تحليل الاسبوع: صراع الأجهزة حول أزمة الريف يكشف محاولة التهام وزارة الداخلية من طرف الديستي

30 يوليو 2017آخر تحديث :
????????????????????????????????????
????????????????????????????????????

تأسيس “وكالة الأمن الداخلي” وإعادة رسم الخريطة الأمنية

إعداد: عبد الحميد العوني الاسبوع

تتنافس الأجهزة المغربية في حرب مستعرة، على موعد “عيد العرش”، وذلك لطي أزمة الريف بعفو شامل عن المعتقلين، أو الانتصار لخيار “الصقور”، ومحاكمة قادة حراك الحسيمة بتهمة المساس بالأمن الداخلي للدولة بمدد تصل إلى 30 سنة أو المؤبد لحماية مظاهر النظام الأمني التقليدي الصارم في البلد.

واستقل جهاز المخابرات الداخلية الذي يدير جهاز الشرطة الذي يقوده عبد اللطيف الحموشي، في بياناته عن وزارة الداخلية منذ اندلاع الأزمة، ولم يعرف أي تحول منذ سبعينيات القرن الماضي، وحارب التطرف “الجهادي” والتمرد الصحراوي في “إكديم إزيك” دون التزام كبير بمعايير حقوق الإنسان، ويريد متابعة فلسفته بمحاربة “التمرد الريفي” الذي اعتبره “انفصاليا” قبل أن تتراجع الحكومة عن هذه التهمة، ويرتبك المشهد.

وينقسم تيار “الصقور” بين وزير الداخلية لفتيت، الذي يريد، بصرامته، في موضوع الريف، إعادة هيمنة الوزارة على الاستخبارات المدنية “الديستي”، وتعد هذه المديرية إلى الآن، تابعة للمديرية العامة للأمن الوطني التابعة بدورها للوزارة، فيما الفرصة مواتية للحموشي لفصل الجهاز الأمني عن الوزارة الوصية على الجماعات المحلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتأسيس “وكالة الأمن الداخلي” بما يناسب معايير الحرفية وعدم التسييس.

وانتقد العاهل المغربي في المجلس الوزاري الأخير، “عدم الحرفية”، والفرصة مواتية لعدم تسييس الأمن وأدائه، وتشكيل “وكالة الأمن الداخلي” كي يعود قرار الدولة لشخص الملك وليس لوزير الداخلية.

ولم يمر قرار سحب القوات الأمنية من الساحات الكبرى في مدينة الحسيمة مؤخرا عبر مكتب وزير الداخلية، وفي هذه الظروف الانتقالية، لا يريد الحموشي أن يدفع أي ثمن في هذه الأزمة، خصوصا في موضوع التعذيب كما جاء في وثائق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقاطع الريفيون في المهجر، لقاء دراسيا في مقر البرلمان الأوروبي في 11 و12 يوليوز الجاري لقبوله مداخلة تحت عنوان: “حقوق الإنسان في الصحراء الغربية تضامنا مع حراك الريف”، وهو صك اتهام واحد يحاول الربط بين اتهامات بـ “التعذيب” في “إكديم إزيك”، وسبق للقضاء الفرنسي تحريكها، وأخرى في الريف “جرح في الرأس وإصابة في العين اليمنى للمعتقل، ناصر الزفزافي”.

وتسرب خبر زيارة سرية إلى فرنسا لعبد اللطيف الحموشي للرد على هذه الجهات، ولتوازن مع لفتيت، الذي كسر حظرا وسافر إلى قمة إشبيلية التي حضرها وزراء داخلية “جي 4” (فرنسا، إسبانيا، البرتغال والمغرب).

 

وزير الداخلية لفتيت يحاول إعادة الحموشي إلى هيمنة وزارته

 

تقول الجريدة الإسبانية “لافنغوارديا” في مقال لأدولفو رويس(1): “إن الملك المغربي منع عن بعض وزرائه العطلة أو الذهاب إلى الخارج، ولو في مهماتهم الوزارية، وألغيت كل لقاءاتهم في الخارج، فطار وزير الداخلية الإسباني إلى المغرب للقاء عبد الوافي لفتيت، لكن الوزير المغربي فاجأ نظيره بكسر الحظر المذكور، وحضر قمة إشبيلية لوزراء داخلية كل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال والمغرب”، وبعدها تسرب خبر مفاده، أن الحموشي قام بزيارة إلى فرنسا، وقد عينت في الفترة الأخيرة سفيرها السابق في الجزائر رئيسا لمخابراتها الخارجية، واستدعت المناسبة 15 جهازا استخباريا، أغلبهم في غرب إفريقيا.

وحسم مستشار الملك عباس الجيراري علنا، أن الملك، لن يتخذ موقفا في هذا الاتجاه أو الآخر، وتعلقت المسألة بتحالف بين الدرك والشرطة في الحسيمة، فالدرك فكك مخيم “إكديم إزيك”، ودفع الحموشي، رئيس الشرطة والاستخبارات المدنية، الضريبة باستدعاء القضاء الفرنسي له، وحاليا تتقدم الشرطة في الحسيمة ويقف الدرك إلى جانبها، وهذا التحالف الموضوعي بين الجنرال بنسليمان وعبد اللطيف الحموشي، يكاد يعيد رسم الخارطة الأمنية، فيما ابتعد الجيش كليا عن القضية المثارة، ولم تدفع هذه الظروف المجلس الأعلى للأمن للبدء في عمله، وقد تجاوز المغرب أزمة “الكركرات” على الصعيد الإقليمي، ويدير أزمته في الحسيمة على الصعيد الداخلي، وتكون هذه الآلية في حكم المنتهي أثرها.

وصار الوصول إلى “الحرفية” هدفا بحد ذاته يريد منه بعض قادة الأجهزة الأمنية، إعادة رسم الخارطة الأمنية غير الفعالة.

وكتب الناطق الرسمي السابق للقصر الملكي، حسن أوريد، الذي رشحته المواقع الإسبانية، بما فيها الناطقة بهذه اللغة في الولايات المتحدة “كونيكثيون”(2)، أن يكون مفاوضا عن القصر مع حراك الريف، على صفحات “القدس العربي” اللندنية: إن الأجهزة الأمنية عارية، بل النظام عار، وبعد أيام “عرت” جهات المعتقل ناصر الزفزافي في فيديو سربته إلى موقع مرتبط بالأجهزة التي تدخلت بعنف لإجهاض تظاهرة 20 يوليوز التي تسبق خطاب العرش بعشرة أيام، ويريد الملك نتائج التحقيق الذي أمر به قبل إلقاء خطابه.

ويصف الجميع الأزمة بالخطيرة، وتمس استقرار البلد، ونقلت “لافنغوارديا”، أن “العثماني انتقد بقسوة صديقه بن كيران في المجلس الحكومي، وقد تنفجر حرب في حزب رئيس الحكومة تدفع التحالف الحكومي إلى الانهيار، فيما التفت المعارضة حول حراك الريف”.

من جهة، قاطع حزب الأصالة والمعاصرة، الأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة لاتهامها بدفع الأمور إلى المجهول، فيما دعا حزب الاستقلال، ثاني أقوى حزب في المعارضة، إلى إطلاق سراح المعتقلين دون قيد أو شرط، فاضطرت الدولة للتدخل من أجل وحدة حزب العدالة والتنمية في انعقاد الدورة الاستثنائية لمجلسه الوطني، وقد تأكد لها أن أي تنسيق في المواقف قد يسقط حكومة العثماني، فيما فضل رئيس الحكومة أن يقود حربه ضد بن كيران في إطار تنسيق حكومي كامل لتفكيك حراك الريف.

وحاولت أطراف خارجية، منذ زيارة ماكرون إلى المغرب، الضغط لإبعاد تهم الإرهاب عن قادة حراك الريف، وأفرجت الحكومة عن سلفي من هؤلاء القادة متهم بالإشادة بأعمال إرهابية، فيما حكمت بنفس التهمة، وبسنة سجنا نافذا على عناصر من شبيبة حزب رئيس الحكومة.

وسبق لـ”موقع 360″ القريب من دوائر القرار، أن شبه الزفزافي بأبي بكر البغدادي، فيما علق “الكوركاس” (المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية) على “تويتر” قائلا: “الأجهزة السرية الجزائرية، لن تنجح أبدا في الحسيمة كما لم تنجح في الصحراء”، وهو ما نقله إغناسيو سمبريرو في “إلكونفدنسيال”(3).

 

الخلاف بين الرسميين حول أزمة الريف يقف عند الملك

 

لا أحد استطاع أن ينشر خطاب الزفزافي إلى الملك، وما تخوف منه التامك، المندوب السامي لإدارة السجون، لم يكن دقيقا، وفور إعلان الزفزافي عن رسالته الموجهة للعاهل المغربي أمام قاضي التحقيق، ظهر فيديو يبدو فيه زعيم الحراك شبه عار، لزعزعة صورته، وللرد على بعض ادعاءات التعذيب.

وظهر المعتقل بأثار في أسفل بطنه وفي عينه اليمنى، ولم تقترب الكاميرا من جرحه في الرأس والبالغ سنتيمترين حسب محاميه ومنظمات حقوقية وطنية ودولية.

وفرض خوض الخلاف بين الرسميين مع خط أحمر واحد هو الملك، ترتيبات جديدة في اللعبة، وفعلا، أمر المجلس الوزاري بالتحقيق في تأخر المشاريع التنموية في الحسيمة، وقد أطلقها الملك في 2015، وقال بن كيران بأنه لم يعرف “الحسيمة منارة المتوسط” إلا من خلال التلفزيون.

وعلق الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان: “على القضاء أن يذهب بعيدا في جرائم التعذيب، لكن الأمنيين لا يريدون أن تصل التحقيقات إليهم، بعد المحاسبة المتوقعة للمسؤولين السياسيين والإداريين والتقنيين” كما ورد عن المجلس الوزاري الأخير.

ومحاولة تعميم المحاسبة للوصول إلى الشرطة والأجهزة الأمنية، تقدير إقليمي لإعادة رسم الخارطة الأمنية من جديد، لأن غياب التوقع واستشراف الأوضاع، عاد معه الأمن منفصلا عن مجتمعه.

 

الحموشي يتجاوز السقف السياسي للمستشار علي الهمة

 

في الدوائر الغربية، يتجاوز عبد اللطيف الحموشي القرار السياسي لعلي الهمة، والدعم الذي يتلقاه رئيس الاستخبارات الداخلية والشرطة، دعم كامل من باقي الأجهزة، فيما الضغوط كبيرة على من أراده بن كيران وزيرا للداخلية، لوضع المخابرات المدنية والأمن الوطني ووزارة الداخلية في يد واحدة.

وجاء لفتيت، ضدا عن قرار بن كيران، وزيرا لأقوى جهاز بيروقراطي في المغرب، لكنه لم يعد يتحكم في مديرية تحارب الإرهاب وتتبع الأمن الوطني التابع بدوره للوزارة، لكن لا شيء يؤكد ذلك في الفترة الأخيرة.

ومن الصعب في هذه الدوائر، قبول سقوط الحموشي بعد خروج بن كيران من الساحة، في وقت فشلت فيه المفاوضات بين الجهتين ولم يعد ممكنا الدفاع عن “نموذج مغربي”، ولم تهتم كل الأطراف بالصورة الخارجية للنظام بعد إعفاء بن كيران.

و”التحكم” كما تقول “إلباييس”، لم يكن مختلقا، و”بن كيران ضحية مأزق صعب لا يزال متواصلا”، واختار “حكومة ليست خاضعة ولا ثائرة”، ورفض القصر “حكومة نصف مواجهة”.

و”فشلت المفاوضات في قضية بن كيران قبل أن تفشل مرة أخرى في مسألة الزفزافي وحراك الريف” كما تقول الجريدة الإسبانية، و”يحتاج البلد إلى ميثاق وطني حول التعليم والتنمية لمحاربة الفقر”، حسب نفس المنبر.

والمأزق الذي بدأ مع محاولة الالتفاف حول نتائج صناديق الاقتراع، يتواصل حاليا في حراك الريف، وقد وصفت “إلباييس” المأزق بـ “الصعب”(4).

ولم تؤثر التحركات الأخيرة في الحسيمة، وباقي المدن، على ميزان القوى، وتزاوج السلطة بين الضغط الجزئي والمناورة والسماح ببعض المظاهرات لمنع راديكاليتها، كما تقول “أنتي كابيتا ليست”(5)، وقد اجتمعت في طنجة جماعة “العدل والإحسان” إلى جانب جمعية “يوبا للثقافة” وجمعية “ماسينس” في تنسيقية لدعم حراك الريف.

وهذا التحول في خارطة التحالفات، فرض توازنات جديدة في مراكز القرار التي فقدت الكثير بعد إعفاء بن كيران وتفكيك حراك الريف قبل أن تنتهي المائة يوم الأولى لسعد الدين العثماني.

وطالب الحموشي بنفس الحصانة التي دافعت عنها الدولة ضد متابعته من القضاء الفرنسي لإنفاذ القانون، ولم يستطع الأمنيون أن يقبلوا نجاحهم ضد فرنسا ويتابعهم القضاء المغربي بعد تحويل خبرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى وزير العدل، وإلى الآن، لم تصل إليه بشكل رسمي.

وفي هذه الحرب الطاحنة، أراد البعض أن تذوب المؤسسات الوسيطة، وهناك من يريد الحفاظ على مستوى محدد من الصورة الديمقراطية وعمل المؤسسات في المملكة.

وإن أخذنا بعين الاعتبار، أن قيادة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، انتهت ولايتها القانونية، فليس من حقها رفع أي مذكرة باسم المجلس إلى القضاء.

والحرب لأجل بقاء الحد الأدنى من المؤسسات الوسيطة، يجانب الرؤية التي تقول “إن المملكة تواجه تمردا يتطلب إعلان الطوارئ وإجراءات أمنية مشددة”.

وكانت تظاهرة الحسيميين بقيادة الزفزافي ضد الانفصال، زلزالا سحب المصداقية من الحكومة والأجهزة الأمنية، ولم يعد ممكنا القول بمنسوب “الثقة” العالي الذي حظيت به المؤسسات لفترة طويلة، ولا يرغب علي الهمة في ذوبان كل شيء انتصارا للمقاربة الأمنية البحتة التي انتقلت من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على المتظاهرين السلميين، لاتهامهم بالمساس بالأمن الداخلي للدولة، ويحيل هذا المنطوق، إلى مهام عبد اللطيف الحموشي ومسؤولياته.

ولا بد في نظر علي الهمة، وآخرين، من عودة الأمن الوطني والمخابرات الداخلية إلى التقدير السياسي لوزارة الداخلية، وسيكون صعبا السماح بنقل تدبير جرائم الإرهاب إلى إدارة الأخطاء السياسية.

وانطلقت المقاربة القانونية التي يدافع عنها الحموشي بصرامة ضد شباط في إفراغ مقر نقابة الاتحاد العام للشغالين وضد حراك الريف، لكن الكل يعاتب على الأمن الوطني عدم محاسبة عناصره منذ حادثة قتل محسن فكري في الحسيمة.

ومن الطبيعي، أن ينقل علي الهمة، اقتراح حرب الأصالة والمعاصرة لمحاسبة المسؤولين عن تأخر مشاريع الحسيمة، إلى جهة أعلى، وانتقل مطلب لجنة تقصي الحقائق من البرلمان إلى المجلس الوزاري.

وعدم محاسبة الأمنيين، جزء من الصفقة التي يريد من خلالها الحموشي، ضمان “جودة أمنية” لمؤسسته ـ الأمن الوطني والمخابرات الداخلية ـ لكنها لا تصل بأي حال إلى تعميم مقاربته الأمنية.

 

الخوف كبير من التهام المخابرات الداخلية “الديستي” لوزارة الداخلية

 

من المرعب، أن تستقل مديرية عن وزارة، بل تدير المخابرات الداخلية “الديستي” وزارة الداخلية وليس العكس، في نظر تقارير دولية، والمملكة مؤهلة أن يدير الحموشي “وكالة للأمن الداخلي” إن نجحت مقاربته في الريف.

وعلى هذا الأساس، يحاول الجميع الانتصار لمقاربته، فنحن أمام معادلة 3/30 التي أدت إلى صعوبات كبيرة بين أجهزة الدولة، فالتيار الأول متمسك بـ 3 سنوات لاعتراض الزفزافي، قائد حراك الريف، على إمام الجمعة، ويضمن هذا الاعتقال نفس النتائج التي يمنحها الاعتقال بتهمة المس بالأمن الداخلي للدولة التي تصل عقوبتها إلى المؤبد، أو 30 سنة، ويكون المسار متطابقا بين “إكديم إزيك” والريف.

والجزء الكبير من هذه الخطة، يقبله الفرقاء، لكن التهام وزارة الداخلية من طرف الاستخبارات المدنية، عاد هاجسا حقيقيا في توازن مصادر القرار التي يعاني بعضها من صعوبة وضع الصحراويين وأهل الريف في خانة واحدة، من خلال محاكمات “أكديم إزيك” وقادة الحراك في الحسيمة، ولا يجد التيار الثاني في محاكمة حراك الريف بتهمة “المساس بالأمن الداخلي للمملكة”، أي إحراج، ومن المخيف أن يصبح التظاهر السلمي أو الاحتجاج الشعبي رديفا لهذه التهمة.

وتمكن تيار “الصقور” من توجيه الاتهامات التي يريدها، إلى حراك معروف بسلميته لشهور خلت، ويدير الشروط والتفاصيل الصغيرة للوصول إلى غايته، لكن القرار القضائي وقرار العفو من القصر، تتحكم فيهما أطراف أخرى لا تريد، إلى الآن، مواجهة مباشرة، لكنها لن تسمح بفرض ما يجب أن تقوم به وزارة الداخلية من جهاز الاستخبارات الداخلي المكلف بمراقبة التراب الوطني.

وتهيمن المخابرات الداخلية على قرار الوزارة بشكل شبه كامل، وخوفا من تطرف المقاربة الأمنية، يباشر الآخرون “الحذر الاستراتيجي” الذي لا ينفي أسلوب وأهداف الحموشي في تفكيك حراك الريف، وفي نفس الوقت، يحاول التحكم في “إدارة النتائج” كي لا تكون لها انعكاسات على باقي المؤسسات.

ومن المهم في صراع النظرتين القول:

أ ـ أن إدارة “الصقور” هي المهينة، حاليا، على مستقبل الحل في الحسيمة، لأن ياسين المنصوري، مدير “لا دجيد”، توصل مع الاستخبارات الإسبانية إلى تفاهمات تدعم خطة الحموشي على الأرض، وبتحالف كبير مع الدرك الملكي.

ب ـ أن الهمة، الذي يريد هدنة وتسوية سريعة، أمامه موعد 20 يوليوز، والكل متعلق بطبيعة وثقل المظاهرات انطلاقا من 17 يوليوز، تاريخ الإضراب عن الطعام الذي قرره المعتقلون.

 

عيد العرش، مناسبة لإنهاء أزمة الريف، والغموض القائم على الرسالة الموجهة من الزفزافي إلى الملك محمد السادس، يضمن هامشا كبيرا لمناورة الطرفين بغية الوصول إلى حل

 

يخاف بعض الأمنيين من المحاسبة بعد جلسة مجلس الوزراء لـ 25 يونيو 2017، لوجود محاسبة على صعيد تأخر الأوراش في الحسيمة، وأقر مصطفى الخلفي، بوجود صرامة ملكية في التعامل مع ادعاءات التعذيب، قبل أن يتسرب فيديو الزفزافي، ودعا الجميع إلى التحقيق في طريقة “تسريبه”، فانتقلت المعركة من التحقيق في التعذيب إلى تسريب شريط عن معتقل، وفي هذه الأجواء، تواصل حكومة “ضعيفة” عملها برئاسة سعد الدين العثماني وقد ازدادت الأجهزة الأمنية قوة، فيما يؤكد رئيس الحكومة أمام المجلس الوطني لحزبه، أن حزب العدالة والتنمية يواجه حربا على كل المستويات.

وما قام به بن كيران في مواجهة مستشاري الملك، واصلته الأجهزة في هذه المرحلة، ووصلت الحساسية مع الريف إلى محاولة إقصاء رجال الريف حول الملك.

وتقاسم رجال الأمن، الحكومة إلى جانب رجال الأعمال والتكنوقراط الإسلاميين، بل وضع وزير الداخلية السابق، محمد حصاد، يده على وزارة التعليم وعلى حزب الحركة الشعبية، دفعة واحدة.

ولم يتقدم المغرب قليلا إلا بعد دفع حزب الكوميسير عرشان إلى الهامش وتوقف امتداد الجيش في الساحة الحزبية من خلال تهميش حزب قاده ابن جنرال، وآخر قاده الكولونيل، القادري، وقد اندمجا في حزب خرج منه المستشار الملكي علي الهمة.

وفشل تحالف واسع من الأحزاب في تكرار تجربة “الفديك” في ستينيات القرن الماضي، ويمكن التأكيد حاليا على أمرين:

أولا: أن تراجع الأحزاب (الاستقلال وحزب العدالة والتنمية) وفي ظرف تحتاج فيه الدولة إلى أحزابها، يدفع الأجهزة إلى التأكيد أنها تملأ الفراغ.

ثانيا: أن ثورة الأحزاب الصغيرة (الحزب الليبرالي المغربي) ومذكرة الأحزاب الثلاثة يتقدمها حزب الفضيلة، التفت ودعمت حل مشكلة حراك الحسيمة بالعفو عن المعتقلين، بل وصلت مع الحزب الليبرالي المغربي، إلى دعم قادة الحراك، وتواصلهم بجميع اللغات مع أحرار المغرب والعالم، كما جاء في رسالة الزفزافي، ولم يقترب دفاع قائد الحراك من رسالته إلى الملك، وتوافق الجانبان المتصارعان على ضمان هامش كبير للمناورة تضمن للطرفين الوصول إلى حل.

و”تعد مناسبة عيد العرش، الفرصة الأخيرة” كما قال الدكتور النشناش لجريدة “لاكروا” الفرنسية(6) قبل التبني الكامل للمقاربة الأمنية.

ومن المهم، حسب “راديو فرنسا الدولي”، “أن الاحتجاجات لا تنتشر في المناطق المغربية الأخرى”(7)، وهو ما يضمن للريف خصوصية إلى جانب الصحراء، ويكرس فكرة عزل حراك الريف باتهامه بـ “المس بأمن الدولة الداخلي”.

يؤكد هذا الوضع على تقديرين:

1ـ أن الأجهزة الأمنية، تواصل تحقيقاتها، فيما قررت الحكومة أنه خطأ، واعتذرت ضمنيا عنه.

2ـ أن الحموشي له ضوء أخضر في التحقيقات إلى أبعد مدى بنفس ما قرره الآخرون.

وانتهت لغة الخشب داخل الدولة، لأن التحقيقات عن طريق وزارة الداخلية ووزارة المالية والاستخبارات الداخلية، تسارع الخطى بوتيرة مؤكدة وحذرة لدخول أكثر من جهة على الخط، ويخاف كل طرف أن يدفع الثمن وحده، وسيكون إطلاق قادة الحراك، تجاوزا للمقاربة الحالية وشخص الحموشي، و”وصلت التطمينات إلى حد التأكيد للمدير العام للأمن الوطني أنه باق في منصبه”، وإن بقي الزفزافي ومن معه يدفعون وحدهم الثمن، فإن الثمن السياسي، سيدفعه حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال والأحزاب الصغيرة في نهاية متوقعة لمشهد وميلاد مشهد آخر.

وستتقدم في هذه الخارطة، الاستخبارات الداخلية “الديستي” للهيمنة على وزارة الداخلية، وتعود الأخيرة وزارة عادية جدا، تضع نفسها تحت المحاسبة.

وهذا السيناريو، يعزز أجهزة أمنية مستقلة عن التأثير السياسي، ستخدم القضاء بعد فصل النيابة العامة عن وزارة العدل.

 

فصل النيابة العامة عن وزارة العدل وفصل الاستخبارات الداخلية والأمن الوطني عن وزارة الداخلية، سيؤدي إلى إبعاد السياسة السياسوية عن شؤون الدولة

 

يريد الحموشي، أن يبرئ القضاء قادة حراك الريف، ولا تبرئهم السياسة، كما يريد للأحزاب وقادتها، أن يخضعوا للقانون في ظل تطور لافت في المملكة يفصل النيابة العامة عن وزارة العدل، ولابد فيه من فصل الاستخبارات الداخلية والأمن الوطني عن وزارة الداخلية لتكون المسافة التي يحددها القضاء باتجاه الشرطة، بمثل ما هو عليه الحال مع الدرك، لأن السلطة السياسية للداخلية على الشرطة، ليست مصدر اطمئنان، وهذه القراءة تمس “التظاهر السلمي” الذي أقر به الملك محمد السادس من خلال ما كشفه ماكرون علنا في زيارته للمغرب.

وإلى الآن، ورغم سيل الانتقادات، لم تعطل الدولة مقاربتها الأمنية، وانتقد الملك العمل الحكومي في موضوع الريف(8) لخلق التوازن المطلوب، لأن المهم هو إبطال مظاهرة 20 يوليوز وعدم التأثير على خطاب العرش، ولذلك، سعى الجميع إلى دفن الرسالة الموجهة من الزفزافي إلى الملك، كي لا يكون إلغاء المظاهرة إلغاء سياسيا، بل إلغاء أمنيا، فيما يسارع الجميع إلى التهدئة، واقترح جزء من الحراك، زيارة الملك وإلقاء خطاب العرش من الحسيمة لطي الصفحة، قبل أن تفشل التهدئة ويعلن الحراك العودة للشارع.

وتريد الأطراف الوصول إلى “تسوية” شاملة، لأن استمرار هذا التوتر “تحت سقوف محددة”، قد ينقل المحاسبة إلى البرلمان بمجرد فصل وزارة الداخلية عن الأمن الوطني، وحاليا:

1ـ لم تصل أزمة الريف إلى اجتماع المجلس الأعلى للأمن بما يؤكد أنها تحت السيطرة.

2ـ أن الأحزاب لم تتمكن من تغطية العمل الأمني.

3ـ أن وزراء السيادة بعد إدارتهم في حكومة العثماني لـ 48 في المائة من الميزانية العامة، يستطيعون أن يديروا أهدافهم من خلال المال العام دون رقابة حزبية أو سياسية.

وحاليا، يمول الحموشي والجنرال بنسليمان، التدخل الأمني في الحسيمة بسلاسة، ليس لوجود وزراء السيادة في التشكيلة الحكومية فقط، وإنما لطبيعة حكومة العثماني.

ويتعرض كل المال الموجه للتنمية في الحسيمة، لمساطر متشددة، فيما تمول الحكومة حركتها الأمنية الواسعة في الريف من اعتمادات تؤكد أن “انتفاضة الريف تحدت المملكة” بتعبير “لوكوريي أنتيرناسيونال”(9)، وفي ميزانية عامة لا يتحكم فيها حزب العدالة والتنمية سوى بـ 5.9 في المائة (15 مليار درهم)، لا يمكن القول أن رئيس الحكومة يمكن أن يؤثر في أي قرار.

ومن الصادم أن نعرف، أن الإماراتيين دخلوا على خط أزمة الريف لتمويل عودة الوضع إلى ما كان عليه، ووعدت “دبي القابضة” باستثمارات كي لا تتجدد الاحتجاجات، ومن هنا يتضح أن هناك خصوما إقليميين لتسوية “غير أمنية” لحراك الريف، وتغيرت خارطة الولاءات بسبب مشكل الريف، فإلياس العماري، الذي سقطت دبلوماسيته الموازية المعتمدة على مناهضة الإسلاميين، يجسد إلى جانب محمد زيان، لأصلهما الريفي، دفاعا عما يسمى “أمة الريف” من موقعين مضادين.

والضغط مستمر على الحموشي وحلفائه من طرف حزب الأصالة والمعاصرة والمؤسسات الوسيطة، كي لا تذوب مؤسسات المستشار الملكي علي الهمة، فيما تسعى الأجهزة إلى ملء هذا الفراغ.

وبين الاتهامات المتبادلة بالفشل والمؤطرة من طرفين، حزب الأصالة والمعاصرة الذي رفض المقاربة الأمنية في الريف، وبين الأجهزة التي رفضت الحزب بعد مواقفه الأخيرة، تدور رحى أخرى ضد الحزب الليبرالي المغربي الذي قرر تغيير اسمه، وقد تحول تدريجيا إلى إطار لتفاعل الحراك مع الدولة.

وتستفيد الأجهزة من الصراع بين المعسكرين للتقليل من قوة حزب الأصالة والمعاصرة في شمال المملكة، لكنها بنت تحالفا ريفيا واسعا يتجاوز الأحزاب والمنظمات، ويحاول كل ريفي أن يجد موطئ قدم له في الحراك.

 

تمييز حراك الريف عن حراك 20 فبراير 2011، هدف الدولة الأول، فيما تريد الأجهزة أن يكون “الزفزافي” نسخة من “أسامة لخليفي” فتموت رمزيته وهذا الهدف المتناقض دفع الدولة إلى محاولة إنهاء هذه الحركة في شمال المغرب بأي ثمن

 

تورد “لومانيتي” الفرنسية: “إن الأعلام السوداء فوق منزل الزفزافي منذ اعتقاله في حي ديور الملك، تكشف عن مفارقة لن تصل إليها إلا في طريق سيار زادت تكلفته من 250 إلى 330 مليون يورو، دون أن تنتهي الأشغال فيه إلى الآن”.

ولا يمكن في هذه الحالة، أن يكون الزفزافي نسخة من “أسامة لخليفي”، لأن الريف مختلف، ويتضاعف ثلاث مرات كل صيف (300 في المائة) بعمالته القادمة من الخارج.

تقول جريدة “ليبراسيون” الصادرة في فرنسا: “هناك إشارة واضحة لباريس، أن من منع وعرقل اعتقال الزفزافي، حوكم عشية وصول ماكرون بـ 18 شهرا(11)”، وهي رسالة للقبول بحكم ثقيل على قائد الحراك، لكن الرئيس الفرنسي رفض مساس المملكة بحق “التظاهر السلمي” أو تحويله إلى مجرد عقوبة سجنية تصل إلى المؤبد.

لا شيء من ذلك قبله ماكرون، ولكن الحزازة بين الحموشي والفرنسيين، وصلت حدودا التف فيها الطاقم الزائر على الرسالة، وقد رأت التحالف الثلاثي، بتعبيرها، يضم في جانبه القوي: رجل الأمن، الموظف، ورجل الأعمال الغني في مقابل الجانب الضعيف: “المتظاهرون”.

و”قرار الدولة بنقل العقوبة من 3 سنوات إلى المؤبد، يكشف أن التقديرات الأمنية تقدم الزفزافي، من حيث لا تدري، بطلا” كما يقول باسكال أيرو في مقال له(12)، وقبل تقديم الزفزافي أمام قاضي التحقيق، انسحبت القوات الأمنية من وسط مدينة الحسيمة، بما يجعل موقف الدولة مركزا على ما سيحدث في عيد العرش.

واتفقت الأطراف على تسوية تكون فيها الأحكام لشهور، لكن الجهاز الأمني دفع بتهمة المساس بالأمن الداخلي للدولة، وفعلا بدأ التحقيق مع قائد الاحتجاجات بالريف(13) في أجواء وصل فيها عدد طالبي اللجوء من الريف، 500 مغربي.

 

في أسبوعين، طلب 500 ريفي اللجوء في إسبانيا وطالب المغرب بعودتهم بشكل آلي، فشكلت هذه التقديرات، ضغطا إضافيا على وزير الداخلية لفتيت

 

يوميا، يطلب 36 ريفيا، اللجوء السياسي في إسبانيا هربا من الحسيمة بالقوارب، وحسب جمعية “كاميناندو فران”، فـ “إن 215 مهاجرا ريفيا، طلبوا اللجوء في إسبانيا بعد عيد الفطر، الذي عرف تدخلا عنيفا ضد المتظاهرين”، و”وصل إلى الأندلس، أكثر من مائتي مهاجر ريفي” حسب تقرير، هلينا ملينو، رئيسة الجمعية المذكورة، وهذا الرقم لم يعرفه الإسبان منذ 15 سنة.

وحسب الإحصائيات، فإن 500 ريفي طلبوا اللجوء في إسبانيا في 15 يوما فقط، إنه، بتعبير الجمعية الإسبانية المختصة، “تهجير” يكشف إلى أي حد يمكن أن تشكل المقاربة الأمنية عبئا يزيد من إلحاح السلطات الإسبانية على طلب تسوية الوضع في الحسيمة من خلال عفو شامل.

“لقد تحول كل شيء إلى كابوس بعد عيد الفطر” بتعبير “لاكروا”، وتزداد الأمور سوءا في صراع واسع بين مراكز القرار الأمني والسياسي في المملكة.

الريف في حالة حرب مع الدولة(14) ولا يمكن استمرار هذه المقاربة، و”الملك يشكل الحل” بتعبير فرانسيسكو بيرجيل، ويتكثف الزمن السياسي في عيد العرش، بإعادة تجميع المغاربة حوله من خلال العفو الشامل عن المعتقلين، أو ترتيب عقوبات على الجميع، وزراء ومسؤولين وقادة من الحراك، وهذا السيناريو مخيف إلى حد بعيد، كما يؤكد، من جهة ثانية، صعوبة إضافية تكرس استمرار الوضع القائم وتدفع نحو إدانة حادة لحراك الحسيمة.

 

الحموشي قائد المقاربة الأمنية في الشمال المغربي، سلم جنوب المملكة للدرك والجنرال بنسليمان

 

الحموشي في “قضية الريف”، لا يقل شأنا عن الجنرال بنسليمان في موضوع “إكديم إزيك”، بل يؤكد المراقبون الغربيون، على تقسيم الأدوار بين بنسليمان في جنوب المملكة والحموشي في شمالها، إلى حد يجسد التنسيق في الحسيمة، أهم اختبار واقعي بين الرجلين، لأن الجنرال الوراق، عزل الجيش وترك الدرك والجنرال بنسليمان، أمام تحالف مفتوح مع الحموشي.

ولأن الجيش مساعد، ولا يقود تفكيك حراك الحسيمة، يتوجه الثقل إلى تحالف بنسليمان والحموشي، وإن لم يعد ممكنا تمييز الاختصاصات الترابية بين الحسيمة وضواحيها.

ولأول مرة، تواجه المملكة رهانا أمنيا دون الاستعانة بالجيش، لما تختزله الذاكرة الريفية في عامي 1958 و1959 وفي حوادث أخرى.

واستفادت الأطراف الأمنية من تراجع الجيش، وإن دعمت انتشار القوات المسلحة الملكية في جوار سبتة ومليلية، ويتقدم الحموشي عن الدرك، لما وقع بين بنسليمان والإسبان في جزيرة “ليلى”.

ولأن الحموشي ليس رجل ميدان، بل رجل مخابرات في الأصل، فإن عمله وإدارته لملف الحسيمة، أسفرت عن تقدير آخر في الأدبيات من واقع اعتماده على:

1 ـ استخدام العمليات الخاصة وتفكيك الخلايا ضمن تمرد جماعي، وإن كان سلميا، وهو ما يؤطر عمله في مستقبل الأيام.

2 ـ أن المخابرات المدنية والأمن الوطني اندمجا عمليا في حراك الحسيمة، وهو ما يؤثر على عمل الأجهزة وخارطتها في المستقبل وقد ينتج “خارطة أمنية جديدة”.

3 ـ إن نعت جميع الأجهزة بـ “عدم الحرفية”، دفع إلى تشدد واسع للشرطة في قيادتها للعمليات الميدانية في مواجهة النخب المغربية، ويريد الحموشي حجز موقعه في المخابرات الداخلية إن تقرر فصل الشرطة عن “الديستي”، وهو الرهان الذي يطمح إليه أكثر من طرف، وموضوع على بساط البحث.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق