الجالية المغربية في إسبانيا تحت وطأة القلق و أحداث ‘ توري باتشيكو ‘ تستحق إدانة واضحة و حزب ‘ فوكس ‘ يبحث في كل مرة عن ذريعة لإطلاق حملته التحريضية العنصرية ضد الجالية المغربية..

أريفينو : 20 يوليوز 2025


عاشت بلدية توري باتشيكو، الواقعة في مقاطعة مورسيا جنوب إسبانيا، عدة أيام عصيبة من التوتر والاحتقان، إثر حادث اعتداء مدان ارتكبه ثلاثة شبّان من أصل مغربي ضد مواطن إسباني متقاعد يبلغ من العمر 68 عاما. على الرغم من أن هذا العمل الإجرامي يستحق إدانة واضحة وفتح تحقيق قضائي شفاف ينتهي بإصدار عقوبات صارمة، إلا أن اليمين المتطرف، وفي مقدمته حزب “فوكس”، سارع إلى توظيف الحادث سياسيًا، محوِّلًا سلوكًا فرديًا معزولًا إلى ذريعة لإطلاق حملة منظمة من التحريض والكراهية ضد الجالية المغربية.

ورغم الإدانة الواضحة والصريحة التي عبّرت عنها الجالية المغربية القاطنة بالمنطقة، لم تمنع تلك المواقف أطرافًا متطرفة من تأجيج المشهد. فقد شهدت المنطقة مشاهد مطاردات وتصريحات عنصرية، وانتقال مجموعات منظمة من خارج المنطقة للمشاركة في ما أسماه البعض بـ”قنص الموروس”، في مشهد يعكس خطورة هشاشة التماسك الاجتماعي في ظل صعود التيارات الشعبوية والمتطرفة.

منذ سنوات، تعيش الجالية المغربية في إسبانيا تحت وطأة القلق وتوالي الأزمات المتلاحقة. فقد كانت البداية مع الأزمة الاقتصادية الحادة التي ضربت البلاد عام 2008، والتي أنهكت الطبقات الهشة، وفي مقدمتها المهاجرون، فزجّت بآلاف المغاربة في دوامة الفقر والتهميش، بل وحتى التشرد. أما اليوم، فالجالية تواجه خطرًا من نوع آخر، يتمثل في تصاعد موجات التطرف السياسي التي بدأت تتغلغل في النسيج الاجتماعي الإسباني، وتجسدت بوضوح في صعود حزب “فوكس” اليميني المتطرف، الذي بات يشكل قوة مؤثرة في المشهد السياسي، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل المغاربة في إسبانيا، سياسيًا واجتماعيًا.

وما يزيد الطين بلة، هو أن الحزب الشعبي الإسباني، بدلا من أن يلعب دورًا في تهدئة الأوضاع، اختار الاقتراب من هذا الخطاب المتطرف، بحثًا عن أصوات انتخابية عابرة، ضاربًا عرض الحائط بقيم التعايش والسلم الأهلي. فقد كان “ألبيرتو نونييث فيخو” في نظر العديدين أملًا في إعادة الحزب إلى الوسطية والعقلانية، لكنه بات رهينة لضغوط قيادات شعبوية مثل “إيزابيل أيوسو” بخطابها الصدامي، و”خوسي ماريا أثنار” المعروف بمواقفه العدائية التاريخية تجاه كل من لا ينتمي إلى “الغرب المسيحي”، والذي لم يخفِ أبدًا عداءه للمملكة المغربية.

علينا أن نعيد التذكير بأن الإرهاب لا يُمارس فقط بالعنف الجسدي، بل أيضًا بخطابات التحريض، والتمييز الممنهج، والصمت المريب والمتواطئ.

تأتي هذه الأحداث المؤلمة في وقت يتزامن مع عودة مئات الآلاف من مغاربة المهجر إلى وطنهم الأم، ومع برامج حكومية صيفية تروّج لخطاب “الإنصات للجالية”، ما يفرض ضرورة مراجعة هذا المنطق الاحتفالي السطحي، وإدماج التحديات الجديدة، وعلى رأسها تصاعد المد اليميني المتطرف، في صلب السياسات العمومية.

الجالية المغربية، التي تقارب 6.5 ملايين نسمة، ليست مجرد رقم انتخابي أو “رأسمال عاطفي”، بل هي فاعل وطني استراتيجي.

فهل يُعقل أن يُختزل ملف مغاربة المهجر في عملية “مرحبا” والتحويلات المالية؟ وهل يُعقل أن تظل الجالية وحدها في مواجهة العنف الرمزي والمادي، دون حماية مؤسساتية حقيقية؟

لقد أصبح من الملحّ أن تبلور الحكومة المغربية سياسة وطنية شاملة تُعنى بأمن الجالية المغربية وكرامتها وهويتها، وتُعزز دورها في الدفاع عن صورة المغرب ومصالحه في الخارج.

وفي هذا السياق، على الأحزاب المغربية بأن ترتقي بأدائها في مجال الدبلوماسية الموازية، للدفاع عن مغاربة المهجر، ودعم مكانتهم القانونية والاجتماعية في بلدان الإقامة، وتحصينهم من حملات التمييز والعنصرية.

وفي الأخير، يبقى سؤال الجالية معلقًا:

إلى متى سيبقى كلٌّ من مجلس الجالية المغربية الجديد، والمؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، حبرًا على ورق، رغم دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى إنشائهما، في خطابه بمناسبة الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء؟.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button