عشرات الضحايا من النساء لأغرب نصاب في المغرب؟

2 أبريل 2024آخر تحديث :
عشرات الضحايا من النساء لأغرب نصاب في المغرب؟


أعادت حادثة توقيف امرأتين بأحد الدواوير التابعة للنفوذ الترابي لإقليم تنغير، للاشتباه في تورطهما في النصب والاحتيال على أزيد من 60 ضحية في مبالغ مالية مهمة، عن طريق إيهامهم بقدرة جني يدعى “حمو” على مضاعفة أموالهم، النقاش حول سر استمرار اعتقاد شريحة واسعة من المغاربة على اختلاف مستواهم الاجتماعي والتعليمي بالخرافات والشعوذة وبالقدرات الخارقة للجن وكذا قدرات بعض المشعوذين في الوساطة ما بين عالمي الإنس والجن، قبل أن يجدوا أنفسهم في نهاية المطاف ضحايا لعمليات نصب واحتيال وأمام أشخاص يرتدون عباءة الدين للاغتناء وكسب الأموال على حساب “سذاجة العوام”.

وليست “حادثة تنغير” إلا واحدة من مجموعة من الحوادث التي شهدتها عدد من المناطق في المغرب على امتداد السنوات الأخيرة، التي راح ضحيتها مئات المواطنين المغاربة الباحثين عن ضالتهم عند “الشوافات” والرقاة الذين يوهمونهم بقدرته على التواصل مع “العالم الآخر”؛ فيما يرُجح متتبعون أن يكون الضحايا بالآلاف غير أن الخوف من نظرة المجتمع إليهم تحول دون إبلاغهم عن النصب والاحتيال الذي تعرضوا له.

تجذر في الثقافة ومسلمة مجتمعية
الحسين العمري، أستاذ باحث في الأنثربولوجيا والسيوسيولوجيا، قال إن “إيمان شريحة مهمة في المجتمع المغربي بهكذا طقوس واعتقادات يرجع أولا إلى أن هذه الأخيرة راسخة ومتجذرة وقديمة في الثقافة المغربية يزكيها الطرح الديني يؤكد حقيقة الجن والسحر والعين. وهذا ما يُفسر لجوء عدد منهم إلى الرقاة والمشعوذين من أجل قضاء حوائجه؛ بل إن منهم من يدفع به عدم قدرته على تفسير ظاهرة أو واقعة صادفته في حياته إلى تبني هكذا معتقدات”.

وأضاف العمري، أن “الطقوس والممارسات المرافقة لهذه الاعتقادات المجتمعية تكون في أحيان عديدة خارجة عن الإطار الأخلاقي والديني. وهنا المُفارقة، حيث إن فلسفة الاعتقاد تنهل من النص الديني؛ بينما ممارسته تعارضه بشكل تام”.

وأوضح الباحث المتخصص في الأنثربولوجيا والسيوسيولوجيا أن “العديد من الكتابات والدراسات السوسيولوجية تناولت هذه المعتقدات والممارسات؛ على غرار إدموند دوتي، الذي تناول السحر والدين في شمال إفريقيا”، لافتا إلى “تعدد المعتقدات التي يؤمن بها المغاربة في علاقة بعالم الجن؛ على غرار استيطانهم للأماكن الخالية من البشر، وقدرتهم على مساعدة الإنسان في تحقيق أغراضه وبالتالي تسخيره لصالحه ولخدمته”.

وخلص المتحدث ذاته إلى أن “الإيمان بهذه المعتقدات أصبح من المسلمات المجتمعية، التي لا يمكن اقتلاعها من المجتمع باعتبار تجذرها في الفكر والثقافة والمخيال الشعبيين. وهذا ما يستغله بعض المشعوذين ومحترفي النصب والاحتيال من أجل تصيد الضحايا وتحقيق مكاسب مالية أو غايات أخرى”.

عقول ساذجة وضحايا صامتون
تفاعلا مع هذا الموضوع، أورد محسن بنزاكور، دكتور متخصص في علم النفس الاجتماعي، أن “التحايل على أموال الناس هي ممارسة قديمة، وإن اختلفت صيغها وطرق الإيقاع بالضحايا؛ إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو: لماذا يستمر المغاربة في الاعتقاد بالخرافات والمشعوذين، على الرغم من التطور الفكري والتكنولوجي الذي عرفه العالم؟”.

وأضاف بنزاكور، أن “استمرار هذه المعتقدات دليل على أن التكنولوجيا والتطور لا يمكن أن يبدل العقل البشري الساذج”، موضحا أن “تجذر الاعتقاد لدى بعض المغاربة بأن للجن سلطة عليهم وعلى مالهم وأحلامهم، وعدم احتكامهم إلى الفكر العقلاني النقدي، أضف إلى ذلك طمعهم وبحثهم عن الاغتناء السريع ودون بذل أي مجهود، كلها عوامل تفسر سهولة وقوعهم كضحايا للمحتالين”.

وأشار المتخصص في علم النفس الاجتماعي إلى أن “هذا الأمر لا يقتصر فقط على الفئات غير المتعلمة في المجتمع؛ بل تعداها ليشمل بعض الدكاترة والمثقفين بل والمسؤولين أيضا والذين ما زالوا يؤمنون أشد الإيمان بالفكر الخرافي لقدرات الخارقة للجن والشوافات والمشعوذين، وهو ما يدل على أن العقل الساذج لا علاقة له بالتكنولوجيا أو بالمعرفة”.

وخلص المتحدث ذاته إلى أن “اللوم يقع في المقام الأول على الضحية وليس الذين يتحايلون”، مشددا على أن “ضحايا هكذا عمليات هم بالآلاف؛ غير أن الكثيرين منهم يُفضلون عدم التبليغ عن ما تعرضوا له من نصب واحتيال خوفا من نظرة المجتمع أو تأثير ذلك على سمعتهم أو صورتهم في وسطهم الاجتماعي؛ وبالتالي يُفضلون الصمت الذي يخدم بدوره غايات النصابين”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق