منبر الرأي: المسلسل الريفي الوريث الوحيد: هل هو تكريس للخواسر أم اعتداء على قيم الريافة وانتقاص من قيمتهم (الجزء الثاني)

28 يونيو 2015آخر تحديث :
منبر الرأي: المسلسل الريفي الوريث الوحيد: هل هو تكريس للخواسر أم اعتداء على قيم الريافة وانتقاص من قيمتهم (الجزء الثاني)

hqdefaultسعيد أوراغ

تكلمت في الجزء الأول عن الحمولة الفكرية للسيناريو ووضحت كيف أنها لا تمت بصلة للإنسان الريفي ولثقافته وكيف أن الأحداث راوحت مكانها على طول ست حلقات وأن أغلب المشاهد تم تمطيطها حتى ازدادت مللا لملل كما تطرقت للأخطاء الكثيرة التي ارتكبها بعض الممثلين أثناء تمثيلهم حتى لا أقول تشخيصهم، إذ كما قرأت لدى بعض الفايسبوكيين أن بعض الممثلين يمثلون داخل الممثل.
سأستأنف هذا الجزء لتسليط المزيد من الضوء على الأخطاء القاتلة التي تم ارتكابها مما يدل على أن القائمين على العمل لم يتحملوا عناء التدقيق في الأشياء وكان همهم فقط التخلص التصوير ولو على حساب الجودة على طريقة ” كور وعطي العور”. في بداية الحلقة الثامنة وبالضبط في الدقيقة 3:34 يظهر محند يقود السيارة ولحيته كثيفة فيما أنه بعد ذلك سنراه في الدقيقة 5:04 ولحيته خفيفة بالضبط كما سبق وأن رأيناه في نهاية الحلقة السابعة. ويتجلى أيضا هذا النقص في الاهتمام في الدقيقة 24:23 حين تخاطب روازنة ربيعة وتقول لها : “غامر حق أروازنة” بدل أن تقول :” غامر حق أربيعة” ثم ترتبك نفس الخطأ في الدقيقة 24:32 حين تقول لربيعة: ” أشم يج أربي أروازنة”. اهناك استخفاف أكثر من هذا !!!.
سوف لن أستمر في الوقوف على باقي الأخطاء الكثيرة وسأمر إلى الحديث عن أداء الشخصيات الرئيسية لأدوارهم وسأحاول أن أكون منطقيا في رؤيتي لكيفية أدائهم حتى لا أظلم أحدا.
أولا لابد من الإشارة إلى أن أغلب الممثلين غلب عليهم التصنع والمبالغة وكانوا يمثلون حقيقة ولا يشخصون مما أفقدهم الصدق في كلامهم وفي أحاسيسهم. بالإضافة إلى أنهم في كثير من الحالات يضحكون في وقت كان عليهم أن يحزنوا.
وان كنت لا أستطيع الحكم من الآن على الوريث الوحيد “ميمون” (بنسعيدي) لأني لم أشاهده إلا في الحلقة الثامنة فانني لابد من القول أنه من الوهلة الأولى بدى لي متصنعا لدرجة كبيرة، طريقة كلامه، مشيته، حركاته كلها فيها مبالغة ولا أظن أنه سيغير ذلك في باقي الحلقات.
المحجوب (فاروق)، لم أكن انتظر من هذا الممثل ان ينزل الى الحضيض كما فعل في هذا المسلسل. منذ الحلقة الأولى بدا وكأنه فوق الخشبة يؤدي دورا في مسرحية ما، حركات مبالغ فيها، صراخ غير مبرر، الدقيقة 13.32 من الحلقة الثانية وما يليها، يصرخ مخاطبا زوجته فيما هي قريبة منه وهو نفس ما فعله في الحلقة الرابعة ابتداء من الدقيقة 3:11 حين كان يشعر بمغص ويصرخ كأنه طفل صغير وكم كان المشهد مقززا حينما رأينها ينهض بسرعة وهو ما لم تفعله ربيعة (سميرة) اذ هي الأخرى أصابها نفس المغص ومع ذلك كانت تشخص دورها بتلقائية وقد عبرت عن شعورها بالألم بطريقة هادئة وجعلتنا نعاني معها في صمت. هذا فقط نموذج من التصنع والصراخ المجانين اللذين سقط فيهما الممثل فاروق، اذ هناك كثير من المشاهد لم يوفق فيها رغم أنه لديه من الامكانيات ما يجعله يؤدي أحسن مما قام به وهنا يطرح تساؤل حول وجود تأطير للمثلين من عدمه وراء هذا العمل.
ربيعة، الممثلة التي قات بهذا الدور كانت أكثر الممثلين توفيقا في أداء دورها، تلقائية، لا تتصنع في كثير من الأحيان وما يمكن ان يعاب عليهما وهي أنها لم تكن بالقسوة اللازمة حتى تبدو تلك المرأة القاسية الشريرة لأنها في كثير من المشاهد كانت تبدو طيبة ورزينة عكس شخصيتها خاصة كيف كانت لا تبدي أي رد فعل اتجاه التعامل الذي كانت تكنه لها خادمتها وهو ما كان غير مفهوم ولا مبرر.
سميرة هي الأخرى لم تنفلت من التصنع والمبالغة في التعبير بملامح وجهها وحركاتها الزائدة، ثم أن عدم إتقانها لنطق الريفية اثر على أدائها بحيث كانت تبدو غير صادقة في كلامها.
شميشة، الممثلة التي أدت هذا الدور لم تتوقف ولو للحظة منذ البداية، صراخ، حركات أكثر من مبالغ فيها، تقليد للمصريين بحركات يدها وعيونها وفمها ورأسها، ارتجال لا يتناسق وطبيعة شخصيتها هذا بالإضافة إلى كونها ربما لم تستوعب التركيبة السيكولوجية للشخصية ولا حتى طبيعتها وأستغرب كيف أن لخادمة تعامل مشغليها بتلك العجرفة والازدراء بلغ حد ضربهم كما فعلت مع ربيعة في الحلقة الرابعة الدقيقة 4:4 ! وأتساءل أين كان المخرج ومن أشرف على العمل حتى يتركوا مثل هذه الأمور تمر وكأنها أمرا عاديا ؟ والطامة الكبرى كانت تفعل نفس الشيء حتى مع أبيها، اسمعوا كيف تخاطب أبوها في الدقيقة 7:15 من الحلقة الثالثة ” بابا صافي سقا خافي وذاياني الله يارحم يماش أضقوز” وتقولها له بحدة كأنه طفل صغير وليس أبيها وبنفس الطريقة أو أكثر تعامله في الدقيقة 20:30 من نفس الحلقة وكذا في الدقيقة 16:35 من الحلقة الرابعة. المسؤولية هنا لا تتحملها الممثلة لوحدها بل يتحملها معها المشرفون عن العمل أيضا. إن الصراخ والمبالغة في الحركات لم يكونا ذات يوم وسيلة لنقل الأحاسيس بل لقتلها.
محند (علاء). أول ما يلاحظ عليه هو أنه كان يرتجل في كثير من حواراته لدرجة كان لا يجد ما يقولها ويسقط في التردد والتلعثم والتكرار والتناقض أحيانا. كما أنه كان يتحدث بصوت مرتفع في حالات لا تستوجب ذلك ولعله هو أيضا كان أقرب للتمسرح منه للتشخيص التليفزيوني.
علي (بوزيان)، هو لم يتغير وظل كما اعتدناه في أعماله السابقة وفي سكيتشاته، نفس الحركات، نفس التحركات، نفس الابتسامة، نفس حركات عينيه ويديه ورجليه، ونفس طريقة كلامه بل ونفس تقويسة ظهره، لا أقول أكثر من هذا عنه.
موروض، كان الممثل الذي تقمص هذه الشخصية إلى حد ما كان مقبولا، لكنه كان يسقط كثيرا في تقليد بوزيان في حركاته بيديه وتقويسة ظهره. ربما لو كان هناك من يؤطره ويجعله يتخلص من الزائدات سيكون أحسن أداء
أظن أنه سأكتفي بهذا القدر لأنه إن عمقت أكثر في الموضوع سوف لن أنتهي، لكن كل ما أتمناه أن يأخذ الممثلين الذين تحدث عنهم ما كتبت بروح فنية لأني حاولت أن أكون منصفا وإذ فعلت هذا إنما لمصلحتهم أولا ولمصلحة الفن بالريف واستسمح من كل من شعر بضيق مني.
ولكن لماذا كل هذه الإخفاقات؟ ولماذا لم يستطع هذا المسلسل أن ينال إعجاب المتفرجين لدرجة أنه لا يمر يوما دون أن نرى هجوما عليه في الفايس بوك؟
ليس من السهل أن تنال رضى الريفيين مهما فعلت ولكن حينما يكون عمل ما في المستوى لا يتوانوا عن الإشادة به كما حصل مع مسلسل ميمونت، لذلك وكي ينجح أي عمل كيف ما كان نوعه عليه أولا ألا ينسلخ عن تربة الريف مجالا، ثقافة، تاريخا، تقاليدا وقيما، فالوريث الوحيد تم تصويره في فضاء بعيد عن الريف وأن الممثلين تم نقلهم إلى هناك فانسلخوا ذهنيا ونفسيا عن واقعهم الحقيقي ثم أن التيمة التي يتحرك حولها العمل ليست تيمة من واقعنا الريفي وبالتالي فالمتفرج لن يجد نفسه فيه بل وسيشعر بالنفور وبالغضب لأنه معبر عنه بطريقة مشوهه. ثم أن الفريق التقني وخاصة المخرج وكاتب السيناريو بعيد كل البعد عن تمكنه من الثقافة الريفية وحيثياتها بل ويجهل لغة أهل الريف وذهنيتهم وطبائعهم ويتضح مما شاهدناه أنه لم يكن بينهم أي ريفي متشبع بالثقافة الريفية ليلعب دور المستشار والمرجع. والذي يحز في النفس أكثر ان الممثلين لم يكلفوا عناء أنفسهم لإصلاح كثير من الأخطاء الظاهرة للعيان والتي شوهت كثيرا هذا العمل، مثلا لماذا يتدخل فاروق أو غيره ليشرح لهم بأنه في الريف لا يدخل غرف النوم من هب ودب وأن الخادمات لا يتصرفن بتلك الطريقة وبأن كثير من الممثلين والممثلات لا يتقنن الريفية وبأن رياضة الخيل لا مكان لها عندنا… الخ أم أن الممثلين كان آخر همهم هو إخراج عمل متميز ! وبالتالي تصرفوا وكأن الأمر لا يهمهم وهذا خطير. لا أريد أن أردد ما قاله كثيرون بأنهم بهذا العمل يريدون تشويه الأعمال الريفية بعد أن بدأت تشق طريقها نحو التحسن والتميز وبالتالي تنفير المتفرجين الريفيين من جهة ومن جهة أخرى حتى يعطوا دليلا بأن الأمازيغ ليسوا بفنانين !
ثم أنه لا بد من التوضيح أنه من خلال ما مر من حلقات يبدو جليا أنه لم تكن هناك سيناريوهات مكتوبة، كل ما هناك فكرة عامة عن كل حلقة ثم يمنح لكل ممثل حق التصرف في ابتكار ماذا يقول وكيف يقوله.
وكخلاصة، أظن أنه حان الوقت لمواكبة أعمالنا الريفية بالنقد البناء المبني على الصدق والملاحظات المفيدة مع تبرير كل ما يتم إيراده من مآخذ وطبعا مع الابتعاد عن الكلام الفارغ والسب والقذف والنقد من أجل النقد. إن النقد البناء ضرورة لتطوير إبداعاتنا في مختلف المجالات. وبالنسبة لي سأتوقف عن تتبع باقي الحلقات من جهة نظرا للفارق الزمني بين اروبا والمغرب وبحكم أنني كنت أتعذب كثيرا في النهوض باكر للشغل ومن جهة أخرى لأني متيقن أن الآتي أبشع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق