موسم هجرة الريفيين إلى إسبانيا

19 أكتوبر 2018آخر تحديث :
موسم هجرة الريفيين إلى إسبانيا

مصطفى التلموتي

عرف الإنسان منذ أن بدأ يصنع لنفسه تجمعات أو عشائر تحميه من مخاطر الطبيعة هجرات متعددة هربا من الاندثار وبحثا عن الاستمرارية. غير أن هذه الهجرات تختلف حسب الزمان والمكان، وحسب شروط العيش لدى أي شعب أو تجمع كيفما كان.

إن تطور الإنسان وتسلقه سلم الحضارة جعله يعيش في تجمعات أو ما يطلق عليه المجتمعات التي ستعرف نوعين أساسيين من الهجرة؛ هجرة داخلية وأخرى خارجية. فرغم اختلاف الهجرات إلا أن الهدف منها لا يتغير، وهو البحث عن التغيير إلى ما هو أفضل، وهذا التغيير هو الذي دفع بالمغاربة نحو الهجرة والتخلي عن بلدهم الذي فقدوا فيه الأمل في التغيير وبدؤوا الهجرة نحو تحقيق أحلامهم التي وضعت في رفوف طالها النسيان.

على العموم فالهجرة بالمغرب يطغى عليها طابع الهروب من الفقر بحثا عن “العيش الكريم”، المطلب الذي لطخ الكثير من اللافتات الخاصة بالاحتجاجات، وصدحت به حناجر الأحرار والحرائر بالشوارع، وكذلك جل التنظيمات التي تتبنى هموم الشعب المغربي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ فالبحث عن لقمة العيش هو الدافع والمحفز الرئيسي الذي يؤطر الهجرة بالمغرب، أما ما يتعلق بالهجرات الأخرى كهجرة الأدمغة مثلا أو البحث عن أماكن الراحة والاستجمام فهي تقتصر على فئة محدودة ومعدودة على رؤوس الأصابع؛ أي إنها تبقى هجرات بعيدة كل البعد عن واقع المجتمع المغربي الذي يموت أبناؤه في قوارب الموت، وطحنا في حاويات الأزبال…!.

وبين هذا وذاك يبقى السؤال الذي يطرح نفسه دائما، ما هي الأسباب وراء تفكير أبناء الريف في الهجرة؟ ثم ما علاقة الهجرة بالاعتقالات التي طالت نشطاء الحراك الشعبي بالريف؟.

الريفييون بين مطرقة الاعتقالات وسندان التهجير

اخترت مصطلح التهجير هنا عمدا مكان الهجرة لكون الهجرة التي يعرفها الريف اليوم ليست هجرة من أجل البحث العلمي، أو من أجل السياحة والبحث عن “متعة التدليك” أو الاسترخاء، أو تغيير نمط العيش هروبا من الروتين اليومي، بقدر ما هي تهجير قسري بشكل غير مباشر؛ ويظهر ذلك من خلال انعدام أدنى شروط العيش، إذ إن الدولة لم تكلف نفسها حتى عناء ربط المنطقة بشبكة طرقية تفك عنها العزلة. أما في قطاع الصحة فمنطقة الريف بأكملها لا تتوفر حتى على مستشفى جامعي؛ ناهيك عن غياب فرص الشغل التي لعبت دورا أساسيا في الدفع بالشباب نحو الاستسلام لشبح الهجرة الذي تعود أبناء الريف في وضعه خاتمة لمطالبهم التي رفعوها في أكثر من محطة للدولة التي دائما ما كانت تجيب عنها بالاعتقالات والاغتيالات تارة، والتهجير تارة أخرى.

إن الخطاب التاريخي للراحل الحسن الثاني الذي وصف فيه أبناء الريف بالأوباش وأنهم يعيشون من التهريب والمخدرات ليس بغريب عن أبناء المنطقة، لكون الجميع يعلم أنه لولا التهريب والمخدرات والمهجرين الذين يعيشون بالخارج لوجدت الريف اليوم يموت أبناؤه جوعا وعطشا. إذا فالريف يحمد الله على هذا المنبع الذي رغم عدم قانونيته إلا أنه ساهم في الحفاظ على استمرارية أبنائه إلى اليوم، وهم -أبناؤه- بدورهم حملوا معهم ذاكرتهم المشتركة التي تقطر دما بتضحيات أجدادهم في سبيل التحرر من أغلال عبودية المستعمر.

من طحن محسن فكري إلى استشهاد حياة

إن فئة الشباب في الهرم السكاني بالمغرب حسب المندوبية السامية للتخطيط في الإحصاء الأخير لسنة 2014 تشكل النسبة الأعلى، ما كان ولازالت يستوجب ويستلزم على الدولة القيام بعدة إجراءات ليتم استيعاب طموحات وأحلام هذه الفئة عبر خلق فرص الشغل بالدرجة الأولى التي ستحد من البطالة من جهة، ومن جهة أخرى ستساهم في نمو الاقتصاد الوطني الذي سيخرج الدولة من دوامة الركود الاقتصادي الذي تعاني منه داخليا، ما جعلها توجه السوق نحو الخارج أكثر من اعتمادها على الرواج الداخلي، ما يساهم في خلق فوارق اقتصادية كبيرة جدا. لكن ما نشاهده ونراه بشكل يومي أن العاملين في الحقل السياسي بشكل عام قاموا بتغييب متطلبات هذه الفئة -الشباب- من الإستراتيجيات التنموية التي يتم تسطيرها، ما ساهم بشكل كبير في التفكير بمنطق الهجرة للبحث عن البديل الذي سيلبي حاجيات ومتطلبات الشاب المغربي الذي وصل إلى حد طلب اللجوء الاجتماعي والسياسي… في الدول الأوروبية على أن يبقى بالمغرب؛ فكل ما يمكن قوله في هذا الصدد إننا نعيش مهزلة القرن بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

تعد هذه الأسباب من بين أكبر الضغوطات التي يعاني منها الإنسان المغربي بشكل عام، هذا ما أكده استشهاد محسن فكري، فبعد طحنه مباشرة كل ذلك الضغط الذي كان يحمله شباب الريف انفجر، ليتمخض عنه بركان الحراك الشعبي الذي ما هو إلا نتاج الاستهتار واللامبالاة التي تمارس وتحاك سياسيا تجاه هذه الفئة. وهنا سيتم تفعيل المقاربة الأمنية (الاعتقالات، القمع…) لامتصاص الغضب الشعبي ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة التي علقت فيها الدولة.

بعدما أعطت هذه المقاربة مفعولها وتم القضاء على الفعل الاحتجاجي نوعا ما، لم يجد الشباب منفذا آخر غير الهجرة والاستسلام لقوارب الموت، وحتى النساء لم يسلمن منها -الهجرة- وخير دليل على ذلك استشهاد حياة التي وشحت بوسام التضاد، لأنها تحمل اسم حياة، فاختير لها الموت نكاية في اسمها.

ونحن بصدد الحديث عن واقع منطقة الريف الكبير استوقفتني لحظة تأمل في ظاهرة الانتحار التي بدأت تتزايد بوتيرة أسرع في الآونة الأخيرة. والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة تستهدف فئة الشباب بشكل كبير. وغالبا ما تكون الأسباب وراء هذا الاختيار هو انعدام شروط العيش الكريم، وغياب العدالة الاجتماعية وغيرها من مظاهر الديمقراطية التي ترنو هذه الفئة إلى تحقيقها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق