أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد “( أسئلة الباحث العربي ) الجزء الثاني الحلقة 9 مع الدكتور مصطفى يعلى

18 سبتمبر 2023آخر تحديث :
أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد “( أسئلة الباحث العربي ) الجزء الثاني الحلقة 9 مع الدكتور مصطفى يعلى

أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد “
( أسئلة الباحث العربي ) الجزء الثاني
الحلقة 9 مع الدكتور مصطفى يعلى.
السلام عليكم أستاذي الفاضل :
أولا، أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة على أسئلتي.
ليكن أول سؤال.

1 – من هو مصطفى يعلى؟

جواب:

  • مواطن عادي ازداد ونشأ بمدينة ثقافية وتاريخية، هي القصر الكبير. درس الابتدائي والإعدادي بها، ثم تابع دراسته بقسم الباكالوريا في العرائش، وحصل على هذه الشهادة المصيرية في تطوان، وعلى الإجازة في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في الرباط فرع فاس، وعلى استكمال الدروس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وعلى دبلوم الدراسات العليا بآداب فاس، وعلى دكتوراه الدولة في كلية الآداب بالرباط.
    وعند تخرجه من الجامعة، عمل أستاذا بالثانوي في مدينة القنيطرة، ثم أستاذا مكونا بالمركز التربوي الجهوي في نفس المدينة. وعند حصوله على دبلوم الدراسات العليا، انتقل للعمل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، عند تأسيسها في مدينة المحمدية، لينتقل إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، في سنواتها التأسيسية الأولى، حيث ظل يعمل بها إلى أن تقاعد، بعد ما يقرب من ثلاثة وأربعين عاما من العمل، والكتابة والنشر والإبداع القصصي.

سؤال:
2 – دكتور لكم خمس مجموعات قصصية، ولكم مجموعة من الكتب والمقالات في الحكاية الشعبية، ولكم عدة مؤلفات في البيبليوغرافيا بالإضافة إلى العديد من الدراسات الأدبية …

جواب:

  • كما يتبين من آخر ما جاء في جوابي على سؤالك الأول، فإن هناك خطين متوازيين، قد تحكما في مسار حياتي. الأول يتعلق بمراحل الدراسة والعمل، وطابعه الجد والمواظبة، من أجل تحقيق المطامح المشروعة من جهة، وتأدية واجبي الوظيفي على أحسن وجه، من جهة أخرى. أما الثاني، فقد رسم الخط البياني لتطور علاقتي بالكتابة والإبداع. فقد كتبت القصة القصيرة مبكرا، وانخرطت في البحث الأكاديمي عند الالتحاق بالجامعة، وشاركت بمداخلات مختلفة في ندوات ومؤتمرات في المغرب وخارجه، ونشرت بعض المقالات الأدبية هنا وهناك، وعملت على إصدار أعمالي القصصية والبحثية، بين الحين والآخر. فكانت النتيجة ما تفضلت بذكره من منشورات قصصية، ودراسات سردية شعبية، بلغت في مجموعها حتى الآن خمسة عشر كتابا. وبالطبع فإن المؤشر الذي يقف وراء كل ذلك، هو إدمان القراءة أولا وأخيرا.

سؤال:
3 –أستاذي الفاضل كيف يمكن للناقد أن يزاوج بين النقد والإبداع؟ وهل يكون النقد حاضرا أثناء الإبداع؟

جواب:

  • بالنسبة للشق الأول من سؤالك، يمكن استدعاء الحقيقة التي تقول إن المبدع هو أول ناقد لنصوصه. فهو قبل أن ينشر عمله، يجري عليه كل محاولات الغربلة والتنسيق، انطلاقا من ملكته وذوقه، ومرجعياته المعرفية والأدبية والاجتماعية… وبالطبع فإن للناقد الموهوب الحق في أن يجمع بين النقد والإبداع، لاسيما وأنه متمكن من النظرية الجمالية للجنس الأدبي الذي يبدع فيه، إلى جانب استيعابه للنظريات النقدية، وأنه من المفروض أيضا أن يكون كثير القراءة لأعمال الآخرين، مما يمكن أن يوفر لنصوصه شروط المستوى الرفيع من الإجادة والتوهج والإشراق. وتحضرني هنا أسماء لامعة، مَهَرَتْ في الجمع بين النقد والإبداع، أمثال إدجار آلان بو، و ت. س. إليوت، وخورخي لويس بورخيس ويحيى حقي وجبرا إبراهيم جبرا وإدوار الخراط. ومعلوم أن هناك كثيرا من المبدعين بدأوا نقادا، قبل أن يصابوا بلوثة الإبداع، وبالعكس هناك مبدعون قد تحولوا إلى نقاد. ولا يعني هذا أنه من المفروض أن يجمع الكاتب بين الإبداع الحقيقي والنقد الأدبي، كما لا يعني أن كل ناقد هو مبدع جيد ضرورة.
    أما عن الشق الثاني من السؤال، فيمكن اختصاره في نوعية التجربة الإبداعية، حيث نستطيع أن نصنف المبدعين بين فئة أصيلة، تبدع بعد أن تختمر التجربة، وتنكتب ذهنيا قبل تسويدها على الورق، من غير استحضار لسلطة النقد. ولا يعني هذا غياب المعايير المتفق عليها نقديا وتنظيرا، بل ينتعش الوعي بها أكثر في حالة المراجعات الاستدراكية للنصوص المبدَعَة؛ وفئة أخرى تتوهم أنها إذا وظفت تعليمات النقد، مستجيبة للمعايير النقدية الحداثوية، فسوف تأتي بالعجيب المدهش، بينما تُظهر كثير من الأمثلة أن الهلوسات المفتعلة وتعمد التلغيز وفوضى الزمن والمكان وعشوائية الحدث وأمثالها، لا تصنع نصا فنيا جميلا، إذا أعوزها الصدق والضرورة الفنية.

سؤال:
4 – أستاذي الفاضل، لكم باع طويل في دراسة الحكاية الشعبية، ولكم العديد من المؤلفات حولها، وحضرتم العديد من المؤتمرات، ولكم مقالات ومحاضرات حول نفس الموضوع، ألم توح لكم الحكاية الشعبية باقتحام عالم العجائبي والغرائبي في إبداعاتكم؟.

جواب:

  • أولا، شكرا على مواجهتي بهذا السؤال المكاشفاتي. وثانيا، لا أذيع سرا إذا قلت لك إنني جئت، إن على مستوى الإبداع، وإن على مستوى اختيار موضوعات البحث الأكاديمي، من عالم القصص الشعبي إلى القصة القصيرة والبحث الأكاديمي. فقد فتحت أذني ومخيلتي منذ مرحلة الطفولة، في حي النيارين الشعبي بمدينة القصر الكبير، على عوالم سحرية لحكايات شعبية، كانت ترويها نسوة في البيت، أو في بيوت الجارات مساء، وأخرى كنت أستمع إليها عصرا بشغف في (الحلقة) بالساحة العامة. وقد مارست تلك الحكايات تأثيرها القوي على ميلي إلى الحكي. وفيما بعد، أولعت في مرحلة الطفولة المتقدمة، بقراءة أمثال ألف ليلة وليلة وحمزة البهلوان وغيرهما، مما متن ميلي نحو موضوع الأدب الشعبي عموما، والقصص الشعبي خصوصا. وهكذا إذا كان هذا الميل قد ترجم إلى كتابة القصة القصيرة، فهو أيضا قد قادني إلى اختيار موضوع الأدب الشعبي لكثير من كتاباتي ومداخلاتي، وكذا للتخصص الجامعي، وإنجاز شواهدي العليا، بما فيها دكتوراه الدولة.
    ومن ثم، ترك هذا الولع بالأدب الشعبي، بصماته العجائبية في الكثير من قصصي القصيرة، منذ مجموعتي الأولى “أنياب طويلة في وجه المدينة”، وبالضبط في قصة (الصدمة) التي يمشي الناس فيها على رؤوسهم وليس على أرجلهم، دلالة على اختلال الواقع. وأيضا تجلى العجائبي في عدد من قصص مجموعتي “لحظة الصفر”، وأذكر منها قصتي (حوار في لحظة الصفر) حيث يجرد البطل نسخة منه يدخل معها في جدال مصيري، و(مناحة) التي ينبعث العجيب من كل ثناياها، وكذلك الأمر في مجموعتي “شرخ كالعنكبوت”، وخاصة في قصة (السفر عبر قطار سريع) حيث شُخِّص الموت في صورة شيخ دميم يطارد البطل حتى داخل بيته، ومع عذابات وهلوسات (المرأة التي قررت أن تهاجر)، ومعاناة بطل قصة (مقام الإظلام) وخيالاته. أما في مجموعتي الخامسة “رماد بطعم الجداد” فتكاد لا تخلو أية قصة فيها من هذا التجلي، خاصة في قصة (اعتذار مؤجل إلى زمن آخر) التي حضر فيها الكروتيسك باختلال المقاييس المنطقية، وفي قصة (باقة ورد لسلة المهملات) تدخل ذات البطل الأمارة بالحب دوما، كما لو كانت لرجل غريب عنه، في أعين موظفة الاستقبال بالمستشفى، وفي أعين بائعة الورد، فوجد فيها العجب العجاب، من شهوات وبذخ ألف ليلة وليلة، مما يستعصي على التفسير، كأي أمر في غاية الغرابة والعجب.

سؤال:
5 – دكتور، لقد بصمتم النقد في المغرب والوطن العربي ببصمة خاصة هل لكم أن تحدثونا عن هذا التميز ؟

جواب:

  • بصراحة لا أطمئن إلى صفة ناقد، وأعتبر نفسي كاتبا للقصة والبحث لا غير. وفي هذا السياق تمركزت كتاباتي في عدد من الموضوعات المتصلة بقضايا وأشكال الأدب الشعبي، وأحيانا بغير هذا الموضوع. وقد أصدرت مجموعة من الكتب في موضوعي الأثير (القصص الشعبي)، كما أنني نشرت عنه مجموعة من المقالات في منابر مغربية وعربية. علما بأنني شاركت في مجموعة من المؤتمرات بأقطار عربية، حول الأدب الشعبي.
    لكنني مؤخرا انشغلت بموضوع أقرب إلى النقد، ويتعلق بالتشريح المورفولوجي لظاهرة استلهام الإبداع السردي العربي المعاصر لسحر القصص الشعبي، واستثمار جمالياته الإبداعية في بناء القصة القصيرة والرواية، كما نرى في رواية (الخيميائي) لباولو كويلهو، ورواية (ليالي ألف ليلة) لنجيب محفوظ، ورواية (شيخ الرماية) لمحمد أنقار، ومجموعة (حكاية الديب رماح) لخيري عبد الجواد، وقصة (الغابر الظاهر) من مجموعة أعمال أحمد بوزفور “ديوان السندباد”. وهناك ضمن هذا التوجه كتاب لي قيد الطبع سينشر قريبا.

سؤال:
6 – من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟

جواب:

  • أتفق معك أولا، ففعلا إن هنالك كمّا هائلا من الإصدارات المغربية، في مختلف الأجناس الأدبية، إلى درجة تمتنع معها أية نية في متابعتها وإحصائها وتصنيفها. في حين سبق لي أن وضعت بيبليوغرافيات خاصة بالسرد المغربي قصة قصيرة ورواية وقصصا شعبيا، عن مرحلة 1930 ـ 1980، وكنت بالكاد أتمكن من استقصاء ما يشفي الغليل من النصوص، نظرا لقلتها وندرتها، مما كان يحتم علي أن أقوم بعدة مراجعات للصحافة الوطنية الصادرة في تلك الفترة، عساي أعثر فيها على إعلان عما صدر من كتب مغربية. بل وأذكر أنه حين صدور كتاب مغربي في تلك المرحلة، التي راجت فيها الكتب الشرقية، بينما ندرت خلالها الإصدارات المغربية، كان خبره يثير في نفوس المثقفين المغاربة شعورا بالفخر، يضاهي الشعور باستقبال العيد، مثلما وقع بالنسبة لرواية (دفنا الماضي) للمرحوم عبد الكريم غلاب، سنة 1963.
    أما حاليا فحدثي ولا حرج. إن الإصدارات تهل تبارك الله من كل ناشر وكل جهة، سواء في الداخل أم في الخارج. وإذا كانت هذه الظاهرة تثلج الصدر، فإنها لا تعني أن كل ما ينشر هو أدب جيد بالضرورة، بل هناك كثير من الغثاء، الذي يتصدر الاعتلال اللغوي سلبياته. ولعل المستقبل هو الكفيل بغربلة الغث من السمين. وأكيد أن تلك الغربلة ستبرز الجيد الجميل، وتهمش الرديء المردود.
    وبالطبع فإن تلك العلل، تحتاج إلى من يرعاها من النقاد، ويتعهدها بالتوجيه البناء، ووضع الأصابع على الجميل والرديء فيها، حتى يعي الكتاب أصول نظرية الجنس الذي يبدعون في إطاره، فيطوروا أدواتهم، ويقفوا على الجماليات المطلوبة في أعمالهم. لكن سؤالا جوهريا ينتصب أمام هذا الأمل. فأين هي هذه العينة من النقاد الموضوعيين المتسلحين إجرائيا بالمنهج والذوق وبعد النظر، مما يمكنهم من استبصار الأسرار الجمالية للنصوص الإبداعية، ورسائلها الملتزمة؟. ثم إن هناك إكراها جليا في مسار الإبداع بالمغرب، ويتعلق بتراكم الإصدارات الأدبية بصورة هائلة، مقابل شح النقد، إلى درجة أن الجميع يشتكي من ندرة النقد وزبونيته.

سؤال:
7 – دكتور، ما هي المواصفات التي يجب توفرها في العمل الإبداعي، ليجد صداه عند النقاد؟

جواب:

  • طبعا، لست معنيا بتقديم النصائح للمبدعين، كيف ينشئون نصوصهم، ويبدعون العجيب والمدهش. لكنني أعتقد شخصيا أن المبدع الموهوب له أن يشق طريقه بنفسه، ويغني تجربته بالقراءة، واستبصار حركة الواقع وتمثلها، والوعي بنظرية الجنس الأدبي الذي يبدع فيه، والاطلاع على أصوله وضوابطه، من أجل أن يمتلك المقود الذي يبحر به عبر أمواج تجاربه الإبداعية المخصوصة. ومن هنا تنقلب الآية، فيصبح الناقد هو الذي يحتاج إلى النصوص الإبداعية الجيدة، من أجل أن يستمد منها أصول رؤيته النقدية. بمعنى أن المبدع يجب ألا يخضع لسلطة الناقد، بل قد يأخذ من مقاييسه بمقدار ما تحتاجه تجربته الإبداعية. وبكلمة واحدة، فإن المبدع بقدر ما يخطئ إن هو أخضع إبداعه لمعايير النقد حصرا، غير مستجيب لصوت أصالته، فإنه من الخير له أيضا ألا يخطئ بانفعاله من بعض الكتابات النقدية البناءة، عن نصوصه الإبداعية، حتى ولو بدت له قاسية.

سؤال:
8 – كيف ترون مستقبل الحركة الثقافية في الوطن العربي عموما ، وفي المغرب على وجه الخصوص؟

جواب:

  • في خضم الارتباك والتهميش الذي تعاني منه الثقافة العربية، وبسبب الأمية المنتشرة في مختلف الأقطار العربية، رغم مرور عدة عقود من الحصول على الاستقلال، لا يستطيع أحد أن يتنبأ بالصورة التي سيصير إليها مستقبل الحركة الثقافية في المغرب والوطن العربي. وأستحضر في هذا الصدد كتابا نشره الدكتور طه حسين، في العقد الرابع من القرن الماضي، موسوما (مستقبل الثقافة في مصر)، دعا فيه إلى ربط الثقافة المصرية بماضيها البعيد وحاضرها القريب، مع الحث على الانخراط في ثقافة البحر الأبيض المتوسط، أي اتجاه الغرب، الذي ترتبط مصر به منذ الحضارتين اليونانية والرومانية، لذا ينبغي في رأيه أن يسير المصريون سيرة الأوروبيين ويسلكوا طريقهم، بدليل ضعف علاقة مصر بأمم الشرق الأقصى، كالصين واليابان والهند. ولو عاش د. طه حسين إلى الآن لغير رأيه دون شك، حين سيرى مدى التحضر الثقافي والتقدم التكنولوجي، اللذين أدركتهما كل من الصين واليابان راهنا. ويجدر بنا أن نتساءل بالنسبة لهذا الكتاب: هل كانت النتيجة كون الثقافة الغربية قد أغنت وطورت الثقافة المصرية؟.
    أعتقد أننا إذا كنا نسعى حقا إلى إثراء حركتنا الثقافية مستقبلا، فينبغي أن نحافظ على هوية ثقافتنا الوطنية والعربية، في نفس الوقت الذي ننفتح فيه على مختلف التجارب الثقافية الأخرى شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وأن نكف عن تبعيتنا لنموذج واحد، كما هو شأننا مع الفرنكوفونية.

سؤال:
9 – من موقعكم كناقد وتحملون على عاتقكم هم البيبليوغرافيا ولكم إصدارات عديدة في هذا الباب، كيف يرى الدكتور مصطفى يعلى مستقبل التأليف في هذا العلم في ظل العولمة ووجود الحاسوب الذي يتوفر على ذاكرة قوية؟

جواب:

  • يمكن اعتبار علم البيبليوغرافيا بمثابة البنية التحتية للبحث العلمي. فدونه لا يقوم أي ازدهار للبحث والدراسة، كما يضيع كثير من الجهد والوقت بسبب انعدامه. وهكذا حين نشرت بيبليوغرافيا المجاميع القصصية المغربية في مجلتي (المورد) و (الأقلام) العراقيتين، أواخر سبعينيات القرن الماضي، ووضعت بيبليوغرافيا الرواية المغربية، بتكليف من مكتب اتحاد كتاب المغرب، بمناسبة ندوة الرواية المغربية بمدينة مراكش، في بحر الثمانينيات؛ كان الهدف هو مساعدة الباحثين في تاريخ السرد المغربي، نظرا لما عانيته من مشاق في جمع مادة رسالتي لنيل دبلوم الدراسات العليا بين أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، تحت عنوان (ظاهرة المحلية في الفن القصصي بالمغربي: من أوائل الأربعينيات إلى نهاية الستينيات). فقد صدمت بغياب البيبليوغرافيات المساعدة، مما اضطرني إلى قضاء وقت طويل متعب بالخزانة الوطنية في الرباط، والخزانة العامة في تطوان، والخزانة الصبيحية في مدينة سلا، استقصاء لما كنت في حاجة إليه من معارف عن تطور السرد المغربي.
    ومن حسن الحظ أن وضعية البيبليوغرافيا في المغرب، قد تغير حالها نحو الأحسن. فإضافة إلى البيببليوغرافيا الوطنية المغربية، الصادرة عن المكتبة الوطنية، في نسخة جديدة الكترونية وديناميكية، حاملة للوائح الكتب المطبوعة، والدوريات، والخرائطيات؛ قد تم إحداث بعض المسالك الجامعية المتخصصة في علم البيبليوغرافيا، علاوة على توفر إصدارات مهمة في الموضوع. وإن كل هذا وغيره ليبشر بمستقبل إيجابي لهذا العلم الحيوي للدراسات العلمية، لاسيما مع توفر أدوات الاستقصاء والتنظيم اللوجستية، بما فيها الوسائط السمعية البصرية، وذواكر الحواسيب الهائلة.

سؤال:
10 – سؤال مرتبط بما سبق، لو سألتكم عن إصدارات المرأة المغربية مقارنة بما أصدره الرجل، ما هو جوابكم ؟ وكيف هي مقارنة بما تصدره المرأة المبدعة في باقي الدول العربية الأخرى؟

جواب:

  • أرى في هذه العجالة، أن الكتابة النسائية في المغرب، قد مرت بثلاث مراحل. المرحلة الأولى في عهد الاستعمار، وأسماء الكاتبات فيها نادرة بالقياس إلى كتابات الرجل، على اعتبار أن المرأة في هذه المرحلة كانت تعيش في مجتمع ذكوري منغلق، ومن الأمثلة التي تحضرني مليكة الفاسي وآمنة اللوه. والمرحلة الثانية، يمكن اعتبارها مرحلة التأسيس الحقيقية للكتابة النسائية في المغرب، بعد حدوث كثير من المتغيرات في المجتمع المغربي، نتيجة الحصول على الاستقلال، وخروج المرأة إلى الحياة لمشاركة الرجل في كل الميادين، وهذه المرحلة تتراوح بين النصف الثاني من عقد الستينيات وكل العقد السبعيني، ومن أهم الأسماء النشيطة أدبيا فيها، خناثة بنونة، رفيقة الطبيعة، فاطمة الراوي، مليكة العاصمي، وليلى أبو زيد. أما المرحلة الثالثة التي اشتد فيها وجود المرأة المغربية في الساحة الثقافية والإبداعية كاتبة وشاعرة وزجالة، فتبدأ مع عقد الثمانينيات إلى الآن، ولزخم الأسماء أترك اختيار الأمثلة لك وللقراء.
    وبما أن المرأة في الشرق العربي، كانت سباقة إلى عالم الأدب والكتابة، لأسباب تاريخية نهضوية، لهذا اشتهرت منهن أسماء لامعة، في البحث الأكاديمي مثل د. سهير القلماوي، وفي الشعر كنازك الملائكة، وفي الكتابة كمي زيادة وعائشة التيمورية ونوال السعداوي وحياة شرارة، وفي السرد مثل ليلى بعلبكي وغادة السمان ورضوى عاشور ولطيفة الزيات وكوليت خوري وإيميلي نصر الله وحنان الشيخ ولطفية الدليمي وإلفة الأدلبي ووداد سكاكيني وسلوى بكر وأهداف سويف، واللائحة طويلة. ومن ثم، فإن أمام الكاتبة المغربية طريقا فسيحا من بذل المزيد من الجهد، للحاق بركب الكاتبات العربيات، سواء من حيث النوعية أم من حيث التراكم. على أنني لا أرى شخصيا أن هناك كتابة ذكورية وكتابة نسائية، بل أعتقد أن هناك أدبا جيدا يكتبه الرجل والمرأة، وأدبا رديئا ينتجه الرجل والمرأة، مع التسليم أن المرأة لرهافة حساسيتها، تبرع في تصوير أحاسيس جنسها.

سؤال:
11 – ما هي رسالتكم للطلبة والباحثين في البيبليوغرافيا؟

جواب:

  • أول درس نتعلمه من علم البيبليوغرافيا، يتعلق بضرورة الاقتناع بتكامل المعرفة، وتساند الأجيال في تطويرها، مما ينال من آفة الذاتية. وبعد ذلك يأتي الاطلاع على تاريخ وتطور علمي المكتبات والبيبليوغرافيا، وحسن ضبط كيفية اشتغال المكنز، من أجل التحكم في توجيه البيانات وإيضاحها، وتوثيق المادة المصنفة في البيبليوغرافيا. بيد أنه من أوليات الفعل البيبليوغرافي وجوب استيعاب قواعد الوصف البيبليوغرافي، والصبر على تقليب المصادر واستخلاص ما هو جوهري منها. وفي هذا الصدد، يبدو أن مرحلة الاكتفاء بتنظيم البيبليوغرافيا، على أساس العناصر التوثيقية الواصفة فقط، قد تجووزت، وصار لابد، توخيا للدقة والشرح المفيد، من نسق إضافي مهمته تقديم ملخص عن كل مادة، وإغنائها بما يكفي من التعليقات والحواشي، والإشارة إلى عدد الطبعات والأجزاء والصفحات، وما أشبه. وتستحسن البداية بالبيبلوغرافيا الخاصة بموضوع محلي، مثل القصص الشعبي في مدينة معينة، أو بيبليغرافيا ما كتب عن متن محدد عينه مثل كليلة ودمنة، وذلك من أجل التمرس الأولي. كما يفضل في مرحلة التدرب على المشاريع البيبليوغرافية، الانطلاق بالبيبليوغرافيا المتخصصة، في فرع من الفروع الثقافية والإبداعية، استبعادا لمشاق وأخطاء التشتت.

سؤال:
12 – دكتور تساهمون في عدة أنشطة ثقافية ولكم حضور في تحكيم المسابقات وتوزيع الجوائز ….كيف ترون مستقبل الكتابة والإبداع عند الأجيال القادمة ؟

جواب:

  • لا أستطيع أن أتكهن بمستقبل الأجيال القادمة، في حقل الكتابة والإبداع، لكن ما نشاهده من زخم الإقبال الهائل على الأدب، كما يتجلى من خلال تراكم الإصدارات في كل أجناسه وأنواعه، يبشر بكل خير، شرط إدمان القراءة، وضبط اللغة، وحسن المتابعة، وحس تطوير الكتابة وفق المطلوب حضاريا، والالتزام بالواقع الإنساني، وما إلى ذلك. والزمن كفيل بالغربلة وإبراز الروائع.

سؤال:
13 – دكتور، باعتباركم زاولتم مهنة التدريس وتقلدتم رئاسة الشعبة، كيف ترون مستقبل الجامعة والتعليم العمومي على وجه الخصوص؟

جواب:

  • الغريب أنني كلما سئلت عن رأيي في تعليمنا، خامرني شعور يشبه الهزل. فبعد تجربة طويلة دامت 43 سنة من العمل في التعليم الثانوي، والمركز التربوي الجهوي، والجامعة، تكونت لدي فكرة تقريبية عن بعض السلبيات في مسار التعليم ببلدنا. إنني أعتقد جازما أن من بين الاختلالات الدرامتيكية، التي تعرقل العملية التعليمية عندنا، قضية اللغة، وخاصة بالنسبة للمواد العلمية. فمرة تدرس بالعربية، وأخرى بالفرنسية، ثم العودة إلى العربية، وحاليا تم الرجوع إلى تدريسها بالفرنسية، لرجحان كفة الفرانكوفونية في البلد !. والحال أن جميع الدول التي تحترم هويتها، وحتى التي نوصف بتبعيتنا لها، تدرسها بلغتها الأم، بل أيضا تفعل دول مثل اليابان والصين، رغم صعوبة لغتيهما، ويعرف الجميع مستوى التقدم الحاصل في هاتين الدولتين الخ..
    وهناك مشكل آخر جد معرقل للتعليم عندنا، بحيث لا تقوم للممارسة التعليمية معه قائمة، إذا لم توضع له حلول فعالة وملائمة، ويتعلق الأمر بظاهرة الاكتظاظ في أقسام الدراسة. والغريب أن التفويج الذي كان يخفف من ضغط التكدس، وخاصة في مادة علوم الحياة والأرض، ويسهل العملية التعليمية على المدرس، قد تم التخلي عنه مع مجيء وباء كورونا ومستمر إلى الآن. إن الاكتظاظ يعتبر من جهة، مصيبة كبرى في طريق تعلم التلميذ والطالب، وهو آفة تربوية وصحية سواء للمعلم أم الأستاذ، من جهة ثانية. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن في الثانوي التأهيلي، أن يدرس التلميذ ويتعلم ويتفوق، في قسم ينيف عدد تلاميذه على الخمسين تلميذا؟!.
    وبالمناسبة، لابد من التذكير بمشكل المقررات. إذ ينبغي أن تراجع مراجعة دورية، وأن يرفع مستواها جديا، وفق المستجدات العلمية والتربوية، وتكييفها حسب البعد الوطني والعربي والإنساني، مع اختيار الكفاءات لوضعها أو مراجعتها أو تغييرها، أو وضع الكتب الموازية لها.
    وبالطبع فإنني مضطر للاكتفاء بهذه الأمثلة، مما يعانيه تعليمنا، حيث لن أتمكن هنا من استدعاء كل مشاكل تعليمنا، المتراكمة عبر عقود طويلة منذ الحصول على الاستقلال، فقد توالت عقود من الإهمال والمعالجات الفاشلة، تسببت في استبعاد تعليمنا عن أي تصنيف عالمي، رغم تكوين مختلف اللجن المختصة، وإجراء سلسلة من البرامج والإصلاحات الاستعجالية، مدعمة بميزانيات مادية هائلة. وهنا أجدني مضطرا لأشير إلى ضرورة أن ينبع أي إصلاح من القاعدة، ولا يتنزل من فوق. فكم من مشاريع الإصلاح جربت عندنا، لم تحقق سوى مشاكل إضافية إلى العملية التعليمية. والنتيجة السلبية التي تحدث في كل إصلاح تعليمي، تكمن في عدم إشراك القواعد التعليمية، التي تعاني من المشاكل التربوية الأمرين، وتختبر عمليا أين مكامن الضعف والقوة في نظامنا التعليمي. فلابد من إعداد رجل التعليم إعدادا قويا، وإعادة الاعتبار له معنويا وماديا، مثلما لدى الأمم المتحضرة كألمانيا واليابان. ولتكن البداية من حمايته من التجاوزات التي تسيء إليه، ومن الاستعانة بآرائه، ووجهة نظره في أي إصلاح تعليمي، يروم الجودة وحسن التكوين وتحقيق النتائج المتوخاة.
    وبذلك يبقى التحدي حول مستقبل منظومة تعليمنا بكل أسلاكها، مرهونا بشحذ العزائم، وتوفر الإرادة والنيات الحسنة، وبمدى القدرة على تجاوز ما ينخره من سلبيات، والانفتاح على تجارب أخرى أغنى من التجربة الفرنكوفونية الفاشلة، والعمل بجد على تحقيق المأمول من جدية أي إصلاح تربوي موفق. شكرا لكم أستاذي الفاضل، وفقكم الله في مسيرتكم.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق