فيلم أنوال.. عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول!

29 أبريل 2024آخر تحديث :
فيلم أنوال.. عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول!

عمر الهدار

أنوال، تلك الملحمة الكبرى لمنطقة الريف ضد الاحتلال الإسباني إبان فترة الاستعمار بقيت لعقود معركة تتوارث ذكرها وذكراها الأجيال في ربوع المغرب بشكل عام، وبين أبناء الريف على وجه الخصوص، كما أصبحت في مراحل معينة من القرن الماضي مرجعا رئيسيا لكثير من حركات التحرر عبر مناطق متفرقة من العالم خصوصا في آسيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية.

هذه المعركة التي نجح من خلالها أسد الريف “عبد الكريم الخطابي” في إبداع تكتيك جديد للحرب مكنه من هزم أقوى فرقة في الجيش الإسباني بعددها وقوة عدتها.

-قلت-، هذه الملحمة الحاسمة من تاريخنا، بوزنها ووزن قائدها والقبائل المشاركة فيها، لست أدري ألسبب أم لغير ذلك؟ بقيت لعقود من الزمن مجرد قصة هنا، وبضع كتابات هنا وهناك تؤرخ لأحداثها وشخصياتها وما وازاها من أحداث… وللأسف، لم تنل نصيبها الذي تستحق في زمن الصورة والشريط… إلى أن قرر أحدهم رفقة فريق طموح أن ينير العتمة التي طالت هذه المعركة وقادتها والمنطقة التي جرت أحداثها بها، فكانت فكرة إنتاج فيلم أنوال…

فبعد سنوات من البحث والعمل الدؤوب لإنتاج هذا العمل السينمائي الكبير، استبشرنا خيرا حين أعلن عن بداية مرحلة تصوير فيلم أنوال رغم الضجة التي أثارها أيامها بين مؤيدين ومعارضين ومتوجسين…حيث انقسمت فئات المجتمع التي ناقشت الأمر بين داعمين ومتحمسين لفكرة إخراج عمل سينمائي يحيي أمجاد الريف وتاريخ رجالاته ومقاومته ضد الاحتلال الإسباني ويمنح المنطقة وأهلها نوعا من العرفان -ولو رمزيا- بالدور المركزي لقبائل الريف في الذود عن حوزة الوطن وتخومه، وبين فئة ثانية عبرت عن معارضتها لإنتاج هذا الفيلم لأسباب مختلفة، وبين فئة ثالثة أعربت عن تخوفها من ألا يكون الفيلم في مستوى الملحمة التي يتناولها والتاريخ الذي يحكيه والشخصيات التي يجسدها…

وكمتتبع للموضوع، رأيت حينها أن مشروع هذا الفيلم، قد نجح فعلا حتى قبل إتمام تصويره، فأن تحدث نقاشا مجتمعيا حول حدث أو تاريخ أو شخصية بارزة مما يستحق الذكر والتذكر في زمن رواج التفاهة، فلحظتها تكون على الأقل قد قمت -ولو لمدة قصيرة من الوقت- بإعادة ضبط البوصلة نحو إرث مشترك يجب ألا ينسى وألا يمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.

ولأن الاختلاف الذي حصل بين من تداولوا في الأمر كان حادا ساق فيه أنصار كل ذي رأي مصوغاتهم ووجهات نظرهم …

وحيث أن فكرة إبداع شريط سينمائي يؤرخ لملحمة أنوال استهوتني لما فيها من إحياء للتاريخ واستنهاض للهمم وتعريف بالريف وقبائله.

ومن باب الإنصاف قبل الحكم على الشيء قررت السؤال والتقصي والبحث في الأمر حتى لا أتخندق دون اطلاع على بعض المعطيات. بقيت وفيا لتتبع مآل هذا العمل….حيث أخذت علما بإتمام مراحل تصويره ، وبكونه تلقى دعما ماليا من المركز السينمائي المغربي مكن من تغطية جزء بسيط من مصاريفه، فيما تكلفت دائرة الإنتاج بتغطية جزء آخر من تلك المصاريف في حدود الإمكانات المالية التي أتيحت لها. وبعد إصدار دائرة الإنتاج للشريط الترويجي للفيلم، أمكنني الاطلاع عليه رفقة مجموعة من الإخوة الذين لمسوا فيه احترافية في الأداء وتشويقا وأصالة في الأحداث…

لكن، ومع كامل الأسف تفاجأت مؤخرا كما الحال لعدد من المترقبين بكون هذا العمل الكبير الذي يهم إرثا تاريخيا مشتركا لكل الأحرار عبر العالم ويؤرخ لماض مجيد من تاريخنا أضحى عصيا على الإخراج بسبب التكلفة التي استوجبها العمل بجودة عالية على المراحل المنجزة منه، وهو ما اضطر منتج الفيلم بعد إلحاح من بعض المتتبعين والغيورين لإطلاق نداء دعم وذلك عبر فتح باب التبرعات من خلال صندوق إلكتروني بهدف إتمام ملحمة أنوال وإخراجها إلى أضواء الشاشات بالجودة التي تليق بها وبشخصياتها وأحداثها…

هذا النداء، بقدر ما أفرحني لأنه يدل على أن أصحاب العمل رغم كل الصعاب والعقبات لم يستسلموا ولا يزالون يعملون جاهدين على إخراجه إلى الوجود مؤمنين بأن إرثا تاريخيا بهذا الحجم وهذه القيمة لا يجب أن يطاله النسيان …-قلت-، بقدر ما أفرحني ذلك، وأكثر، أحزنني وحز في نفسي لأجدني أتمتم: كم أسفا علينا أن نأسف؟

أ نأسف لأن معركة أنوال وتاريخ منطقة الريف وشخصية “سيدي محمد عبد الكريم الخطابي” احتاجوا كل هذه السنوات منتظرين اجتهاد رجل عصامي غيور يحاول إنتاج شريط يسلط الضوء على تاريخ الريف وأهله؟

أم نأسف لأن عملا كهذا كانت لتوفر له المؤسسات والجهات المانحة كل ظروف النجاح في بلاد يفترض أنها تمجد تاريخها وتاريخ رموزها ومناضليها وهو ما لم يحصل -على الأقل إلى حدود اللحظة- بالشكل الكافي مع فيلم “أنوال”؟

أم يا ترى… نأسف لأن كثرا تهجموا على محاولة إحياء أمجاد الريف بركوب موجة غالبا ليست موجتهم، حيث أن جلهم لا يعرفون كاتب السيناريو ولا تاريخه ولا كتاباته وأعماله ولا ما قاساه ثمنا لمواقفه وآرائه… كما أن جلهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في الأحداث التي يتناولها الفيلم ولا ظروف الاشتغال وإكراهته، أو حتى مجرد السؤال عن اللغات العالمية التي سيدبلج إليها فيلم من هذا الوزن…

أم يا صديقي علينا أن نأسى ونأسف… لأن جل من تطاولوا وسبوا ونالوا من العمل حتى قبل خروجه للعلن لم يسبق لهم أن قدموا بديلا أو شيئا يذكر تكريما وإحياء لهذا التاريخ المجيد الذي ربما يراد له البقاء في العتمة؟

ومن خلال متابعتي للصندوق الإلكتروني الخاص بدعم الفيلم رأيت أن بعض الأجانب أيضا تبرعوا لصالح هذا العمل، ربما حبا منهم للسينما، أو قد يكون ذلك لأن بعضم يعرفون تاريخنا وأبطالنا أكثر منا… فقلت ربما علينا أن نأسف لأجل هذا أيضا.

يبدو أننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، في حاجة للتصالح مع ذواتنا ومع تاريخنا أفرادا ومؤسسات، فإنها لوصمة عار أن يضطر منتجو فيلم يؤرخ للمعركة التي لا يختلف في ذكرها بفخر واعتزاز كل أطياف المجتمع بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم الفكرية -أن يضطروا- لطلب دعم هذا العمل الكبير فيخيب ظنهم في ذلك أيضا!

فإن كانت المؤسسات والجهات المانحة لم تقم بما يكفي لدعم خروج “أنوال” إلى أضواء الشاشات، وإن كان أصحاب فكرة الفيلم بذلوا الجهد وقدموا الغالي والنفيس لإيصاله إلى مراحل متقدمة جدا دون قدرة مالية على إخراجه، والحال هذه، أرى أن أهل النخوة والشهامة وأحرار الوطن أولى بأن يدعموه ليرى النور تكريما للريف ولمقاومته وليلا ننسى تاريخنا أو ينساه من بعدنا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


التعليقات 3 تعليقات
  • البركاني
    البركاني منذ أسبوعين

    عمل يستحق دعم وتشجيع كل الأحرار، على الأقل أصحابه التفتوا إلى منطقة الريف وأهلها وتاريخها المجيد في ظل تعتيم كبير طال تاريخ هذه المنطقة.

  • فكري
    فكري منذ أسبوعين

    من العيب والعار أن يبقى هذا الفيلم في منتصف الطريق، قاعات السينما وشاشات التلفاز مليئة بالأعمال التافهة التي تحظى بدعم سخي بينما يكافح فيلم تاريخي بهذا الوزن وهذه القيمة من أجل أن يرى النور دون أن يبلغ ذلك

  • عتيق
    عتيق منذ أسبوعين

    فالحين غير فدعم التفاهة. نهار بانو ناس دارو خدمة محترمة حول معركة تاريخية ومنطقة تستحق الإنصاف خلاوهم واقفين…مؤسف.
    كل الشكر والتقدير ✌️ لمن يحاولون رغم خذلان القريب والبعيد…العين بصيرة واليد قصيرة

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق