التحولات المحتملة للحكامة المحلية بالمغرب في ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

3 أكتوبر 2019آخر تحديث :
التحولات المحتملة للحكامة المحلية بالمغرب في ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

اريفينو: مراسلة

التحولات المحتملة للحكامة المحلية بالمغرب

في ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

عماد أبركان

دكتور وباحث في القانون العام

مـقـدمـــة

إن التطور الحاصل عالميا بفعل العولمة، وتنامي مجموعة من المفاهيم الكونية كحقوق الإنسان والديمقراطية وحكامة مؤسسات الدولة، وضرورة ملائمة الجهاز الإداري للدولة مع وظائفها، وما صاحب ذلك من تحولات على جميع الأصعدة والمستويات، وخاصة الجوانب السياسية والإدارية، وغير ذلك من المستجدات، فرض على جميع الدول وخاصة تلك السائرة في طريق النمو، ضرورة تكييف مسألة التنظيم الإداري مع التحولات والمستجدات الراهنة، ومع متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة ومستلزمات الحكامة الترابية.

ويعتبر مفهوم الحكامة الترابية في هذا الصدد من المفاهيم الموضوعاتية التي لازال النقاش والحوار حولها مفتوحا بالنسبة للمجتمعات النامية، لكونه مازال محاطا بكثير من الغموض من حيث ميلاده ونشأته. كما يصعب إيجاد تعريف شامل لمفهوم الحكامة الترابية، فقد أثار تعريفه عدة نقاشات نظرا لاستعمالاته المتعددة[1]. ودون الخوض كثيرا في مسألة التعاريف المتعددة والنقاش المثار حولها، فالحكامة الترابية كمفهوم وآلية جديدة تعبر عن أحسن ما يمكن بلوغه، وأفضل ما يمكن القيام به في مجال التدبير والحكم، وتعتبر هي الهدف والمبتغى الأفضل الذي يمكن الوصول إليه على المستوى الترابي[2]. أو بعبارة أخرى هي الوصول ترابيا إلى أحسن تدبير محلي ممكن في أقل وقت ممكن ومجهود وتكلفة ممكنة وفي أفضل الظروف الممكنة.

وإذا كانت الحكامة الجيدة كمفهوم لم يلق بعد الإجماع على تحديد معناه، فإن الأكيد هو أن مفهوم الحكامة الترابية ينبني أساسا على اللامركزية الترابية في الدول الموحدة -خاصة بتمثلاتها الجهوية- وذلك بما تنطوي عليه من المبادئ الجوهرية والأساسية للديمقراطية والحرية والتمكين الترابي. والتي نذكر منها الشفافية والمساءلة والمشاركة والجودة والفعالية والنجاعة… بحيث لا يمكن الحديث عن الحكامة المحلية دون تكريس تلك المبادئ[3]. ذلك من جهة، ومن جهة أخرى فقد عرف المغرب خلال مراحله التاريخية محطات هامة في مجال السير والسعي نحو ترسيخ قيم الديمقراطية، ومحاولة تدعيم أسس دولة الحق والقانون. وقد تجسد ذلك أساسا في حرص السلطات العمومية على إصدار ترسانة قانونية واسعة “دساتير- مواثيق- قوانين”، وإحداث هياكل ومؤسسات حديثة. واتخاذ إجراءات مواكبة تحاول تقوية دور المؤسسات التمثيلية وتمنعيها وحوكمتها، وترمي إلى توسيع قاعدة الحريات لضمان حقوق الأفراد والجماعات من أجل إنشاء مجتمع مغربي حداثتي يكسب الرهان التنموي ويتطلع إلى استشراف مستقبل أفضل، ويمكن الدولة وأجهزتها من تبوء مكانة ملائمة داخل المنظومة العالمية الدولية.

ويعتبر التنظيم اللامركزي[4] -خاصة الترابي- وما شهده من تحولات وتطورات متلاحقة من أبرز حلقات المسلسل الديمقراطي المغربي الذي يسعى إلى تعزيز الديمقراطية المحلية وتقريب سلطة القرار والتقرير من المواطنين وتمكينهم من المشاركة في التدبير العمومي، اعتمادا على الموارد والمؤهلات المحلية لإنجاز مشاريع تستجيب لحاجياتهم الحقيقية. وذلك عن طريق هيآت محلية منتخبة تتحمل مسؤولية تصريف الشؤون العمومية الترابية تحت رقابة وإشراف الدولة، حتى لا تفضي اللامركزية إلى تنازع في مصالحها أو بين تلك المصالح والمصلحة الوطنية.

وتعتبر الجماعات المحلية أو الجماعات الترابية كما أصبحت تسمى حديثا في المغرب أهم تجسيد لأسلوب أو نظام اللامركزية الإدارية الترابية. وتعد تلك الجماعات الترابية أشخاصا معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية، وهي تتكون حسب الفصل 135 من دستور المملكة الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011، من الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، وتحدث كل جماعة ترابية أخرى بالقانون، ويمكن أن تحل عند الاقتضاء، محل جماعة ترابية أو أكثر، من تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل[5]. وهناك اليوم اقتناع كبير، بل إجماع أكبر، على أن المستوى المحلي هو الحيز الذي بجب أن تطرح في إطاره ‏المسائل الحقيقية المتعلقة بالتنمية، فهو المنحى الذي تفرضه الصعوبة المتزايدة التي تكتنف التسيير المركزي. فتعقد وتشابك المسؤوليات الملقاة على عاتق الدولة المتدخلة، وما ترتب عنه من إخفاق في التدبير المركزي للعلمية التنموية، قد فرض بشكل حاسم ضرورة خلق مستويات لا مركزية تتحمل إلى جانب الدولة الوطنية جزءا من المسؤولية، وذلك ضمن توجه فكري يطالب بأقل ما يمكن للدولة، ويدعو إلى أكثر ما يمكن للجماعات الترابية، حيث تغدو الدولة رمزا للسيادة والوحدة ويكون التراب تجسيدا للتنوع والفعالية.

وباعتبار الجماعات الترابية كشريك للدولة إلى جانب المؤسسات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، يحتم ولا شك أن تقوم هذه الجماعات بأدوار كبيرة ومتنوعة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[6]. وهكذا وتطبيقا لما سبق صدرت القوانين التنظيمية المؤطرة للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث، وهي القانون التنظيمي المتعلق بالجهات[7]، القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم[8]، القانون التنظيمي للجماعات[9]. وصدر إلى جانبهم المرسوم المتعلق بالتقسيم الترابي الجديد للمملكة[10]، يتضمن إحداث 12 جهة بدل 16، وهي من المقتضيات التي نص عليها دستور 2011 إلى جانب مجموعة من المبادئ التي سيتسم بها النموذج الجهوي المغربي كمبدأ التفريع ومبدأ التضامن والمشاركة والتدبير الحر وغيرها. وهكذا تشكل القراءة التحليلية النقدية للقوانين التنظيمية المؤطرة للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث الصادرة مؤخرا، ومدى تأثيرها في الحكامة المحلية، مسألة ذات أهمية كبرى في هذا التوقيت بالذات، حيث المغرب مقبل على تحولات كبرى في ظل تطبيق الجهوية الجديدة المتقدمة في مرتكزاتها وأسسها وأهدافها، والموسعة في نطاقها وجغرافيتها. وذلك في غمرة البحث عن الحكامة الترابية الجيدة وفي معرض السعي نحو تحقيق التنمية المحلية المنشودة والمستدامة، عسى أن يتم اللحاق بالدول المتقدمة المالكة لزمام الريادة والمبادرة التقدمية الكونية والعالمية.

والنصوص القانونية الجديدة التي نحن الآن قيد قراءتها ودراستها وتحليلها وتفكيكها قصد استخراج ذرر معانيها ودلالاتها وأبعادها، وبهدف مساءلتها شكلا ومضمونا، لاشك سيكون لها دور كبير في إرساء وتكريس وترسيخ العديد من التحولات البنيوية في مغرب العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. وذلك نظرا للأهمية التي تكتسيها هذه القوانين في الوقت الراهن، حيث فرضت المقاربة الترابية للمسألة التنموية بالمغرب نفسها، كأحد البدائل النوعية لتعويض النقص الذي يعتري الدولة المركزية، وكإحدى الوسائل الحديثة لتحقيق الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي، وذلك في أفق إرساء التنمية الشاملة والمستدامة. وإلى جانب ذلك فإن الإقدام على قراءة ودراسة والبحث في هذه القوانين التنظيمية الجديدة المتعلقة بالجماعات الترابية، قصد الخوض في عناصرها ومكوناتها وامكاناتها وممكناتها يرجع إلى أسباب وعوامل أخرى أبرزها:

  • أن الإشكاليات التي يطرحها كل نص قانوني جديد بخصوص اللامركزية الإدارية الترابية في إطار البحث عن الحكامة الجيدة تمتاز بالإضافة إلى طابعها النظري والفكري، بصبغتها العملية والواقعية، الشيء الذي يجعلها جديرة بالتفكير والمساءلة المتجددة والمستمرة؛
  • أن اتجاه المغرب نحو تبني جهوية متقدمة واعتبار الجماعات الترابية خلايا ودعامات أساسية من دعاماتها، يجعل من قراءة تحليلية نقدية في القانون التنظيمي الجديد للجماعات ذات أهمية شديدة؛
  • كون القوانين التنظيمية الجديدة ستراهن عليها الممارسة اللامركزية لسنوات في المستقبل الذي أصبح مفتوحا على جميع فإن قراءته ودراسته وصفا وتحليلا وتفسيرا ونقدا تعتبر من الأمور المهمة والأساسية في اعتقادنا؛

وهكذا وانطلاقا مما سبق، يصح التساؤل عن ماهية السياق الذي جاءت في خضمه القوانين التنظيمية للجماعات الترابية؟ وكيف هي هذه القوانين من حيث الشكل والمضمون؟ وما هي المستجدات الإيجابية التي جاءت بها؟ ثم ما هي الثغرات والنواقص التي تعتريها؟ وأخيرا ما هي الممكنات والأفاق المستقبلية لهذه القوانين في غمرة البحث عن الحكامة الترابية؟ وللإجابة عن هذا الإشكال لا بد من التقسيم التالي:

  • أولا: القوانين التنظيمية للجماعات الترابية منطلقات توجيهية وسياسية
  • ثانيا: القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بين المحددات البنيوية والشكلية
  • ثالثا: المستجدات الموضوعية في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية
  • رابعا: رهانات وآفاق القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بين الكائن والممكن

 

أولا: القوانين التنظيمية للجماعات الترابية منطلقات توجيهية وسياسية

لقد باتت اللامركزية الترابية الأسلوب الأمثل والأنجع والأكثر ملاءمة لروح العصر ولمتطلبات التنمية المحلية وتكريس الديمقراطية، فالجماعات الترابية غدت أهم الآليات الناجعة لتدبير المجال المحلي والتنمية، على مستوى أبعادها وجوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والثقافية… كما أنها الإطار الملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة وبديلة للتنمية، حيث أن إشراك سكان الوحدة المحلية في تدبير شؤونهم العامة، من شأنه تفجير الطاقات الكامنة لديهم وتعزيز ثقتهم في اتجاه العمل المنتج والبناء في سبيل تنمية وحدتهم والرقي بها.  فالسكان المحليون يعتبرون هم الأقدر من غيرهم على ذلك بحكم معرفتهم بواقعهم وإمكانياتهم ومشاكلهم، فالأشخاص الذين يتولون إدارة الشؤون المحلية هم في الغالب من أبناء الوحدة المحلية ولهم صلات ورابط وثيقة مع سكانها، ومن ثمة –إذا توفرت الإرادة- فإنهم الأصلح للنهوض بالحكامة الترابية.

إن الجماعات الترابية أصبحت في الآونة الأخيرة -وبلا منازع- إحدى المحددات الرئيسية للتدخلات العمومية في مختلف مظاهر تدبير الشؤون العامة الترابية بالمغرب. ولعل تلك الأهمية لم تأت بمحض الصدفة ولا من فراغ، بل كانت نتيجة طبيعية لتطورات وطنية ودولية أملتها ظروف ومعطيات معينة حتمت هذا التغيير، وفرضت هذا الدور الطلائعي للجماعات الترابية وللإدارة المحلية عموما[11]. فتنمويا كانت الدولة الممركزة قد فشلت في تحقيق أهدافها، وسياسيا لم تعد الدولة بمفهومها المركزي قادرة على إرساء قواعد الديمقراطية، التي تقتضي القرب من المواطن وإشراكه في تسيير شؤونه بنفسه[12].

إن السياق المرجعي المتعلق بصدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية إذا كان عاملا أساسيا في فهم واستيعاب مختلف المقتضيات والقواعد التي جاءت بها في مختلف موادها والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها، فإن الحصر الدقيق لمختلف العوامل والمحددات المرجعية، مسألة جد صعبة ومعقدة. وذلك نظرا لتفاعل وتداخل عدة عوامل ومعطيات فيها، بحيث لا يمكن الفصل بين مختلف المجالات والعوامل التي تتدخل فيها، حتى لا يبخس لكل عنصر من تلك العناصر والمكونات دورها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، حتى يفهم هذا السياق والأساس المرجعي مفهوما عاما دقيقا وشاملا. ولما كان هذا السياق المرجعي ونظرا لخصوصيات النموذج المغربي للإدارة المحلية، قد يصبح غامضا وفضفاضا، وتارة أخرى وضحا وظاهرا، فإن تحديده بدقة أمر ليس هينا كما قد يبدوا ذلك للبعض خطأ. فأي دور محدد لأي عامل من العوامل في بلورة النصوص القانونية كما خرجت في صيغتها الحالية شكلا ومضمونا؟ والأمر يتعلق هنا بثلاث محددات وعوامل متحكمة أساسية -إلى جانب عوامل أخرى ثانوية- وهي الخطاب والقانون والممارسة.

* على مستوى الخطاب السياسي:

لقد أخذ نظام اللامركزية الإدارية الترابية حيزا هاما من اهتمام المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية، خاصة بالنسبة للمؤسسة الملكية[13] -خاصة في الآونة الأخيرة- حيث لا يكاد أي خطاب ملكي أو برنامج حكومي أو حتى تصريح سياسي للأحزاب حول التنمية، يخلوا من الحديث على ضرورة “…. ترسيخ اللامركزية في اتجاه إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية تجمع بين ديمقراطية التكوين وعقلانية التقطيع ونجاعة وشفافية وسلامة التدبير، والتوفر على أوسع درجات الحكم الذاتي الإداري والمالي، من شأنه جعلها تنهض بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية….”[14].

والمؤسسة الملكية بحكم مكانتها ومركزها في النظام السياسي المغرب، فهي ما فتئت تدعوا إلى تغيير قوانين الإدارة المحلية باستمرار، من أجل تصور مجالي توافقي لمواجهة الرهانات والتحديات، حيث قال الملك في إحدى خطاباته” وكل ذلك في إطار استحضار واع لما دعونا إليه، من تغيير في قوانين اللامركزية واللاتمركز ووفق مفهوم جديد، يجعل من السياسة التعاقدية أداة أساسية لبلورة تصور مجالي توافقي”[15]. كما يؤكد على ضرورة “الإسراع بترسيخ اللامركزية واللاتمركز، في اتجاه إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية، تجمع بين ديمقراطية التكوين، وعقلانية التقطيع، ونجاعة وشفافية وسلامة التدبير”[16]. وإذا كان الملك محمد السادس من خلال هذه الأفكار الواردة في خطاباته الأولى بعد تولي قيادة البلاد في 31 يوليوز 1999، يبدوا مقتنعا ومتشبثا أن التنمية المستدامة والشاملة هدف أسمى في البلاد لا يمكن تحقيقه إلا من خلال النهوض بمستوى الحكامة الترابية، فإن هذا الاقتناع سيزداد بالتدريج والتراكم مع كل مرحلة من المراحل، إلى أن يتم الإعلان عن الجهوية المتقدمة كورش جديد بنفس مستجد مفتوح للحكامة الترابية.

ولقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 33 للمسيرة الخضراء في هذا الإطار منعطفا تاريخيا مهما في المغرب، ونقطة حاسمة لانطلاق العمل في إطار مشروع الجهوية الموسعة. حيث أكد الملك محمد السادس عزمه على توطيد الجهوية المتقدمة بمنظور جديد للتنمية الجهوية المتوازنة. لا يختزلها في مجرد أهداف وأبعاد إدارية ومؤسساتية وثقافية فقط، بل يعتبرها إصلاحا هيكليا عميقا، يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه وفضاء خصبا للتنمية الشاملة والمتواصلة بالجهة ومن أجلها.

ويقول الملك في هذا السياق: “لذلك قررنا، بعون الله، فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها، بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية، مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد”[17]. وتندرج الجهوية المتقدمة في إطار السياسة العامة للمغرب، التي وضع أسسها ومرتكزاتها الملك محمد السادس منذ توليه العرش، وتدخل ضمن المفهوم الجديد للسلطة، كآلية لتفعيل الديمقراطية المحلية على المستوى الوطني. وذلك من خلال ترك الحرية في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للسكان المحليين حسب كل جهة، يديرونها ويدبرونها حسب ما يرونه مناسبا لقدراتهم ومواردهم الذاتية، وفي إطار من التضامن والتكامل والتناغم مع باقي الجهات الأخرى[18].

إن الخطب الملكية في المغرب، ونظرا لأهميتها القصوى المستمدة من المكانة التي يحظى بها الملك داخل النظام السياسي المغربي، تشكل نوعا من التواصل الذي لا يحتمل أية وساطة بين الملك والشعب[19]. وإذا كانت الجهوية الموسعة أو المتقدمة قد أصبحت إحدى الاهتمامات الكبرى في الخطب الملكية وطموحا شخصيا للملك محمد السادس، فإن ذلك من منطلق الاقتناع بأهمية الاستراتيجية الجهوية في التنمية[20]. كما أن ذلك فرض على الحكومة وعلى باقي المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية هي الأخرى الاهتمام بهذا الورش الإصلاحي الجديد.

وفي هذا الإطار، فقد جاء في الخطاب الملكي ليوم 2010 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، “نتولى اليوم، تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية. وهي لحظة قوية، نعتبرها انطلاقة لورش هيكلي كبير، نريده تحولا تحولا نوعيا في أنماط الحكامة. كما نتوخى أن يكون انبثاقا لدينامية جديدة، للإصلاح المؤسسي العميق”[21]. ولعله من هذا المنظور كان من بين أهم التوصيات والمقتراحات التي تقدمت بها اللجنة الاستشارية للجهوية، ما يتعلق بضرورة التعديل الدستوري وملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية مع متطلبات الجهوية المتقدمة. ومن منطلق التوجيهات الملكية وعلى أساس توصيات اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة تمت المراجعة الدستورية في فاتح يوليوز 2011، ليتم في 2015 صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث. والتي نحن بصدد قراءتها وتحليلها ومناقشتها، وذلك قصد استشراف مدى مساهمتها في التحولات الكبرى للحكامة الترابية.

* على مستوى المقتضيات القانونية:

لقد عرف دور الجماعات في منظومة التدبير العمومي المغربي نموا قانونيا ملموسا، وتطورا تدريجيا[22]. فمع كل نص قانوني جديد، يصدر لتنظيم الجماعات الترابية يتطور دورها التنموي ويتعاظم. وإذا كانت هناك في كل مرحلة من المراحل، ومع كل نص قانوني لتنظيم تلك الجماعات، ملاحظة وعيوب وانتقادات موجهة إلى المقتضيات القانونية التي تتضمنها مقارنة مع ما هو رائج على المستوى الخطابي، فإنه على الرغم من ذلك، نجد أن تلك النصوص القانونية حاولت إرساء أدوار تنموية مهمة للجماعات الترابية. وهو الأمر الذي كان من شأنه -لو تم إيجاد الظروف والشروط المناسبة- أن يجعل الجماعات الترابية مؤسسات وازنة وقادرة حقيقية على النهوض والتحرك بعجلة التنمية المحلية والوطنية.

إن المغرب وبمجرد حصوله على الاستقلال، حاول تشييد دولة جديدة تقوم على أساس بناء مؤسسات عصرية تساهم في خدمة المواطن. ولتحقيق ذلك بادر إلى إصدار أول نص قانوني، حيث صدر ظهير 1960 بشأن نظام الجماعات، الذي بمقتضاه تم إحداث الجماعات الحضرية والقروية. وقد طبعت علاقة الدولة بتلك الجماعات وقتذاك، طغيان الوصاية على مستوى اتخاذ القرار، ولم يتح للمنتخبين أي حرية في تدبير الشؤون المحلية، لكون رئاسة المجلس الجماعي اتسمت بالازدواجية وتركيز أهم الصلاحيات بيد ممثل السلطة المحلية[23]. ومن هنا فقد كانت الوصاية مشددة وصارمة، بحيث شملت مجالا واسعا وفسيحا إن على مستوى الأعمال أو الأشخاص[24].

ورغم اعتراف الدستور الصادر بعد ذلك بقليل سنة 1962، بصفة الجماعات المحلية لتلك الجماعات كمؤسسات دستورية[25]، وتوسيع بعض فإن ذلك لم يخفف من الوصاية، بحيث استمرت بنفس الحدة والصرامة السابقة[26]. ولعل ما يحسب للدستور الصادر حينذاك أيضا، هو إعطاء صفة الجماعات المحلية للعمالات والأقاليم. وهو الأمر الذي تكرس بصدور ظهير 12 شتنبر 1963، بشأن تنظيم العمالات والأقاليم ومجالسها[27]. لكن في المقابل، ولما كانت تجربة اللامركزية الإقليمية، قد نشأت في ظل مناخ سياسي واقتصادي وإداري مضطرب، فإن الدولة أخضعت المجالس المنتخبة لرقابة وصائية موسعة ومشددة[28].

وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي، وإذا كان دستور 1970 والدستور المراجع سنة 1972 قد حافظا على نفس الجماعات المحلية، وعلى نفس المقتضيات المؤطرة لها[29]، فإن المشرع بادر في سنة 1971 إلى إحداث المناطق[30]. لكن في المقابل لم تتوفر تلك المناطق، على أي مؤهلات أو هياكل للدخول في علاقات مع الأطراف الأخرى[31]. وإذا كانت السنوات الأولى من السبعينيات قد شهدت نوعا من الرتابة والتراخي عموما على مستوى تطور سياسة اللامركزية الترابية، فإنه في النصف الثاني من السبعينيات كانت هناك محاولة جادة إلى حد ما لتعميق اللامركزية الإدارية الترابية. وقد تمثل ذلك بالخصوص في صدور قانون 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي[32]، حيث شكل نقلة نوعية وكمية على مستوى المهام والسلطات، أما على مستوى الوصاية التي جاء بها، فقد اختلفت الآراء حول نوع التطور الذي لحقها، لكن على الأرجح أنها كانت مشددة وصارمة ومبالغ فيها[33].

وإذا كان الخطاب الملكي لسنة 1984 قد سعى إلى إحداث جهوية ذات صبغة سياسية بمقومات حديثة من حيث المرتكزات المادية والقانونية، فإن دستور 1992 هو الذي ارتقى بالجهات إلى مصاف الجماعات المحلية[34]. ولقد كانت سنوات التسعينيات من القرن الماضي فترة للإصلاحات في المغرب بامتياز، الأمر الذي انعكس بشكل أساسي على المسألة اللامركزية. فإلى جانب ما سبق، صدر الدستور المراجع لسنة 1996، وقد تضمن العديد من المقتضيات التي كانت منطلقا أساسيا لتطور نظام اللامركزية على عدة مستويات[35]. وفي خضم ذلك الوضع، وبعد مسلسل طويل من المشاورات والمفاوضات بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، في إطار هيئة مختلطة[36]، صدر قانون 1997 المتعلق بتنظيم الجهات[37]. إلا أنه في المجال الوصائي، جاء هذا القانون بنفس المقتضيات -في أحكامها العامة- التي كان قد جاء بها كل من ظهير التنظيم الجماعي وظهير التنظيم الإقليمي.

ولقد صدر في 2002 وفي الوقت ذاته كل من القانون المتعلق بالميثاق الجماعي، والقانون المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم[38]. حيث جاء القانون الأول بمقتضيات مهمة، في إطار المحاولات والجهود التي بذلت لإصلاح نظام اللامركزية[39]. ومن هنا، وإذا كانت النصوص القانونية المذكورة، تمثل أهم المحطات والمنعطفات التاريخية التي عرفتها الرقابة الوصائية على الجماعات الترابية بالمغرب، في العقد الأول من الألفية الثالثة، فإن من أبرز التطورات والتغيرات التي عرفها هذا النظام الرقابي أيضا هي تلك التي كانت سنة 2009. حيث صدر القانون رقم 17.08 المغير والمتمم بموجبه القانون المتعلق بالميثاق الجماعي[40].

وهكذا تتالت كل تلك العوامل والإصلاحات والمتغيرات والتحولات، حتى تم الإعلان عن الجهوية المتقدمة[41]. وجاء دستور فاتح يوليوز 2011 لينص في فصله الأول على أن “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة”[42]، فطرحت إشكالية التنزيل الخطابي على المستوى القانوني نفسها بحدة أكبر. خاصة بعد أن كان قد أكد تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة على ذلك بشكل أو بأخر وبطريقة مباشرة وغير مباشرة[43]. وفي سنة 2015 صدرت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية تنفيذا لمقتضيات الدستور بخصوص التنظيم الترابي الجديد. ولقد جاءت تلك النصوص القانونية بمقتضيات جديدة ومستجدات مهمة محاولة ومواكبة منها لمختلف المتغيرات والتحولات السياسية والتنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

* على مستوى الممارسة: 

لا شك أن الدور التنموي الذي قامت به الجماعات الترابية على مستوى الممارسة، وعلى أرض الواقع منذ إحداثها، لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى ما هو موجود على مستوى الخطاب السياسي. بل لم يرقى حتى إلى مستوى النصوص والمقتضيات القانونية التي صدرت تنظيما وتأطيرا لتلك الجماعات الترابية. حيث ظلت تلك الفجوة العميقة والصارخة دائما قائمة بين ما هو كائن وما هو ممكن[44]. وإذا كانت متعددة هي العوامل والأسباب التي ساهمت في ضعف ما حققته الجماعات الترابية، في إطار دورها التنموي على مستوى الممارسة، فإن الإشكال القانوني يأتي في مقدمة تلك الصعوبات والإكراهات.

إن المشرع المغربي إذا كان قد منح اختصاصات واسعة للمجالس المحلية المنتخبة ولرؤسائها جعلتهما يمارسان صلاحيات مهمة في تدبير الشؤون المحلية، فإنه بالمقابل جعل أهم تلك الاختصاصات مشروطة مقيدة بالخضوع للوصاية الإدارية المشددة، وبندرة الموارد المادية والبشرية، بالإضافة إلى مشكل تداخل الاختصاصات بين الجماعات ومختلف والوحدات والإدارات الترابية، أو بينها وبين الدولة. وكل ذلك لا شك هو نتيجة منطقية لقصور النص القانوني ومحدوديته نتيجة الغموض والعمومية التي كانت تميز مختلف مقتضياته ومواده. ومن هنا كان لابد من إصدار القوانين التنظيمية الجديد لعل وعسى أن تصلح وتملء الثغرات، وعلى أمل أن تتجاوز الاختلالات والانحرافات المسجلة على صعيد الممارسة للاختصاصات الجماعاتية.

ثانيا: القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بين المحددات البنيوية والشكلية

لقد نص الفصل الأول من الباب الأول من الدستور الجديد المصادق عليه في فاتح يوليوز 2011، على أن “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة”. وقد جاء في الباب التاسع منه وتحت عنوان الجهات والجماعات الترابية الأخرى أن الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. وبعد التعريف بالجماعات الترابية وبالتنظيم الترابي وبعض مبادئه ومقتضياته نص الدستور على أن تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :[45]

  • شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة؛
  • شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها، طبقا للفصل 138؛
  • شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات؛
  • الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140؛
  • النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى؛
  • مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليها في الفصل 141؛
  • موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليها في الفصل 142؛
  • شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144؛
  • المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه؛
  • قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة؛

وتنفيذا لهذا المقتضى الدستوري صدر القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، الذي نحن قيد قراءته ودراسته وتحليله، إلى جانب القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، والقانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم[46]. ولعل أو ملاحظة شكلية تفرض نفسها ودون الخوض في جوانبها الموضوعية للاعتبارات المنهجية، هو أن الدستور يتحدث عن قانون تنظيمي واحد يتعلق بجميع الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث، في حين أصدر المشرع ثلاث نصوص قانونية تنظيمية. فهل يتعلق الأمر بخروج عن النص الدستوري وهذا لا يمكن أن يكون على اعتبار أن القوانين التنظيمية تحال قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور[47]. أم يتعلق الأمر بتوسع في فهم وتفسير النص الدستوري على هذا النحو، حيث إصدار ثلاث قوانين تنظيمية متشابهة. وهذا أمر مرفوض ويعتبر في غير صالح الجماعات واللامركزية الترابية عموما، فلو تم تجميع المقتضيات المنظمة للجماعات الترابية في نص قانوني واحد لكان الأمر أحسن. حيث من شأنه أن يحقق العديد من الأمور الإيجابية وليس أبرزها ضمان الاندماج والتناغم والتناسق والالتقائية في التدخلات العمومية لتلك الجماعات.

وبعيدا عن محاكمة النوايا، يمكن القول أن تخصيص الباب التاسع من الدستور كاملا للحديث عن الجهات والجماعات الترابية الأخرى، إن دل على شيء ولا بد له أن يدل، فهو يبرهن على المحاولة الجدية في تبني الدولة للريادة الجهوية، إن من حيث الشكل أو من خلال الألفاظ والعبارات القوية التي عبر بها المشرع الدستوري عن الاختصاصات المعترف بها للجهة، وبمقومات ومبادئ تراعي الخصوصية المحلية وتنفتح على التجارب المقارنة[48]. كما تتدعم هذه الرغبة من خلال ما ورد في الفصل الثالث والأربعين بعد المائة، حيث تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الأخرى، وذلك في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، وفي نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات. وكلما تعلق الأمر بإنجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية، فإن هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها.

وهكذا كان المشرع الدستوري واضحا وفصيحا، بينا في عباراته وألفاظه الدالة على الرغبة في تكريس الريادة والصدارة الجهوية على الجماعات الترابية الأخرى، في أفق تكريس الحكامة المحلية المرتقبة بالمملكة المغربية، وفي سياق البحث عن الحلول الفعالة والناجعة لمعضلات التنمية المستدامة والمنشودة. ولا شك أن ذلك جاء تنفيذا وامتثالا لتوجهات وتصورات المؤسسة الملكية منذ أن تبلورت لديه فكرة الجهوية المتقدمة كأداة للتنمية القطاعية والشاملة بأبعادها المختلفة التي تهم مجموع التراب الوطني وفي مقدمتها الصحراء المغربية. ولعل نفس البنى اللفظية والشكلية الخارجية التي جاء بها الدستور هي نفسها التي صيغ بها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، فالأمر يتعلق بقوانين تنظيمية جاءت للتفصيل في مسألة التنظيم الترابي للمملكة التي جاء بها دستور 2011. كمستجد من المستجدات ذات الأهمية والأولوية والبعد التدبيري والتنموي، حيث اختار لها المشرع الدستوري صيغا معينة ومفردات محددة لا تخرج عن المنظومة المفاهيمية المكونة لنظام الحكامة الترابية.

وهكذا صدرت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية طبقا لأحكام الفصل 146 من الدستور كل منها موزع إلى مواد وأقسام، أقسام تمهيدية وأقسام في صلب الموضوع الذي هو تنظيم الجماعات الترابية في علاقاتها الداخلية والخارجية. حيث تتضمن الأقسام التمهيدية أحكاما عامة، والأقسام الأخرى تتحدث عن شروط تدبير الجماعات الترابية لشؤونها وعن اختصاصات وصلاحيات الجماعات الترابية ومجالس تلك الجماعات. ومنها ما يتحدث عن إدارة الجماعات الترابية وأجهزة تنفيذ المشاريع وآليات التعاون والشراكة. وإلى جانب الأقسام التي تتناول النظام المالي لكل جماعة ومصدر مواردها المالية، نجد أقساما تتحدث عن أمور أخرى كتدبير المنازعات التي تكون الجماعة الترابية المعنية أحد اطرافها، فإن الأقسام الأخيرة حاول أن يختم فيها المشرع بالحديث بصفة عامة عن قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر كأحد المبادئ العليا التي جاء بها دستور فاتح يوليو 2011. حيث يبدوا مستلهما من خلال ذلك التوصيات والخطب والتوجيهات الملكية حول ضرورة تدبير الجهة لشؤونها بطريقة ديمقراطية، وفق منطق قانوني حداثي منفتح ومتطور يتأرجح بين مبدأ الانتخاب من الناحية السياسية، ومبدأ الاستقلال والمبادرة من الناحية الإدارية والمالية، وأخيرا مبدأ الحرية من الناحية التدبيرية العامة.

وفي معرض القراءة الشكلية المتأملة في القوانين التنظيمية انطلاقا من المواد الأولى إلى غاية المواد الأخيرة، يمكن القول أن هذه النصوص تحمل بين ثناياها الشكلية العديد من البنى والمنطلقات الفكرية التي تنصب أو بالأحرى تندرج ضمن هدف البحث عن الحكامة الترابية دون تجاوز هاجس الخوف والشك والريبة من المحلي، حيث تبقى مقاربة الضبط والأمن والتحكم في المجال الترابي قائمة حاضرة رغم كل الايجابيات التي تضمنتها القوانين ورغم كل الظروف الإيجابية والمواتية التي جاءت في خضمها.

وعلى هذا الأساس، فقد تم التوصل من خلال قراءة مختلف مواد وفقرات تلك النصوص القانونية الجديدة إلى ملاحظات شكلية أساسية لها قيمة استوحائية ودلالية كبرى في غمرة البحث عن كيفية تجاوز الاختلالات السابقة، والبحث عن الحكامة الجهوية والترابية عموما. وهكذا من حيث الإطار المفاهيمي والاصطلاحي يمكن القول أن المصطلحات والمفاهيم والمعاني والالفاظ التي استخدمها المشرع المغربي في هذه القوانين، تعتبر جد متقدمة من الناحية الشكلية مقارنة مع المفاهيم والمصطلحات التي كانت مكرسة في القوانين السابقة، حيث تتوزع في المواد القانونية وبين فصول وأقسام النصوص عبارات ذات دلالات شكلية عميقة من قبيل مفهوم الديمقراطية، التدبير الحر، التعاون، المراقبة والتقييم والمحاسبة، الجهوية المتقدمة، التضامن، الحرية والتواصل، الجودة والمسؤولية والمسائلة، المساواة بين المواطنين، الاستمرار في أداء الخدمات، تكريس قيم الشفافية، ترسيخ سيادة القانون، التشارك والفعالية والنزاهة، التداول والتشاركية، ربط المسؤولية بالمحاسبة وتقديم الحصيلة وغيرها وكلها مفاهيم ومرادفات ومصطلحات ما فتئت النصوص القانونية تتخبط فيها بين موادها ومختلف ابوابها وأقسامها.

وبصرف النظر عن مضامين ومحتويات تلك المصطلحات والمفاهيم والمفردات، فإن تواجدها وتكرارها من الناحية الشكلية والبنيوية يحمل الكثير من المعاني والدلالات والمغازي والأبعاد السميولوجية العميقة التي تكشف عن هاجس غياب أو ضعف تكريس هذه المنظومة القيمية والمبدئية التي تحملها هذه المفاهيم في الممارسات والأعمال والأنشطة المحلية والجهوية السائدة في السابق. ويعتبر غنى النصوص القانونية الجديدة للجماعات الترابية بهذه المفردات ذات النفس والبعد الإصلاحي الكبير حصيلة لمجموعة من التحولات والتغيرات وقعت في الأنساق الممارستية والتطبيقية ومن ثم المعرفية والفكرية، وفرضت نفسها على المشرع المغربي لبلورتها كمبادئ وقواعد في القوانين التنظيمية تارة، وتطعيم النصوص القانونية بها كمصطلحات ومرادفات ولبنات في الجمل والصيغ الشكلية المكونة لعدة مواد قانونية في النصوص تارة أخرى. ومن هنا يمكن القول أن هذه المفاهيم تعتبر نتاجا لمسار وسيرورة جدلية وحوارية مع المفاهيم المعرفية السابقة، مع محاولات لتجاوز سلبياتها ونقائصها وثغراتها وعيوبها الشكلية قبل الموضوعية.

وإذا كانت هذه لمفاهيم والمرادفات نجدها مستعملة ومتداولة في كل من القانون التنظيمي للجماعات والقانون التنظيمي للعمالات والأقاليم[49]، فإن ما يثير الاهتمام في القانون التنظيمي للجهات هو مفهوم الصدارة الذي تم التركيز عليه من الناحية الشكلية، وهو الامر الذي يقتضي تركيزا من الناحية الدلالية أيضا، فقد جاء في المادة 5 من هذا القانون، “أنه وتطبيقا لأحكام الفصل 143 من الدستور، تتبوأ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الاخرى في عمليات إعداد برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وتنفيذها وتتبعها، مع مراعاة الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى. ويتعين على السلطات العمومية المعنية مراعاة مكانة الصدارة المشار إليها في الفقرة أعلاه”.

ولعل هذا المفهوم أي مفهوم الصدارة الوارد في نص القانون التنظيمي للجهات، بالإضافة إلى كونه ليس له نظير ولا مثيل في القانون السابق للجهات ولا في القانونين التنظيميين الجديدين لكل من الجماعات والعمالات أو الأقاليم، فهو يحمل الكثير من الدلالات من الناحية الشكلية بصرف النظر عن معانيه الموضوعية. فهو يعتبر بمثابة رد فعل طبيعي ومسألة عادية مادام الأمر يتعلق بالجهوية المتقدمة، حيث جاء نتيجة ما كان سائدا في السابق من الناحية الشكلية الذي كان يمثل انعكاسا بنيويا لتلك الفجوة والمفارقة السائدة بين الخطاب والقانون والممارسة في النموذج المغربي للجهوية السابقة.

حيث في الوقت الذي كان فيه الخطاب السياسي الرسمي يعطي للجهات مكانة الصدارة والريادة بين الجماعات الترابية الأخرى، كان القانون 69-47 المنظم للجهات قد قزم من تلك الريادة في الكثر من مقتضياته ومواده والعبارات التي جاء بها، حيث كان السمة المميزة لذلك القانون من الناحية الشكلية هي القصور والغموض والعمومية واستخدام ألفاظ غير محددة وتحمل أكثر من معنى، بحيث كان يظهر من الوهلة الأولى أنها تعطي اختصاصات مهمة للجهة، لكن عند الاحتكاك بالواقع العملي والممارساتي، والإمكانيات التنظيمية والبشرية والمالية الممنوحة للجهة نجد أن هذه المعطيات تذهب عكس ذلك تماما. أما على صعيد الممارسة فقد كان الأمر أدهى وأمر أو بالأحرى أكثر إشكالا ومشاكل وصعوبة، حيث لم يكن بمقدور الجهات أن تؤدي اختصاصاتها وصلاحيتها الروتينية العادية وبالأحرى أن تؤدي وظائف ومهام يمكن تصنيفها في إطار الريادة والصدارة.

وعلى صعيد آخر، وفي إطار المفاهيم المستخدمة نجد أن القراءة المتأملة، للقوانين التنظيمية الجديدة تفضي إلى أنه لا تخلو هي الأخرى من بعض المفاهيم والمرادفات والمفردات الغامضة والفضفاضة التي تحمل أكثر من معنى. وقد تخضع للتأويل السلبي الذي سيأتي في غير صالح الجماعات الترابية التي ينبغي أن تصبح وحدات ترابية نشيطة ومبادرة وخدومة ومتدخلة في القضايا الكبرى للبلاد. ونذكر من بين تلك العبارات والمفاهيم على سبيل الذكر لا الحصر، عبارة النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة، تحسين جاذبية المجال الترابي للجهة، اعتماد التدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة، مراعاة السياسات والاستراتيجيات العامة والقطاعية للدولة، التخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة، ممارسة الاختصاصات المشتركة طبقا لمبدأي التدرج والتمايز، ……

وفي نفس الإطار وعلى منوال كل من القانون التنظيمي للجماعات والقانون التنظيمي للعمالات والأقاليم، تضمن القانون التنظيمي للجهات، العديد من العبارات المكرسة لتشديد الرقابة الإدارية ولهيمنة وزارة الداخلية وممثليها العمال والولاة. فقد وردت على سبيل المثال عبارة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية 56 مرة مقابل ذكر القضاء 9 مرات فقط، كما ذكر مفهوم المراقبة 31 مرة مقابل ورود مفهوم المبادرة 6 مرات فقط. ودون إيراد مزيد من الأمثلة المنصبة في هذا الإطار، فإن هذا الاختلال الموجود في التوازن بين المفاهيم المعبرة عن المبادرة والاستقلالية والحرية والمبادئ العليا لنظام اللامركزية، وتلك المعبرة عن التشدد الوصائي والخوف والريبة تجاه المحلي لا يمكن أن تعبر سوى عن الهواجس الأمنية التي ما تزال قائمة حاضرة وبقوة في القانون التنظيمي للجهات. بل لا يمكن إدراج الأمر سوى في إطار استمرار الرغبة في الحفاظ على الأوضاع القائمة التي تضمن امتيازات بعض مكونات الإدارة المركزية وممثليها بالإدارة الترابية للدولة.

ولعل ذلك هو ما ينكشف من خلال الهياكل التنظيمية للنصوص القانونية أيضا، فالقانون التنظيمي المتعلق بالجهات جاء -وعلى غرار كل من القانون التنظيمي للجماعات والقانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم- وفق هيكلة تصميمية شكلية ونسقية تنظيمية تماثل منطق عموم النصوص القانونية، سواء التشريعية أو التنظيمية، الصادرة في السابق، حيث تضمن تقسيمات كلاسيكية تقليدية تتجلى في الأقسام والأبواب والمواد. ومن خلال القراءة المتأنية لهذا القانون التنظيمي، مع قراءة القوانين التنظيمية للجماعات الأخرى سنكتشف ومن الوهلة الأولى أن هذا القانون هو تقريبا نسخة طبق الأصل للقانون التنظيمي للجهات، وكذا للقانون التنظيمي للعمالات والفارق بينهما هو التسمية فقط. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول تجليات الريادة والصادرة الجهوية على المستوى الشكلي والبنيوي للنص القانوني؟ بل الاكثر من ذلك نتساءل عن تمظهرات التقدم والتوسع في التنظيم الجهوي المكرس قانونا، وذلك على اعتبار القانون جاء في سياق الجهوية المتقدمة التي عمل المغرب من أجلها منذ صدور دستور فاتح يوليوز 2011؟ بل قبل ذلك من خلال الخطب الملكية الملقاة منذ مدة ليست بالقريبة ولا القصيرة. وبدوره يتضمن هذا القانون مزيجا من القواعد والمقتضيات والإجراءات والمساطر القانونية، التي تستهدف تنظيم الجهات كجماعات ترابية وفق مبادئ الديمقراطية المحلية وقواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام المحلي الواردة في الوثيقة الدستورية.

إن القراءة المتأنية للهياكل التنظيمية التي اختارها المشرع المغربي للنصوص القانونية الجديدة المنظمة للجماعات الترابية مقارنة مع القوانين السابقة المتعلقة بالجماعات الترابية، تفضي إلى مجموعة من الملاحظات الشكلية التي لا تخلوا من أبعاد ودلالات موضوعية مهمة. فالمستجدات والتطورات الشكلية كثيرة ومتعددة في النصوص القانونية الجديدة، حيث يظهر أن التقسيمات والعناوين تبدوا أكثر وضوحا وتوسعا وجلاء مما كان عليه الأمر في السابق. كما أن الترتيب والتسلسل التنظيمي في هياكل النصوص يبدوا أكثر تنسيقا وتناسقا بالمقارنة مع النصوص السابقة. ولكن على صعيد آخر، وبمقارنة القانون التنظيمي للجهات مع كل من القانون التنظيمي للجماعات والقانون التنظيمي للعمالات والأقاليم، فإنه إذا استثنينا بعض الأمور الخاصة الاستثنائية التي توجد بالجهة كصندوق التضامن والصندوق الاجتماعي مثلا لا يوجد أي شيء يميز الجهات عن الجماعات الترابية الاخرى. الأمر الذي يولد تساؤولا مشروعا، بل لازما حول تجليات الريادة والصدارة الجهوية المنصوص عليها دستوريا على المستوى الهيكلي لنص القانون التنظيمي للجهات.

وإلى جانب احتواء النصوص الجديدة على قواعد التنظيم المالي التي كانت في السابق مجموعة في قانون التنظيم المالي للجماعات المحلية. هناك العديد من الصيغ والبنيات والمفردات والمقتضيات الجديدة التي تكشف عن توسيع الإطار القانوني ليشمل أفعالا وأعمالا كثيرة في التدبير العمومي الترابي. حيث كانت تعتبر في السابق، إما أفعلا وأعمالا تكرست على مستوى الممارسة، ولم يكن لها سند قانوني محدد ودقيق يؤطرها، أو أفعالا وتصرفات جديدة يسعى النص القانوني لخلقها وتكريسها على المستوى المحلي في المستقبل، وفي إطار الجهوية المتقدمة والبحث عن الحكامة الترابية.

ولنذكر على سبيل المثال لا الحصر، ما يتعلق بالتنصيص على إحداث شركات التنمية المحلية، وكذا عقد اتفاقيات التعاون والشراكة. حيث كانت الجماعات الترابية في السابق تنجز وتقوم بمثل هذه المعاملات التي كانت تندرج ضمن الباب السابع المتعلق بالتعاون والشراكة ومجموعات الجماعات المحلية. أما من الآن فصاعدا، فإن هذه التعاملات والأليات التنموية قد تعرف تطورا وانتعاشا، فالنصوص القانونية الجديدة أفردت لكل منها بابا خاصا. حيث تحدثت عن شركات التنمية المحلية وعن اتفاقيات التعاون والشراكة. أما بخصوص الأفعال والتصرفات الجديدة التي يسعى النص القانوني لخلقها وتكريسها على المستوى المحلي في المستقبل، وفي إطار الجهوية المتقدمة والبحث عن الحكامة الترابية. فنجد منها على سبيل المثال ما يتحدث عن شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات، وما يتحدث عن قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر.

ومن الجوانب والمستجدات الشكلية التي لها قيمة خاصة في هذا النصوص القانونية الجديدة أيضا، هي المفاهيم والمفردات والمصطلحات المستخدمة وغير المستخدمة أو بالأحرى تلك التي تم تجاوزها. فحسنا فعل المشرع المغربي عندما ألغى في القوانين التنظيمية الجديدة مفهوم الوصاية وعوضه بمفهوم الرقابة الإدارية[50]، وهو أمر إيجابي بالنظر إلى ما كان يثيره مفهوم الوصاية حيث ينطوي على العديد من المفارقات والفجوات حيث سيادة معاني التبخيس والفوقية والعلاقة العمودية، فهو باختصار لا يمكن أن يعبر بشكل جيد –والمغرب يسعى نحو اللامركزية المتطورة والجهوية المتقدمة- عن إشراف الدولة على الجماعات الترابية، وذلك نظرا لوجود اختلاف بين المراد بالوصاية في القانون الخاص، وبين الوصاية الإدارية في القانون العام. فالأولى تتعلق بحماية الأفراد ناقصي الأهلية، وحماية أموالهم وممتلكاتهم من الضياع والتلف، حيث تعتبر الوصاية بمثابة الحجر القانوني على الخاضع لها، أما الإشراف الإداري المعبر عنه بالوصاية في هذه الحالة، فهو يتم على الهيئات المحلية (الجماعات الترابية في النموذج المغربي)، وتلك الهيئات تتمتع بأهلية كاملة بصفتها أشخاصا معنوية عامة أو معتبرة. ومن هنا فإن “استحضار مصطلح الوصاية من القانون المدني إلى القانون الإداري كان خطأ كبيرا، فالمجالين معا ليس لهما أي مشترك أو تشابه بينهما”[51].

وإلى جانب مفهوم الوصاية أو بالأحرى في إطاره نجد مفاهيم أخرى منها على سبيل المثال والذكر لا الحصر، ما ورد تحت عنوان المراقبة الإدارية. وذلك أساسا من خلال كل من مفهوم الرقابة على شرعية المقررات عوض الوصاية، ومفهوم التأشير عوض المصادقة. وهو مفهوم يعتبر أقل شدة وأخف واقعا من مفهوم المصادقة على الأقل من حيث المعنى والدلالة والحمولة الشكلية، وإن كان ذلك خلاف ما هو موجود من حيث الاثار والنتائج. فللمصادقة والتأشير نفس النتيجة بحيث لا يمكن للقرار أن ينفذ دونهما. أما الشرعية كما هو معلوم فليست هي المشروعية، حيث الشرعية هي مسألة فضفاضة ضمن إطار أو خصوصية معينة. وتعني حيازة القرار على الشرعية أي اكتسابه الصبغة المقبولة لدى الجهة المعنية به نتيجة ثوابت أو متغيرات، قد تكون سياسية أو إدارية أو اقتصادية أو تاريخية أو دينية أو غير ذلك. حيث يقال على سبيل المثال الشرعية التاريخية أو الشرعية الدينية أو الشرعية الانتخابية أو غيرها من المعطيات الأخرى التي قد تكون غير محددة ولا مضبوطة[52]. أما المشروعية فهي توافق القرار للقاعدة القانونية في الاختصاص والشكل والسبب والمحل والغاية، وفي حالة حصول مخالفة يصاب القرار بعيب عدم المشروعية ويدخل ضمن نطاق القرارات المعيبة[53].

وهذا مما يدل على أن وصاية الملاءمة مازالت قائمة على الجماعات الترابية وعلى الجهات بالخصوص شكلا من خلال التأشير المسبق، ومضمونا من خلال اعتماد مفهوم الشرعية عوض المشروعية. وهو الأمر الذي يعني أن هذه الوزارة مازالت مستمرة في الرقابة، رغم المطالبات المتكررة برفع يدها عن الجماعات الترابية وتعويضها بجهة أخرى، كإحداث وزارة خاصة للجماعات الترابية على غرار العديد من التجارب المقارنة الرائدة في هذا المجال.

وفي ختام هذا المحور، لابد من الإشارة، إلى أن المشرع المغربي وهو يقوم بصياغة القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قام بالتدقيق الشكلي في بعض المفاهيم والمصطلحات المستخدمة للتعبير بدقة عن حالات واقعية أو قانونية معينة. ولنأخذ على سبيل المثال في هذا الصدد أنه ولأول مرة يتم التمييز في النصوص القانونية بين مفهوم الصلاحيات ومفهوم الاختصاصات[54]، على عكس ما كان عليه الأمر في السابق، وهي مسألة إيجابية فالصلاحيات ليست هي الاختصاصات، فالأمر يتعلق بالكثير من السلطة التقديرية في الأولى مقارنة مع الثانية التي تحمل معاني أكثر تحديدا وضبطا ودقة.

ثالثا: المستجدات الموضوعية في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

إن التطور الحاصل عالميا بفعل العولمة، وتنامي مجموعة من المفاهيم الكونية كحقوق الإنسان والديمقراطية وحكامة مؤسسات الدولة، وضرورة ملاءمة الجهاز الإداري للدولة مع وظائفها ومتطلباتها، وما صاحب ذلك من تحولات على جميع الأصعدة والمستويات، وخاصة الجوانب السياسية والإدارية، وغير ذلك من المستجدات، فرض على جميع الدول وخاصة تلك السائرة في طريق النمو -ومن بينها المغرب- ضرورة إعادة النظر في مسألة التنظيم الإداري باستمرار، بحيث لابد لهذا الأخير أن يتكيف مع التحولات والمستجدات الراهنة، وأن يتم تثبيته وترسيخه بشكل دقيق ومدروس يراعي متطلبات التنمية ومستلزمات الحكامة الجيدة.

ذلك من جهة، ومن جهة أخرى إذا كان المغرب قد عرف في العقد الأخير تحولات وتطورات كثيفة كغيره من الدول العربية المجاورة بعد ما يسمى بالربيع العربي، فصدر دستور 2011 وتغيرت الحكومة والمعارضة وكثيرا من المتغيرات السياسية، فإن من بين أبرز الإصلاحات التي فرضت نفسها في خضم هذا الحراك هي مسألة إعادة النظر في سياسة اللامركزية وفي المقاربة الترابية عموما. ومن هنا جاء تغيير الإطار القانوني المؤطر للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث. وهي القوانين التي جاءت بالعديد من المستجدات حاول من خلالها المشرع المغربي أن يساير التصور الجديد الذي جاء به دستور 2011 بخصوص التنظيم الترابي المستجد.

ولقد أثارت القوانين قبل المصادقة عليها زوبعة من النقاشات بما فيها التأيدات والانتقادات منذ أن كانت مشارعا أولية، حيث اعتبرت فرق الأغلبية أن تحضيرها عرف نقاشا مستفيضا قبل إحالتها على مجلس النواب. وذلك بناء ومن خلال تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية، ومذكرات الأحزاب الموجهة لوزارة الداخلية والمذكرات التي قدمتها  في إطار اللقاء التشاوري مع رئيس الحكومة، موضحة أن القوانين “ستشكل ثورة في مجال اللامركزية، وقاطرة للتنمية المحلية، ومدخلا لإصلاح هياكل الدولة وللتنظيم الترابي، خاصة مع تضمينها لمجموعة من المستجدات، كتنزيل مقتضيات الدستور في ما يتعلق بمبدأ التدبير الحر والتفريغ، والاقتراع العام والتداول الديمقراطي، وتنفيذ المقررات، وإعطاء الصدارة للجهات، وتضمينه لقواعد الحكامة وحذف الحساب الإداري وإقراره للتصويت العلني في ما يخص انتخاب الرئيس والمقررات، واعتبار الرئيس آمرا بالصرف”.

إلا أن فرق المعارضة شددت منذ البداية على أن القوانين “لا تترجم المنظور الحقيقي للجهوية المتقدمة، ولا تتضمن إعمالا لمبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور. بل هي قوانين توسع في مجال المراقبة الإدارية، وكرست التراتبية في الصلاحيات لفائدة الإدارة على حساب رؤساء الجماعات”. وتساءلت فرق المعارضة حول مدى رقي القوانين التنظيميه، في قواعدها واختياراتها، إلى الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011، وإلى مقتضيات الوثيقة الدستورية، التي أفردت بابا كاملا يتكون من 12 فصلا لفائدة الجهات والجماعات الترابية، معتبرة أن القوانين تفتقر لديباجة تؤطر النموذج الجهوي المقترح.

لكن في المقابل، ورغم أن فرق الأحزاب المعارضة المكونة من الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والأصالة والمعاصرة وحزب الاتحاد الدستوري، اعتبرت أن الحكومة “غيبت الحوار السياسي مع الفرقاء واكتفت بمشاورات تقنية فقط، وأنها عملت على إصدار مراسيم تحدد الجدولة الزمنية للاستحقاقات ويوم الاقتراع دون الحسم في النقط العالقة وفي المقترحات المقدمة من قبل المعارضة”، فإنها صوتت لصالح القوانين عندما كانت ما تزال مشاريع، رغم أنها انتقدت الكثير من مقتضياتها.

وفي الإطار نفسه، فقد أثارت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، عندما كانت مشارعا أولية، جدلا واسعا؛ بين الباحثين والأكاديميين ومختلف المهتمين بتدبير الشأن العام المحلي وبالحكامة الترابية. إذ بمجرد وضعه رهن إشارة العموم، حتى توالت التعاليق وتناسلت التحاليل بخصوص مضامينه. وانتفض رؤساء الجماعات الترابية المنضوون تحت لواء “الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات” في وجه مضامينها، معتبرين أنه جاءت في غير السياق ولا تخدم الدستور، وأنها تحتوي نكوصا وتحمل “تراجعات” تمس بالاختصاصات المنوطة بهم.

ويعطي هذا الجدل الواسع انطباعا إيجابيا على مدى التعاطي المتزايد لمختلف الفاعلين مع قضايا الشأن العام المحلي، ولكنه في المقابل عند تحليل طبيعة هذا النقاش والتعمق في حيثياته، نجده سطحيا وشكليا ولا يتناول جوهر وعمق المواضيع المطروحة، ولا يطرح مقترحات عملية ولا يقدم البدائل الكفيلة التي تهدف إلى إعطاء مزيد من الفعالية لنظام الحكامة الترابية ببلادنا ويستجيب في نفس الوقت لمختلف الانتظارات المتزايدة للساكنة المحلية. وهو ما نحاول من خلال هذه القراءة تداركه قدر المستطاع، وفق ما تيسر لنا من المعطيات والمعلومات والآراء، التي نضرب بعضها ببعض عسى أن نصل إلى بعض النتائج الأقرب إلى الحقيقة، حول مدى تأثير وتأثر وتفاعل هذه القوانين التنظيمية الجديدة مع التحولات الكبرى للحكامة المحلية.

لقد حازت فكرة الجهوية باعتبارها إحدى تمظهرات نظرية اللامركزية الإدارية، بعدا متقدما في تصورات الفقه والقانون الإداري المغربي، بناء على مجموعة من التجارب التي سلكتها عدد من الدول في تدبير الشأن العام الجهوي، خاصة في النموذج الفرنسي الذي يعتبر أحد مصادر تصوراتنا الإدارية بحكم المرجعية القانونية التي خلفتها فترة الحماية .كما نالت فكرة الجهوية اهتماما كبيراً من لدن الفاعلين السياسيين باعتبارها إحدى أوجه الديمقراطية المحلية، القائمة على إشراك المواطن في تدبير الشأن العام المحلي عبر الآلية الانتخابية، وكأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في النطاق الجغرافي والترابي الذي تمثله .

واستمرارا في دعم تكريس نمط الجهة في رسم معالم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، جاء الدستور المغربي لسنة 2011 ليشكل نقلة نوعية في تعاطي الدولة مع مفهوم الجهات، حيث تم تخصيص الباب التاسع منه «للجهات والجماعات الترابية الأخرى»، وذلك كتعبير صريح عن إرادة المشرع في الارتقاء بالجهوية ببلادنا إلى مستوى التقرير. وفي نفس المضمار، تم إصدار القانون التنظيمي للجهة تطبيقا وتنفيذا لما جاء في دستور 2011، وقد جاء هذا القانون بالعديد من المستجدات، وذلك قصد تمكين الجهة من بلوغ أهداف التنمية الجهوية المتوازنة والعادلة.

ومن بين أهم المستجدات التي أتى بها هذا القانون هي مسألة تكريس الشرعية الديمقراطية للمجلس الجهوي. حيث أصبح أعضاء مجلس الجهة ينتخبون بالاقتراع العام المباشر[55]. ذلك بعدما كان يتم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام غير المباشر، الشيء الذي كان يطرح العديد من الاشكالات التنظيمية والنظامية، ويجعل المجلس الجهوي بعيدا كل البعد عن المصداقية الديمقراطية ومعزولا عن الانتظارات الشعبية. ويعتبر هذا التنصيص من بين التوصيات التي كان قد خرج بها تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية، من خلال تبني نمط اقتراع يضمن أكثر ما يمكن من الشفافية ودرجة معقولة من قرب المنتخبين الجهويين من الناخبين، وهو مقترح يرمي إلى تقوية التمثيلية وضمان الديمقراطية التشاركية للمجالس الجهوية، حسب ما جاء في توصيات اللجنة المذكورة.

ويجتمع المجلس لانتخاب الرئيس ونوابه طبق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي، ولا يمكن أن يتداول بكيفية صحيحة إلا بحضور الأغلبية المطلقة للأعضاء المزاولين مهامهم[56]. حيث يجرى انتخاب رئيس المجلس في جلسة مخصصة لهذه الغاية خلال الخمسة عشر (15) يوما الموالية لانتخاب أعضاء المجلس. وهكذا وعلى غرار القانون السابق، نصّ القانون التنظيمي الجديد على انتخاب رئيس المجلس الجهوي من بين أعضاء هذا المجلس[57]. ولكن في الحقيقة كان الأجدر والأحرى أن يتم اختيار المترشح الذي يتصدر اللائحة التي حصلت على الرتبة الأولى رئيسا للمجلس الجهوي، وهو ما سيضفي على هذه الانتخابات مصداقية ديمقراطية، ويضع حدّا لتقاليد السمسرة واستعمال المال في انتداب الرؤساء.

وإلى جانب ذلك، وإذا كان القانون التنظيمي للجهات قد ركز على الترشيح لرئاسة الجهة من بين الأعضاء المرتبين على رأس لوائح المترشحين التي فازت بمقاعد داخل المجلس المعني، فلماذا لا يتم اختيار الرئيس من اللائحة التي حصلت على الرتبة الأولى، وهو ما سيضفي على هذه الانتخابات مبدأ طالما ردده مجموعة من المهتمين في إطار احترام الشرعية الشعبية التي فوض لها الدستور حق الاقتراع المباشر لأعضاء مجلس الجهة؟ وبهذا المقتضى سنتجاوز ذلك المسلسل الانتخابي الذي يستغرقه انتخاب الرئيس ويؤدي إلى اضطرابات بالنسبة للوائح، خاصة التي ستقصى من السباق نظرا لعدم توفرها على الأصوات المرشحة لذلك. لا سيما وأن المرحلة الأخيرة ستحسم بالأغلبية النسبية إذا تعلق الأمر بمرشحين فقط بعد إبعاد الآخرين، وهذا غير معقول وغير متناغم مع فلسفة مبدأ الاقتراع العام المباشر.

وتجدر الإشارة إلى أن ذات القانون لم يشترط مستوى دراسيا معينا في الرؤساء أو نوابهم، فهل يشجع القانون على انتداب ذاوي مستويات دراسية جدّ متدنية في مناصب المسؤولية بحجم رئاسة الجهة؟ وهكذا في الوقت الذي كان الكثيرون ينتظرون من القانون التنظيمي للجهات أن يشترط ضرورة التوفر على مستوى تعليمي عالي، في كل من يتولى منصب الرئيس من أجل قطع الطريق على الأميين والجهلة. تجاهل القانون التنظيمي الجهات بالمرة الإشارة إلى الموضوع، فاتحا بذلك باب الرئاسة على مصراعيه في وجه كل من هب ودب. ومن هنا فإن واقع الحال سيفرض لا محالة -إذا تم الإبقاء على هذا الفراغ القانوني- وبشكل أكبر حدة الحاجة إلى الوصاية خاصة وان الأمر يتعلق بالجهات كوحدات محلية كبرى نص المشرع الدستوري على منحها الصدارة بالمقارنة مع الجماعات الترابية الأخرى.

إن الاعتقاد بأن التنصيص على شرط التعليم أو عنصر الكفاءة من شأنه أن يمس بالمبادئ الديمقراطية، فهو اعتقاد خاطئ في نظرنا، فالمصلحة العامة والتمثيلية الديمقراطية لا تتعارض مع عنصر التعليم أو الكفاءة، بل هي في حاجة إليهما إن لم يكنا شرطا لفعاليتها وصحتها. إذ من غير المقبول ولا المستساغ عقلا في ظل تعقيدات الشأن العام المحلي، وأمام إشكالية تدبير بعض المرافق العمومية الجماعاتية[58]، أن يتولى قيادتها ومسؤوليتها أشخاص لا يتوفرون على الحد الأدنى من التعليم والكفاءة[59].

ولعله بمقارنة بسيطة نؤكد هذا الطرح، إذ أن تنصيص المشرع على وضع الجهات لبرنامجها التنموي، وكذا إعداد مخططها الاستراتيجي ووضع الميزانية وتدبيرها والاختصاصات الأخرى، سواء الذاتية أو المحولة أو الاستشارية، لا يمكن لشخص دون تعليم أو ذو تعليم بسيط أن ينجزها. خاصة في ظل الحديث عن الجودة والمردودية والإدارة الإلكترونية والتواصل بالطرق المستجدة، وغير ذلك من المفاهيم العصرية التي لا يستطيع مواكبتها إلا من له مستوى علمي معين[60]. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إنه لا يعقل ولا يصح منطقا أن ننتظر تخفيف الرقابة الإدارية وفعالية الرقابة السياسية والقضائية بشقيها، إذا استمرت الموارد البشرية المحلية وبقيت دون المستوى المطلوب.

وعلى صعيد أخر، فقد اعتمد القانون التنظيمي الجديد في المادة 08 منه التصويت العلني كقاعدة لاتخاذ جميع مقررات المجلس[61]، وكذا لانتخاب رئيس المجلس ونوابه والأجهزة المساعدة للمجلس بعدما كان القانون القديم ينص على الاقتراع السري. وهو ما يعتبر خطوة إيجابية لأن التصويت العلني له عدة إيجابيات، فهو تعبير عن الشجاعة وعدم تذبذب المواقف حيث في الاقتراع السري يمكن الشخص من أن يغير موقفه خلف العازل الانتخابي، كما أن الاقتراع السري يستهلك الكثير من الوقت ويتطلب إعدادات وأدوات ووسائل لوجيستيكية. لكن في المقابل التصويت العلني قد يعرض المنتخبين للضغط والابتزاز من طرف الرئيس الذي سيضغط بكل الوسائل المتاحة من أجل استمالة الأصوات لصالحه.

وبخصوص التنافي فقد أصبحت مهام رئيس مجلس الجهة أو نائب رئيس مجلس الجهة تتنافى مع مهام رئيس أو نائب رئيس مجلس جماعة ترابية أخرى، أو مهام رئيس أو نائب رئيس غرفة مهنية، أو رئيس أو نائب رئيس مجلس مقاطعة. وفي حالة الجمع بين تلك المهام، يعتبر المعني بالأمر مقالا بحكم القانون من أول رئاسة أو إنابة انتخب لها. وتتم معاينة هذه الإقالة بموجب قرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية. ولا يجوز الجمع بين رئاسة مجلس الجهة وصفة عضو في الحكومة أو في مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. او الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري او مجلس المنافسة او الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها[62].

ولقد عمل المشرع المغربي في القانون التنظيمي على -تبسيط إجراءات التسيير- وهو ما يتجلى من خلال مراجعة قواعد النصاب القانوني لصحة المداولات. حيث أعاد القانون التنظيمي للجهات النظر في القواعد المتعلقة بالنصاب القانوني لصحة مداولات المجلس. وتبعا لذلك اشترط القانون لصحة المداولات في الاجتماع الأول حضور نصف الأعضاء المزاولين لمهامهم على الأقل في الجلسة، وإذا لم يتوفر المجلس على النصاب القانوني للتداول بعد استدعاء أول، يوجه استدعاء ثان في ظرف ثلاثة (3) أيام على الأقل وخمسة (5) أيام على الأكثر بعد اليوم المحدد للاجتماع الأول[63]. ويعد التداول صحيحا بحضور نصف الأعضاء المزاولين مهامهم على الأقل في الجلسة. إذا تعذر في هذا الاجتماع الثاني التوفر على نصف الأعضاء المزاولين مهامهم، يجتمع المجلس، بحكم القانون، بنفس المكان والساعة بعد اليوم الثالث الموالي من أيام العمل، وتكون مداولاته صحيحة بمن حضر[64].

أما القانون التنظيمي للجماعات فقد جاء هو الأخر بمقتضيات عملية هامة تستهدف تكريس مبادئ الديمقراطية المحلية وقواعد الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام المحلي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإرساء آليات تشاركية للتشاور والحوار. محاولا التماهي مع المبادئ الدستورية، وتتجلى أهم هذه المبادئ المقتضيات على الخصوص فيما يلي:

* بخصوص تنظيم مجلس الجماعة:

  • التنصيص على انتخاب رئيس مجلس الجماعة في جلسة مخصصة لهذه الغاية خلال الخمسة عشرة يوما الموالية لانتخاب المجلس[65]. ولعل هذا التنصيص تم من منطلق معالجة مشاكل عدم انسجام الأغلبية في بعض المجالس؛
  • تنافى مهام رئيس مجلس الجماعة أو نائب رئيس مجلس الجماعة مع مهام رئيس أو نائب رئيس مجلس جماعة ترابية أخرى، أو مهام رئيس أو نائب رئيس غرفة مهنية، وفي حالة الجمع بين هذه المهام، يعتبر المعني بالأمر مقالا بحكم القانون من أول رئاسة أو إنابة انتخب لها[66]. وهنا لابد من الإشارة أن مشروع القانون التنظيمي للجماعات قبل المصادقة عليه، كان ينص بالإضافة إلى حالات التنافي الموجودة، على أن تتنافى مهمة رئيس مجلس الجماعة مع صفة عضو في مجلس النواب أو في مجلس المستشارين أو في الحكومة. وكانت ستكون مسألة إيجابية لو تم الإبقاء عليها ولكن للأسف جاءت رغبة النواب عكس ما كان متوقعا بتضييق الخناق على الجمع بين المسؤوليات الحكومية والتدبير المحلي. ولعل فرق الأغلبية بمجلس النواب، قد خضعت من خلال هذا التعديل لرغبة النواب البرلمانيين الراغبين في الاستوزار، وفي تولي رئاسة جماعات ترابية، وسايرت وزارة الداخلية، في الترخيص للجمع بين المسؤولية الوزارية، وتدبير الجماعات المحلية؛
  • يحدث مجلس الجماعة، خلال أول دورة يعقدها بعد مصادقته على نظامه الداخلي، لجنتين دائمتين على الأقل. ويجب أن يراعى في الترشح لرئاسة لجنة من بين اللجان الدائمة، السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتخصص رئاسة إحدى اللجان الدائمة للمعارضة[67]. وإذا كان مبدأ المناصفة من الناحية النظرية مبدأ مهم يضمن للنساء التواجد في صلب القرار الجماعي، فهو في المقابل قد يحمل بعضا من التعسف أو قد يكون على حساب مبدأ الكفاءة. فكيف يعقل أن نضع إحدى النساء في مركز من مراكز المسؤولية من منطلق المناصفة ويكون هناك في الرجال من هو أكثر منها كفاءة وخبرة وتأهيلا لا لشيء إلا لأن مبدأ المناصفة يفرض ذلك، والعكس صحيح بالنسبة للرجال. ومن هنا، فإننا نرى مع من يرى أن المبدأ الأصلح هو مبدأ الأهلية والكفاءة؛

* بخصوص تسيير مجلس الجماعة:

  • قيام رئيس المجلس بإعداد مشروع النظام الداخلي للمجلس، وعرضه على هذا الأخير لدراسته والتصويت عليه، واعتبار مقتضياته ملزمة لأعضاء المجلس[68]. وإلزامية عقد دورة استثنائية إذا قدم طلب بشأنها من طرف ثلثي اعضاء المجلس[69]، وذلك تشجيعا لتبادل نوع من الرقابة السياسية بين الرؤساء والأعضاء، ولكن حبذا لو تم اعتماد المقاربة التشاركية في إعداد مشروع النظام الداخلي للمجلس لكان الأمر أحسن؛
  • يتعرض العامل أو من ينوب عنه على كل نقطة مدرجة في جدول الأعمال لا تدخل في اختصاصات الجماعة أو صلاحيات المجلس. وعند الاقتضاء يحيل العامل أو من ينوب عنه تعرضه إلى قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية للبت فيه داخل أجل 48 ساعة ابتداء من تاريخ التوصل به.[70] وهذه المسألة تعتبر إيجابية وسلبية في نفس الوقت، فهي إيجابية نظرا لإدخال القاضي الإداري في الرقابة الوصائية، وهي سلبية لمنح العمال إمكانية الاختيار بين الإحالة أو عدم الإحالة على المحكمة.

 

* بخصوص النظام الأساسي للمنتخب:

  • يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس. ويقدم طلب التجريد لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية من قبل رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح المعني بالأمر باسمه، وتبت المحكمة الإدارية في الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيل طلب التجريد لدى كتابة الضبط.[71] ويعتبر هذا الامر من الإصلاحات التي كانت منتظرة منذ مدة، عسى أن تتضح من خلاله معالم المشهد السياسي الحزبي على المستوى الترابي.
  • يحق لأعضاء مجلس الجماعة الاستفادة من تكوين مستمر في المجالات المرتبطة بالاختصاصات المخولة للجماعة.[72] والتكوين المستمر للمنتخب يعتبر من الامور الأساسية لملاحقة تطورات التدبير الترابي المتسارعة. ولكنه لن يؤتي أكله في هذا المقام، فالمنطلق يكون باشتراط مستوى تعليمي معين في المنتخبين، وهو ما لم يفعله المشرع للأسف في هذا القانون التنظيمي.
  • ضمانا لمبدأ استمرارية المرفق العام، يستمر رئيس مجلس الجماعة المستقيل ونوابه في تصريف الأمور الجارية إلى حين انتخاب رئيس ومكتب جديدين للمجلس[73].
  • وقد أصبح القضاء وحده هو المختص بعزل أعضاء المجلس، وكذلك بالتصريح ببطلان مداولات مجلس الجماعة، وكذا بإيقاف تنفيذ المقررات والقرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية، مع مراعاة مقتضيات المادة 117 من هذا القانون التنظيمي. ويختص القضاء وحده بحل مجلس الجماعة[74].

* على مستوى اختصاصات الجماعة:

  • لقد أصبحت اختصاصات الجماعة أكثر وضوحا وبروزا وتمفصلا مقارنة مع القانون 00-78 السابق أو ما كان يسمى بالميثاق الجماعي، وذلك إن على مستوى الاختصاصات الذاتية أو المشتركة أو المنقولة.

* على مستوى صلاحيات مجلس الجماعة[75]:

  • يفصل مجلس الجماعة بمداولاته في القضايا التي تدخل في اختصاصات الجماعة، ويمارس الصلاحيات الموكولة إليه بموجب أحكام هذا القانون التنظيمي، كما يتداول مجلس الجماعة في القضايا المتعلقة بالإدارة والتنظيم والتدبير التنموي للجماعة.

* على مستوى صلاحيات رئيس مجلس الجماعة[76]:

  • يقوم رئيس مجلس الجماعة بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته، ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك، ويمارس السلطة التنظيمية، ولهذا الغرض فقد أصبح يمارس من الناحية المبدئية سلطة تنفيذية حقيقية في الجماعة. فهو يتخذ القرارات المتعلقة بتنظيم إدارة الجماعة وتحديد اختصاصاتها. ويعتبر رئيس المجلس الآمر بقبض مداخيل الجماعة وصرف نفقاتها، ويرأس مجلسها ويمثلها بصفة رسمية في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية والقضائية.

* بخصوص المراقبة الإدارية[77]:

  • طبقا للقانون التنظيمي للجماعات، أصبح عامل العمالة أو الإقليم يمارس مهام المراقبة الإدارية على شرعية قرارات رئيس المجلس ومقررات مجلس الجماعة عوض الوصاية، وكل نزاع في هذا الشأن تبت فيه المحكمة الإدارية. كما لا تكون بعض مقررات المجلس التي كانت تستدعي المصادقة في السابق قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، داخل أجل عشرين يوما من تاريخ التوصل بها من رئيس المجلس.

* بخصوص الآليات التشاركية للحوار والتشاور

  • لقد نص القانون على ضرورة إحداث مجالس الجماعات آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج العمل وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجماعة. أبرزها إحداث المجالس الجماعية هيئات استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى “هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”[78].
  • لقد أصبح من حق كل المواطنات والمواطنين والجمعيات أن يقدموا وفق الشروط المحددة بعرائض يكون الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله. وتسجل وجوبا في جدول الأعمال العرائض المقدمة من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات التي تم قبولها، وفقا لأحكام القانون التنظيمي، وذلك في الدورة العادية الموالية لتاريخ البت فيها من لدن مكتب المجلس.[79]

وأخيرا بخصوص القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، بمجموعة من التغيرات والمستجدات، وقام بتدعيم وتقوية عدد من المكتسبات السابقة، وسعى إلى تدارك الكثير من الاختلالات والنقائص التي شابت التجربة السابقة، ويمكن إجمال تلك التغييرات فيما يلي:

  • اعتماد العديد من المقاربات الحديثة والمبادئ في إعداده وصياغته وكيفية تنزيله، كمبدأ التدبير الحر والتعاون والتضامن، ومقاربة النوع ومبدأ المناصفة، ومبدأ التفريع كأساس لتوزيع الاختصاص، وترسيخ الديمقراطية المحلية وتكريس مبادى الحكامة الجيدة، والتدبير التشاركي.
  • التنصيص ولأول مرة على مبدأي التفريع والتدبير الحر طبقا للمواد 136 و140 من الدستور، لما لذلك من دلالات موضوعية ودستورية لتخويل العمالات والأقاليم المزيد من الحصانة والاستقلالية لتقوم بأدوارها في تحقيق التنمية المحلية المستدامة، ولإرساء وتعزیز اللامركزیة واللاتمركز اللذان يمثلان ورشا حیویا لتعزيز وتطوير وتحديث هياكل الدولة[80]، والنهوض بالتنمیة المستدامة والمندمجة.
  • ولتكريس قيم الديمقراطية والشفافية والمحاسبة والمسؤولية تمت عنونة القسم السابع من القانون التنظيمي بقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر. حيث أوضحت المادة 214 من ذلك القسم أنه يتعين على أعضاء مجلس العمالة أو الإقليم ورئيسه والهيئات التابعة للعمالة أو الإقليم التقييد بقواعد الحكامة، والتي تتجلى بالأساس في شفافية مداولات المجلس وإعمال آليات الديمقراطية التشاركية، والقواعد المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة والتصريح بالممتلكات…[81].
  • وترسيخا لسيادة القانون، فقد جاء القانون التنظيمي بمسألة تفعيل القضاء الإداري وجعله يقوم بدوره الدستوري لفض النزاعات بين الجماعة وباقي المؤسسات، ويؤدي دوره الإشرافي على سلطات الوصاية. وهو الأمر الذي قد يشكل ضمانة في المستقبل لتكريس مبادئ العدالة والاستقلالية والنزاهة، وتقليص الدور التحكمي لوزارة الداخلي الذي كان سائدا في القانون السابق. وتبعا لذلك أصبح القضاء يختص وحده بعزل رئيس وأعضاء المجلس[82]. ويختص بالتصريح ببطلان مداولات مجلس العمالة أو الإقليم، وكذا بإيقاف تنفيذ المقررات والقرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية، كما أصبح القضاء يختص وحده بحل مجلس العمالة أو الإقليم[83]. والبت في وجود حالة الانقطاع أو الامتناع، من طرف رئيس المجلس، أو المجلس، أو أحد نواب الرئيس[84]. والبت ببطلان التداول في النقط التي لا تدخل في نطاق صلاحيات المجلس أو لجانه[85].

لكن في المقابل وبالرغم من بالرغم من التنصيص في ديباجة القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم على مبادئ التدبير الديمقراطي لشؤون العمالة أو الإقليم، فإنه بالمقابل تم الإبقاء على انتخاب أعضاء مجلس العملة أو الإقليم بنفس الطريقة السابقة -الاقتراع العام غير المباشر- مما يعد انتكاسة وتراجع عن المبادئ التي كرسها دستور 2011. وبالتالي يطرح التساؤل حول مصداقية تمثيلية أعضاء المجلس، مادام أن انتخابات المجالس الإقليمية تتم في الغالب في منأى عن اهتمام وتتبع ومشاركة ساكنة الإقليم، حيث ينتخب أعضاء مجالس العمالات والأقاليم من طرف هيئة ناخبة تتألف من أعضاء مجالس الجماعات التابعة للعمالة أو الإقليم المعني.

وينضاف إلى ذلك، تكريس القانون التنظيمي الجديد رجحان سلطة العامل على سلطة رئيس مجلس العمالة أو الإقليم. باعتباره أعلى سلطة داخل العمالة أو الإقليم، ويتجلى ذلك في المهام والاختصاصات والسلطات التي منحت لهم في مواجهة قرارات ومقررات وأعمال رئيس مجلس العمالة أو الإقليم، وذلك من خلال التحكم الإداري في تنظيم إدارة العمالة أو الإقليم وتحديد اختصاصاتها والتحكم في جدول أعمال المجلس[86]، فضلا عن إمكانية إدراجهم كل مسألة يريدونها بجداول أعمال دورات مجلس العمالة أو الإقليم[87]، دون أن يكون لرئيس المجلس رأي فيها بل يتم فقط إشعاره بالأمر، وكذا حقهم في الاعتراض على كل مسألة أدرجت بذلك الجدول[88]. كما خول لهم القانون التنظيمي الجديد صلاحية توقيف رئيس أو أعضاء المجلس الذين ارتكبوا أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح العمالة أو الإقليم، في ظرف 48 ساعة، بحكم قضائي استعجالي، إلى أن يصدر الحكم النهائي في ظرف شهر بالعزل[89]، وهو الأمر الذي أعطى صلاحيات تقديرية واسعة لممثل السلطة في تأويل وتقدير تلك الأفعال التي ارتكبت. بل أكثر من ذلك يمنع الرئيس أو أعضاء المجلس من ممارسة مهامهم إلى حين صدور الحكم النهائي، أي أنهم متهمون إلى أن تثبت براءتهم وليس العكس.

رابعا: رهانات وآفاق القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بين الكائن والممكن

لقد أصبحت الحكامة الجيدة في السنوات الأخيرة، هدفا أساسيا للمغرب أو على الأقل مفترضا، لكل سياسية عمومية تبذلها الدولة. فمنذ بداية الألفية الثالثة عرف المغرب تحولات اقتصادية واجتماعية كبرى، مما أفرز حركية ونشاطا وحراكا على جميع الأصعدة والمستويات في المجتمع. وقد كان من أبرزها ما عرفه المغرب في 20 فبراير 2011 في ظل ما يسمى بالربيع العربي. وهو الأمر الذي فرض على الدولة مزيدا من التوجه نحوى تكريس الحكامة الجيدة عموما والحكامة الترابية بالخصوص. ولقد توج هذا التوجه والحراك الاجتماعي بتشريع دستوري جديد، والباب الثاني عشر من الدستور 2011 يؤكد ذلك.

ومن أجل تنزيل الحكامة الجيدة على أرض الواقع تأتي القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، كتشريع قانوني يهم الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث. ويعكس رغبة ومحاولة المغرب لترسيخ نهج الحكامة الجيدة، ونقلها من المستوى المركزي إلى المستوى المحلي، أو بالأحرى الترابي. والملاحظ اليوم أن هذه القوانين، تعرف جدلا واهتماما واسعا من طرف القوى الحية في المجتمع؛ إذ بمجرد صدور الجريدة الرسمية التي نشرت فيها القوانين حتى توالت التعليقات والتحليلات، والتساؤلات حول المستجدات التي جاءت بها للنهوض بالحكامة الترابية وبالحكامة الجيدة عموما.

وفي خضم هذا النقاش والسياق تطرح وتتناسل العديدة من الأسئلة المستكشفة والجوهرية العميقة حول آفاق الحكامة الترابية والتنمية المحلية المستدامة والمنشودة. ونظرا لكثرتها وتنوع مجالاتها فإنه يجب حصرها وتجميعها في سؤال جوهري واحد، وهو كالتالي: ما هي منطلقات وممكنات وآفاق الحكامة الترابية في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث؟

توحي القراءة المتفحصة للأحكام العامة، المدرجة في الأقسام التمهيدية للقوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، تطبيقا لمقتضيات الفصل 146 من الدستور، إلى أن التأطير المؤسساتي والتنظيمي للتدبير الترابي المحلي سيصطدم بمحددات التداخل والتطابق والتوازي، سيما في ظل تمتع الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري المتوازي والمتساوي على حد السواء، إلى جانب خضوعها للقانون العام. كما ستصطدم بضعف اللاتمركز ومتطلبات التنسيق فيما بينها بعضها ببعض، وفيما بينها وبين الأجهزة الإدارية المحلية الأخرى، بما في ذلك الإدارة الترابية للدولة، الولاة والعمال، المصالح اللاممركزة للوزارات، المؤسسات العمومية المحلية التابعة للدولة وغيرها….[90].

وذلك باعتبار كل منها تشكل مستوى مستقل عن الأخر في التنظيم الترابي للمملكة، الأمر الذي ينافيه تبوأ الجهة مركز الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى في إعداد التراب وبرامج التنمية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وتنفيذها وتتبعها، بالرغم من التنصيص على الأخذ بعين الاعتبار الاختصاصات الذاتية لباقي الوحدات الترابية. وكذلك هو الشأن بالنسبة لمجلس العمالة أو الاقليم الذي يعهد له، تطبيقا لمقتضيات البند التاسع من الفصل 146 من الدستور المتعلق بإحداث آليات لتكييف التنظيم الترابي في إطار تعزيز التعاون بين الجماعات بصلاحية ممارسة بعض الاختصاصات بالوكالة عن كل أو بعض الجماعات الموجودة بترابها. إذا تبينت نجاعة ذلك، وفقا لإطار تعاقدي يشترط موافقة مجالس الجماعات المعنية، والتي يرتكز تنظيمها على مبادئ التدبير الحر والتضامن والتعاون من أجل بلوغ أهدافها المتمثلة على وجه الخصوص في إنجاز المشاريع المشتركة مثلها في ذلك مثل باقي الوحدات الترابية، التي لها أيضا طبقا للفقرة الثانية من الفصل 140 من الدستور، وبشكل منفرد، حق ممارسة الاختصاصات الذاتية والمشتركة مع الدولة والمنقولة إليها من طرفها بالتوازي مع تحويل الموارد اللازمة لممارسة هذه الاختصاصات.

إن القراءة المتأنية للقانون التنظيمي المتعلق بالجهات، قصد الوقوف على رهاناته واستشراف آفاق المستقبلية، تفضي إلى أنه -ورغم النقائص والسلبيات التي ينطوي عليها النص القانوني- فإنه سيكون للتنمية الجهوية مستقبل واعد وسيكون للجهات مكانة وازنة في منظومة التدبير الترابي المغربي والحكامة الترابية عموما. إلا أن ذلك في المقابل يتوقف على توفير بعض الشروط والظروف المواتية للعمل والمساهمة الفعالة في المشاريع والأوراش التنموية الكبرى، وهنا يأتي نظام اللاتمركز الإداري في مقدمة تلك الشروط والظروف التي ينبغي توفيرها.

إن الملك محمد السادس ومنذ إعلانه عن انطلاق التحضير لورش الجهوية الموسعة، مافتئ يؤكد على ضرورة تطوير اللاتمركز الواسع، حتى تتمكن الجهوية المنتظرة من الرقي بالتنمية المحلية وبلوغ مستوى الحكامة الترابية[91]. فقد جاء في خطابه الموجه إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية بأكادير “إن اعتزازنا بالخطوات الهامة التي قطعها نظامنا اللامركزي، لا يعادله إلا حرصنا على تثبيت دعائمه بنظام الجهوية الواسعة واللاتمركز الإداري… ومهما يكن تقدمنا في مجال ترسيخ النظام اللامركزي، فإنه سيظل ناقصا، ما لم يدعمه إصلاح نظام الجهات، وبناء أقطاب جهوية متجانسة، واعتماد التدبير غير المتمركز للشأن المحلي. لذا نعتبر أنه قد آن الأوان، للعمل على تسريع مسلسل اللاتمركز الإداري وتوسيع صلاحياته، باعتباره لازمة ضرورية، لمواكبة الجهوية الواسعة، التي نعمل جادين على تحقيقها”[92].

وقد جاء في خطابه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثامنة لعيد العرش “وترسيخا للحكامة الترابية، فإننا مصممون على توطيد اللاتمركز والجهوية مع وجوب تلازم الجهوية الناجعة، مع تفعيل نظام اللاتمركز الواسع والملموس، في إطار أقطاب محددة، تفوض لها السلطات المركزية، الصلاحيات والموارد اللازمة، من خلال مقـاربة جهوية مندمجة”[93]. أما في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء فقد بدى الملك أكثر تأكيدا وعزما على ضرورة إصلاح وتحديث نظام اللاتمركز بحيث بعد تذكيره بأنه “مهما وفرنا للجهوية من تقدم، فستظل محدودة، ما لم تقترن بتعزيز مسار اللاتمركز، لذلك، يتعين إعطاء دفعة قوية لعمل الدولة على المستوى الترابي، خاصة في مجال إعادة تنظيم الإدارة المحلية وجعلها أكثر تناسقا وفعالية وتقوية التأطير عن قرب”[94].

لقد جاء في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي نحن بصدد قراءتها، أن تدبير الجماعات لشؤونها يرتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة ترابية، في حدود اختصاصاتها، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها، طبقا لأحكام هذه القوانين التنظيمية والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقها. وأن التنظيم الترابي يرتكز على مبدأي التضامن والتعاون بين الجماعات وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى، من أجل بلوغ أهدافها، وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة وفق الآليات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي[95].

وإذا كان مبدأ التدبير الحر الذي جاءت به القوانين التنظيمية الجديدة إلى جانب مبدأي التضامن والتعاون بين الجماعات وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى، يعتبر من المبادئ المهمة والأساسية التي لطالما صدحت الأصوات مطالبة بها، من أجل تدبير ترابي أكثر جودة وعقلنة وحكامة، فإن تكريس هذا المبدأ على المستوى الواقعي والممارساتي ليس بالمسألة السهلة ولا بالأمر الهين. فهو يقتضي تجاوز مجموعة من الاكراهات والصعوبات البنيوية العميقة التي ظلت تقف وتحول دون نجاح عملية التنمية المحلية. أو بعبارة أخرى فإن الأمر يتطلب توفير ظروف وشروط العمل المناسبة للجماعات الترابية، وتعبئة مكثفة لكافة الموارد والوسائل الضرورية واعتماد التدبير المقاولاتي وقواعده من أجل النهوض بها. كما يتطلب ضرورة توفرها على إدارة عصرية حديثة، وحكامة إدارية محلية جيدة.

ولعل من أولى الشروط والمقومات الأساسية التي ينبغي توفيرها هي تمكين الجماعات من موارد بشرية كفءة ومؤهلة، إن على مستوى المنتخبين أو على مستوى الموظفين بالإدارات الجماعية. فتوفر الجماعات على إطار قانوني يسمح بالتدبير الحر سيبقى غير كاف في غياب عنصر بشري كفء، يبلور هذا المبدأ على أرض الواقع ويخرجه إلى حيز الوجود. فمستوى الموارد البشرية يعتبر من بين المؤشرات المعتمدة في تقييم الأمم وقياس رخائها. كما تشكل حجر الزاوية والركن الأساسي للتنمية الشاملة والمستديمة، إذ كثيرة هي الشعوب التي تتوفر على كافة مقومات نجاح مؤسساتها من ثروات طبيعية وموقع جغرافي وإرث تاريخي وحضاري، غير أنها تصنف ضمن الدول المتخلفة والسبب في ذلك يرجع إلى تخلف مواردها البشرية[96].

إن الديمقراطية المحلية تشكل ترابطا للعلاقة الحديثة التي تجمع الدولة الحديثة بالمجتمع المعاصر، وهي تنبني أساسا على أولوية السكان في تدبير شؤونهم المحلية، أو ما يسمى حديثا بالتدبير الحر. ذلك أن مفهوم الديمقراطية لا يمكن أن يتبلور إلا من خلال اﻹهتمام بالعنصر البشري -وخاصة المنتخب- باعتباره محور تدبير الشؤون المحلية. وهكذا فإن تصور الديمقراطية المحلية بكل تجلياتها، يجب أن يرقى بالمنتخبين إلى موقع مركز متخذي القرار التنموي، والفاعل السياسي النشيط في نمو الجماعة، وتدبير شؤونها ومواردها البشرية والمالية وخيراتها الاقتصادية والاجتماعية. هذا التصور ينسجم مع روح ومنظور اللامركزية الترابية الحقيقية كقاعدة للديمقراطية المحلية، التي تجعل من المنتخب المحلي مصدر سلطة وصاحب قرار وحامل اختصاص حقيقي، يمكنه من استجابة لرغبات وطموحات وتطلعات السكان الذين قلدوه الأمانة وحملوه مسؤولية تمثيلهم[97]، بدءا من رئيس المجلس المنتخب كسلطة تنفيذية، ومرورا بالمستشارين الجماعاتيين سواء كانوا في موقع الأغلبية أم الأقلية، حيث أصبح التدبير المقاولاتي وسيلة ضرورية لقيادة العمل الجماعي وعنصرا أساسيا للتدبير العصري الحر.

وعلى هذا الاساس بات لابد بداية، ومن أجل الوصول إلى تطبيق مفاهيم التدبير الحر، كالجماعات المبادرة، والتنافسية، والتسويق الترابي، والتدبير بالأهداف، وبلورة الحكامة الجيدة، البحث عن كفاءات من نوع خاص عادة ما يفتقد إليها الكثير من المنتخبين المحليين. وهنا أصبح لزاما على الأحزاب السياسية تزكية المرشحين ذاوي الكفاءات الجيدة والأخلاق الحميدة والسلوك القويم، بعيدا عن سماسرة الأصوات وتجار الانتخابات الذين سئم منهم المواطن. صحيح أن القانون التنظيمي الجديد للجماعات عرف نوعا من التراجع والانتكاس عندما لم ينص على ضرورة توفر شهادة معينة لا بالنسبة للرئيس ولا مكتبه ولا المستشارين، غير أن ذلك لا يعفي الأحزاب من مسؤوليتها في اختيار الأصلح والأكفأ.

إن المنتخب المحلي أصبح ملزما بالتوفر على مؤهلات إدارية وتقنية تمكنه من مواجهة متطلبات المواطنين المتنامية التي تتعقد يوما بعد يوم، هذه المؤهلات التي لا يمكن أن يضمنها الانتخاب. فالناخب العادي ليس له إطلاع بخبايا المسؤوليات الملقاة على عاتق المنتخب ولا بالمؤهلات الواجب توفرها فيه حتى يتمكن من مواجهة التحديات التي يطرحها العمل الجماعي. فغالبا ما يعطي صوته لمرشح تربطه به علاقات خاصة، وقليلا ما تتحكم الاعتبارات الموضوعية في هذا الاختيار. وهكذا فإن آفة الأمية التي يشكو منها جانب كبير من المنتخبين لا تسمح لهم بأخذ المبادرة وضمان تطبيق مقتضيات القانون التنظيمي الجديد للجماعات، ووضع المشاريع الإنمائية والوقوف على إنجازها وفق ما يقتضيه مبدأ التدبير الحر. ومن هنا بات لابد من رفع كفاءة المنتخب المحلي من خلال التكوين سواء من داخل الجماعات نفسها، أو من خارجها عبر الهيآت الأخرى.

هذا ويعتبر التكوين إحدى البرامج الأساسية التي أصبحت تسترعي اهتمام المنظمات في عصرنا الحالي، على اعتبار أنه يؤدي إلى التصدي لكل المشاكل والاختلالات التي تعترض الأداء الإداري. لدى فتطور المنظمات وتشعب مهامها، جعلها تنصرف عن التكوين الذي يقتصر على الإجراءات أو التقنيات المتعلقة بالممارسة الوظيفية، ليمتد إلى تكوين يهم تقويم السلوك والاتجاهات حتى يستجيب الفرد العامل إلى الأهداف الأساسية للمنظمة. وحسنا فعل المشرع المغربي عندما نص بصريح العبارة في القانون التنظيمي للجماعات على مسألة التكوين المستمر[98].

وإذا كانت مفاهيم التكوين، متعددة رغم كونها تصب في مجرى واحد، يهدف أساسا إلى تنمية المهارات والقدرات والسلوكات لدى الأفراد[99]، فإن الجماعات وبصرف النظر عن ذلك في حاجة إلى تكوين منتخبيها. فالتكوين هو صفة المنظمات الحديثة التي تحرص على مواكبة كل تغيير في المجالات التكنولوجية والإدارية. فبدون قوة بشرية متطورة وقادرة على استيعاب التغيير لن تستطيع المنظمة تحقيق أهدافها. كما أن أهميته كذلك تكمن في تحسين قدرات الفرد وتنمية مهاراته، وبالتالي المساهمة في تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد، وبالتالي يزيد من درجة أمانه المؤهلاتي والكفاءاتي، لذلك فهو لا يقتصر على شخص دون آخر أو مسؤولية دون أخرى. فالمنتخب الجديد يحتاج إليه لضمان إتقانه للمهام والوظائف الجديدة المكلف بها، ويحتاجه المنتخب القديم لزيادة مهاراته وإدارة عمله بشكل أفضل. بالإضافة إلى كونه يكمل دور الجامعات والمدارس: فإذا كان التعليم يوفر الأساس الذي يمكن أن ينطلق منه الفرد فإن التدريب (التكوين) يأتي ليستكمل ما بدأه التعليم[100].

وعلى صعيد آخر، لا يمكن الحديث عن التدبير البشري الجيد الذي يعتبر العمود الفقري لتحقيق مسألة التدبير الحر وتكريس الجماعة الترابية المبادرة، دون الحديث عن الموظف المحلي. فالاعتمادية المتبادلة، تقتضي أن تقوم الإدارة بوظيفتها ارتكازا على خطط وبرامج المجلس المنتخب، وتحت مراقبة الرئيس التسلسلي للموظفين، مع وجود إدارة جماعية مهيكلة ومنظمة وموظفين أكفاء[101]. فلا غرابة إذا قلنا أن نجاح الجماعة المحلية في تحقيق مهامها يتوقف على مستوى العنصر البشري المتوفر لديها، إذ بواسطته يتم نقل تصورات واستراتيجيات ومداولات المجالس المنتخبة إلى حيز الوجود وإلى التطبيق الفعلي، ومن هنا تأتي أهمية الموظفين المحليين، فكلما كانت هاته الفئة مؤهلة وذات خبرة وحنكة واسعة كلما كانت النتائج أحسن. ومما يزيد من كفاءة الموظفين المحليين هو وضع استراتيجية مبنية على أساس التكوين والتكوين المستمر، وذلك لاستيعاب مختلف التقنيات الجديدة في التدبير وكذا مختلف التحولات الداخلية والخارجية المؤثرة على التوجه العام للبلاد.

هذا، وإذا كان للإطار القانوني أهميته في الاعتراف بمبدأ التدبير الحر، وكان للموارد البشرية أهمية بالغة في تكريس هذا المبدأ أو إعدامه من الأساس، فإن الموارد المالية أو ما يسمى بالجانب المادي تعتبر هي المنطلق والمرتكز. إذ كيف يعقل أن يسود التدبير الحر في الجماعات الترابية إذا كانت لا تتوفر على الموارد المالية اللازمة والكافية لذلك؟

وبعبارة أوضح، تعتبر الوسائل المالية حجر الزاوية لتكريس مبدأ التدبير الحر، فمهما تعددت الاختصاصات التي تعطي لجماعة محلية معينة، ومهما كانت صلاحياتها التقريرية على مجالات اختصاصاتها، فإن عدم توفرها على الوسائل المالية اللازمة للنهوض بهذه الاختصاصات يفرغ الاستقلال المالي المعترف به لها من كل محتوى، ويجردها من أي دور مستقل في مجال التنمية. لذا فالعبرة ليست بما تخوله النصوص القانونية من اختصاصات وصلاحيات للمؤسسات، بل إن مسألة التدبير الحر للجماعة الترابية مرهونة بمدى توفرها على الوسائل المادية من أجل ترجمة تلك الاختصاصات على أرض الواقع[102].

لقد أصبح التدبير المالي الجيد أو الحكامة المالية لشؤون الجماعات الترابية، في إطار السعي نحو التكريس الحقيقي لمبدأ التدبير الحر الذي جاءت به القوانين التنظيمية الجديدة، يفرض على الدولة تعزيز الموارد المالية لتلك الجماعات. ويفرض على المسؤولين نهج أسلوب عقلاني يفضي إلى البحث الدائم في خلق موارد جديدة من شأنها أن تساهم في تنمية مالية الجماعات الترابية عموما والجماعات الصغرى (الحضرية والقروية) بالأساس. ولعل تجاوز الأسلوب الكلاسيكي في التمويل وفي التمكين المادي الذي رافق التجارب المحلية السابقة، والذي جعل التحصيل والإنفاق محكوما بهاجس الاستهلاك دون الإنتاج، يعتبر مسألة أساسية وضرورية في هذه المرحلة بالذات.

وفي مقابل مسؤولية الدولة، فإن الجماعات الترابية ملزمة هي الأخرى بعقلنة وترشيد الموارد المتوفرة والمتاحة لها، ذلك أن جوهر إشكالية التسيير المالي بالنسبة للجماعات الترابية هو كيفية تدبير الموارد المتاحة بالنظر إلى حجم هذه الموارد[103] وبالنظر إلى الأولويات التي يجب تحديدها انطلاقا من دراسة واقعية ومعمقة للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والمالية. وبالتالي فحدوث أي خلل في التدبير سوف يحدث ضياع وهدر أموال وموارد هامة الأمر الذي من شأنه تعطيل مسار التنمية الاقتصادية المنشودة.

وهذا ما أثبته الواقع والممارسة العملية السابقة، ذلك أن عددا من المجالس المنتدبة تعيش سنويا على إيقاعات الطعن في ميزانيتها السنوية نتيجة لسوء تدبيرها، مما يشكل دليلا قاطعا على تفشي بعض الممارسات المشبوهة من قبيل أن بعض المبالغ المتضمنة في الميزانيات المحلية تكون صورية لا تعكس مشاريع قد أنجزت بالفعل، أو طبيعة بعض النفقات التي لا تعود على الجماعات الترابية بأية مردودية مثل استهلاك المحروقات المستعملة لأغراض شخصية، المكالمات الهاتفية والإنارة والماء[104]، إضافة إلى عدة خروقات تتعلق بالصفقات العمومية[105]. وزيادة على هذا، هناك الارتجالية في صرف المال العام نتيجة غياب التخطيط، إذ غالبا ما يخضع التدبير لاعتبارات آنية دون الاستناد إلى برامج تحدد فيها الأولويات وتراعى في تنفيذها تطلعات الساكنة المحلية وحاجياتها الضرورية[106].

إن النصوص القانونية مهما كانت جودتها، والموارد البشرية مهما كانت مؤهلاتها وكفاءاتها، والموارد المالية مهما كان توفرها، لا ولن تؤدي إلى تكريس حقيقي لمبدأ التدبير الحر إذا استمرت الرقابة الإدارية تمارس بنفس المنطق الوصائي المتشدد. صحيح أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية جاءت بإصلاحات مهمة في ميدان الرقابة الإدارية، كالتخفيف من الرقابة البعدية وتقليص مشمولاتها، ثم إدخال القضاء الإداري كمشرف على الرقابة الوصائية. وصحيح أن الجماعات الترابية منحت لها اختصاصات وصلاحيات أكثر تمفصلا وتدقيقا مما كانت عليه في السابق، وذلك دعما وترسيخا للاستقلالية الإدارية والمالية من الناحية المبدئية المفترضة. لكن الأصح هو أن الكلمة النهائية والقول الفصل في الرقابة الإدارية يعود للعمل والتطبيق وللممارسة الفعلية على أرض الواقع.

لقد أجمع كل من تعرف على النظام الرقابي والوصائي الممارس المعتمد أو بالأحرى “المسلط” على الجماعات الترابية، أنه لابد ومن الضروري تخفيف التدخلات الرقابية ذات الصبغة الإدارية في شؤون تلك الجماعات. فالرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية على الميزانية والشؤون المالية المحلية، صارمة وشديدة ومبالغ فيها، وهي بذلك لا شك معرقلة ومعيقة لاختصاصات وأنشطة الجماعات ولمسألة التدبير الحر المبني أساسا على مبدأ المبادرة. الأمر الذي يستدعي بل يستلزم تخفيفها وتقليصها وملاءمتها مع متطلبات التنمية المحلية المستدامة والحكامة الترابية ومقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات.

أما الرقابة الإدارية أو بالأحرى الوصاية الإدارية التي تمارسها وزارة الداخلية، فهي أشد وطأة في هذا الصدد، بل هي السيف المسلط بقوة على الاستقلالية الإدارية والمالية للجماعات الترابية بالمغرب. ومن هنا لا يقتضي الأمر بالنسبة لتلك الرقابة تخفيفا وتقليصا وملاءمة -كما هو الأمر بالنسبة للرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية فقط- بل يستلزم الواقع المحلي تغيير وتجديد فلسفتها ومنطق ممارستها جذريا. كما أنه لابد في هذا الإطار من إلغاء وحذف العديد من الاختصاصات والممارسات الرقابية المعرقلة التي باتت غير مرغوب فيها[107]، لاسيما وأن المغرب مقبل على الجهوية المتقدمة واللامركزية المتطورة التي لن تقوم لها قائمة إذا بقيت الرقابة الإدارية على حالها.

إن متطلبات الحكامة الترابية ومستلزمات التنمية المحلية أصبحت تفرض تجاوز مرحلة الوصاية الإدارية بمفهومها الضيق والتقليدي، والمتجلي في الرقابة الوصائية من أجل الرقابة، ومن أجل تكريس المقاربة الضبطية وتحكم الدولة في تلابيب الديمقراطية الترابية. حيث كانت وما تزال حجر عثرة تقف في طريق التنمية المحلية ويتم ممارستها وفق منظور أمني احترازي ضيق، وكأن الغرض منها هو عرقلة وتعطيل أعمال الهيآت المنتخبة، وليس الأخذ بيد المنتخبين والذود عن المصلحة العامة. لكن في المقابل هذا الطرح لا يقوم على إنكار وإلغاء الوصاية، ولا يعني بأي حال من الأحوال المطالبة باستقالة الدولة من مهام مراقبة المجال الترابي، بقدر ما يذهب في اتجاه ضرورة تقليص وترشيد وعقلنة أو حوكمة اختصاصات سلطات الوصاية، مع تخويل الهيئات المنتخبة مزيدا من الحرية ومن القدرة على المبادرة. فالرقابة الإدارية على الجماعات الترابية تظل خيارا لا محيد عنه، وفي نفس الوقت تعد ملاءمة الوصاية والرقابة مع متطلبات الحكامة المحلية ومستلزمات التنمية الشاملة المستدامة والمنشودة مطلبا لا بديل عنه، سواء تعلق الأمر برقابة وزارة الداخلية أو إلى حد ما بالرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية[108].

إن القانون التنظيمي الجديد للعمالات والأقاليم وباستثناء بعض المستجدات والتغيرات الشكلية، لم يأت بتنظيم إقليمي متطور، ومن هنا يمكن القول أن الدولة أو بالأحرى وزارة الداخلية حافظت على النهج الذي اتبعته منذ ستينيات القرن الماضي. فالقانون التنظيمي الجديد لم يخرج العمالات والأقاليم من جمودها الإداري ومحدوديتها التنموية، ولم يفتح لها الآفاق الواعدة على صعيد التدبير الاقتصادي والتنموي عموما كما هو مفترض في أي جماعة ترابية من الناحية المبدئية. لكن في المقابل هذا الامر ليس غريبا على العمالات والأقاليم في المغرب، فقد ظلت اللامركزية دائما جوفاء ناقصة غير مكتملة خاوية على عروشها بالنسبة للعمالات والأقاليم، فهي وحدات إدارية وضعت من قبل السلطات لتكون تابعة عاملة ناصبة في خدمة المركز، وما تواجد العمال والولاة بها إلى دليل قاطع على ذلك. وتبعا لذلك، فإن أبرز آفاق أو رهان نرجوه للعمالات والأقاليم في سلم اللامركزية وفي معرض البحث عن الحكامة الترابية[109]، هو أن يتم الاستغناء عنها كجماعات محلية، لتتفرغ كوحدات إدارية تمثل الإدارة المركزية وبالخصوص وزارة الداخلية كأداة لبسط الرقابة والضبط على الساكنة المحلية. وفي أحسن الأحوال يمكن أن تصل حد اللاتمركز بمفهومه السلبي والإيجابي، حيث تنصيب المصالح اللاممركزة للوزارات المختلفة وجعلها تحت تصرف العمال والولاة وإشراف وزارة الداخلية.

إن استمرار العمالات والأقاليم كجماعات ترابية بتلك الموصفات الواردة في القانون التنظيمي الجديد، حيث اسندت لها اختصاصات أكثر غموضا وعمومية من الجماعات الأخرى مع بقاء مسألة انتخاب رؤسائها غير سليمة من الناحية الديمقراطية، قد لا يؤدي إلى أي نتائج تذكر. بل قد يصبح تواجدها في المستقبل وفي أفق نضج تجربة الجهوية المتقدمة حجر عثرة في طريق التنمية وعقبة كؤود للحكامة الترابية. ومن هنا يتضح أن أولويات المرحلة الراهنة والقادمة لا تنصب فقط على إعادة البناء القانوني للعمالات والأقاليم، بل يتطلب أيضا تنقية الفضاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحيط بهذا البناء من الشوائب، والمعول عليه في هذا المجال اتحاد الإرادات الحسنة وتلاقي النوايا الإيجابية لرفع مختلف التحديات والصعاب، من أجل بناء، مغرب قوي ومتضامن، بين جماعاته وأقاليمه وجهاته. وفي سبيل ضمان استمرارية وطن للمغاربة شعار التنوع في إطار الوحدة.

 

 

 

[1]– هناك عدة تعريفات للحكامة لا يتسع المقام لذكرها، وعلى سبيل المثال جاء في إحدى التقارير الموضوعية التي يشتمل عليها تقرير الخمسينية بأن الحكامة هي “ممارسة السلطة …، بشكل يضمن تنمية تشاركية ومستديمة، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والبيئية، وذلك من أجل الاستجابة لحاجيات السكان من الخدمات الأساسية، دون تمييز بين الذكور والإناث أو بين الأجناس والأعراق”، المغرب الممكن: تقرير الخمسينية، “الحكامة والتنمية التشاركية”، مطبعة دار النشر المغربية 2006، الدار البيضاء، المغرب، ص 16.

ويعرفها أحد الباحثين: بأنها “كفاءة المجتمعات الإنسانية في التوفر على أنظمة تمثيلية ومؤسسات وقواعد ومساطر ووسائل التقييم والتقدير، ومسلسلات وهيئات اجتماعية قادرة على تسيير الترابطات والروابط بطريقة سليمة”. محمد اليعكوبي: “المبادئ الكبرى للحكامة المحلية”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 56، ماي – يونيو 2004، ص 10.

[2]– عماد أبركان: “نظام اللاتمركز ومتطلبات الحكامة الترابية”، منشورات مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، تحت عنوان “الجماعة الترابية، الجهوية المتقدمة ورهان الحكامة الجيدة”، عدد مزدوج 29-30/2015، ص 27.

[3]– فتيحة بشطاوي: “الحكامة والتنمية مثال منظومة الرقابة والتدقيق على الصعيد المحلي”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، تحت عنوان “السياسة الاقتصادية وأفاق التنمية بالمغرب”، عدد مزدوج 13-14/2010، ص 61. 

[4]– محمد الأعرج: “القانون الإداري المغربي”، الجزء الأول، م م إ م ت، سلسلة مواضيع الساعة، مطبعة دار النشر المغربية الرباط، العدد 66 مكرر 2010، ص 73.

[5]– دستور فاتح يوليو 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91، الصادر في 27 من شعبان 1432، الموافق ل 29 يوليو 2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادرة في 28 شعبان 1432، الموافق ل 30 يوليو 2011، ص 3600.

[6] – سعيد الميري: “التدبير الاقتصادي للجماعات المحلية”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الخامس السويسي الرباط، 2006-2007، ص 129.

[7]– القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق ل 7 يوليوز 2015، والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6380 الصادرة بتاريخ 6 شوال 1436 الموافق ل 23 يوليوز 2015، ص 6585.

[8]– القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، الصادر في 20 رمضان 1436 الموافق ل 7 يوليوز 2015، والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.84، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6380 الصادرة بتاريخ 6 شوال 1436 الموافق ل 23 يوليوز 2015، ص 6625.

[9]– القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85، الصادر في 20 رمضان 1436، الموافق ل 07 يوليوز 2015، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6380، مكرر الصادرة بتاريخ 6 شوال 1436، الموافق ل 23 يوليوز 2015، ص 6660.

[10]– مرسوم رقم 2.15.40 صادر في فاتح جمادى الأولى 1436 الموافق ل 20 فبراير 2015، بتحديد عدد الجهات وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6340، بتاريخ 14 جمادى الأولى 1436 الموافق ل 5 مارس 2015، ص 1481.

 -[11]سعيد الميري : مرجع سابق، ص 1. 

[12]– العرابي الغمري: “تحديث الإدارة الترابية للدولة في المغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، 2003-2004، ص 51.

 -[13]عبد الرحمان جمجامة : “الإدارة باللامركزية مع اللاتمركز وسياسة القرب، في الخطاب والنشاط الملكي من محمد الخامس إلى محمد السادس”، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، الطبعة الأولى 2004، ص 10 وما بعدها.

[14]– مقتطف من خطاب العرش للملك محمد السادس يوم 30 يوليوز 2000. انبعاث أمة: الجزء 45، القسم الثاني، المطبعة الملكية، الرباط، 2000، ص 692.

[15]– انبعاث أمة: الجزء 45، القسم الأول، المطبعة الملكية، الرباط، 2000، ص 53.

[16]– انبعاث أمة: الجزء 45، القسم الثاني، المطبعة الملكية، الرباط، 2000، ص 692.

[17] انبعاث أمة: الجزء 53، القسم الثاني، المطبعة الملكية، الرباط، 2008، ص 490.

[18]– الشرقي نصروي وشحشي عبد الرحمان: “الجهوية الموسعة في الخطب الملكية بين التحليل السميائي والتحليل السياسي”، مقال منشور بسلسلة اللامركزية المحلية، العدد 6 الطبعة الأولى 2010، ص 41. 

[19]– عبد الكبير يحيا: “تقسيم التراب والسياسة الجهوية بالمغرب: نحو اعتماد جهوية سياسية”، منشورات م م إ م ت، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، مطبعة دار النشر المغربية الرباط، عدد 84، 2010، ص 446.

[20]– محمد اليعكوبي: “مفهوم الجهوية المتقدمة في الخطب الملكية”، م م إ م ت سلسلة مواضيع الساعة، مطبعة دار النشر المغربية الرباط، العدد 71، 2011، ص 23.

[21]– أنظر خطاب الملك محمد السادس الملقى بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، ليوم 3 يناير 2010، منشورات م م إ م ت،» سلسلة نصوص ووثائق«، العدد 241، 2011، ص 17.

[22]– Amal Mechrafi : “Autonomie et développement local dans la nouvelle charte communale”, publications La Revue Marocaine d’administration Locale et de Développement, série «thèmes actuels», Nº 44, 2003, p 17. 

[23]– الظهير الشريف رقم 1.59.315، الصادر في 28 ذي الحجة 1379، الموافق ل 23 يونيو 1960، بشأن نظام الجماعات، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 2487، الصادرة في 29 ذي الحجة 1379، الموافق ل 24 يونيو 1960، ص 1970.

[24]– عبد المولى المسعيد: مسار وتحولات سياسة اللامركزية الترابية بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، نشر وتوزيع somadil، الطبعة الأولى 2012، ص من 28 إلى 30.

[25]– دستور 1962، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف الصادر يوم الجمعة، في 17 رجب 1382 موافق 14 دجنبر 1962، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 2616 مكرر، الصادرة في 22 رجب 1382، الموافق 19 دجنبر 1962، ص 2993.

[26] Said Ben Bachir : “L’administration locale au Maroc”, imprimerie Royale, Casa 1969, p 167.

[27]– الظهير الشريف رقم 1.63.273، الصادر بتاريخ 22 ربيع الثاني 1383 الموافق ل 12 شتنبر 1963، بشأن تنظيم العمالات والأقاليم ومجالسها، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 2655، الصادرة بتاريخ 24 ربيع الثاني 1383، الموافق ل 13 شتنبر 1963، ص 2151.

[28]– رضوان بوجمعة: المقتضب في القانون الإداري المغربي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، بدون دار النشر، الطبعة الأولى 1999، ص من 138 إلى 140.

[29]– دستور 1970، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.70.177، الصادر بتاريخ 27 جمادى الأولى 1390 موافق 31 يوليوز 1970، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 3013 مكرر، الصادرة في 28 جمادى الأولى 1390، الموافق لفاتح غشت 1970، ص 1930. ودستور 1972، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.72.061، الصادر بتاريخ 23 محرم 1392 موافق 10 مارس 1972، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 3098، الصادرة بتاريخ 28 محرم 1392، الموافق ل 15 مارس 1972، ص 626.

[30]– الظهير الشريف رقم 1.71.77، الصادر بتاريخ 22 ربيع الثاني 1391، الموافق ل 16 يونيو 1971، بإحداث المناطق، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 3060، الصادرة في 29 ربيع الثاني 1391، الموافق ل 23 يونيو 1971، ص 1352.

[31]– محمد بوجيدة: “الجهة وعلاقاتها مع السلطات المحلية والجماعات المحلية الأخرى وهيئاتها”، منشورات م م إ م ت، العدد 26، يناير- مارس، 1999، ص 45.

[32]– الظهير الشريف رقم 1.76.583، الصادر في 5 شوال 1396، الموافق ل 30 شتنبر 1976، بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم الجماعي، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 3335 مكرر، الصادر في 6 شوال 1396، الموافق لفاتح أكتوبر 1976، ص 3025.

[33]– ميمونة هموش: مرجع سابق، ص 15 و16.

[34]– دستور 1992، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.92.155، الصادر في 11 ربيع الأخر 1413 موافق 9 أكتوبر 1992، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4172، الصادرة في 16 ربيع الأخر 1413، الموافق ل 14 أكتوبر 1992، ص 1247.

[35]– دستور 1996، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.96.157، الصادر في 23 جمادى الأولى 1417، الموافق ل 17 أكتوبر 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4420، الصادرة بتاريخ 26 جمادى الأولى 1417، الموافق ل 10 أكتوبر 1996، ص 2281.

[36]– Mohammed Brahimi : “Appréciation de la régionalisation à l’ombre de la recomposition politique et institutionnelle”, publications REMALD, N° 19, Avril – juin, 1997, p 53.

[37]– القانون رقم 96-47 المتعلق بتنظيم الجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.84، الصادر في 23 من ذي القعدة 1417، الموافق ل 2 أبريل 1997، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4470، الصادرة في 24 ذي القعدة 1417، الموافق ل 3 أبريل 1997، ص 556.

[38]– القانون رقم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.297، الصادر في 25 من رجب 1423 الموافق ل 3 أكتوبر 2002، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5058، الصادرة بتاريخ 16 رمضان 1423، الموافق ل 21 نوفمبر 2002، ص 3468. والقانون رقم 00-79 المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.269، الصادر في 25 من رجب 1423 الموافق ل 3 أكتوبر 2002، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5058، الصادرة بتاريخ 16 رمضان 1423، الموافق ل 21 نوفمبر 2002، ص 3490.

[39] -Houssine Ben Bachir Hassani : “Les apports et les limites de la loi n° 79.00 relative à l’organisation des préfectures et des provinces”, publications REMALD, N° 44, 2003, pp 37 et 39.

[40]– القانون رقم 08-17 المغير والمتمم بموجبه القانون رقم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.153، الصادر في 22 من صفر 1430، الموافق ل 18 فبراير 2009، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5711، الصادرة في 27 صفر 1430 الموافق ل 23 فبراير 2009، ص 536. 

[41]– أنظر خطاب الملك محمد السادس الملقى بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، ليوم 3 يناير 2010، منشورات م م إ م ت،» سلسلة نصوص ووثائق«، العدد 241، 2011، ص 17.

[42]– دستور فاتح يوليو 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91، الصادر في 27 من شعبان 1432، الموافق ل 29 يوليو 2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادرة في 28 شعبان 1432، الموافق ل 30 يوليو 2011، ص 3600.

[43]– المملكة المغربية:تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية حول الجهوية المتقدمة”، المقدم إلى الملك محمد السادس، في 2011، الكتاب الأول، التصور العام، منشورات م م إ م ت،» سلسلة نصوص ووثائق«، العدد 241، 2011، ص 53.

[44]– أبركان عماد: “خصوصيات المقاربة الترابية للمسألة التنموية بالمغرب”، مداخلة ضمن أشغال الندوة الدولية المقامة بشراكة بين كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ومركز الدراسات والأبحاث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، ومؤسسة هانس سايدل الألمانية، تحت عنوان “المرافق العمومية المحلية والتنمية بالدول المغاربية”، وذلك يومي 29 و30 أبريل 2015.

[45]– الفصل 146 من دستور فاتح يوليو 2011، المشار إليه سابقا.  

[46]– لقد صدرت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الثلاث كمشاريع بعد دراسات ومفاوضات مطولة، في 7 ينارير 2015 وصادق عليها المجلس الحكومي في 22 يناير 2015، في حين صادق المجلس الوزاري برئاسة الملك في 29 يناير 2015.

[47]– الفصل 132 من دستور فاتح يوليو 2011، المشار إليه سابقا.  

[48]– أبركان عماد: “خصوصيات المقاربة الترابية للمسألة التنموية بالمغرب”، مرجع سابق.

[49] – أبركان عماد: “قراءة تحليلية في القانون التنظيمي للجماعات”، منشورات م م ف س ق، تحت عنوان “الجهات والجماعات الترابية من الدستور إلى القوانين التنظيمية”، عدد مزدوج 34-33/2015، ص 90.

[50]– أنظر القوانين التنظيمية للجماعات الترابية المشار إليها سابقا.

[51]– Mohammed El Yaagoubi : “Le Droit administratif marocain”, imprimerie arrissalat, 1ère édition 1987, p 28.

 -[52]أنظر بخصوص غموض مفهوم الشرعية مقارنة بالمشروعية، أحمد ناصوري : “النظام السياسي وجدلية الشرعية والمشروعية”، منشورات مجلة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 24، العدد الثاني 2008، ص 345.

[53]– عماد أبركان: “نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملاءمة”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة، 2014-2015، ص 53.

[54]– أنظر القسم الثاني والثالث من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

– المادة 9 من القانون التنظيمي للجهات المشار إليه سابقا.[55]

[56] المادة 11 من القانون التنظيمي للجهات المشار إليه سابقا.

[57]المادة 13 من القانون التنظيمي للجهات المشار إليه سابقا.

[58]– أنظر محمد حميمز: “إشكالية تدبير المرافق العمومية الجماعية مرفق المحطة الطرقية لنقل المسافرين نموذجا”، منشورات م م إ م ت، العدد 71، نونبر- دجنبر، 2006، ص 75. وأنظر كذلك عبد اللطيف بروحو: “المرافق العمومية المحلية بين التدبير المفوض وشركات التنمية المحلية”، منشورات م م إ م ت، العدد 104، ماي- يونيو، 2012، ص من 75 إلى 86.

[59]– Zarrouk Najat : “A propos l’article 28 de la charte communale [loi n° 78-00] ou de la difficulté de concilier entre la démocratie et les exigences de la bonne gouvernance”, publications REMALD, numéro double 57-58, juillet – octobre, 2004, pp 8-9-10.

[60]– سعيد الميري: مرجع سابق، ص 529.

[61]– المادة 8 من القانون التنظيمي للجهات المشار إليه سابقا.

[62]– المادة 17 من القانون التنظيمي للجهات المشار إليه سابقا.

[63]– المادة 40 من القانون التنظيمي للجهات المشار إليه سابقا.

[64]– المادة 11 من القانون التنظيمي للجهات المشار إليه سابقا

[65]– أنظر المادة 10 والمادة 17 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[66]– أنظر المادة 115 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[67]– أنظر المواد 25-26-27 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[68]– أنظر المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[69]– أنظر المادة 36 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[70]– أنظر المادة 41 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[71]– أنظر المادة 51 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[72]– أنظر المادة 53 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[73]– أنظر المادة 61 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[74]– أنظر المادة 63 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[75]– أنظر الباب الأول من القسم الثالث من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[76]– أنظر الباب الثاني من القسم الثالث من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[77]– أنظر الباب الرابع من القسم الثالث من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[78]– أنظر المادة 120 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

-[79] أنظر المواد من 121 إلى 125 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[80]– عماد أبركان: “نظام اللاتمركز ومتطلبات الحكامة الترابية”، منشورات مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، تحت عنوان “الجماعة الترابية، الجهوية المتقدمة ورهان الحكامة الجيدة”، عدد مزدوج 29-30/2015، ص 27.

[81] – المادة 214 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[82] – المادة 65 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[83] – المادة 57 والمادة 64، من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[84] – المادة 22 والمادة 77 والمادة 74 والمادة 69، من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[85] – المادة 42، من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[86]– المادة 39 والمادة 109 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[87]– المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[88]– المادة 42 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[89]– المادة 65 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، المشار إليه سابقا.

[90] – أبركان عماد: “نظام اللاتمركز ومتطلبات الحكامة الترابية”، مرجع سابق، ص 27-44.

[91]– أبركان عماد: “اللاتمركز الإداري بالمغرب ومتطلبات التحديث”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة، 2010-2011، ص 132. 

[92] نص خطاب الملك إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية، أكادير12-12-2006. انبعاث أمة: الجزء 51، القسم الثاني، المطبعة الملكية، الرباط، 2006، ص 505.

[93]– خطابه الملك بمناسبة الذكرى الثامنة لعيد العرش انبعاث أمة: الجزء 52، القسم الثاني، المطبعة الملكية، الرباط، 2007، ص 134.

[94]– خطابه بمناسبة الذكرى 33 للمسيرة الخضراء. انبعاث أمة: الجزء 53، القسم الثاني، مرجع سابق، ص 490.

[95]– أنظر المادة 181 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.

[96]– سعيد الميري: “التدبير الاقتصادي للجماعات المحلية”، مرجع سابق، ص 10.

[97]– مصطفى الكثيري: “دور الجماعات المحلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية محليا وجهويا”، الحوليات المغربية للاقتصاد، عدد 7، 1993، ص 7.

– أنظر المواد 53-54-55-56 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، المشار إليه سابقا.[98]

[99]– Renaud Sain Saulieu : “sociologie de l’entreprise”, presse de science politique et Dalloz, Paris, 1997, p 65.

[100]– نادر أبو شيخة: “إدارة الموارد البشرية”، دار صفاء، عمان، الطبعة الأولى، 2000، ص 264.

[101]– المصطفى دليل: “المجالس الجماعية في المغرب على ضوء الميثاق الجماعي الجديد”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 40، 2003، ص 39.

[102]– علي أمجد: “الجهة والممارسة الجهوية بالمغرب: جهة كلميم السمارة نموذجا”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق الدار البيضاء، عين الشق، السنة الجامعية 2004-2005، ص 165.

[103]– مفتاح عزيزي: “اللامركزية: من التسيير الإداري إلى تدبير التنمية”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس اكدال الرباط، 2000-2001، ص 221.

[104]– بهيجة هسكر: الجماعة المقاولة بالمغرب (الأسس، المقومات والرهانات)، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، عدد 5، 2010، الطبعة الأولى، ص 160.

[105]– التقرير السنوي عن أنشطة المجلس الأعلى للحسابات، برسم سنة 2009، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5932 مكرر، الصادرة في 3 جمادى الأولى 1432، الموافق ل 7 أبريل 2011، ص 1615.

[106]– محمد الحياني: “مظاهر التنمية المحلية وعوائقها: الجماعات الحضرية والقروية نموذجا”، مطبعة بنميمون، الطبعة الأولى، وجدة، 1998، ص 121.

[107]– Hassan Ouazzani Chahdi : “La Décentralisation provinciale et communale : bilan sommaire d’une politique”, REMALD, numéro double 20-21, juillet – Décembre, 1997, p 51.

[108]– عماد أبركان: “نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملاءمة”، مرجع سابق، ص 277.

[109]– عماد أبركان والمصطفى قريشي: الحكامة الترابية بالمغرب رهان مرهون بين الجهوية المتقدمة واللاتمركز الواسع، مطابع الرباط نت، الطبعة الأولى 2015، ص 60.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق