخي من 150 كيلومترا التي ناهضت إسبانيا من 1921 إلى 1926 وفرنسا من 1925 إلى 1926، وخرجت قبائل جبالة للتضامن مع الحراك، وهي منطقة حسب التقسيم الاستعماري بين طنجة والقصر الكبير، فيما لم تستجب قبائل غمارة، وبقيت الاحتجاجات محصورة في الريف الأوسط (الحسيمة) أو ما يسميه الإسبان “فيلا سان خورخيو” وبعضا من الريف الشرقي (كيرت) جنوب مليلية.

وهذا التفصيل، أهل العاصمة مدريد إلى التعاون جوا لرسم خارطة تحركات المتظاهرين، وسلمت بعض صورها إلى العاصمة الرباط، فيما رفض المحتجون أن يؤثر العامل الإسباني في الحوار مع المركز (الرباط)، أو يسمح لمدريد بالتدخل في يوميات الحراك، وهي التي سعت من خلال مقال لـ “إسبانيول” لصونيا مورينو، في التاسع من يناير الماضي، أن تضع الناشط، ناصر الزفزافي أمام ملك المغرب(3)، وكان مهما عزل باقي المناطق عن الحسيمة ورفع الإجراءات الأمنية كي لا يغادر الحراك إلى سبتة ومليلية.

وفعلا، دفعت السلطات الإسبانية نظيرتها المغربية إلى تفكيك الحراك، لأنه محافظ، ويحمل شعار عبد الكريم الخطابي ضدها، وضد احتلالها لسبتة ومليلية، وغيرت الصحافة في العاصمة مدريد بذكاء، توجيه رسائل الحراك إلى العرش المغربي، واستهلكه المراقبون المغاربة بسهولة.

يقول تقرير للمتابعة: “لم تكن النخبة المغربية في مستوى وعي رسائل جماهير الحراك، وحاربت هذه النخبة الصورة المحافظة التي ظهر بها المحتجون رغم أنها غير انفصالية، محولة رموزا تاريخية إلى مجرد علامات ثقافية، فعبد الكريم الخطابي قاد معركته في أنوال بجيش تحرير العالم الإسلامي ضد 60 ألف إسباني، تحت قيادة الجنرال، مانويل فرنانديز سيلفيستر، الذي انتحر في 22 يوليوز 1921 بعد قتل تحالف أيت (أو بني) ورياغل وأيت توزين وأيت غانو وتمسمان لـ 12 ألفا من جنوده”.

وأثارت الصحافة الإسبانية في زمن الحراك هذه المأساة أكثر من 32 مرة، وإن تخوف الملك خوان كارلوس من مسيرة يقودها الحسن الثاني نحو الثغرين المحتلين، سبتة ومليلية، فإن المسؤولين الإسبان، خافوا من قائد ميداني استطاع أن يجمع حوله 150 ألف متظاهر وهو الشخص الثاني الذي تمكن من إحاطته بالآلاف، فعزل بن كيران واعتقل الزفزافي.

ولم يشكك الساسة الإسبان في الضغوط التي يقودها الأمازيغ بكل من الجزائر والمغرب لكسر إغلاق الحدود مع الجزائر، خيار يريده الريف تاريخيا(4)، ومن المهم ـ في وثائقهم ـ إبعاد القيادة المحافظة عن الحراك باعتقال الزفزافي، وإعادة توجيه البعد الأمازيغي للتوجه شرقا نحو القبايل وجبال نفوسة، دون التركيز على الريف التاريخي، الذي تقع سبتة ومليلية في قلبه، فيما تساهم حكومة تقودها أغلبية من سوس في انتقال المدافعين عن الحكم الذاتي للريف، ومنهم رئيس الحكومة، إلى وحدويين محافظين مؤمنين بمركزية الدولة والقرار.

وقد أثر في القصر خروج أكبر تظاهرة في الريف في الذكرى 12 لإطلاقه مبادرة التنمية البشرية، رغم أنها كانت رد فعل ضد اتهام الحكومة للحراك بالانفصال، وتجاوز محيط الملك هذا الاعتبار، فيما برنامج الشارع في الحسيمة، يذكر الجميع برشيد الخطابي وعبد الصادق الخطابي في 11 نونبر 1958، مكون من 18 نقطة موجهة إلى محمد الخامس، وقبل أن يصل إلى يديه، اندلعت الانتفاضة من إمزورن، وكذلك الأمر حاليا، فقبل وصول برنامج الحراك إلى القصر، اندلعت مواجهات لاعتقال “القيادة الجماعية للحراك”.

ويقرأ الكل هذه الصورة المتشابهة، لكن وسائل الاتصال منحت هامشا للمتظاهرين أمام 30 ألف جندي بنفس العدد الذي قاده الملك الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد(5) إلى نفس المنطقة، بعد سنة من الاستقلال.

ووجدت دوائر النفوذ صعوبة في تكييف المحاكمة التي انتهت بأسلوب ديني، حين أرسل وزير الأوقاف خطبة إلى مساجد الريف ينعت من خلالها المتظاهرين بالفتنة، وهي التهمة التي رفضها الزفزافي في المسجد، وقال “إن المساجد لله وليست للمخزن”، فأمر الوكيل العام للملك بالحسيمة باعتقال قائد الحراك، ودفعت موالين للسلطة إلى اتهامه بالتشيع أو التقرب من السلفية الجهادية، وكلها بعيدة عن التقديرات الإسبانية التي اعتبرتها “صعوبات في إيجاد التمويلات الضرورية” لتحقيق ما يريده الشارع من تنمية مستدامة في منطقة الريف، وجعل الساكنة مشاركة في اقتراح المشاريع.

وشكل إعفاء بن كيران واعتقال الزفزافي ردا على مشروعية الشارع والشعب في اختيار من يحكمه أو يمثله لترسيخ “المقاربة التشاركية”.

وأحس الجميع برفض السياسة النيوليبرالية الحاكمة، ودوائر القرار المالي الدولي، وقدمت “أطاك” دعمها للزفزافي ومن منعه، وأقر عمدة برشلونة دعما كاملا للحراك، لأن المسألة اقتصادية لا تستطيع دائرة الحكم الاستجابة لها، وهو ما أثر على سمعة المغرب ومشاريعه في إفريقيا.

خطورة السقوط الرمزي لمشاريع المغرب في إفريقيا

اندلع حراك الريف في عز توقيع الاتفاقيات المغربية مع الدول الإفريقية، لكن الاعتقالات التي انتهى إليها الوضع، تسببت في نظرة مغايرة للأوضاع، كما في تغطية “مالي أكتيال”(6) وغيرها من وسائل الإعلام في الساحل وجنوب الصحراء، حيث عدت الزفزافي “أيقونة” يدافع عن العدالة في توزيع الثروة، ويرفض الانفصال لتحقيق ذلك دعما له في مواجهة (الطوارق) الأمازيغ الراغبين في تقرير مصير إقليمهم (أزواد) شمال دولة مالي، واهتمت هذه الوسائل الإعلامية بما سمته الفترة القصيرة (12 دقيقة) لنقل قائد الحراك إلى الدار البيضاء من أجل التحقيقات التي بدأت منذ شهور، وأعلن عنها والي الجهة، اليعقوبي، لوكالة الأخبار الفرنسية “إ. إف. بي”.

هذا المتحدث الذي لا يسكت(7)، والمناضل البسيط الذي بدأ في وسائل التواصل الاجتماعي، غطى على نخبة محلية، جاء اعتقاله ليحرر الساسة المحليين من الجمود الذي فرضته الاحتجاجات على مواقعهم ومشاريعهم.

وبين “وريث الخطابي” كما وصفت الزفزافي “ميديا بارت”(8)، وبين عائشة الخطابي التي انتقدت الحراك وقالت بـ “خدمته للجزائر”(9)، أو “دوائر التشييع” (منار السليمي) أو “السلفية الجهادية” (محمد ضريف)، جاء الرد قويا بكتاب أبيض إلى الملك من 3 أحزاب صغيرة “الإصلاح والتنمية” و”النهضة والفضيلة” و”الوحدة والديمقراطية” في مواجهة الأحزاب الكبيرة، في تقييم جديد خلقه حراك أحزاب صغيرة على الهامش.

وكل الخوف، من مستوى الثقة في مشاريع الدولة المغربية، وديمقراطيتها، مقارنة بمعايير القارة السمراء ، وعلى مستوى الدائرة اليهودية التي أعاد فيها الاتحاد الدولي الفرنسي من أجل السلام مقال “لومانيتي”: “متمردو الريف في مرآة محمد السادس”(10).

وستفتح المفوضية الأوروبية تدقيقا في المساعدات الموجهة إلى المغرب، كما طالبت به مدريد دون إعلانه في الإعلام.

ويمكن أن تصل عواقب التدهور الحالي إلى 10 خلاصات صعبة وشديدة الحساسية:

1 ـ هناك جهة في الدولة تريد أن تظهر النظام المغربي مهددا بانفصال بعض الجهات في المملكة، إن تجاوز ما اقترحه من حكم ذاتي للصحراويين عشية جولة جديدة من المفاوضات مع البوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة.

ويريد هذا السيناريو استنساخ “أكديم إزيك” جديد في الريف، تحت أي مبرر لإيصال هذه الرسالة، لكن الزفزافي رفض تسييس ملف الحراك الذي قاده، وأراد بطائق تقنية لمشروعات أرادها الشارع في موضوع التنمية البشرية والتنمية المستدامة.

وبعد اعتقاله، زادت نسبة التطرف في مطالب الشارع، وهو ما رفضه الأوصياء في الخارج.

وبعد قتل مبادرة الحكم الذاتي للريف، يمكن ـ في نظرهم ـ خلق تراجع كبير في الجهوية المتقدمة التي بدأت متعثرة في القوانين التنظيمية، كي لا يتمكن النظام من أي حل في قضية الصحراء، وبالتالي، فرض الضغوط المرغوبة لدمقرطته بشكل جذري.

2 ـ أن السلوك السياسي والإداري الذي فرضه القطاع غير المهيكل في موضوع “مأسسة” الرشوة كما تقول “ليكسبريس الفرنسية”(11)، انتهى إلى الفشل، ولم يعد هذا القطاع يؤدي دورا في السلم الاجتماعي، وهي خطوة لإعادة النظر في كل هذه التقديرات التي يدير عليها النظام تصرفاته في أعلى السلطة لا تحاسب إلى أدنى سلطة لا تحاسب أيضا لأنها غير مهيكلة.

3 ـ “تسييس” الأئمة كما ظهر في الريف، وألقى وزير الأوقاف درسا حسنيا لدعمه، فزعزع قناعة الأفارقة في تكوين فقهائهم في المملكة، فالمسجد قسم المغاربة في الريف، وتلك قصة معقدة في القارة السمراء ومع الجمهورية الفرنسية.

4 ـ الرهان على قتل الخطاب المحافظ، خسارة لجزء من الشعب، فالمشروع النيوليبرالي استخدم القوة ضد رئيس الحكومة السابق (عبد الإله بن كيران) والأمين العام لحزب الاستقلال (حميد شباط) وقائد حراك الريف (ناصر الزفزافي)، وهذه المعركة تحول العرش إلى موقع واحد.

5 ـ الخوف من انتقال الاحتجاجات من الريف إلى أميضر كما دعا إلى ذلك الموقع الإلكتروني “تامازغا” فالمشكلة متمثلة، حسب دوائر القرار، في انتقال المظاهرات من المطالب التنموية إلى مطالب لإرجاع ثروة الذهب وباقي المعادن النفيسة إلى الشعب، والربط الذي أحدثته “تامازغا” بين أميضر والريف(12) يرمي إلى مستوى آخر في الصراع الحادث بين دوائر القرار وفئات المحتجين، وتخشى المملكة بشدة من تطور الوعي الاحتجاجي المحافظ والوصول إلى دعوته القائمة على ما تسميه “تامازغا” بـ “تحرير الثروة المغربية من الهولدينغ الملكي، والثروة من باقي اللوبيات”.

وبعد اعتقال الزفزافي، رفع ضحايا الأراضي في عهد رئيس المجلس البلدي السابق والحامل للجنسية الإسبانية طارق يحيى، لافتات في الحسيمة إلى جانب المطالب التي تسود في المغرب بعناوين الأراضي السلالية المواجهة لنفوذ الشركات العقارية الكبرى، ولا زالت ملكية الأرض جزءا من عناوين الصراع القائمة حاليا.

6 ـ إثارة ثروات “الأحباس” التي تديرها وزارة الأوقاف، لأن سؤال الشارع عن الثروة، لن يبقي الوضع عند الثروة المعدنية أو البحرية (الصيد) للمملكة، بل سينتقل إلى الأوقاف، وهو ما دفع الوزير، أحمد التوفيق إلى الاصطفاف فورا ضد حراك الريف، وهي النقطة التي أفاضت كأس الاتهامات الموجهة للريف من طرف والي طنجة تطوان (اليعقوبي).

والتأثير على وزارة الأوقاف، لن يكون داخليا، فهي تمول مشاريع إمارة المؤمنين في إفريقيا والزوايا والمساجد بمختلف المناطق في القارة السمراء، لكن نتائج هذه الطريقة في العمل، وصلت حدودا ليست مقبولة، لأن صورة الإمام المغربي والمسجد اضطربت في نفوس بعض الأفارقة، بعد ما حدث من ردود فعل رسمية على مقاطعة الحراك لخطبة جمعة اتهمته بالفتنة.

7 ـ إحياء “الجمهورية الريفية” رمزا ثقافيا لمنطقة الريف، حوله المركز في العاصمة الرباط، إلى دعوة إلى الانفصال، رغم خروج مظاهرات ضد هذا الاتهام، فانتهت المعركة باعتقال قائد الحراك الذي أربك دوائر القرار الحكومي في الموضوع المثار، وفي موضوع إمارة المؤمنين ودور المساجد “السياسي”، وعلى صعيد دوائر القرار الاقتصادي، رفض المتظاهرون مشروع “منارة المتوسط” المدعوم من السكرتير الخاص لثروة الملك، منير الماجيدي ولوبي الشركات الذي انتقده الحراك بشدة (وهو تابع للوالي اليعقوبي).

وانتهت كل الأطراف إلى الإجماع على اعتقال قادة حراك الريف، رغم التكلفة الشديدة لصورة الدولة في الخارج، وصورة النظام في الداخل، وقد اتهم الزفزافي بشكل علني، وفي استجوابه مع “إسبانيول”، النظام بخرق الدستور في مادته 22، بما يؤكد أن دوائر القرار التي حاولت شكليا الحفاظ على التزامها الدستوري في إقالة بن كيران، انتهت إلى خرقها للوثيقة الدستورية في الإعلام العالمي.

8 ـ أن بيير دوم، في عدد أكتوبر 2012 من جريدة “لوموند ديبلوماتيك” الرسينة، استشرف حراكا في الريف وهو يصف الحسيمة وأيت بوعياش التي تطلق عليها الدولة (بنو عياش) وتعتبر الساكنة الأمر مسا بهويتهم، وهي إلى جانب إمزورن، خط زلزال ثوري دائم، نجحت فيه التظاهرات بفضل خطاب قريب من الشارع ومحافظ وديمقراطي يسمح للجميع بالتعبير عن نفسه بواسطة السلمية، فالمسألة متعلقة بفشل مشاريع التنمية البشرية، و تراجع الحسيمة عن موقعها، وتراجع مساحات القنب الهندي بما يزيد عن 70 في المائة في السنتين الأخيرتين، وإغلاق المعامل التي عرفتها المنطقة في ثمانينيات القرن الماضي.

وهذه الأزمة تتسع على صعيد الموارد المشروعة وغير المشروعة وعدم إنتاج القطاع غير المهيكل للأمن الاجتماعي المحلي، بعد طحن محسن فكري في شاحنة نفايات للدفاع عن سلعة تنتمي لنفس القطاع، وهو ما سبب في مشكلة طاحنة، جعلت الجميع ينصهر، ويترك “الإيديولوجيا” لتسطير برنامج تنموي لا غير.

ورفض الحراك التسييس الذي أبدته الدولة مقابل اللاتسييس في الشارع المدافع عن التعبير الحر لكل التوجهات في التظاهرات دون حجر أو مصادرة.

وخسرت الدولة الرهان التنموي في الريف ليخرج أهله شهورا للتظاهر، وحدث بعد ذلك انعطاف سياسي لمسه محيط الملك حسب “كوريي دو ألجيري”(13).

وحسب صحافة الجارة الشرقية، فالمسألة تتعلق بوصول حمى الاحتجاجات إلى محيط الملك، فيما التوقعات الإقليمية أكدت على وقوع صدام في المؤشرات والتوجهات الاقتصادية، وهو الواقع الذي لم تستجب له الدولة لشهور.

ومن المخيف، فقدان الدولة لمصداقيتها تجاه مؤشراتها ومشاريعها الاقتصادية في الداخل وفي إفريقيا.

9 ـ حراك الريف كشف عن عدم وجود سياسة “شبابية” في المغرب، لأن الكل يتظاهر بشكل قطاعي أو حقوقي أو طلابي في الجامعات، أو يتطرف، فيحمل السلاح في منظمات جهادية، ولم تسمح السياسة لكل جهة أو جماعة ترابية بمواجهة البطالة، والمواجهة الحالية بين الملك وفئة الشباب على حد تعبير “لومانيتي” الفرنسية(14)، قد تذهب بالسلم الاجتماعي في المغرب، ومن الصعب قبول أن الريف هو محل تغيير سياسات النظام وتوجهه نحو البطش والتسلط، وتلك صورة يرفضها أنصار النظام أيضا، لكنها ثابتة عند معارضيه.

ولم يعد ممكنا في مسار المصالحة، عدم قراءة الدرس التاريخي المغربي بواقعية شديدة، فالحراك دفع المسؤولين الغربيين إلى إطلاق وثائق، غاية في الأهمية، تخص “جمهورية الريف” لرفع علمها في التظاهرات، وإن حاول المحتجون تحويل العلم إلى شيء من التاريخ، فإن إنصاف الإعلان المكتوب في 14 جمادى الثانية 1341 (الأول من فبراير 1922) ببيعة 11 من أعيان الريف للقاضي عبد الكريم الخطابي “أميرا”، ظهر أخيرا في مقالات غربية مستندة على ما تضمنه تقرير “الوضعية العسكرية والسياسية للمغرب والإجراءات التي يجب فرضها”، في 20 دجنبر 1924، والتقرير موجه إلى إدوارد هاريوت، رئيس المجلس الفرنسي عبر المارشال، ليوطي.

وقال بالحرف في الوثيقة التي أعلن الفرنسيون نصها الأصلي: “إن الدولة الريفية موجودة باسم الجمهورية الريفية التي تمارس ديكتاتورية حقيقية، وقد أعلن الخطابي أنه سلطان بعد المولى عبد العزيز”، وتوصلت عصبة الأمم و14 دولة بترويسة الجمهورية، وهو ما سبق أن نشره المؤرخ جرمان عياش، والمؤرخة ماريا روزامادا ياغا، وحاليا، تبدأ المصالحة مع التراث من رفض شباب الريف أن يكون علم “الجمهورية” إشارة انفصال، بل علامة ثقافية لتاريخ خاص متصالح مع الدولة المركزية والملكية طالبين منها الاستجابة لمطالبهم، ومنها مستشفى للسرطان لمواجهة نسب الإصابة المرتفعة لهذا المرض في ساكنة المنطقة، بسبب استخدام غاز موتار (بين 1921 ـ 25) والنابالم بين (1958 ـ 59) وغيرها من المشاريع لجسر الفجوة وبناء المصالحة على أساس جبر الضرر الجماعي كما جاء في تقرير هيئة “الإنصاف والمصالحة”.

ومن المهم، عدم الوقوع في فجوة بين الأجيال في عهد محمد السادس، فالطرفان ـ المتظاهرون والدولة ـ تجاوزا جرح 30 رجل شرطة في ذكرى وفاة عبد الكريم الخطابي، لتكون مجرد ذكرى.

10 ـ كاد حراك الريف أن يقتل حزب الأصالة والمعاصرة في مهده، وهو ثاني حزب في المملكة، ويخلق تغييرا جذريا للخارطة الحزبية والسياسية في المملكة، في ظل تراجع حزب العدالة والتنمية بتشكيله حكومة العثماني، ورأى البعض أن الفرصة مواتية لإعادة اللعبة إلى الشارع، وصندوق الاقتراع، لكن دوائر النفوذ قررت اعتقال كل قادة الحراك الأربعين، للسماح بحوار وطني وندوة وطنية حول الريف تعيد المبادرة إلى المؤسسات.

ويعد الخبراء أن ما يجري، تطورا دراماتيكيا في احتجاجات “المغرب غير النافع” وهوامش الفقر في المملكة، ولا يزال الوضع خطيرا إلى حد بعيد.

وأمام إنقاذ الحراك لأجهزة النظام من سيناريو الدم أو الانفصال أو الصدام بكل أشكاله، يكون ناصر الزفزافي والمحافظين في احتجاجات الحسيمة، قد منعوا “السيناريو الأسود” رغم أن الضغوط تدفع الأمور نحو مزيد من الصعوبة.

“الإرهاب اللفظي” لم يكن بعيدا عن الرؤية المغربية لأحداث الريف منذ 2015 حسب التقارير الألمانية

توثق الدوائر الغربية خطبة الإمام محمد بونيس، في الجمعة 8 ماي 2015 بالمسجد الرئيسي في تزارين والتي دعا فيها على يوبا الغديوي، الساكن في دوسلدورف بألمانيا وأكثر من 20 حالة مماثلة، قبل أن تتطور خطب الفتنة والتشدد في الريف، وهي معروفة، وقد انتهت باتهام حراك الحسيمة من فوق المنابر بـ “الفتنة”، والإحصائيات التي ذكرها رئيس الجهة، العماري، حول المنضوين في “داعش” من شباب الريف، رهيبة، فالمسألة تتعلق بتحول الخارطة من 4 مناطق لتأسيس الدولة: “الأطلس، بني يزناسن، الزموريين، والريف” (دفاتر جاك بيرك)(15) إلى 4 أقاليم كبرى للمملكة لتفتيتها، فالمسألة لا تنتهي بتحوير النقاش من التنمية إلى الحرية للمعتقلين، بل أيضا لمواجهة تقسيم لا يشارك فيه الشعب، بل يرفضه، وهو خيار بعض المسؤولين والدوائر الغربية، وتمنع الساكنة أي تطرف في الشارع المنتفض، وهي تدفع فواتيره خارج المغرب ولا تسمح به في المملكة.

وإدارة التوتر الحالي في الحسيمة، بطريقة عسكرية، لم يسمح للطيران المغربي بالوصول إلى التحليق فوق سبتة ومليلية، وقررت مدريد دعم العملية ضد حراك الريف في الحدود التي لا تهدد وجودها في الثغرين المحتلين، وأي خلط بين معركة الإرهاب، والتمرد الجماعي سيقلب الطاولة.

حراك الريف أبعد الجيش عن مواجهة “التمرد الاجتماعي” والأجهزة الأمنية الوسيطة سبقت المؤسسات المختصة، فجاء الرد فجّا عبر فيديو رفضته القوات المسلحة الملكية، لكنه كشف عن تفاصيل خطيرة في المشهد الأمني

لم يكن الوضع الميداني في حاجة إلى تدخل الجيش في الحسيمة ونواحيها، وتطورت آليات الأمن المدني منذ إدارة الدرك لمعركة “إكديم إزيك”، وإن عاد الأمر في كله إلى سلمية الاحتجاجات، لكن جانبا آخر يشير إلى “تقدم بارز” في تطور مؤسسة الشرطة والدرك، وهو ما يسهل في جانب آخر “التعامل بشكل واسع مع الاحتجاجات الواسعة والكثيفة للشعب المغربي”، ويبدو أن حراك الريف أبرزها.

وهيأت الظروف الجديدة للوصول إلى ثلاث تقديرات:

أ ـ أن الجيش المغربي بعيد عن سيناريو 1958 و1959، لتطور الأجهزة الأمنية وبشكل لافت، لكن الشرطة لا ترغب في أي محاسبة من الرأي العام أو المؤسسة البرلمانية.

ب ـ أن حراك الشارع، لا يضع نصب عينيه الملكية البرلمانية في 20 فبراير، أو الملكية التنفيذية الكاملة كما اقترحها حراك الريف لتجاوز الحكومة، وأخذت الحكومة من جهتها تدافع عن نفسها ضد الحراك باعتقال قادته، لأنهم وصفوها بـ “العصابة”.

وطلب الوضوح في السياسات العليا سؤال مشروع للساكنة.

ج ـ أن الاحتجاجات السلمية لإعادة إطلاق تنمية بشرية حقيقية وشاملة هو الحل الأمثل في إطار المقاربة التشاركية التي قالت بها الوثيقة الدستورية، ليكون هذا المطلب الشعبي تقديرا لاستقرار النظام.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق