الحشيش بربطة عنق: محاربة الفساد شيء ممتع.. لكنه ينتهي فجأة..!

24 أبريل 2024آخر تحديث :
الحشيش بربطة عنق: محاربة الفساد شيء ممتع.. لكنه ينتهي فجأة..!

عبد الله الدامون

بدأنا ننسى ملف الناصري وبعيوي ومن معهما، وانتهى التشويق قبل أن يبدأ، وأحس الكثير من المغاربة بأن شيئا ما حدث، فهذا المسلسل كان ينتظر أن يطول أكثر، على الأقل حتى نهاية شهر رمضان، على غرار كل المسلسلات المشوقة.

لكن من سوء الحظ، سوء حظنا وسوء حظ بعيوي والناصري أيضا، أنه لم تسقط المزيد من الرؤوس، وكما يحدث دائما عندما تغلق الملفات قبل الأوان فإن الشائعات تحضر بقوة ويجعل منها الناس بديلا شرعيا للملفات الرسمية.

ما يحدث في مجال محاربة الفساد في المغرب يشبه وصلة دعائية لمشروب غازي كانت تبثه التلفزة الإسبانية قبل عقود. تظهر في الإشهار ثلاث نساء عجائز بملامح متصابية وهن يمدحن اسما، من دون أن يظهر إن كان الاسم يتعلق بشخص أو شيء آخر. وتتفق النساء الثلاثة على أن “…” لذيذ جدا وممتع، لكنه للأسف، ينتهي فجأة وبسرعة.. وبعدها يكتشف المشاهدون أن الأمر يتعلق بمشروب غازي!

وقتها أثار هذا الإشهار جدلا في الشارع الإسباني الذي كان لا يزال حديث العهد بزمن الجنرال الراحل فرانسيسكو فرانكو، واعتبر إشهارا بإيحاءات جنسية بذيئة، لكن الناس اقتنعوا فعلا أن الأشياء اللذيذة تنتهي بسرعة وبشكل مفاجئ.

هذا ما يحدث بالضبط في مجال محاربة الفساد عندنا، فبمجرد أن يبدأ الناس بالاستمتاع بما يجري يتم إغلاق الملفات، فيتحول الناس إلى مجال “الفانطازم” والاستيهام وتصبح “الإشاعة” سيدة الزمان والمكان.

وما يزيد الأمر استفحالا هو أن زمن التحقيقات الصحافية الجادة والقوية انتهى من زمان، وبقيت فقط صحافة الفتات والتهافت على ما عاف السبع، والدليل على ذلك هو أن كل الملفات القوية والمثيرة كشفت عنها الجهات الرسمية، بينما يكتفي “الإعلام” بدور المأموم في المساجد، وحتى عندما تحاول بعض المنابر القليلة السير قدما في الكشف عن ملفات معينة وفق قاعدة “الحق في الحصول على المعلومة”، فإنها تجد نفسها أمام حق واحد، وهو حق الحصول على “النبك”.

يمكننا، إذن، أن نعتبر ملف إسكوبار الصحراء منتهيا، لكن من حقنا أن نتجاذب أطراف الحديث مع عزيزتنا “الإشاعة”، والتي تتحول إلى بديل محترم للغموض الذي يفتك بالثقة.. وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث.

في كل الملفات الكبرى ضد الفساد أو ضد تهريب المخدرات بقيت الكثير من الأشياء معلقة. ففي أواسط التسعينيات انتهى كل شيء بسجن أشخاص بسطاء مثل حميدو الديب ومحمد الدرقاوي وغيرهم، ولا يزال الديب إلى اليوم يتأمل ما جرى ويطالب باستعادة جزء بسيط مما كان يملكه، بل إنه يتحدث عن تلك الفترة بطريقة تجعلنا نعتقد أن الأمر كان يتعلق فقط بمسرحية رديئة لم يكن هدفها محاربة تهريب الحشيش بقدر ما كان الهدف هو إعادة تنظيم المجال.

مرت ملفات أخرى مشابهة وكان فيها المتورطون في تجارة الحشيش إما بدوا بسطاء وأميين مثل الديب والدرقاوي، أو شبابا نزقين وتافهين مثل منير الرماش والوزاني وغيرهم، وكلهم لم يجرؤوا يوما على الدخول إلى مفاصل الدولة مثل البرلمان والمجالس المنتخبة، قبل أن يتغير الوضع تماما مع الناصري وبعيوي ومن معهما.

لو أن الملفات السابقة وصلت إلى نهايتها لما وصلنا إلى رؤية الحشيش يجلس، شخصيا، في البرلمان والمجالس المنتخبة وهو يرتدي ربطة عنق ويتباهى بنفسه وعلاقاته، ولما سمعنا بكل هذه الحكايات المخيفة جدا عن الفساد والمفسدين.

نخاف أن أن يأتي يوم تصبح فيه حكاية إسكوبار الصحراء مجرد لعب أطفال.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق