فضاءات باريز في رواية (هي بين الضفتين )لفتيحة بلخير

12 مارس 2023آخر تحديث :
فضاءات باريز في رواية (هي بين الضفتين )لفتيحة بلخير

صدر للروائية فتيحة بلخير رواية بعنوان هي بين الضفتين،عن مكتبة الطالب بوجدة سنة 2015م .وتجدر الإشارة إلى أنها فنانة تشكيلية ،وشاعرة تنظم باللغتين العربية والفرنسية،وقاصة نسجت أناملها مجموعة قصصية قصيرة وسمتها ب(مزرعة نقود)،وهذا يعني أننا إزاء كاتبة ومبدعة متمرسة تراود سحر الكلمة،وتعضده بالإبداع الفني والتشكيلي والكتابة الروائية الجادة والمسؤولة. لقد تأملت هذا العالم الروائي فألفيته يطفح بعوالم سردية وارفة تندغم مع الذات الساردة التي استرسلت في المقول السردي مشكلة محكيات كبرى تتضمن محكيات صغرى عبر فعل السرد الذي ينطلق من أرض الوطن ليعانق فضاءات السفر والهجرة إلى فرنسا؛ذلك أن المحكي الإطار يرصد قضايا واقعية وثيقة الصلة بما هو اجتماعي وسياسي وثقافي،من قبيل قضية المرأة،المناصفة،النساء المهاجرات،التمزق العائلي،التعليم،الديموقراطية،…والملاحظ عموما هو أن الذات الساردة لا يهمها نقل الواقع بقدر ما تقدم على لسان الشخصيات نقدا صريحا لمظاهر الزيف المتفشية في المجتمع الفرنسي مازجة بين لغة السرد ولغة الواقع.ويبدو أن السارد في هذا المتن الروائي هو سارد عليم يسلط الأضواء على كل عناصر القصة ويحيط بكل جوانبها وتفاصيلها وجزئياتها،فهو يسلط الضوء على المرأة التي كانت تشغل دائما تاريخ الإنسانية في مختلف الحضارات منتقدا النظرة النمطية إلى المرأة على لسان الشخصية المركزية في هذه الرواية/السيرة الذاتية. ولقد اهتم السارد بتفاصيل حياة هذه الشخصية المركزية مسلطا الضوء على مراحل دراستها في باريس،والمحاضرات التي كانت تتلقاها في القانون الدولي الخاص وإعجابها بنهر (لاسين) وهي تطل عليه من أعلى مكتبة معهد العالم العربي وانبهارها بالنظام الذي يسود المكتبات الفرنسية ،وانهماك الناس في القراءة في عربات الميترو والحافلات،وفي القطارات،والمقاهي،،والحدائق العمومية.والقارئ لا يجد صعوبة في قراءة هذا النص الروائي /السير ذاتي بوتيرة تعمل على بنائه انطلاقا من الوحدات،والمواضعات النصية المشكلة للميثاق الروائي ولنسقه الضمني. وقد استفادت فتيحة بلخير وهي تشيد عالمها الروائي من تاريخ الإنسانية،ومن الحضارة الفرنسية بشكل بارز منبهرة من هذه الحضارة،ومنتقدة لها في الوقت نفسه.وما مكنها من ذلك هو انخراطها في المكتبات،وانبهارها بالأرشيفات،ومراكز البحث،والمكتبة الوطنية، ومركز (بومبيدو)،كما استفادت بشكل ملموس من أحداث واقعية كونت منها عالما سرديا يطفح بالعجائبي والغرائبي وهي تحاور لغات أجناس مختلفة(الباحثون،الرسامون،المغنون،الموسيقيون المرشدون،البوهيميون..). إن السرد لدى فتيحة بلخير هو بمثابة صفحة لجريدة يومية مكتوبة بمعاناة الناس القادمين من الضفة الأخرى،أو هو شبيه بمترو الأنفاق حيث انبهار السارد بالموسيقيين بالمجان من أمريكا اللاتينية بلباسهم المزركش بكل ألوان قوس قزح،واستمتاعه للحظات بموسيقاهم المحدثة للشعور الغريب والذكريات البعيدة.هي إذا رواية تحث على التربية على الذوق الفني بشكل يسمح للشخصية المركزية بالتصالح مع الذات والانخراط في مجتمع المعرفة عبر فعل القراءة والكتابة.ومدينة الناظور المغربية منبع فياض للقص والسرد،فهي تشبه (السندريلا)الأقصوصة التي قرأناها ونحن صغارا،وهي تسرد بكل لغات العالم ،والجميل في هذه الرواية هو احتفاؤها بالزي المغربي والقفطان المغربي الأصيل. وإجمالا يمكن أن نقول إن فتيحة بلخير قد تفتحت قريحتها الروائية عن نص سردي محبوك بعناية فائقة،أنعش التربة الروائية في منطقة الريف المغربية الجميلة والبهية،والتواقة دوما ألى الاحتفاء بسحر الكلمة الروائية ينبوع المحبة في الوجود الإنساني.

بقلم الناقد امحمد امحور

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق