بارانويا

21 أكتوبر 2011آخر تحديث :
بارانويا

بقلم :حفيظ أدراز

فيما كنت أتابع على فضائية عربية حلقة حوارية حول السينما الغربية,استرعى انتباهي ضيف البرنامج (و هو مخرج مصري) عندما راح يكيل الشتائم لهوليوود و يسترسل في الحديث عن” المؤامرات التي تحاك ضد العرب بمباركة و أموال صهيونية من خلال صناعة سينما تصور الإنسان العربي على أنه كائن كاريكاتوري بئيس موغل في التخلف و دموي لا يستوعب ما تقتضيه ثقافة العصر من تعايش و حوار” و تجاهل الضيف انه باندفاعه الهستيري و تشنجه في الكلام قد وضع نفسه في تلك الخانة و أكد على نحو ما جانبا من هذه المزاعم إن زعمنا أنها كذلك.
أعتقد أن السؤال الجوهري هو: هل في الأمر تجني على الحقيقة و تحامل على العرب دون غيرهم أم أن المسالة لا تعدو كونها وصفا لحالة واقعية يتناولها مشهد أو مشهدان ولا تمثل الفكرة الأساسية التي يصنع من أجلها الفيلم؟
صحيح انه إذا استثنينا ”لورنس العرب” و ”مملكة السماء” و بعض الأفلام الأخرى,يمكن الاعتقاد نوعا ما بأن الإنسان العربي قلما يوضع في صورة مشرفة في بعض الأفلام الغربية, فإما أنه سياسي بالوراثة ,فاسد و محتال أو ثري يملك آبار نفط يشتري بها شواطئ ماربيا بما عليها من أجساد( على حد تعبير الشاعر العربي نزار قباني ) أو موظف مرتشي بتسول” القهوة” من مواطن معطل مقهور و يسعى أحيانا للاغتناء بوسائل أخرى كالوشاية لصالح أسياده و في أفضل الأحوال إنسان ضعيف لا يملك زمام نفسه في حضرة الإناث.
فهل هذه حقائق ملموسة أم أنها مجرد افتراءات صنعها خيال مخرج أمريكي طالح حاقد على ”زمرة الصالحين”؟ ثم هل يمكن الحديث هنا عن مؤامرة ؟
شخصيا لا اعتقد ذلك لأن الإنسان العربي ليس الوحيد الذي يصور على هذه الشاكلة في السينما الأمريكية فالايطالي مثلا غالبا ما يوصف بالمافيوزي و القاتل المأجور ( يذكر أن الايطاليين أصحاب فضل على هذه السينما) و المكسيكي كذلك دائما ما يوضع في صورة لص مدمن أو متشرد يتسول بالجيتار في شوارع ميامي والايرلندي يوصف بالاندفاع و التهور و الروسي بالشوفينية و ادعاء القوة و الفرنسي بالمجاملات المنافقة ولا احد من هؤلاء تحدث عن أن مؤامرة ما تستهدفه و إنما تعاملوا مع الأمر ببرودة حكيمة و حاولوا إعلاميا إيصال رسالة إلى هوليوود تفيد بان النمطية و التعميم يجمدان الفكر و أن السينما الجيدة تتمرد على الأحكام الجاهزة و الكليشيهات و هذا ما يبدو أن هوليوود استوعبته و أعطت الانطباع عمليا بان الرسالة قد وصلت.(مايكل مور و ريدلي سكوت نموذجين).
يذكرني هذا الضيف بأمر بات مؤكدا و هو أن الإنسان العربي مسكون بهاجس كونه مستهدفا من جهات أجنبية و يشعر بموازاة مع ذلك بأنه مطعون من الخلف و مجروح في حبه لذاته .
و في الختام أقول لهذا المخرج الحزين : بدل أن تلعن هوليوود أشعل خيالك و اصنع لنا فيلما عن مساوئ أمريكا (و ما أكثرها) بمباركة و أموال نفطية لو شئت و تأكد بأن لا مايكل و لا ستيفن و لا جورج سينزعج بل بالعكس فلربما اقترحوا عليك مساعدة في ضبط زوايا الكاميرا لتصحيح الرؤية.
[email protected]

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق