التسول بإقليم الناظور بين سنداد الفقر و احترافية المهنة.. فما هو دور المسؤولين بالمدينة؟

فريد العلاليأليس من حق المواطنين التمتع ولو مرة واحدة من الراحة والحرية أثناء تجولهم في المدينة، أليست هناك جهة مسؤول تسمى الأمن تسهر على توفير هذه الراحة، أليس هناك مسؤولين بعمالة إقليم الناظور يسهرون على إعادة هيكلة مدينة الناظور وباقي الجماعات التابعة لها، قصد جعلها قبلة للسياح، فأين هم مما نشاهده ونعيشه في هذه المدينة المبتلية.

حقيقي وبعضها مفتعل، وأطفال رضع يحملون بين الأيادي، ويوضعون فوق الأرصفة، تختلف حسب السن والجنس، وهي كلها لوازم ومعدات تفرضها ضرورة ومتطلبات العمل في ميدان التسول، إلى درجة أن أغلب المواطنين، لم يعودون يثقون ويرقون ويعطفون على هذه الشريحة من البشر، وإن كانت “حوتة” واحدة تفسد محتوى الشواري، وخلال جولة قصيرة بأزقة شوارع إقليم الناظور، ومن اجل استطلاع أراء السكان حول ظاهرة التسول، وفي تصريحات عديدة ، اختلفت الشهادات بين مدين ومستنكر للظاهرة وبين مدين ومحمل المسؤولية للمجتمع، الذي لم يكفل الفقراء والضعفاء، ولم يهيئ لهم فضاءات العمل، يقول كريم طالب طالب بكلية سلوان 22 سنة : ” لم تعد كما كانت هادئة ونظيفة، الناظور أصبحت قبلة للمتسولين، لا يمكن أن تغفل العين عنهم، ففي كل مرة يلج المقهى متسول ليضايق الزبناء بإحراجهم، وكثيرا ما نتعرض نحن لتعنيف صاحب المقهى، خاصة عندما يسطو متسول على كأس أو بقايا فطور لزبون أو زبونة…”

تسول أم احتيال ولعل من يقوم بزيارة لبعض المرافق الاجتماعية أو الإدارية، سيلاحظ جلوس العديد من النساء أمام أبواب هذه المرافق وهذه الإدارات، خاصة أمام البنوك والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، ومركز البريد والصيدليات وغيرها من الإدارات، نساء يفترشن الكارتون، وينتظرن خروج الزبناء من اجل توجيه كلمات المسكنة والسؤال استدرارا لعطفهم واستجداء لحنانهم من اجل الفوز بدرهم أو درهمين، وكثيرا ما يلجأ المتسول إلى وضع أوراق وعلب الأدوية أمامه دلالة على انه في حاجة إلى نقود لشراء أدوية له أو لغيره، وقد يضطر المحسن أو المحسنة لشرائه لها، وكثيرا ما نصادف أفرادا وجماعات بمحطة الحافلات، فيدعون أنهم تقطع بهم الحبل، وأنهم جاؤوا لزيارة أحد أقربائهم ووجدوه أو وجدوهم قد غيروا مقر سكناهم، وأنهم الآن في حاجة إلى واجب التذكرة، والغريب في الأمر أن هذه الرواية تتعدد وتعاد أكثر من مرة على رواد وزوار المحطة بالناظور .

تقول سعيدة أستاذة تتنقل يوميا عبر الحافلة إلى حيث تشتغل: “بحكم ترددي يوميا على الحافلات، عرفت ووقفت على ظواهر اجتماعية تدعو إلى الاستغراب، فالعديد من المتسولين يتقطع بهم الحبل كل يوم، حيث يرددون نفس كلمات على الركاب، كونهم جاؤوا لزيارة قريب، ولم يجدوه، ولكون أغلب الركاب والمسافرين، هم عابرون ولا يعرفون حقيقتهم فهناك من يتعاطف معهم، ويقدم لهم ما تسمح به ميزانيته، وهناك من يدعي أنه تعرض للسرقة ولم يبق له ما يؤدي به تذكرة الرجوع إلى بيته، والأمثلة متعددة… “ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المتسولين طوروا من إمكانياتهم حسب متطلبات العصر، فهناك فتيات متسولات بالفن، فتيات في مقتبل العمر يعترضن سبيل المارة، ويتحججن بأنهن لا يملكن ما يسدن به رمقهن، وقد ينجحن في استدرار عطف المسؤول، وقد يفتح النقاش على مصراعيه ويقود إلى شعاب أخرى، وتلك حجة وهدف في نفس الوقت للعديد من مثل هؤلاء، حكاية غريبة وشهادة حية .

وآخرون يتجولون في المقاهي تراهم ليوزعوا أوراقا على شكل قصص قصيرة جدا تحكي حالة اجتماعية معينة أو خيالية للعب على وتر العاطفة، وأطفال قاصرون ونساء بمختلف الأعمار يطاردون المارة طالبين الصدقة في سبيل الله.

عادة ما نجد في شوارع المدينة، في أبواب المساجد والأسواق والمؤسسات العمومية، عجزة، تتراوح أعمارهم بين الستين والسبعين سنة، يمدون يدهم للمارة قصد الحصول على دراهم معدودة، كصدقة، فمنهم من يبكي، ومنهم من يقرأ القرآن ومنهم من يبرر حالته الاجتماعية بسبب معين، ومنهم من يرفع الدعاء، وغيرها من المبررات التي قد تأثر في المارة، لكن يبقى السؤال المطروح، هل هؤلاء العجزة يستحقون هذا الوضع المهين، هل بسبب تقدمهم في العمر وعجزهم سينتهي بهم إلى التسول، إذا كانت الدولة في كل مرة تجدد عبر حكومتها وعدها بإيجاد حل للمحرومين والمتخلى عنهم، متى ستتحق تلك الوعود، وما موقف الخيرية الإسلامية المتواجدة في الناظور قرب ضريح سيدي علي من هذه الظاهرة.

صور التقطت من مختلف شوارع الناظور لمتسولات يستعملن أطفالا في مقتبل العمر للتسول، للتأثير على المارة قصد الحصول على الصدقة، ويبقى السؤال المطروح هو : إذا كانت الظروف الاجتماعية فرضت على هذه المرأة الخروج إلى الشارع للتسول فما ذنب هؤلاء الأطفال الأبرياء ؟!، وهل من وجود جهات متخصصة بنصب عملها حول البحث على الأقل في هوية هؤلاء الأطفال .

أمام استفحال هذه الظاهرة الدخيلة على ثقافتنا لا يسعنا إلا أن نتأسف ، ونطالب الجهات المعنية ،من قريب أو من بعيد،من اجل التدخل للتخفيف على الأقل من حدتها ،في أفق القضاء عليها إذا توفرت النيات الحسنة والإرادات الصادقة لدى الحكومة المغربية و المجتمع المدني الذي يبدوا انه يشتغل على أمور ثانوية غافلا بذلك ، أو بالأحرى، متغافلا هذه الظاهرة الخطيرة التي لم تعدها مدينتنا المحافظة من قبل.

يمكن للمرء بل ويحق له، أن يتساءل، أين يكمن الخلل؟ هل في المتسولين والمتسولات؟ هل في المواطنين الذين يشجعون هذه الفئة، أم في المجتمع الذي لم يقم بدوره، سواء من حيث توفير شروط العمل والشغل، أو في ظل الغياب التام الأبناء هذه المدينة اليتيمة الذين يفتقدون الغيرة عليها ، من المنضوين تحت لواءات الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية ومن أطر ومسؤولين ، أو من حيث تطبيق القانون، في حالة تعاطي مثل هؤلاء للتسول، سيما وأن البعض منهم يتعاطى للتسول وهو في وضعية مادية مريحة.