د.عماد أبركان يكتب:”جماعة الناظور بين هاجس انتخاب الرئيس وسؤال رقابة الأحزاب على منتخبيها”

31 ديسمبر 2019آخر تحديث :
د.عماد أبركان يكتب:”جماعة الناظور بين هاجس انتخاب الرئيس وسؤال رقابة الأحزاب على منتخبيها”

اريفينو :

لقد أصبحت الأحزاب السياسية مكونا أساسيا من مكونات العمليات السياسية في العصر الراهن، وقد حظيت بحيز مهم في الدراسات والأبحاث السياسية والاجتماعية المعاصرة، حيث تؤدي دورا بالغ الأهمية في تركيبة الدولة الحديثة. ففي الأنظمة التعددية، لم يعد مقبولا ولا مستساغا أن تتحكم الجهات الرسمية في كل المجالات السياسية والاقتصادية خاصة على المستوى المحلي. ولذلك فقد بدأت الأحزاب السياسية في العقود الأخيرة، تتجه إلى المطالبة بمزيد من تنازل الدولة وأشخاصها العامة عن بعض اختصاصاتها، لفائدة فعاليات محلية وجهوية. والمغرب يعتبر من الدول القلائل التي تبنت التعددية الحزبية منذ الاستقلال، لذلك وبالرغم من الانتقادات الموجهة إلى الأحزاب السياسية المغربية، فإنه لا يمكن إغفال دورها في النسق السياسي المغربي.
يتقاسم المشهد السياسي المغربي مجموعة متعددة من الأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى السلطة والحكم، وتتنافس انتخابيا للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية والتمثيلية، إن على المستوى الوطني أو المستوى المحلي. وهي تضطلع نتيجة لذلك بالعديد من الوظائف، كالتمثيل والاتصال وربط المصالح وتجميعها ووضع البرامج والسياسات والتنسيق بين فروع الحكم، وتحقيق التكامل المجتمعي، وغيرها من متطلبات إشباع الحاجيات ذات الصبغة السياسية للأفراد والجماعات والتوفيق بينها. وهكذا تعمل الأحزاب على تجنيد واختيار العناصر القيادية للمناصب السياسية، ومحاولة السيطرة عليها وممارسة السلطة أو على الأقل التعبير عن الرغبة والمشاركة في ممارستها. والأحزاب السياسية على المستوى المحلي، كما على المستوى الوطني وربما أكثر- يمكن أن تمثل مدارس للتكوين والتأطير. فهي التي يفترض أن تجعل المواطن يستأنس بالممارسة الديمقراطية ويتعود على المشاركة السياسية كناخب أو منتخب، حيث يتعرف أكثر على مشكلات المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه، ويكتسب الثقافة السياسية التي تمكنه من المشاركة الفعالة في تدبير شؤونه. وعلاوة على ذلك فإن الأحزاب السياسية من الناحية المبدئية وكما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية، مطالبة بممارسة نوع من الرقابة السياسية على منتخبيها وخاصة بالجماعات الترابية.
إن مفهوم المساهمة في الممارسة الديمقراطية إذا كان يقوم على فكرة أساسية، وهي قدرة السياسات العامة على التجاوب مع الجماهير والتعبير عن مصالحها. وذلك اعتمادا على هياكل من أهمها الأحزاب، باعتبارها تنظيمات سياسية تعمل داخل المجتمع للحصول على السلطة أو المشاركة فيها، فإن رقابة الأحزاب على المنتخبين بالجماعات الترابية تبقى من بين المجالات الأساسية التي تبرز فيها أهمية هذه الكائنات السياسية على المستوى المحلي. حيث من خلالها يفترض أن يتم الضغط على منتخبيها والتأثير عليهم للقيام بفعل معين أو الامتناع عن فعل معين، وفي هذا السياق تطرح العديد من التساؤلات التي توضح جوهر العلاقة بين الأحزاب ومنتخبيها في المغرب، ولعل أبرزها التساؤل عن مدى قدرة الأحزاب السياسية على مراقبة وضبط منتخبيها بالجماعات الترابية؟ وما أهمية تأثيرها على تخليق سلوكيات المنتخبين وتقويمها؟
بعد أن ظل دور الأحزاب السياسية مقزما في دستور 1996، حيث لم تتجاوز وظائفها التنظيم والتمثيل، إذ كان الفصل الثالث منه ينص على أن “الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم…”. فقد أعاد الدستور الجديد الأمور إلى نصابها بعد أن وسع من تلك الوظائف، طبقا لما هو متعارف عليه في الفقه السياسي والدستوري المعاصر، حيث أكد الفصل السابع من دستور فاتح يوليوز 2011 على أنه: “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام. وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية، وتؤسس الأحزاب وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق المؤسسات الدستورية”.
وهكذا، ومن منطلق نص الدستور، يتبين الدور الذي هو منتظر من الأحزاب السياسية أن تلعبه، من أجل تسيير وتدبير الشؤون العامة سواء على المستوى المحلي أو الوطني. ولا شك الآن أنه ليس على مختلف الأحزاب السياسية المؤثثة للمشهد السياسي الوطني سوى أن تكون في الموعد وفي المستوى المطلوب تأطيرا وتمثيلا للمواطنين وضبطا ورقابة لمنتخبيها، إن على المستوى الوطني أو على المستوى الترابي، حتى تضطلع بمهامها كما ينبغي لا سيما وأن المغرب بات يبحث عن نموذج تنموي جديد، بعد أن بدا له فشل التصور التنموي القديم. وعموما، إذا كانت الأحزاب السياسية هي وسيلة الجماهير للمشاركة الحقيقية في تكريس الديمقراطية وفي الحياة السياسية على المستوى المحلي، فإن هذا الهدف لن يتحقق بصورة مكتملة إلا عندما تعمل الأحزاب على تتبع وتقييم ومراقبة وتقويم منتخبيها، فيما يعملونه ويدبرونه من خلال سلوكياتهم وبرامجهم وسياستهم ومواقفهم من مشاكل الدولة ومشاكل الجماعات الترابية وتعاملهم معها.
تلعب الأحزاب السياسية على المستوى المحلي كما على المستوى الوطني، دورا هاما في التنشئة السياسية، وتجميع المصالح والتعبير عنها، وتنظيم المنافسة الانتخابية، ووضع أجندة صنع السياسات العامة، واستيعاب الجماعات والأفراد للديمقراطية. حيث لا يمكن تصور قيام تدبير محلي ديمقراطي حقيقي وتشكيل المجالس المحلية المنتخبة دون تعددية حزبية، ودون وجود أحزاب سياسية تعكس طبيعة المجتمع، وتعبر عن واقعه، وما يسوده من تباينات اجتماعية، واختلافات بين المذاهب والأفكار والتيارات السياسية المتعددة. وتباشر الأحزاب في نطاق القانون، عملها في تأطير وتمثيل المنخرطين فيها، والمناصرين لمبادئها وأطروحاتها، والدفاع عن مصالحهم الاجتماعية، وتصوراتهم المشتركة فيما يتعلق بتدبير الشأن العام المحلي والوطني، وذلك من خلال التوجهات التي تتبناها، والبرامج التي تقترحها وتعلن عنها للرأي العام، والتي تحاول فيما بعد تتبعها ومراقبة منتخبيها في مدى الالتزام بها وتنفيذها.
إن رقابة الأحزاب على منتخبيها بالجماعات الترابية مسألة لا خلاف حول مدى إمكانيتها وأهميتها، وجدوى ممارستها في أفق البحث عن النموذج التنموي الجديد. فالأحزاب السياسية إذا كانت مطالبة بتأطير المنتخبين وتأهيلهم، وتخريج الكفاءات المتشبعة بالحس الوطني، والقادرة على تسيير وتدبير الشأن العام المحلي، بمقتضى الدور الذي أسنده إليها الدستور، فإنها من باب أولى وأحرى مطالبة بمراقبة سلوكيات وتصرفات منتخبيها -خاصة بالجماعات الترابية- والعمل على تقييمها وتقويمها باستمرار. ولعل المشرع إدراكا منه لتلك الأهمية ومدى المسؤولية الملقاة على عاتق الأحزاب السياسية في هذا الصدد، عمل من خلال المادة 28 من القانون التنظيمي الجديد المتعلق بالأحزاب السياسية، على دعم قدرتها في رقابة منتخبيها بشكل واضح. حيث أوجب على كل حزب سياسي أن يلتزم بتقديم مرشحين نزيهين وأكفاء وأمناء قادرين على القيام بمهامهم التمثيلية. وهنا يصح لنا وجماعة الناظور مقبلة على تغيير رئيسها وتشكيلة مكوناتها إلى أي مدى فعلت الأحزاب هذه الامكانية التي تملكها لاقتراح أفضل وأصلح مرشحا لها قصد تعويض الرئيس السابق المعزول (سليمان حوليش)؛ وقبل هذا وذاك يصح لنا أن نتساءل عن مدى قدرة المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات الماضية على تشكيل أغلبية وازنة لتسيير المدينة، قادرة على تفادي اختلالات وانحرافات المجلس السابق؟ ووضع سكة تنمية المدينة في مسارها الحقيقي؟
وهكذا فقد أضحى المشرع المغربي حريصا على مسألة رقابة الأحزاب لمنتخبيها من خلال القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية -وإن كان ذلك بشكل غير مباشر- حيث إلزام الأحزاب السياسية بإيجاد نواب وناخبين في المستوى المطلوب سلوكا وأخلاقا وسيرة. وإذا كان ذلك لن يتأتى لها إلا عبر اختيار المرشحين بشكل ديمقراطي في ظل انتخابات شفافة ونزيهة، فإن من أساسيات العمل الديمقراطي أيضا، أن تسعى تلك الأحزاب السياسية إلى ضبط تصرفات وسلوكيات منتخبيها وأفعالهم وتصرفاتهم، حتى لا يقع ما من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على صورة الحزب لدى الناخبين والمواطنين بصفة عامة. أو الأكثر من ذلك حتى لا يتفشى الفساد الإداري والمالي بالجماعات الترابية فتضيع الحكامة وتضيع مصالح المواطنين بتواطؤ مباشر أو غير مباشر من الأحزاب السياسية نفسها.
وطبقا لأحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية، فقد ورد في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، أنه يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس. ويقدم طلب التجريد لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية من قبل رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح المعني بالأمر باسمه، وتبت المحكمة الإدارية في الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيل طلب التجريد لدى كتابة الضبط.
ولا شك هنا، أن هذا المنع والتقنين لظاهرة من مظاهر الترحال السياسي في المغرب الذي ورد في القوانين التنظيمية مسألة جد إيجابية، ومن شأنها أن ترقى شيئا ما برقابة الأحزاب السياسية على منتخبيها في الجماعات الترابية. فهذه الظاهرة، بما تعنيه من تغيير الانتماء السياسي، وبالتالي تغيير القناعات والاختيارات، تؤثر بشكل أو بآخر على السير العادي للجماعات المحلية. حيث يكون عدد أعضاء كل من الأغلبية والمعارضة غير قار وغير ثابت، مما يفتح المجال أمام كل الاحتمالات. ويعتبر هذا المنع، من بين المسائل الجديدة الإيجابية التي جاءت بها القوانين التنظيمية الجديدة. ففي جميع القوانين المؤطرة للجماعات المحلية السابقة على دستور 2011 لم يكن هناك مثل هذا المقتضى. ولم يكن منصوص عليه حتى في الدساتير السابقة، بل لم يكن هذا الأمر منصوص عليه حتى في القوانين التي تتالت في تنظيم الأحزاب السياسية، وقد كانت حرية الانخراط مقرونة بحرية الاختيار.
إن الترحال السياسي، ورغم كونه أحيانا قد يكون ترحالا واعيا، ويعبر عن ضيق الأفق السياسي داخل تنظيم سياسي معين، وسيطرة أقلية على القرارات السياسية، وعدم تعميم المنافع السياسية، وغياب الشفافية والديمقراطية والالتزام في إدارة شؤون بعض الأحزاب الأمر الذي يشكل عاملا أساسيا نحو هجرة حزب معين والانتقال إلى حزب آخر، فإنه في المقابل يعتبر أمرا غير أخلاقي. فالشخص المنتخب يفترض فيه أن يحترم أصوات الناخبين، فهؤلاء حينما صوتوا عليه يفترض فيهم أنهم اختاروه لانتمائه لحزب معين ولكونه يمثل برنامجا سياسيا معينا، ويحمل قيما معينة، لهذا فكل تغيير لهذا الانتماء يعني بشكل صريح التنكر لكل ما تم تقديمه للناخبين، من وعود وبرامج أثناء الحملة الانتخابية. ذلك من جهة ومن جهة أخرى يعبر الترحال السياسي عن عدم الالتزام السياسي والأخلاقي وهشاشة القناعات، كما يكشف أحيانا عن طابع انتهازي مصلحي، وأحيانا أخرى يبين عدم الوعي بالمفهوم الحقيقي للممارسة السياسية النزيهة.
وإذا كان هذا الأمر مهما وأساسيا ويكشف رغبة أكيدة في تفعيل هذا النمط الرقابي، فإن ذلك يبقى حبيس الجانب القانوني فقط، أما على مستوى واقع الممارسة فإن الأمور تبدو أكثر غموضا وتعقيدا. فالأحزاب السياسية على المستوى المحلي تبقى دائما بين أمرين أحلاهما مر، فمن جهة أولى تكون الأحزاب دائما ملزمة بمراقبة تصرفات منتخبيها قصد تقويمها عند الضرورة لضمان احترام القوانين والمبادئ والقيم الأخلاقية. وذلك قصد إثبات مصداقيتها وقصد الحصول على تأييد الناخبين ومختلف المواطنين لبرامجها وسياساتها التي تعد بتنفيذها إذا ما وصلت إلى السلطة عبر الانتخاب. ومن جهة ثانية يبقى هاجس الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد دائما حاضرا لديها، وإن كان ذلك على حساب الاعتبارات السالفة، وذلك من خلال تزكية من يستطيع الحصول على أكبر قدر ممكن من الأصوات بصرف النظر عن أخلاقه وسيرته.
وعموما، فقد أولت الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية عناية كبيرة بالشأن العام المحلي، لكونه المدرسة الأولى للتمرن على ممارسة السلطة. وهي بحكم الدور الذي أسنده إياها الدستور والقانون، يفترض أن تكون حريصة وشديدة الرقابة على منتخبيها بالجماعات الترابية، لكن -وللأسف- تبقى الممارسة صعبة وتكاد تكون غير ممكنة في ظل الظروف والشروط الحالية.
وفي الاخير، ثمة خلاصة أساسية تحاول هذه الفقرة إبرازها، وهي أن رقابة الأحزاب على منتخبيها بالجماعات الترابية رغم أهميتها من الناحية المبدئية ورغم التنصيص عليها من خلال الإطار القانوني للأحزاب السياسية، إن على مستوى الدستور أو القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، فإنها تبقى مستعصية من الناحية الواقعية، بل وحتى وأن كانت هناك بعض التصرفات التي تنصب في إطارها أحيانا كطرد بعض الأحزاب لبعض منتخبيها المتورطين في قضايا الفساد أو تجميد عضويتهم فإنها، تظل من قبيل تحسين الواجهة وستر الفضائح أمام الرأي العام، ومن ثم تبقى ضعيفة من حيث قدرتها على تقويم وتجويد سلوك المنتخبين.
وأخيرا تبقى جماعة الناظور في ظل الأوضاع الراهنة مفتوحة على جميع الاحتمالات التي نرجو أن تكون في مستوى تطلعت الساكنة التي تنظر تحقيق التنمية والتقدم والازدهار والمساهمة الفعالة إلى جانب المناطق الأخرى بعموم التراب الوطني في تأسيس وتفعيل وانجاح النموذج التنموي الجديد؛ الذي به نحن متفائلون ولتحسينه وتجويده أملون وإلى أفضله وأحسنه متطلعون وبضرورة المشاركة الإيجابية في بلورته وتكريسه وترسيخه والعمل على نجاحه مقتنعون.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق