منتمون إلى الجالية المغربية يتقاسمون تجارب فترة العطلة في منطقة الناظور و الريف

16 أغسطس 2023آخر تحديث :
منتمون إلى الجالية المغربية يتقاسمون تجارب فترة العطلة في منطقة الناظور و الريف

عبد الكريم هرواش

تشهد مدينة الناظور خلال فصل الصيف توافدا كبيراً من قِبل أفراد الجالية المقيمين بالخارج الذين يُفضّلُ الكثير منهم قضاء عطلتهم الصيفية في أرض الوطن مع عائلاتهم وأصدقائهم بدل البقاء في بلاد الإقامة، ما يجعل المدينة تعيش نوعاً من الرواج الاقتصادي والسياحي، إلى جانب مجموعة من المشاكل الأخرى المتعلّقة بالاكتظاظ وارتفاع الأسعار وغيرها.

وتترك الأجواء السائدة في الوطن الأم انطباعات مختلفة لدى هؤلاء العائدين من دول أوروبية مختلفة، تبدأ من رحلة الدخول إلى البلاد التي تمر بمشاكل الاكتظاظ والانتظار الطّويل في نقط العبور، إضافة إلى مشكل ارتفاع الأسعار الذي أصبح عادة تتكرّر في كل فصل صيف، إلى جانب قلة المواصلات ومظاهر العشوائية، ناهيك عن الأماكن والمناطق السياحية التي يزورها أفراد الجالية خلال قضاء عطلتهم.

في هذا الصّدد، قال أحمد بوتليس، أستاذ بمدينة أوسلو النرويجية: “في كلّ مرة نعود إلى أرض الوطن بمدينة الناظور نصادف الكثير من المظاهر التي تساهم في تدهور أوضاع هذه المدينة التي تبقى، ونحن في سنة 2023، مفتقرة إلى الكثير من الأمور، وعلى رأسها المساحات الخضراء والمرافق العمومية”.

وزيادة على ذلك، يضيف المتحدّث، نصطدم بواقع ارتفاع الأسعار الذي يشمل جميع المواد والخدمات، فعلى سبيل المثال وصل ثمن كراء سيّارة عادية إلى 500 درهم، وهو ثمن مبالغ فيه كثيراً مقارنة مع الثمن العادي لكراء السيّارة الذي لا يتجاوز 200 درهم، كما في الكثير من المدن المغربية الأخرى مثل الرباط والدّار البيضاء.

وأكّد بوتليس أن معظم أفراد الجالية المقيمين بالخارج مجرد أجراء يتقاضون رواتب شهرية بسيطة ويوفّرون مبالغ معيّنة لقضاء عطلتهم رفقة أفراد أسرهم وعائلاتهم في أرض الوطن، وليسوا كما يعتقد الكثيرون أثرياء لا يبالون بما يصرفون، مؤكّدا أنّ الدول الاسكندينافية مثلا تمنح لموظّفيها وأجرائها مبالغ معينة من أجل قضاء عطلتهم، وهذه المبالغ يفترض أن تغطي مصاريف عطلة بأكملها.

وبخصوص برنامج قضاء عطلته في المغرب، قال بوتليس: “أقوم بزيارة أفراد عائلتي هنا في النّاظور، كما أجلس رفقة الأصدقاء في المقهى لنتحدّث في أمور مختلفة، خاصة ما يتعلق بهذه المدينة ومستقبلها وما يجب أن نفعله لإصلاحها وتطويرها، وأحيانا أذهب إلى الشواطئ وإلى أماكن سياحية بالناظور وخارجه”، مشدداً في الأخير على ضرورة تكثيف الجهود من أجل تطوير مدينة الناظور على كافة المستويات.

وقال عبد الصمد قشوح، مستخدم في متجر بمدينة أميان الفرنسية: “لم أزر أرض الوطن منذ فترة الحجر الصحي التي فرضها انتشار فيروس كورونا سنة 2020، وهذه زيارتي الأولى بعد الجائحة. لقد تغيرت الأمور كثيراً بمدينة النّاظور التي أصبحت عامرة بالسّياح مقارنة مع الفترات السّابقة”.

وأكّد المتحدّث ذاته أن “مدينة الناظور تحسنت على عدّة مستويات، واشتهرت شواطئها الجميلة بشكل كبير، ما جعل عدداً كبيرا من السّياح يتوافدون عليها من داخل وخارج أرض الوطن”.

هذا الأمر، يضيف قشوح، “جعل المدينة تعيش نوعاً من الاكتظاظ المفضي إلى الفوضى أحيانا في الطّرقات المؤدية إلى الكورنيش ومركز المدينة، كما جعل بعض التّجار يضاعفون الأسعار، مستغلّين فترة الرّواج وكثرة الطّلب”.

وعن أهم الأماكن التي زارها المتحدّث قال: “كانت الوجهة المفضّلة لي ولأسرتي الصّغيرة هي شواطئ جماعة بني شيكر الجميلة، من قبيل تشارنا وكارا بلانكا، وكذلك شواطئ إقليم الدريوش التي مازالت تستقبل عددا قليلا من المصطافين، خاصّة شواطئ الكبداني وأمجاو… كما زرت رفقة أسرتي دائما بعض المدن المغربية خارج الناظور، مثل السعيدية ومدينة الحسيمة ومدينة فاس”.

وأوضح المتحدّث أن “زيارة الوطن والاستمتاع بقضاء العطلة في أحضانه يمنح المرء نفساً جديدا لاستئناف العمل في ديار الغربة، ويبعث في النفس شعوراً بالانتماء والحنين الدائم إلى أرض الأجداد”، مُشدّدًا على ضرورة “تغيير بعض العقليات السّائدة التي تساهم في خلق نوع من نفور أفراد الجالية من أرض الوطن، وتفضيلهم قضاء العطلة في أوطان أخرى، من قبيل استغلال الجالية وفترة الرواج لرفع الأسعار، والنظر دائما إلى السائح على أساس أنه ضحية يجب استغلاله”.

وقال محمد بولشيوخ، عضو جمعية أبناء الناظور في أوروبا، وممثلها في دولة هولندا: “كنت من الأوائل الذين قدموا إلى أرض الوطن بتاريخ 26 من شهر يونيو المنصرم؛ احتفلت مع عائلتي بعيد الأضحى المبارك وعشنا أجواء رائعة، وبعدها بدأت الجالية تفد بكثرة من مختلف الدول الأوروبية حتى أصبحت مدينة الناظور مكتظة”.

وتحدّث بُولشيوخ في تصريحه عن مراحل عملية العبور إلى المغرب قائلًا: “السفر إلى المغرب عبر مطار الناظور – العروي شهد تحسنا كبيراً مقارنة مع ما كان عليه الوضع سابقا، وهذا يعودُ أساساً إلى الإدارة ومُختلف الأطقم العاملة في المطار، خاصّة في ما يتعلق بختم جوازات السفر وتسهيل الإجراءات والفضاءات الرحبة التي يتوفر عليها المطار. وجميع الناس يشيدون بهذا الواقع الجديد”.

أما القدوم إلى أرض الوطن عبر ميناء بني انصار، يضيف المتحدث، “فيجعل جلّ العابرين يعيشون معاناة على مستويات عدة، على رأسها غلاء الأسعار”، مؤكداً أن “ثمن التذكرة الواحدة مضاعف لثمن تذكرة السفر عبر ميناء مليلية المحتلة على سبيل المثال، ما يدفع بالكثير من أفراد الجالية المقيمين بالخارج إلى العبور منه، مع تحمّل معاناة إضافية بانتظار ساعات طويلة من أجل ختم جوازات السفر وغيرها من صنوف المعاناة”، وهذا حسبه “يجعل الكثيرين يفضلون قضاء عطلتهم في بلدان الإقامة”.

واستنكر المتحدّث في السياق ذاته ما سماه “عدم القيام بالواجب في مختلف الإدارات”، واصفاً الوضع بـ”الكارثة”، مع ما قال إنها “سيادة الموظفين الأشباح الذين يتغيّبون أو يتهاونون في القيام بعملهم على أكمل وجه، ما يزيد من صعوبة قضاء الأغراض الإدارية من طرف المواطنين، ومنهم على وجه الخصوص أبناء الجالية”، حسب تعبيره، مؤكّداً في الأخير على “ضرورة معاجلة هذه المشاكل التي على رأسها دائما مشكل العبور عبر ميناء بني أنصار لتشجيع الجالية على زيارة أرض وطنها دائما”.

من جهته، قال فؤاد المجطي، الذي يشتغل حلاقاً بمدينة برشلونة الإسبانية: “أزور المغرب في كلّ عطلة أحصل عليها. لديّ ارتباط كبير بأرض الوطن، خاصّة أنني عشت طفولتي كلّها هنا، لا يمكن أن أفوّت أي فصل صيف دون أن أذهب إلى المغرب وأقضي بعض الأيام رفقة والديّ وعائلتي، حتى في زمن الجائحة تمكّنت من توفير جميع الإجراءات المطلوبة حينئذ مع تحمّل مصاريف إضافية لأنعم بقضاء العطلة في أرض وطني”.

وبخصوص الانطباعات العامّة لفؤاد خلال تواجده في أرض الوطن، قال: “إنّني دائما ما أشعر بالسعادة وأنا متواجد في بلدي وسط عائلتي، لكن ما يعكر صفو هذه السّعادة هو ما يتعلّق بشكل عام بالأجواء التي مازالت سائدة في النّاظور، من قبيل العشوائية وتهميش المدينة من طرف المسؤولين”.

كما استنكر المتحدّث ما سماه “افتقار المدينة إلى مرافق عمومية وحدائق وأماكن سياحية مؤهلة، رغم توفرها على الكثير من المناطق الطبيعية والتاريخية التي يمكن تأهيلها لتصبح وجهة مفضلة تستقطب الكثير من السيّاح؛ ناهيك عما نلاحظه من غلاء الأسعار وندرة وسائل النّقل”.

وأكّد المجطي هو الآخر أن من أبرز الوجهات التي يفضل زيارتها خلال عطلة فصل الصّيف هي الشواطئ، مشيراً إلى أن الحسيمة تبقى المدينة التي يفضّل زيارتها باستمرار مقارنة مع مدن أخرى.

محمد كنوف، مسؤول في فندق بمدينة أوسلو النرويجية، هو الآخر استنكر ظاهرة ارتفاع الأسعار خلال فصل الصيف التي تستهدف أساساً الجالية المقيمة بالخارج، مؤكداً أنّ الناظور تسودُ فيها بشكل كبير مظاهر الاستغلال التي يقوم بها بعض الأشخاص، “مثل حراس السيارات العشوائيين الذين يجبرون سائقي العربات على الدفع كأنه حق مشروع رغم أن السيارات تركن في أماكن عمومية وبالمجّان، ناهيك عن مظاهر التسوّل المنتشرة في كل مكان مع استغلال الأطفال الصغار لاستمالة عاطفة النّاس”.

وزاد المتحدث ذاته: “في الشواطئ يكون الاستغلال في أعلى مستوياته، خاصة من قبل أرباب كراء الكراسي والمظلات الذين يختارون نوعية زبائنهم ويفرضون الثمن الذي يريدون، إضافة إلى أصحاب المحلات التجارية القريبة من الشواطئ الذين يضاعفون ثمن المواد الأساسية رغم أن أغلب المنتجات يكون ثمنها محددا من قبل الشركة لبيعها للعموم”.

وأوضح كنوف أن “الناظور مازالت تعيش نوعا من العشوائية، وغياب النظام، خاصة من قبل مستعملي الطريق الذين لا يحترمون قانون السير، إضافة إلى المارة الذين لا يهتمون بنظافة الطرقات والأماكن العمومية، ما يجعل النفايات دائما منتشرة في كل مكان”، مشيرًا في الأخير إلى أنه “رغم كل هذه المظاهر يبقى الوطن عزيزا على قلوبنا ومفضلا في جميع الحالات، يأخذنا الحنين دائما إلى زيارته باستمرار في كل عطلة”.

تورية أبركاني، رئيسة اتحاد الجمعيات الأمازيغية بألمانيا، قالت: “ما لاحظته في زيارتي للمغرب هو غلاء الأسعار وانعدام الجودة، وانتشار بعض مظاهر العشوائية، مثل انتشار أصحاب ‘الجيلي الأصفر’ في كل مكان دون سند قانوني يسمح لهم بمزاولة هذا العمل، إضافة إلى ما يقوم به بعض التجار من سرقة واحتيال خلال عمليات الشراء”.

واستطردت المتحدّثة قائلة: “المشكل نفسه لا تخلو منه المطاعم والمقاهي التي ترفع الأسعار بطريقة احتيالية تستهدف أساسا أبناء الجالية، فمثلا جلست أنا وزوجي في أحد المقاهي بمدينة الناظور، وأجبرني النادل على أن أتناول حلوى مع فنجان قهوة ليتقاضى منا في الأخير مبلغ 130 درهما”. أما بعض الخضراوات التي يحب الجالية اقتناءها، تضيف رئيسة اتحاد الجمعيات الأمازيغية بألمانيا، فقد وصلت إلى أثمان خيالية، مثل التّين الذي وصل ثمنه إلى 90 درهما للكيلوغرام الواحد.

وعبرت أبركاني عن أسفها لما اعتبرتها سيادة النصب والاحتيال، مؤكّدة أن “الحنين هو الذي يجبر الكثير من أبناء الجالية على العودة إلى أرض وطنهم لزيارة عائلاتهم بدل التوجّه نحو مناطق أخرى رخيصة التكلفة لقضاء العطلة”.

وفي المقابل، أشادت المتحدثة في ختام تصريحها بالخدمات التي تستفيد منها الجالية في عملية “مرحبا”، مؤكّدة أن هناك تحسنا كبيرا على مستوى التنظيم وتسهيل الإجراءات.

وقال محمد الورداني، مقيم بمدينة أوتريخت الهولندية: “أزور المغرب مرّة كل سنة، ودائما تكون في فصل الصيف، إلّا في حالات استثنائية، وما لاحظته في الآونة الأخيرة هو مضاعفة معاناة الوافدين على المغرب من أبناء الجالية، خاصّة الذين يضطرّون إلى العبور من مدينة مليلية، لعدّة اعتبارات، على رأسها أن ثمن التّذكرة يكون رخيصا، خاصّة إذا كانت الرحلة تشمل خمسة أو ستّة أو أكثر من أسرة واحدة”.

وأبرز المتحدّث ذاته أن “معاناة الجالية تزداد مع الواقع الذي يصطدم به أغلب المقيمين في الخارج خلال تواجدهم في أرض الوطن، وهو الاستغلال البشع والاحتكار ورفع الأسعار؛ فبمجرد ما يرى البائع أو صاحب المطعم أو غيرهم سيارة تحمل لوحة ترقيم أوروبية حتّى يلجأ إلى تغيير المعاملة ورفع ثمن الخدمة التي يقدّمها لأصحابها، وهذا أمر واقع في فصل الصيف، أما في الفصول الأخرى التي تقل فيها حركة الرواج فتعود الأسعار إلى الاستقرار، ما يجعل أبناء الجالية المستهدفين بالدرجة الأولى”، وفق تعبيره.

وقال الورداني إن “الكثير من أفراد الجالية المقيمين بالخارج باتوا في الآونة الأخيرة يفضّلون قضاء عطلهم في بلدان سياحية أخرى بدل العودة إلى أرض الوطن، وهذا ما يفوّت على البلاد أرباحا كثيرة كان من الأولى أن يستفيد منها المغرب بدل غيره، وهذا كله بسبب هذا التلاعب غير المعقول في الأسعار، ما بات واجبا معه مراقبة تصرفات هؤلاء وفرض عقوبات حتى لا يتحول الأمر إلى عادة وسلوك دائمين”.

أما إلياس بنعمر، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية بجامعة الملك خوان كارلوس بالعاصمة الإسبانية مدريد، فأشاد بالتنظيم الكبير الذي استقبلت به الجالية المقيمة بالخارج أثناء عودتها إلى أرض الوطن سنة 2023، وقال: “إن الجالية أحست بسعادة كبيرة نظير الخدمات المتميزة التي قدمتها مؤسسة محمد الخامس للتضامن خلال مرحلة ‘مرحبا’، من خلال تخصيص مرافق وخدمات طبية وتسهيل عمليات العبور والإجراءات المرتبطة بها”.

وأوضح المتحدّث أن “الجالية باتت تلعب دورًا كبيرًا على كافة المستويات الرياضية والثقافية والسّياسية في تمثيل البلاد في العالم، ولها ارتباط كبير بأرض الوطن، لذلك لا تتوانى في زيارة المغرب في كل فرصة مواتية”، مشيرًا إلى أن “الكثير من الأمور تغيرت في المغرب نحو الأحسن مقارنة مع ما كانت عليه الأوضاع سابقا، وهذا يشجع قطاع السياحة في البلاد”.

وحول أجواء قضاء عطلته بالمغرب، قال بنعمر: “أنا مقيم بمدينة تطوان، وقد لاحظت سيادة النظام في الكثير من المناطق، خاصة في الشواطئ التي غابت فيها مظاهر العشوائية التي كانت من قبل، وذلك بتوفير مجموعة من المرافق وكذلك مرائب ركن السيارات وتنظيم عمليات المرور، ناهيك عما تقوم به السلطات من خدمات على كافة المستويات، من قبيل تسهيل الإجراءات الإدارية وتخصيص يومي السبت والأحد للعمل بشكل استثنائي، وتوافر الأمن والشرطة السياحية”، مؤكدا في آخر تصريحه أن “هذا لا يعني غياب بعض العراقيل التي تواجهها الجالية، والتي تجب معالجتها وأخذها بعين الاعتبار مستقبلا”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق