أسعار زيت المائدة في المغرب .. عوامل الارتفاع وآفاق الإنتاج المحلي

30 أبريل 2022آخر تحديث :
أسعار زيت المائدة في المغرب .. عوامل الارتفاع وآفاق الإنتاج المحلي

– يوسف لخضر
تواصل أسعار زيت المائدة بالمغرب تسجيل ارتفاعات متتالية بشكل مثير للقلق لدى المستهلك المغربي، الذي يعتمد على هذه المادة بشكل كبير في الطهي، كما تدخل ضمن عدد من الصناعات الغذائية المهمة.

وبدأ ارتفاع أسعار الزيوت مع جائحة “كورونا” سنة 2020، التي أحدثت اضطرابات في سلاسل الإنتاج والتوريد، إلى أن فاقمت الحرب الروسية في أوكرانيا بداية 2022 الوضع بشكل جعل الأسعار ترتفع بشكل كبير جدا.

وحسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، فقد عرف معدل السعر الوطني لزيت المائدة ارتفاعاً يقدر بـ3 في المائة خلال الأسبوع الجاري مقارنة بالأسبوع الماضي ليبلغ حوالي 18.90 درهما للتر الواحد.

وعزت الوزارة هذه الزيادة إلى الارتفاعات المتتالية، التي تشهدها الأسعار الدولية للزيت الخام، نتيجة ضعف العرض مقارنة بارتفاع الطلب وتأثير الحرب في أوكرانيا على الأسواق الدولية للزيوت الغذائية الخامة.

ويواجه المغرب بشكل مباشر هذه التقلبات في السوق الدولية بما أنه يستورد 98 في المائة من المادة الأولية التي تدخل في صناعة زيت المائدة، ولذلك تتأثر الأسعار النهائية بشكل كبير.

ويلجأ المغرب إلى السوق الدولية لاستيراد الزيوت النباتية الخام، وخصوصاً الصوجا، بفاتورة تناهز 4 مليارات درهم سنوياً، بما أن الحبوب الزيتية المنتجة محلياً تساهم بنسبة 1,3 في المائة فقط من الحاجيات الوطنية.

وحسب أحد الفاعلين في قطاع صناعة الزيوت بالمغرب، فإن الوضعية الحالية لأسعار زيت المائدة مرتبطة بأسباب عدة، منها الظروف المناخية المسجلة في البلدان الكبرى المنتجة، والإقبال على الوقود الحيوي، إضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وأضاف المتحدث ذاته، أن أولى الزيادات في سعر الصوجا سُجلت في أكتوبر من 2020 بسبب الظروف المناخية غير المواتية التي خفضت الإنتاج في البلدان الكبرى المنتجة للصوجا، مثل أمريكا والأرجنتين، وفي السنة نفسها ارتفع الطلب على المواد البترولية، خصوصاً في أمريكا وأوروبا، التي تفرض استعمال حصة من الوقود الحيوي الذي يستخرج من النباتات الزيتية، على رأسها الصوجا.

وتفرض دول أمريكا وأوروبا استعمال حصة من الوقود الحيوي للحفاظ على البيئة، وهو ما فرض منافسة مباشرة لصناعة زيوت المائدة بشكل كبير، وكنتيجة للعوامل سالفة الذكر وصل سعر الطن الواحد من الصوجا إلى 700 دولار للطن سنة 2020، ثم ارتفع إلى 1450 دولاراً للطن سنة 2021، بزيادة تناهز 50 في المائة مقارنة بمستوى ما قبل “كورونا”.

ومع بداية سنة 2021، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت بشكل مباشر على أسعار المواد الأولية، خصوصاً أن روسيا وأوكرانيا والبحر الأسود تعتبر أكبر منطقة في العالم لإنتاج عباد الشمس المستهلك بشكل أكبر في أوروبا الغربية.

أمام هذا الوضع، اضطر الفاعلون الصناعيون في أوروبا الغربية الذين يستخدمون زيت عباد الشمس إلى البحث عن بديل فوجدوا ضالتهم في الصوجا، وبالتالي ارتفع الطلب عليها أمام استقرار الإنتاج العالمي، ليقفز سعر الطن من الصوجا إلى 1900 دولار خلال السنة الجارية.

الإنتاج المحلي والتخزين
لا يلبي الإنتاج المحلي من النباتات الزيتية إلا نسبة قليلة من الحاجيات الوطنية، لكن الفاعلين في القطاع يؤكدون أن الاستيراد يتم بسهولة من أمريكا اللاتينية بفضل المنظومة المالية التي تمكن من تأمين شحنات قبلية، وهو ما ساهم في التخفيف جزئياً من تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الأسعار.

وأوضح مصدرنا أن سعر زيت المائدة المسجل في الأشهر الثلاثة الأخيرة رغم أنه كان مرتفعاً فإنه يبقى منخفضاً مقارنة بالسعر في إسبانيا وألمانيا وفرنسا وتونس بفضل تمكن الفاعلين المغاربة من تغطية الاستيراد لمدة تصل إلى 4 أشهر بسعر محدد.

ماذا عن الآفاق؟ لا جواب لأن الظرفية الحالية تتسم بعدم اليقين. ويشير مصدرنا إلى أن التوقعات تفيد بأن الحرب الروسية في أوكرانيا لن تتوقف قريباً، وبالتالي فإن الضغوط ستستمر خلال السنة الجارية على أسعار المواد الأولية، سواء عباد الشمس أو الصوجا.

وأمام ضعف الإنتاج المحلي والتقلبات في السوق الدولية يبقى التخزين حلاً من بين الحلول، لكن الواقع يكشف أن القدرة التخزينية المتوفرة في المغرب لا يمكن أن تتجاوز شهرا ونصفا كأقصى تقدير من الاستهلاك الوطني من زيت المائدة، وفق إفادات مصدرنا.

ومن أجل الرفع من هذه القدرة التخزينية، سيكون على الفاعلين في صناعة الزيوت القيام باستثمارات مهمة في البنيات التحتية، لكنها تحتاج وقتاً لاستغلالها قد يصل إلى سنتين، وهو واقع يستدعي، حسب مصدرنا، الاهتمام بتعزيز الإنتاج المحلي ليكون المخزون الاستراتيجي في الحقول، على حد تعبيره.

وقد كان المغرب في السابق يتوفر على حوالي 150 ألف هكتاراً تزرع بالنباتات الزيتية سنوياً، على رأسها عباد الشمس، خصوصاً في الغرب والشمال، لكن هذه المساحة انخفضت بشكل كبير لتصل إلى 17 ألف هكتار فقط خلال سنة 2021.

وتفيد المعطيات الرسمية أن المغرب يتوفر على مساحة تقدر بـ600 ألف هكتار يمكن استغلالها للرفع من مساحة الزيتيات بحبوب نوار الشمس والكولزا، ويبقى من الأهمية بمكان تأمين سعر أدنى مضمون لفائدة الفلاحين، كيفما كان سعر المواد الأولوية الزيتية بالسوق الدولية، واستعمال البذور المعتمدة ذات المردودية المرتفعة من قبل الفلاحين ومواكبتهم.

ويرجع السبب في التخلي عن النباتات الزيتية إلى بحث الفلاحين عن زراعات تتميز بمخاطر أقل وربح أكبر، لأن سلاسل الإنتاج الأخرى شهدت تنظيماً جيداً وتقدم تشجيعات مهمة للاستثمار (مثل سلسلة إنتاج السكر) مقارنة بسلسلة إنتاج النباتات الزيتية.

وكخطوة لتشجيع الإنتاج المحلي، قررت الفيدرالية البيمهنية للزراعات الزيتية في مارس الماضي تعويض الإنتاج المحلي من عباد الشمس بحوالي 6 دراهم للكيلوغرام الواحد، عوض 3 دراهم ونصف في السابق، وينتظر أن تبادر وزارة الفلاحة بالمساهمة في هذا السعر بدرهم ونصف ليصل إلى 7,5 دراهم لتشجيع الفلاحين على هذه الزراعة.

ويؤكد مصدرنا أن الظروف الحالية تجعل من الضروري دعم الإنتاج المحلي من النباتات الزيتية لرفع نسبة تلبية الحاجيات الوطنية ورفع المخزون الاستراتيجي والخروج من وضع التبعية الكلية للسوق الدولية والمضي في مسار تحقيق السيادة الغذائية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق