في بلدة “إمزورن”، التي تبعد حوالي 17 كلم عن مدينة الحسيمة، دفن بائع السمك المقتول محسن فكري، وإلى هذه البلدة انتقلت احتجاجات “حراك الريف” بعد فتورها في الحسيمة.
هنا لم ينس الناس كيف قضى ابن بلدتهم (محسن) طحنا في شاحنة للنفايات بينما كان يحتج على مصادرة أسماكه، ومنذ يوم الجمعة 28 ماي المنصرم، تاريخ بداية حملة الاعتقالات في صفوف “شباب الحراك” بالحسيمة ونواحيها، اتخذت الاحتجاجات في “إمزورن” مسارا تصعيديا تحول في أحايين كثيرة إلى مواجهات دامية بين الأمن والمتظاهرين.
فماذا وقع لينتقل “حراك الريف” من الحسيمة إلى “إمزورن”؟
‘إمزورن’ و”هارت”
هنا ‘إمزورن’ أو ‘ثامزورث’، وتعني بالأمازيغية “ظفيرة الشعر”، تميزت منذ القدم بموقعها الاستراتيجي، حيث تعتبر “مدينة مفتوحة”، لها منافذ عدة تؤدي إليها، الشيء الذي جعلها مركزا يتوافد عليه تجار القرى المجاورة (بوكيدارن، أجدير، آيت بوعياش، تاماسينت، أزغار…).
في هذه البلدة يوجد، منذ القدم، أكبر سوق في “منطقة الريف”، حسب الباحث الأنتروبولوجي الأميركي “ديفيد مونتكمري هارت” في كتابه “آيت ورياغل، قبيلة من الريف المغربي”.
كانت “إمزورن” الأكثر تضررا من الزلزال الذي ضرب منطقة الريف المغربي سنة 2004، أوقع بها أكثر من 800 ضحية، لتقرر البلدية تحويل السوق، الذي تحدث عنه “هارت”، إلى منطقة سكنية لإيواء المتضررين.
يقول الباحث في تاريخ الريف، أشرف بلعلي، وهو ابن المدينة، إن “الموقع الاستراتيجي لإمزورن جعلها بلدة يسكنها أناس من كل قبائل الريف”، موضحا أن “البلدة يتواجد بها 40 ألف نسمة بالليل، وهم من يسكنون بها دائما، لكن في النهار يتضاعف عدد الناس بها، بحكم توافدهم من مداشر مختلفة قاصدين التسوق”.
منشأ “جمهورية الريف”
لبلدة “إمزورن” رمزية في ذاكرة أهل الريف. ففيها تشكلت النواة الأولى لما يعرف بـ”جمهورية الريف”، التي أسسها محمد بن عبد الكريم الخطابي. واحتضنت أول اجتماع لأعيان قبائل الريف (إمغارن) سنة 1920، وهي “آيت ورياغل” و”آيت تمسمان” و”آيت توزين”، لمواجهة التوغل الإسباني والفرنسي، وأفضى ذلك الاجتماع إلى ما عرف تاريخيا بـ”إعلان إمزورن” المؤسس لـ”حكومة الريف”.
“أفتخر أنني ولدت وتربيت بين أحضان هذه المدينة التي وحدت قبائل الريف”، يقول مراد، ابن ‘امزورن’ الذي يدرس القانون بجامعة وجدة، مضيفاً “رمزية هذه المدينة تجعل من سكانها يدافعون عنها دون تفكير.. الناس هنا لا تقبل الإهانة وتلجأ إلى العنف إذا استفزتها السلطات”.
مراد بدوره أكد أنه في مرات عديدة فكر في رشق الشرطة بالحجارة، ويتساءل غاضبا “هل ستقف مكتوف الأيدي إذا سمعت أفرادا من الشرطة ينعتون إخوتك بأبناء العاهرات ولقطاء الإسبان”.
إمزورن والعنف
أما سفيان، الذي لا يزال يشارك في الاحتجاجات، بات مقتنعا أن “إمزورن هي التي حافظت على حراك الريف طوال ثمانية أشهر ولا زالت، رغم اعتقال قائد حراكها محمد المحدالي”.
ويؤكد سفيان، في تصريح لـ”أصوات مغاربية” أن “محسن فكري الذي قتل مطحونا في شاحنة لنقل الأزبال هو ابن مدينة إمزورن.. كلما مررت أمام منزله بحي الزاوية أتذكر الحادث ويزداد كرهي لهذه الدولة التي لم تنصفه”.
“أنا مؤمن بأن الريف همش عن قصد.. ونحن نعاقب بسبب تاريخ أجدادنا مع النظام الحاكم”، يقول سفيان.
أغلب شباب “إمزورن” الذين تواصلت معهم “أصوات مغاربية”، يقولون إنهم متشبثون بـ”مطالب ساكنة الريف”، ويؤكد الناشط سفيان “نحن مسالمون والمخزن (النظام) هو الذي يجر الشباب إلى المواجهة، أغلب عمليات التراشق بالحجارة تحدث بعد انتهاء الاحتجاجات”.
شباب “حراك إمزورن” قالوا إن “الملثمين الذين ظهروا في بعض الصور على مواقع التواصل الاجتماعي هم أقلية قليلة تتواجد دائما في المسيرات”، وأن هذا الأمر “لا يعني أن كل المحتجين بإمزورن يلجأون للعنف”.