نورالدين شوقي يكتب..”هكذا يحتفل كبدانة بـ-ناير”

14 يناير 2020آخر تحديث :
نورالدين شوقي يكتب..”هكذا يحتفل كبدانة بـ-ناير”

(هذا المقال يتطرق للاحتفال بناير، بمنطقة كبدانة ويوضح كيف يتم الاستعداد له وهو مقال مختصر لبحث ميداني أجري بدوار ياث لمنور- بكبدانة)

– ال- ناير..

بحلول الثالث عشر يناير من كل سنة يحتفل ألأمازيغ في شمال إفريقيا ومنهم المغاربة برأس السنة ألأمازيغية التي تصادف هذا العام مرور 2970 سنة على بداية ألإحتفال بهذه الذكرى..
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التقويم الأمازيغي يعتبر من بين أقدم التقويمات التي عرفها ألإنسان على مر العصور. فبخلاف التقويم العبري والميلادي والهجري، فإن التقويم ألأمازيغي غير مرتبط بأي حدث ديني أو عقائدي، بل إرتبط حسب المؤرخين بحدث سياسي تاريخي وهو واقعة إنهزام المصرين القدامى أمام ألأمازيغ وإعتلاء زعيمهم شيشناق للعرش الفرعوني.
ومنذ هذا الحدث بدأ ألأمازيغ يخلدون كل سنة ذكرى هذا ألإنتصار العسكري وأصبح ذلك اليوم رأس سنة جديدة حسب تقويم خاص بهم.

– الامازيغ وتسبثهم بالأرض..

إن إحتفال ألأمازيغ اليوم بهذه الذكرى والتي تتزامن مع السنة الفلاحية، لهو تعبير عن حبهم وتشبتهم بأرضهم وخيراتها ويتجلى ذلك في الطقوس المرتبطة بألإحتفال، حيث يتم بالمناسبة إعداد العديد من المأكولات والوجبات التقليدية زيادة الى إحياء طقوس إحتفالية ببعض المظاهر الثقافية.
ولكون هذه المناسبة تختلف من مكان لأخر ومن قبيلة الى أخرى، فإن بمنطقة كبدانة تتخذ طابعا مميزا، إذ يسمى يوم ألإحتفال بإسمه المعروف والوحيد ” ناير” وهو إحتفال يخلد هناك كتتويج لعام كامل من العمل الدؤوب وفرحا بالمحاصيل الزراعية المتنوعة، ويقوم فيه ألأهالي بتحظير الطعام بتنسيق مع أفراد كل دوار على حدى..ولا يقام ألإحتفال إلا بعد مشاورات جادة في الموضوع، إذ تجتمع العائلات في إحدى بيوت أقاربها، إستعدادا لوضع ترتيبات لهذا الحدث، وبعد ألإتفاق وبالإجماع على اليوم الذي ستعقد فيه المناسبة يتم جمع التبرعات لشراء مستلزمات الحفل ومنها اللحم..أما مكان الحفل فعادة يكون منزلا في ملكية أحد المتطوعين من الأقارب.

– يوم الأحتفال..

في الصباح تقوم النساء الطاعنات في السن واللائي كنا يلقبن ب ” تفقيرين” بتحضير إوزان – الكسكس- وتتخلل هذه العملية أجواء إحتفالية بهيجة وذلك بإلقاء أشعار تعد بمثابة إعلان عن بداية الحفل. أما الشابات فيتطوعن للقيام بكل خدمة أسندت اليهن كإيقاذ النار وغسل ألأواني
والتفرغ لتفريش البيوت وتزيينها..
وعند حلول منتصف النهار يموج مكان ألإحتفال بالمدعويين فيجلس الرجال في البيت المخصص لهم في حين تجلس النساء في بيت أخر.
وبعد مرور ساعة أو ساعتين يستعد الكل لتناول إوزان.
وإوزان: مكون يصنع من طحين القمح و الدرة يكون على شكل حبيبات صغيرة تطبخ بالبخار ، يضاف اليه اللحم والخضر، وعند جاهزيته يقدم مرفوقا بالمرق واللبن للمدعوين في أوان تسمى محليا ب” لمثارذ”وأخرى ب” تبقيين”..
وعلى عكس ما يكون مصحوبا بطقوس ثقافية في مناطق أخرى كإختيار رجل أو إمراة السنة صاحب الحظ السعيد والذي يجد أثناء أكل الكسكس” بدرة تمر”، فإن عند أهالي دوار ياث لمنور بكبدانة غير ذلك، بل يعتبر من نسي ملعقته ولم يصطحبها معه لأكل إوزان، هو صاحب الحظ السيء لذلك العام، لذا تجد يوم ألإحتفال بناير يصطحب الشباب واليافعين ملاعقهم معهم خوفا من لعنة الحظ وسخرية الحاضرين ومن نسيها يظل في خدمة صاحب الدار طيلة الحفل كأن يقدم الماء والطعام للضيوف أو يناول كؤوس الشاي للحاضرين مقابل الفوز بالملعقة الذهبية؟؟ وكل هذا يتم في جو فكاهي، وهناك من يتعمد او يتظاهر بنسيان ملعقته رغبة منه في صناعة الفرجة..
وبعد ألأكل يأتي دور الشاي.. وعلى إيقاع صراصير الكؤوس يتم إستعراض المواهب الغنائية والفرجوية من قبل الشباب في المقابل وفي البيت المجاور يقوم الشيوخ والعجزة بترديد الاشعار والامداح..ويختم الحفل بشعيرة الاستسقاء ويشارك فيها الجميع بصرف النظر عن المقام والسن..
أما الشباب واليافعين فيستعدون للعب بعض الالعاب الشعبية ك – القام و فولش وأجباذ..ويكون ذلك عادة قبل غروب الشمس..

– تحليل أبعاد ورمزية” الملعقة” تغنجايت في الطقس المرتبط بحفل ال- ناير بكبدانة..

إن حظور الملعقة في الطقس ألإحتفالي ب ناير، لم يأتي صدفة، بل له دلالات رمزية في المخيال الشعبي الامازيغي عامة وللمجتمع الكبداني خاصة، ويتعلق ألأمر هنا بطقس ألإستمطار أوطلب الغيث الذي يسمى “أغنجا”.
فأغنجا ممارسة طقسية للمطالبة بالماء في إطار شعائر تروم التقرب من السماء لغرض إستعطافها ومطالبتها بالغيث، فترجم هذا الطقس الى أرض الواقع أثناء ألإحتفال ب “ناير” وذلك من الناحية الرمزية في أبعاده ألأسطورية، خاصة وأن أغنجا يعد رمزا من رموز الخصوبة في طقس الشعيرة ألإستسقائية و نجد له حظور قوي في ألأشعار داخل مراسيمه ومنها مثلا..
يا ربي سروات أمليح = أغنجا إتم ليليح

-معطيات ثقافية..

إن أي مخالفة صادرة عن أي فرد من أفراد العشيرة يعتبر خيانة في حق الجماعة والقوانين العرفية المنظمة للحياة العامة، فحينما نرى شابا يهذب لمجرد أنه نسي ملعقته يعتقد الكثيرون أنه حكم قاس في حقه، لكن دون أن يعلموا أن هذا السلوك تختفي من ورائه مجموعة من المفاهيم القيمية التي بدورها تتسم بمجموعة من الخاصيات، منها تحمل المسؤولية بشكل ديمقراطي أثناء المصلحة العامة ثم توحيد الجهود في الزمان والمكان لنقل العادة والتقليد للأخرين، بل هو درس تربوي يهدف من ورائه ترسيخ قيم التسامح في أوساط المجتمع وإعطاء فرص التصويب والتصحيح للأهالي من أجل الحفاظ على روح ألإنتماء للجماعة الواحدة المتماسكة.

نورالدين شوقي: باحث في التاريخ والتراث الكبداني

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق