محمد البطيوي: شكايتي ضد ادريس البصري هي محاكمة للذاكرة والتاريخ (حوار حول أحداث 84)

31 يناير 2011آخر تحديث :
محمد البطيوي: شكايتي ضد ادريس البصري هي محاكمة للذاكرة والتاريخ (حوار حول أحداث 84)

تحضير فكري الأزراق
[email protected]

هل تم طي صفحة أحداث 19 يناير 1984 بالريف بشكل نهائي؟ وهل تمكنت هيئة الإنصاف والمصالحة من الإجابة عن الأسئلة المؤرقة حول المصير المجهول للعديد من المعتقلين والمختطفين في ذالك الشتاء الذي تحولت فيه شوارعنا إلى ثكنات عسكرية نزف فيها الدم بسخاء المقابر الجماعية التي كشف عن بعضها عهد ما بعد 1999؟ وإذا كانت الهيئة المذكورة قدمت بعض الإجابات من الزاوية التي تنظر من خلالها إلى تلك الأحداث فماذا عملت، في المقابل، لحفظ الذاكرة الجماعية؟وكيف يمكن تفسير الإختلافات حول أعداد الضحايا بين مختلف الهيئات الحقوقية، الرسمية، والغير الرسمية؟ ألا يمكن القول بأن الهيئة، ومعها المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، قفزا على مجموعة من المعطيات، خاصة منها المتعلقة بعدد الضحايا وتحديدهم وتسليم الرفات، ليبقى بذلك الجدال مستمرا والحقيقة تراوح مكانها؟ وهل مفهوم “العدالة الإنتقالية” كاف ليتجاوز أهل الريف معاناتهم مع دولتهم؟ … إنه غيض من فيض الأسئلة التي لا زالت تُطرح بقوة من طرف مختلف الفاعلين بالريف بعد مرور 27 سنة على أحداث 1984 التي كانت محط اعتراض على وضعية اختناق اجتماعي وسياسي أدى إلى اصطدام بين العرش والشعب دفع هذا الأخير ثمنه غاليا.
الملف التالي، يحاول مقاربة الأسئلة المطروحة من مختلف الزوايا، وبالتالي الإجابة عن بعض الأسئلة المؤرقة حول علاقة الريف بالمركز على ضوء تلك الأحداث التي لا زالت “نقطة سوداء في جبين الدولة المغربية” وذلك بإعادة تركيب بعض مشاهد أحداث انتفاضة الخبز بإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وبالتحديد إلى بداية الثمانينات، كما نحاول قراءة بعض ما حدث مع الأستاذ محمد البطيوي الذي كان من بين ضحايا آلة القمع آنذاك ليقرر بعد مدة ليست بالقصيرة إسترجاع كرامته عن طريق رفع دعوى قضائية ضد أحد رموز سنوات الرصاص (أنظر نص الحوار) عكس العديد من الضحايا الذين عانو الكثير ولا زالوا يعانون في صمت أشبه بصمت القبور.

وضعية اختناق

عرف المغرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي أزمة خطيرة شملت مختلف الميادين، خاصة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي، حيث ارتفعت نسبة البطالة بشكل مهول، وانخفضت أسعار الفوسفاط في السوق الدولية، والإنفاق الضخط على التسليح لأجل حرب الصحراء أرهقت كاهل حيث كلفت مليون دولار يوميا، كما وصلت ديون المغرب الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار، كل هذه الأسباب جعلت البلاد تعيش أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل مما دفع بالنظام إلى البحث عن سبل إعادة التوازن في الاقتصاد الوطني، فعمل على الرفع من أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية التي بلغت لأول مرة في تاريخ المغرب زيادة 18% بالنسبة للسكر و 67%بالنسبة للزبدة، أما بالنسبة للغاز و الوقود فقد ارتفعت أثمنتهما بنسبة .20% أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل، تمثلت في دفع 50 درهما بالنسبة للتلاميذ الراغبين في التسجيل بالبكالوريا، و 100 درهم بالنسبة للطلبة الجامعيين.
هذا ما ألم بالشعب المغربي برمته،إلا أن إقليم الناظور أضيفت إليه أزمة أخرى، فاقتصاد هذا الإقليم كان مرتبط أساسا بالتهريب الذي يمر عبر مليلية، و الذي تستفيد منه جل العائلات الريفية بالناظور، إلى أن النظام فرض في سنة 1983 على الراغبين في الدخول لمليلية دفع مبلغ 100درهم بالنسبة للراجلين و 500 درهم بالنسبة لأصحاب السيارات، ثم حدث تغيير سنة 1984حيث تم تعميم مبلغ 100 درهم، و هو ما أدى إلى تطور سوء الوضع الاقتصادي بالإقليم.
وضعية الإختناق هاته أدت إلى تفجير انتفاضة 19 يناير 1984، والتي تُعرف بــ “انتفاضة الخبز”، حيث رفض الشعب أن يتحمل التبعات الإقتصادية لحرب الصحراء في ما يعرف بالتقويم الهيكلي، وهو ما خلق تخوفات كبيرة لكل أجهزة الدولة، واحتمالات أن تتحول الاحتجاجات إلى أعمال مسلحة خاصة وأن ملف انتفاضة الريف في نهاية الخمسينات كان لا زال ساخنا، والحرب بين الحسن الثاني واليسار لم تضع أوزارها بعد، ونبض الإسلاميين كان على إيقاع الصحوة الإيرانية، وهي التخوفات التي أدت إلى ما أدت إليه حيث سقطت العديد من الأرواح اعترفت الدولة ب16 قتيلا، في حين تقول مصادر أخرى إن القتلى بالعشرات، وهو التضارب في الأرقام حول عدد الضحايا الذي لا زال مستمرا إلى اليوم (أنظر لائحة الضحايا).
وهذا الإصطدام برره الحسن الثاني بالمؤامرة الخارجية بقوله في خطابه الشهير بتاريخ 22 يناير 1987: ” لما كنت سنة 1981 على أهبة السفر إلى نيروبي وقعت أحداث الدار البيضاء، فهل سمعتني أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ؟ و لكنني اليوم أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف “.
وفي نفس الخطاب هدد الريفيين بقوله: ” و سكان الشمال يعرفون ولي العهد، و من الأحسن أن لا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب ”
وهو الأمر الذي ترك الكثير من الجراح في نفوس الريفيين، وهي الجراح التي لا زالت لم تندمل بعد بالنسبة للعديد من الأسر التي فقدت أقاربها، في ذلك الشتاء الذي تحولت فيه شوارع المدن الريفية إلى ثكنات عسكرية نزفت فيها الكثير من الدماء.

إعادة دفن الضحايا أو فتح الجرح القديم

في تصريح لرئيس الوزراء في الحكومة المغربية بتاريخ 25 يناير 1984، قال بأن عدد القتلى محدد في 16 قتيلا، والتقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة تحدث عن 16 قتيلا وأورد أسماء 12 قتيلا فقط، في حين تقول بعض المصادر الحقوقية بالريف بأن في تلك الفترة “كانت حوالي ستين أسرة تبحث عن ذويها”.
ولا زال العديد من الحقوقيين والفاعلين السياسيين والمدنيين بالريف يتحدثون إلى حدود اليوم عن مقبرة جماعية من المرجح أن تكون بثكنة القوات المسلحة بتاويمة، رغم سيناريو هيئة الإنصاف والمصالحة الذي حاول إنهاء ملف الريف بعد اكتشاف المقبرة الجماعية بثكنة الوقاية المدنية بالناظور يوم 28 أبريل 2008،والتي استخرجت منها 16 جثة وقالت الهيئة بأن المقبرة تعود لضحايا أحداث 1984 وهي المقبرة التي يتحدث عنها الرأي العام على أساس أنها موجودة بتاويمة.
والجثث الستة عشر التي تم استخراجها من المقبرة الجماعية المذكورة أعلاه تم إعادة دفنها بتاريخ يوم 28 فبراير 2008، عشرة جثث دفنت بأسمائها، وستة جثث عجز المجلس عن تحديد هويتهم وتم دفنهم كمجهولين بعلامة x، -رغم أن تقارير رسمية تحدثت عن ستة عشر جثة- في مقبرة “أولاد سالم” بمدينة الناظور وبحضور رئيس المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان “أحمد حرزني”، الذي تحدث في وقت سابق عن اللا علم له بوجود مقابر جماعية، وقال في إحدى تصريحاته الصحفية أن “ما يسمى بأحداث الريف صندوق أسود في تاريخ المغرب المعاصر”
وهكذا أعلن المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان عن طي صفحة أحداث 1984 بالريف دون أن يتمكن من الكشف عن الضحايا مجهولي المصير، ولا من تحديد هوية الضحايا، لتبقى الحقيقة لا زالت تراوح مكانها والجدال مستمر، وهوما فتح جراحا جديدة بالنسبة للعلائلات التي فقدت ذويها في تلك الأحداث والمذكورة أسمائهم في تقارير رسمية، ولم يتعرف المجلس الإستشاري عن هوياتهم.

لائحة الضحايا:
الضحايا الذين وردت أسمائهم في التقرير الختامي لهيئة الانصاف والمصالحة، صفحة : 99 ـ 100.

1- كريم الرتبي.
2- عبد الخالق الهواري
3- الفايدة يحيى
4- المرابط نجيم
5- بوعرورو صالح
6- الترحيب حكيم
7- عبد العزيز الجراري
8- خليفة الوكيلي
9- زهير فارس
10- عوجة مصطفى
11- ميمون المجاهدي
12- عبد الرزاق المسعودي

الضحايا الذين وردت أسمائهم في لجنة المتابعة لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة التابعة للمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان:
1- نجيم أزدي أحمد
2- عامر عبد الحميد
3- عبد الله بودواسل
4- عبد السلامة مصطفى

ومن جانب آخر أكد المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف ، فرع الناظور توفره على لائحة إضافية تضم أسماء خمسة ضحايا، اثنين منهم وردت أسمائهم في لائحة لجنة المتابعة وهما : نجيم أزدي أحمد، وعبد السلامة مصطفى، وثلاثة أسماء أخرى هم :
1- عامر عبد الحميد
2- برو امحمد
3- كنوف الحسن

وهنا يتضح الإشكال حول الجدال القائم عن العدد الحقيقي لضحايا 1984، علما أن المنتدى يؤكد توفره على معطيات تفيد أن عدد الضحايا يفوق بكثير العدد المصرح به بناءا على شهادات حية. وهناك بعض الشهادات الأخرى تؤكد وجود مقبرة أخرى مرجح أن تكون بثكنة تاويمة.

منطقة الريف تعيش إحدى أسوأ فترات تاريخها بعد خروجها للتو من صراع غير متكافئ مع المخزن، والفقر يغرس أظافره في الجسد المغربي برمته، واليساريين يستعدون للدخول في حرب غير متكافئة مع نظام الحسن الثاني…
نحن في بداية الستينات، وملفاتها الشائكة تخيم على مملكة الحسن الثاني الذي اعتلى العرش للتو: آلاف الريفيين هاجروا إلى الجزائر الفرنسية لضمان لقمة عيش لعلائلاتهم، وبعد سنتين من الجفاف ستهز المنطقة عاصفة قوية حسب دوغلاش أشفورد- وإقتصاد المنطقة الشمالية الشرقية مرهونا إلى حد كبير بعائدات الهجرة إلى الجارة الشرقية، في هذه الظروف محمد البطيوي يرى النور قبالة سينما مانولو بالدريوش يوم 23 يناير 1962، لينتقل في مرحلة طفولته بين أكثر من مدينة ويعيش عن قرب الكثير من تفاصيل سنوات الرعب (أنظر نص الحوار التالي).

محمد البطيوي، أنت ابن منطقة الريف، عشت في المنفى منذ 27 سنة بسبب تداعيات اعتقالك وسجنك سنة 1984، وبالتالي لم تعد تربطك بوطنك الأم إلا اتصالات محدودة، وهو ما جعل معظم الريفيين لا يعرفون شيئا عنك وعن قضيتك، فكيف ستُعرف نفسك؟ أي من هو محمد البطيوي؟

أنا من مواليد الدريوش بتاريخ 23 يناير 1962، قبالة سينما “مانولو”. قضيت السنوات الأربعة الأولى من طفولتي في هذه البلدة. موت أخي عبد العزيز غيرت كل مشاريع والدي الذي من فرط حزنه الشديد قرر التخلي عن مهنته كــ “كاتب عدل” ليتجه نحو مدينة “جرادة” حيث تم قُبوله للعمل كضابط محكمة في هذه المدينة، ولما وصلنا إلى جرادة سنة 1966 استقرنا في منزل يقع قرب مناجم الفحم الحجري، كانت الدولة قد وضعته رهن إشارتنا، هذا القرب سمح لي بمشاهدة أحداث 1969 بالمدينة مباشرة وما تلاها من هزات اجتماعية، وهي الأحداث التي لا تختلف كثيرا عن أحداث الريف 1958-1959، والدار البيضاء سنة 1965، وغيرها، والتي كان يقوم بها المتعطش لدماء الأبرياء الجينرال “أوفقير” وبإيعاز من الحسن الثاني.
من سطح منزلنا، سمعت صوت القوات العسكرية وهي تقوم بإطلاق النار، وشاهدت القمع الدموي للإضراب، ولا زلت أعاني من الأضرار الجانبية لحد الآن جراء ما حدث في تلك الفترة، وبعدها قامت السلطات بتطبيق عقاب جماعي على أهالي المنطقة، حيث قامت بإغلاق المدارس، والمراكز الثقافية، والمساجد، وسوق الأحد، كانت المدينة تحت رحمة النيران. من نافذة غرفتي، شاهدت كل شيء ولم أكن أتجاوز حينها سبعة سنوات من عمري، شاهدت العساكر وسمعت صوت أحذيتهم التي تحدث الرعب، ولم يُسمح لي بمغادرة المنزل ولا بالذهاب إلى المدرسة، حيث كانت السلطات قد فرضت حظر التجوال، فقدت الكثير من الزملاء والأصدقاء وقد علمت بعد مدة طويلة بأنه تم ترحيلهم رفقة عائلاتهم إلى مناطقهم الأصلية. وقد كانت الإعتقالات كثيرة في صفوف النقابيين.
وفي بداية أكتوبر 1970 يوم جنازة جمال عبد الناصر، عائلتي ستترك مدينة جرادة لتتجه إلى مدينة أزغنغان، وفي هذه المدينة تابعت دراستي في مدرسة “الأم” إلى غاية الرابعة ابتدائي، وفي سنة 1973 ألحقتني عائلتي بمدرسة “الإمام مالك” و أنهيت دراستي الثانوية سنة 1982 بثانوية “عبد الكريم الخطابي” بالناظور.
مباشرة بعد حصولي على شهادة الباكالوريا اتجهت نحو مدينة وجدة. في أكتوبر 1982 التحقت بكلية العلوم لدراسة البيولوجيا والجيولوجيا. انتمائي إلى منظمة إتحاد طلاب المغرب ومشاركتي في أنشطتها أدى إلى اعتقالي على خلفية أحداث 1984.
خلال فترة حياتي التي عشتها في المغرب، قضيت عطلي المدرسية بين بلدتي الأصلية “thimadhgharth” (التي تسمى أيضا عين الشفاء) التي تقع بين “لعزيب ن ميضار” و أزلاف، وأيضا في قرية ميضار ألطو.

قامت قوات القمع المغربية باعتقالك على خلفية أحداث 1984 بالناظور ، لتمضي بعد ذلك عقوبة سجنية، لماذا في نظرك؟ هل لأنك كنت من مؤطري الإحتجاجات التلاميذية حينها؟ أو كإجراء احترازي قامت به السلطات بعد أن تأزمت الوضعية أكثر وبدأت خيوط اللعبة تنفلت من بين أيديها؟

لقد تم اعتقالي أثناء درس الكيمياء التي كان يدرسها الأستاذ “الرمضاني”، واعتقالي كان نتيجة لعضويتي في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وأنشطتي في كلية العلوم والحي الجامعي بوجدة، وفي هذه المرحلة تم التعامل بقسوة أكثر مع الريفيين دون غيرهم من الطلبة بعد خطاب الحسن الثاني في 22 يناير 1984، وهو الخطاب الذي وصف فيه الملك الشعب الريفي بالأشرار و “الأوباش” ومهربي المخدرات، وهدد بتخريب منازلهم، “نخلي دار بوك” وفي جلسات الإستنطاق والتعذيب في مراكز الشرطة بوجدة كانت هذه العبارة مألوفة، وقد استعملت بكثرة.

وبعد الإفراج عنك، إلتجأت إلى بلجيكا لإستكمال دراستك في المرحلة الأولى والعمل وبالتالي الإندماج في المرحلة الثانية، فهل كانت بلجيكا هي منفاك الإختياري أو الإجباري؟

لم يكن أبدا المنفى اختياري ومع ذلك إلتجأت إليه، المنفى ليس سهلا، الإنسان يعيش بعيدا عن عائلته، عن أقاربه وأصدقائه، وعن محيطه الطبيعي، إنه جحيم في الأرض، لقد عشت في جحيم عظيم، انتحر شقيقي، وتوفيت والدتي دون أن أتمكن من رؤيتها ولا حضور جنازتها وبالتالي لم أكن أبدا مرتاحا.
كثيرا من الناس غالبا ما ينظرون إلى نجاحي الأكاديمي (5 شواهد جامعية من بينها دوكتوراه الدولة في الإقتصاد وإدارة الأعمال من كلية Solvay Business School المصنفة في الرتبة 13 في التدبير على الصعيد العالمي من طرف financial times سنة 2008) . نجاحي الأكاديمي والعلمي يخفي وراءه الكثير من الجراح والآلام القوية.

بعد مدة ليست بالقصيرة قضيتها في بلجيكا، فكرت في رفع دعوى قضائية ضد رجل الدولة الذي ساهم بجانب الملك الراحل في قمع انتفاضة الخبز سنة 1984، وهو ادريس البصري، فكيف جاءت فكرة مقاضاة رجل كان يتمتع بسلطة حديدية في ظل الحسن الثاني، وهي الفكرة التي لم يطرحها أي أحد من قبلك؟

فرصة إيجاد بيئة بلجيكية، أوروبية، أو دولية تساعد على تحقيق العدالة، كان دائما حلم يراودني، وهي فرصة رائعة، وبعد وصولي إلى بلجيكا التي صادق برلمانها على “قانون العدل العالمي” سنة 1997، وهو القانون الذي يعطي الحق للمواطنين البلجيكيين في رفع الشكايات سواء ضد البلجيكيين أو الأجانب، وأينما تواجدوا، ومهما كانت جنسياتهم، في القضايا التي تدخل في خانة الجرائم ضد الإنسانية، ولذلك قمت باستغلال هذه الفرصة عن طريق إعداد ملف دعوى قضائية ضد المسؤولين الذين كانوا السبب عن كل معاناتي ومعاناة عائلتي في سنوات الجمر والرصاص.
في شهر أبريل 1999، كنت قد ربطت اتصالات مع واحد من أكبر المحامين المختصين في القانون الجنائي في بلجيكا وهو الأستاذ Michel Graindorge، ووضعنا شكاية في الموضوع لدى المحكمة الإبتدائية.

أنت أول شخص يتجرأ لرفع دعوى قضائية ضد البصري، كيف كان إحساسك وأنت تستعد لرفع الدعوى القضائية؟ هل شعرت بنوع من الخوف من تبعات الخطوة؟

منذ انتحار أخي، والقمع الذي تعرضت له، ومعاناة عائلتي ، ومعاناتي الكثيرة أيضا التي أثرت على نشاطي في المنفى ، لم أعد أخاف من أحد، ومعركتي هي ضد الإفلات من العقاب لجميع مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سنوات الرصاص بالمغرب.

وكيف استقبلت قرار المحكمة الجنائية البلجيكية؟ هل كان منتظرا بالنسبة لك؟

قمت بتقديم الشكاية بتاريخ 19 نونبر 1999، تم قبول شكايتي، وهو الأمر الذي كان مصدر ارتياح كبير بالنسبة لي، لأصدقائي ولعائلتي، وشكاياتي لم تذهب في اتجاه التأثير على إنسان حقير انتهى زمنه مع موت الحسن الثاني.
هدفي كان أكثر نبلا من ذلك. كان هدفي هو جعل هذه المحاكمة محاكمة للذاكرة والتاريخ.

في إحدى تصريحاتك، قلت بأنك كنت تنوي مقاضاة شخص آخر إلا أن ظروف معينة حالت دون ذلك، فمن هو ذالك الشخص؟ هل هو الملك الراحل نفسه الذي وصف الريفيين بالأوباش في خطابه الشهير بتاريخ 22 يناير 1984؟

عندما ربطت اتصالاتي مع الأستاذ Michel Graindorge في أبريل 1999 كان الحسن الثاني لا زال على قيد الحياة، وهكذا كانت الشكوى ستكون ضد الحسن الثاني شخصيا. آنذاك توفي هذا الأخير في نهاية يوليوز 1999، وهي الظروف التي فرضت علينا تغيير استراتيجيتنا، وبالتالي قدمت الشكاية ضد ادريس البصري، رجل الأعمل القذرة للحسن الثاني.

أدانت المجكمة الجنائية البلجيكية ادريس البصري، ونطقت بحكم خلف الكثير من الجدال داخل الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية، ورغم ذلك ظل الرجل بمنأى عن أية متابعة، كيف ترى ذلك؟ وهل مجرد إدانة المحكمة الجنائية البلجيكية لرجل بوزن البصري في حد ذاتها مكسب حقوقي؟

نظرت المحكمة في الملف في يونيو 2009، بعد عشر سنوات من التحقيق، وبعد وفاة ادريس البصري، إذن لم تكن هناك محاكمة جنائية فعلية ضد ادريس البصري، لكن المحكمة قبلت الإدعاء ضده لإرتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولكل معاناتي خلال سنوات الرصاص.
بالنسبة لي كان هدفي نبيل، لأن المحاكمة كانت للذاكرة والتاريخ ومكافحة الإفلات من العقاب، والمحكمة البلجيكية فتحت بجدية ملف سنوات الرصاص بالمغرب.

وكيف ترى المشهد الحقوقي المغربي بصفة عامة وبالريف بصفة خاصة في الوقت الراهن؟ علما بأن التركة الثقيلة والموروثة عن عهد الحسن الثاني الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لم تصفى بعد؟

الكثير من النساء والرجال الذين كانوا يدافعون عن كرامة وحقوق الإنسان بالأمس أصبحوا اليوم ركائز “النيو-مخزن”. فئة كبيرة من الناشطين يوجدون اليوم في خدمة السلطة الجديدة، وبالتالي نجد اليوم صعوبة كبيرة في التمييز بين الهمة، الماجيدي، أزولاي وبين حرزني ، اليازمي … الكل في خدمة نفس الباطرون “المخزن”.

ما رأيك في عمل هيئة الإنصاف والمصالحة التي قيل بأنها عملت على تصحيح أخطاء الماضي، وهي الهيئة التي يقول عنها الكثير من المتتبعين بأنها ليست سوى آلية من آليات انتقال العرش إلى جانب خطة التناوب التوافقي؟ وهل ترى بأنها عملت على تصحيح بعض أخطاء الماضي؟

هذا هو حفار القبور! تماشيا مع التصورات المنبثقة من المجتمع المدني لمعالجة ملف سنوات الرصاص بالمغرب ومحاكمة المجرمين ، قدمت الشكاية بتاريخ 19 نونبر 1999، وهيئة الإنصاف والمصالحة تم إحداثها بعد ثلاثة أيام فقط، فهل هي مصادفة أو استراتيجية السلطة؟ وحده التاريخ سيحكم. ورغم التغطية الإعلامية الواسعة للشكاية التي قدمتها ضد البصري من طرف الصحف المكتوبة والقنوات التلفزيونية لم تربط الهيئة أي اتصال معي شخصيا أو مع لجنة دعم الشكاية المتكونة من أكثر من 50 شخصية بلجيكية (سياسيين، أساتذة جامعيين، كتاب…) فما الذي كان وراء صمت ادريس بنزكري؟ لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال. والتاريخ سيحمل الإجابة للأجيال القادمة.

أنت مقبل على العودة إلى وطنك الأم، بعد 27 سنة من الإغتراب واجترار مرارة اليأس في بلد أعطاك ما لم يعطيه لك بلدك الأصلي، هل هذه خطوة نحو المصالحة مع الماضي؟ أم رغبة في دعم النضال الحقوقي في بلد لا زال لم يحسم بعد في العديد من اختياراته الكبرى ومنها الإختيارات الحقوقية؟

بالنسبة لي لا أسأل عن المصالحة والغفران، ولا أنتظر ذلك. أنا رجل الحوار والتوافق لكنني لست رجل تنازلات. عودتي بالدرجة الأولى لأسباب عائلية، لزيارة والدي البالغ من العمر 90 سنة، وأنا لا أريد أن أرى نفس السيناريو يتكرر مرة أخرة.
ومن موقعي في المنفى لم يسبق لي أن توقفت عن العمل في مجال دعم حقوق الإنسان. وبكل صدق إنه عمل أكثر فعالية من داخل المعهد الأوروبي للعلاقات الدولية، والأكاديمية الملكية للعلوم، أومع أبناء بلدي كمُدرس أومتحدث.

ستعود إلى بلدك، وإلى حضن الريف الصامد الذي لم تندمل جراحه بعد، ما هو احساسك وأنت تفكر في العودة ولا زالت صورة الأحداث الأليمة لسنة 1984 حاضرة بقوة في ذهنك؟

أنا سعيد لرؤية عائلتي، أصدقائي، ومدينتي الناظور. لا أحد يستطيع أن يمنعني من هذا، الذي سيتجرأ على هذا الفعل لم يولد بعد.

محمد البطيوي إلى جانب أحمد المرزوقي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


التعليقات 4 تعليقات
  • ok
    ok منذ 13 سنة

    للتاريخ ماذا كنت تفعل في مليلية؟ايوا مزيان

  • ANSSAR NARIF
    ANSSAR NARIF منذ 13 سنة

    SAWFA YATABAYAN AL HA9 LATAGAFO AYOHA AHI9DIYON AL MAGZAN AFACHI INAKOM HARA9TO 9OLOB AL AMAZIGH MIN CHIDATA AL 3ADAB WA AL AHBAAS WA RACHWA WA AL GARAB W

  • maxim99
    maxim99 منذ 13 سنة

    ayuz awma seghi! amenni.ar7oma netwara arrif yegguar gha azzeth..

  • لميذ1984
    لميذ1984 منذ 13 سنة

    نحن تلاميذ ثانوية الكندي سنة 1984 الشرارة انطلقت من الممؤسسات التربوية : الكندي عبد الكريم الخطابي والتعليم الاصيل وعند الوصول الى الشارع العام انظم عدد مهم من الاشخاص منهم من قهره الزمان ومنهم من كان يبحث عن فرصة للتخريب اما الاسماء التي ورت في المقال فينقصها الكثير من المغاربة الذين قضوا اياما وليالي جوعا ومنهم من غادر صفوف المدرسة الى الابد ومنهم من غادر مدينة الناظور الى مقر سكناه : ميضار ، تمسمان ، زايو ، اركمان مشيا على الاقدام خوفا من الاعتقال يجب فتح تحقيق نزيه وموضوعي على جميع الاحداث لان عددا مهما ممن دخلوا السجن لا يذكرهم احد وبقيت ثلة قليلة تظهر في الواجهة لاسباب الكل يجهلها غربالكم قد اخترق وجاء زمن كشف الحقائق لاننا ببساطة لم نعد مطايا تركبونها كلما شئتم

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق