منبر الرأي: المشاكل بين الناظور و مليلية..التوتر في العلاقات المغربية الإسبانية إلى أين؟

22 سبتمبر 2018آخر تحديث :
منبر الرأي: المشاكل بين الناظور و مليلية..التوتر في العلاقات المغربية الإسبانية إلى أين؟

منذ أن صعد الرئيس الحالي للحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للحكم، والعلاقات المغربية الإسبانية تمر بأدنى مستوياتها بالقياس للسنوات العشر الأخيرة.
الصحافة الإسبانية تؤشر على ذلك بمخالفة رئيس الحكومة للتقاليد الديمقراطية الإسبانية المرعية في زيارة رئيس الحكومة للمغرب، وتحاول أن تحفر في جذور هذا الموقف، وتستحضر الحدث الوحيد الذي يربط رئيس الحكومة بالمغرب، كونه، شارك في مهمة المراقبة في انتخابات 2011، وكتب تقريرا سلبيا أزعج الرباط حول نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها.
لكن القضية أبعد من مجرد موقف شخصي لرجل لم يكن يتوقع أحد أن يصعد لرئاسة الحكومة، بما في ذلك المغرب، فقد برزت في هذا الصيف الساخن، على الأقل ثلاث قضايا استراتيجية، أدخلت العلاقات المغربية الإسبانية إلى منعطف بالغ الحساسية.
أول هذه الملفات، تجاري، يخص مدينة مليلية المحتلة، إذ أقدم المغرب على اتخاذ قرار إغلاق المركز الجمركي لبوابة المدينة المحتلة، مما تسبب في تكبيد اقتصاد المدينة خسارة كبيرة، تجاوزت 60 في المائة من مداخيلها الضريبية.
السلطات المغربية عللت القرار، بحالة الركود القاتل الذي يعيشه ميناء الناضور بسبب حركة التهريب التي تمر من معبر بني أنصار/ مليلية، إذ انعكس القرار بشكل سريع على الحركية التجارية في هذا الميناء، الذي عرف انتعاشة غير مسبوقة.
غير أن السلطات الإسبانية اعتبرت ذلك عملا عدوانيا، يستهدف ضرب اقتصاد المدينة، وهو ما جعلها، تقوم بإنزال عسكري بحضور قادة عسكريين كبار من مدريد، بالإضافة إلى مسؤولين حكوميين، جاؤوا عقب احتفالات رسمية لذكرى احتلال المدينة، بعدما استنجدت الحكومة المحلية بمدريد لإنقاذها من الافلاس. الحكومة الإسبانية، عمدت مباشرة، بعد القرار المغربي الجديد، إلى تصعيد الموقف بشكل غير رسمي، وذلك من خلال، تخفيف مستوى التعاون في المعابر،وتعقيد عملية «مرحبا» الخاصة بعبور المغاربة المقيمين بالخارج إلى المغرب، إذ خفض ميناء الجزيرة الخضراء من قدرته اللوجستية لاستقبال البواخر، مما ترتب عنه، وقوف آلاف المغاربة العابرين إلى الحدود الأوروبية في الميناء المتوسطي، لأكثر من عشرين ساعة ولمدة أربعة خمسة أيام، مما تسبب في حركة احتجاجات كبيرة.
ثاني هذه الملفات، أمني، يخص بالدرجة الأولى دور المغرب في مواجهة الهجرة السرية، إذ اتهمت دوائر مقربة للسلطات الإسبانية، وبشكل الخاص الدوائر الإعلامية، المغرب بافتعال الأزمة، بتشجيع الهجرة السرية، وبتخفيف التعاون في هذا المجال، وشاركت في المس بسمعة المغرب الحقوقية في المنتظم الدولي من خلال عرض فيديوهات لتواتر غير مسبوق لقوارب الموت المتجهة نحو الجارة إسبانيا عبر الشواطئ المغربية.
المغرب، من جهته، كان سباقا إلى طرح المشكلة، وتحميل الاتحاد الأوروبي المسؤولية عن ضعف الدعم الذي يقدمه للمغرب لتخفيف تدفق المهاجرين على الجارة الشمالية، فقد سبق له أن طالب برفع العائدات المالية المخصصة للدعم اللوجستي إلى 60 مليون يورو، وهو ما لم يتم الاستجابة له في حينه. الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربي، السيد مصطفى الخلفي، أكد أن مواجهة شبكات الهجرة السرية تقتضي تفعيل المسؤولية المشتركة، وهو يقصد في ذلك الاتحاد الأوربي باعتباره معنيا بالدعم المالي واللوجستي.
تصريح وزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراندي مارلاسكا خلال المؤتمر الوزاري حول «الأمن والهجرة» بفيينا،والذي وصف فيه المغرببكونه «شريكا مميزا لإسبانيا في مجال مراقبة الهجرة غير الشرعية القادمة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء»، الذي أعقب الموقف المتصلب للمغرب، جاء لامتصاص الغضب المغربي وتخفيف الاحتقان على هذا الملف، فإسبانيا تعتبر المتضرر الأول من الهجرة السرية، ولذلك ما فتئت تضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل الاستجابة للطلب المغربي للرفع من المساعدة المقدمة له لتقوية نظام استقباله للمهاجرين ومراقبة حدوده.
الملف الثالث، سياسي من جهة المغرب، واقتصادي من جهة الجارة الإسبانية،ويخص ملف اتفاقية الصيد البحري. فالمغرب، يتطلع لكسب المعركة مع خصوم محدته الترابية في البرلمان الأوروبي، فبعد أن نجح في التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية مع الاتحاد الأوربي، والتي اعترفت بالحدود الجنوبية للمغرب، فيما اعتبر مكسبا سياسيا ودبلوماسيا للمغرب، لا يزال مرهونا للدنياميات السياسية والدبلوماسية التي تتكثف قبيل قرار البرمان الأوربي للمصادقة على الاتفاقية.
لا يبدو أن في مصلحة إسبانيا أن تستغل هذا الملف في إدارة توتر علاقاتها مع المغرب، لسبب بسيط كونها المتضرر الأول من تأخير تجديد الاتفاقية، وهذا ما يفسر الموقف الإسباني، فقد صرح لويس بلاناس وزير الفلاحة والصيد البحري والتغذية الإسباني بأن اتفاقية الصيد البحري التي وقعها المغرب مؤخرا مع الاتحاد الأوروبي بالأحرف الأولى « حيوية « بالنسبة لبعض قطع الأسطول الاسباني، وأن إسبانيا لعبت دورا مهما للغاية مؤكدا أن إسبانيا تستفيد من 90 من أصل 138 رخصة صيد أي أكثر من النصف.
المرجح من خلال استقراء مواقف الطرفين في هذه الملفات الثلاثة، أن نقاط التصعيد، تخص بشكل أساسي الملف الأمني، ووضعية مدينة مليلية المحتلة، ويمكن أن تلحق بها أيضا وضعية سبتة. والتقدير أن الملف الأمني، يمكن أن يجد طريقه إلى الحل قريبا، بحكم أن المغرب لا يتنكر لمسؤولياته، ولا يفعل أكثر من إحراج الاتحاد الأوربي، للوفاء بالتزاماته ومسؤولياته المشتركة مع المغرب لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، في حين، تبقى الحرب الإعلامية والحقوقية مجرد أدوات في صراع سياسي ودبلوماسي على خلفية أمنية، يريد كل طرف فيها أن يربح المعركة لصالحه، كسبا لدعم أكبر من جانب المغرب، وتخففا من المسؤولية المالية واللوجستية من جانب الاتحاد الأوروبي. وفيما تنخرط الجارة الإسبانية في معركة تشويه السمعة الحقوقية للمغرب، باعتبار أنها المتضرر الأول من الهجرة السرية، تقوم في المقابل بدور معاكس، بدعم المغرب للحصول على دعم أكبر من الاتحاد ألأوربي.
يبقى الملف الأكثر حساسية، هو وضعية المدينتين المحتلتين، إذ يبدو من خلال تتبع استراتيجية المغرب في التعامل مع هذا الملف، أنه يسعى بعد بناء الميناء المتوسطي وتنشيط حركيته التجارية، وبعد أن بنى ميناء الناضور، وتوطين بعض الخيارات التنموية في المنطقة الشمالية، إلى إغلاق البوابات الجمركية وإيقاف حركة التهريب، ليمتلك ورقة قوة للضغط على إسبانيا لفتح ملف التفاوض حول المدينتين المحتلتين، بعد أن طالب الملك الراحل، الحسن الثاني، بإحداث خلية للتفكير حول هذا الملف، ولم يتم من جهة إسبانيا التفاعل الإيجابي مع مطلبه.
سياسة محمد السادس، في هذا الملف، على ما يبدو، تنطلق من التجارة لتصل إلى السياسة، إذ يمكن أن يقود تجريد المدينتين من قوتهما التجارية المكتسبة من نشاط التهريب إلى إجبار حكومة مدريد للنزول للتفاوض، ولو بالحدود الدنيا، بالتجاوب مع مطلب الحسن الثاني القديم.
لحد الآن، لا شيء رسمي يشير إلى هذا الملف، لكن في الجوهر، يشكل إغلاق المركز الجمركي ببني أنصار من جهة المغرب، والإنزال العسكري والحكومي بمدينة مليلية، مؤشرات على الإرادتين المتناقضتين، والمرجح، أن الحكومة الإسبانية ستعيد دراسة أوراق المغرب التفاوضية، وستجه قريبا إلى مراجعة سياستها، والتفكير في تدفئة العلاقات مع المغرب، والتصالح مع أعرافها الديمقراطية في زيارة رئيس الحكومة للمغرب، واستئناف التواصل والتعاون على كافة الملفات، كما كان الشأن من قبل مع حكومة راخوي.

٭ كاتب مغربي

بلال التليدي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق