أرقام النمو “الخدّاعة”.. كيف يخفي الاقتصاد المغربي نقطة ضعف خطيرة تهدد الانتعاش برمته؟
أريفينو.نت/خاص
تؤكد الأرقام الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط (HCP) عودة الانتعاش للاقتصاد المغربي، لكن نظرة فاحصة تكشف عن واقع أكثر تعقيداً. ففي حين سجل الاقتصاد الوطني نمواً قوياً بلغ 4.8% في الربع الأول من عام 2025، وتقديرات بنمو يناهز 4.6% في الربع الثاني، إلا أن هذا الأداء المتميز يعتمد بشكل شبه كامل على المحركات الداخلية، بينما يواصل قطاع التجارة الخارجية، الذي يمثل ركيزة أساسية للتنافسية على المدى الطويل، إظهار علامات ضعف مقلقة.
محرك داخلي بقوة كاملة.. الاستهلاك والاستثمار ينعشان الاقتصاد
تكشف أرقام المندوبية أن الطلب الداخلي ساهم وحده بنحو 8.5 نقاط في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول، وهو مستوى غير مسبوق منذ فترة ما بعد جائحة كوفيد-19. وقد ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 4.4%، مدعوماً بتحسن ملحوظ في سوق الشغل بنسبة 3.4%، خاصة في الأنشطة غير الفلاحية.
وفي الوقت نفسه، قفز الاستثمار بشكل لافت بنسبة 17.5% خلال نفس الفترة. ويعود الفضل في هذه القفزة إلى تسريع وتيرة الأوراش العمومية الكبرى في مجالات البنية التحتية المائية والطرقية والرياضية. ورغم أن هذه الأرقام تبدو إيجابية، إلا أنها تعكس اعتماداً كبيراً على الإنفاق الحكومي، في وقت لا يزال فيه الاستثمار الخاص، خاصة في القطاع الصناعي، خجولاً. هذا الهيكل يجعل الاقتصاد يدور بقوة على محركاته الداخلية، لكنه يترك القطاع الإنتاجي الموجه للتصدير متخلفاً عن الركب.
“كعب أخيل”.. الصادرات الضعيفة تكبح جماح النمو
في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، يعاني المغرب من ضعف الطلب الخارجي. فلم تسجل صادرات السلع والخدمات نمواً إلا بنسبة 2.2% في الربع الأول، مقارنة بـ 9.8% في الربع الذي سبقه، وهو ما يرجع بشكل أساسي إلى التباطؤ الاقتصادي في أوروبا، الشريك التجاري الرئيسي للمملكة. وفي المقابل، واصلت الواردات ارتفاعها بوتيرة قوية بلغت 9.8%، مدفوعة بالطلب المتزايد على سلع التجهيز والمنتجات الغذائية.
وكانت النتيجة الحتمية هي أن المساهمة الصافية للتجارة الخارجية في النمو ظلت سلبية، حيث خصمت 3.8 نقاط من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول، و3.1 نقاط في الربع الثاني. ويثير هذا الضعف المزمن تساؤلات حول قدرة النسيج التصديري المغربي على تنويع أسواقه وتعزيز تنافسيته.
استقرار نقدي وتضخم تحت السيطرة.. ولكن إلى متى؟
من الأخبار الجيدة التي حملها النصف الأول من العام، تراجع التضخم، حيث تباطأ إلى 0.8% في الربع الثاني. من جهته، حافظ بنك المغرب على سعر الفائدة الرئيسي عند 2.25%، مما دعم ديناميكية الائتمان البنكي. وعلى صعيد البورصة، ساد التفاؤل مع تسجيل مؤشر “مازي” ارتفاعاً سنوياً مذهلاً بنسبة 37.6%.
وتتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يستمر النمو في الربع الثالث بنسبة 4.4%، مدفوعاً بالطلب الداخلي، لكنها حذرت من المخاطر المستمرة، وعلى رأسها التباطؤ الاقتصادي الأوروبي وتقلبات المناخ التي قد تؤثر على القطاع الفلاحي. وهكذا، يبدو الانتعاش الاقتصادي صلباً، لكنه يظل غير مكتمل ومعرضاً للخطر ما لم يتم تعزيز محرك التصدير وتنويع مصادر النمو.