كواليس الضربة المغربية القاضية للجزائر؟

13 أبريل 2024آخر تحديث :
كواليس الضربة المغربية القاضية للجزائر؟

إن الإعلان من طرف وزراء ورسميين فرنسيين عن الدعم المعنوي والمالي لباريس لمشاريع التنمية التي يقودها المغرب في أقاليمه الجنوبية أثار غضب نظام الجزائر. هذه المقدمة للاعتراف التام والكامل بمغربية الصحراء تخيف الجار الشرقي. بالإضافة إلى الشتائم، يتم التهديد بإلغاء زيارة عبد المجيد تبون إلى فرنسا. لم يعد النظام الجزائري، المشلول، يحاول حتى الاختباء خلف جبهة البوليساريو، التي أصبحت غير مرئية.

جاء هذا الإعلان لأول مرة على لسان وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني. كان ذلك يوم الاثنين 26 فبراير الماضي بالرباط، خلال زيارته إلى المملكة، « لفتح فصل جديد في العلاقة بين فرنسا والمغرب »، علاقة أساسها « الصداقة والإخلاص والثقة ».

يتعلق الأمر بإرادة فرنسا الجديدة والصريحة في دعم جهود التنمية التي يقودها المغرب في أقاليمه الجنوبية.

خطوة أخرى اتخذتها باريس على طريق الاعتراف الكامل بمغربية للصحراء، بعدما ظلت جامدة منذ 2007 في موقف، جدير بالثناء بكل تأكيد، لكنه غير كاف، لمقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية.

ومنذ ذلك الحين، حظي هذا القرار الجديد بدعم فرانك ريستر، الوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية والاستقطاب الاقتصادي والفرنكوفونية وفرنسيي الخارج، الذي أكد، يوم الخميس 4 أبريل بالدار البيضاء، أن فرنسا ترحب « بجهود المغرب في مجال الاستثمار في الصحراء » وأن بلاده مستعدة « لمواكبة هذه الجهود ».

وأكدت ذلك بشكل ملموس: المساهمة التي تعتزم بروباركو تقديمها، وهي شركة فرعية مخصصة للقطاع الخاص لمجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية، وهي ذراع مالي حقيقي وقوي للدبلوماسية الفرنسية -والتي غالبا ما تحجب كي دورسي. ومن ثم، ينبغي لبروباركو أن تساهم في تمويل خط الضغط العالي بين الداخلة والدار البيضاء، وهو مشروع استراتيجي للمملكة.

وكان هذا كاف لتوجيه سهام الانتقادات والشتائم لفرنسا من الجارة الشرقية التي عبأت كعادتها كل وسائل إعلامها للتهجم على الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته. التصريح الأخير لرئيس الدبلوماسية الفرنسية لم يخفف من ذلك. فقج تحدث ستيفان سيجورني مرة أخرى، يوم الاثنين 8 أبريل، عن اعتراف فرنسا الاقتصادي بمغربية الصحراء. ففي مقابلة مع فرانس 24 وإذاعة فرنسا الدولية، أكد هذا الموقف قائلا: « لقد ذهبنا إلى أبعد من ذلك، حيث أننا سنقوم حتى بإحضار فاعلين عموميين لتنمية (الصحراء المغربية، ملاحظة المحرر) معهم (المغاربة) ».

وفضلا عن ذلك، استقبل رئيس الدبلوماسية الفرنسية، في اليوم التالي، بباريس، ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وعقدا جلسة عمل.

وسوف يتكثف الباليه الدبلوماسي المغربي الفرنسي قريبا. فمن المقرر أن يناقش وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الذي من المتوقع أن يحل بالرباط يوم 21 أبريل 2024، مكافحة الإرهاب والأمن والهجرة والإسلام في فرنسا مع المسؤولين المغاربة. وقبله، ستلتقي رشيدة داتي، وزيرة الثقافة الفرنسية، في الرباط، بنظيرها المغربي مهدي بنسعيد. وهي فرصة لتعزيز نضال المغرب من أجل الحفاظ على تراثه غير المادي، الذي تحاول الجزائر السطو عليه.

ومن المنتظر أن يزور وزير الفلاحة الفرنسي مارك فيسنو المغرب أيضا، برفقة وفد من رجال الأعمال من قطاعي الفلاحة والصناعات الغذائية. وستكون حركة الشركات الفرنسية (ميديف، وهي منظمة أرباب العمل الفرنسيين) ضمن الوفد الفرنسي في هذه الزيارة التي تتزامن مع انعقاد المعرض الفلاحي الدولي بمكناس في الفترة من 22 إلى 28 أبريل.

أزمات قلبية في الأفق

وهذا دون أن ننسى الزيارة المقبلة لوزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، الذي سيلتقي بعدد من المسؤولين السياسيين والاقتصاديين المغاربة، وسيشارك في منتدى يجمع العديد من كبار رجال الأعمال من البلدين. أي ما لا يقل عن 150 شركة مغربية ونفس العدد على الجانب الفرنسي، وهي شركات مدرجة كلها تقريبا في كاك 40. كل هذا في شهر واحد، وذلك ترقبا لزيارة أخرى، وهي زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب. الفرصة، دون أدنى شك، لإضفاء الطابع الرسمي على إعلان دبلوماسي كبير، وهي اختصاص حصري لرئيسي الدولتين، الرئيس ماكرون والملك محمد السادس. وبالتالي فإن الأزمات القلبية، بصيغة الجمع، تنتظر قادة الجارة الشرقية.

وهذه قرارات ثنائية في علاقات بين دولتين ذات سيادة. لكن النظام في الجزائر لا يرى الأمور من هذه الزاوية. ويرى أن تطور موقف باريس بشأن الصحراء الغربية وتقاربها مع الرباط وكأنه عداء له. وكرد فعل، أطلق العنان لاذرعه الإعلامية للتهجم على السلطات الفرنسية.

انتهت إذن التصريحات المعسولة بشأن الهدوء المفترض في التوترات الفرنسية الجزائرية. أصبحت اللهجة الآن هي التهديد والسب، وهي الرياضة المفضلة لدى السلطة الجزائرية. كل الصحف ووسائل الإعلام الجزائرية تنخرط في هذه الحملة. وبدأ التهجم مطلع الأسبوع الجاري. الجائزة الذهبية في ما يتعلق بالأعمال القذرة تذهب إلى صحيفة « الخبر »، الصحيفة اليومية التابعة للاستخبارات العسكرية، التي ذهبت بعيدا عندما استندت، لشرح ما تصفه بـ« التحول »… إلى ماضي فرنسا الاستعماري. ففي تغيير موقفهم من الصحراء، فإن الجيل الجديد من القادة الفرنسيين يستلهم ممارسات فرنسا القديمة، الاستعمارية والقمعية. أما السلطة الحالية في فرنسا، فهي في نهاية المطاف لن تكون أكثر من مزيج من الصهاينة والنازيين، لا تهتم بالاتفاقيات والمعاهدات.

قنبلة فرنسية

وذهبت صحيفة « L’Est républicain » إلى حد التشكيك في زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا، المقررة في الربع الأخير من العام الجاري. وتحت عنوان « من يريد نسف زيارة الدولة للرئيس الجزائري إلى فرنسا؟ »، نقرأ أنه « بات واضحا وجليا أن زيارة الدولة الشهيرة التي المقرر أن يقوم بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى فرنسا يزعج بشكل رهيب دوائر معينة هنا، ولكن بشكل خاص هناك. وما زال من الغريب أنه في كل مرة يتم إعادة إطلاق هذه الزيارة من قبل أحد الأطراف المعنية، تتساقط شعرة كما لو كانت بالصدفة في الحساء الجزائري الفرنسي وتتسبب الغثيان ». الشعرة التي تتحدث عنها ليس سوى إعلان فرانك ريستر. « لا يمنع تفسيرها على أنها خطوة أولى نحو الاعتراف بـ »مغربية » الصحراء الغربية، كما فعل الإسبان من قبلهم، بقيادة بيدرو سانشيز »، تؤكد الصحيفة مذعورة.

وتحدثت صحيفة الشروق من جانبها عن « قنبلة فرنسية جديدة على طريق العلاقات مع الجزائر »، موضحة أن « تصعيد » باريس من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء يقوض العلاقات الثنائية بين البلدين، على اعتبار أن « القضية الصحراوية » هي « مسألة أمن قومي للجزائر ». ميزة تعليق هذه الصحيفة هو الاعتراف بحقيقة واضحة يحاول دائما النظام أن يخفيها: وهي أن الجزائر « طرف أساسي » في نزاع الصحراء. إن الجرأة التي تم إظهار هذه الحقيقة لا يقابلها إلا التناقض المتمثل في القول بأن الجزائر ليست « طرفا معنيا » بالنزاع، وأنها مجرد « جارة قلقة » ولا علاقة لها بالمسلسل الأممي من خلال الموائد المستديرة الهادفة إلى إيجاد حل للصراع المصطنع.

ورغم أن المغرب يؤكد أن الجزائر هي التي أنشأت جبهة البوليساريو، وأنها قامت بتمويلها وتسليحها واحتضانها منذ عقود، وأن مجلس الأمن يذكرها دائما بمسؤولياتها ويدعوها للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن الجزائر تتحصن دائما خلف « مبدأ تقرير المصير ». وإذا لم هذا الخداع لا يقنع أحدا، حتى وسائل الإعلام التابعة للسلطة يبدو أنها نسيته… وتلجأ في النهاية إلى إدانة الذات. وفي خضم غضبها، تكشف الجزائر عن وجهها وتؤكد، على الرغم من نفسها، أنها طرف أساسي في قضية الصحراء الغربية وأنها هي العقبة الرئيسية أمام وضع حد لهذا الصراع المفتعل.

سيكون من المثير للاهتمام أيضا رؤية رد فعل الجزائر خلال جلسة الإحاطة المغلقة، والتي ستحاط خلالها الدول الأعضاء علما بالعروض التي سيقدمها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ورئيس بعثة المينورسو ألكسندر إيفانكو. وسيجرى الاجتماع، المقرر عقده يوم الثلاثاء 16 أبريل، لأول مرة بحضور الجزائر التي تشغل مقعدا غير دائم في مجلس الأمن منذ يناير 2024 كعضو غير دائم.

ومن المتوقع أن يقدم ستيفان دي ميستورا تقريرا عن تطور الصراع والمشاورات التي أجراها مع جميع الأطراف المعنية. رهان هذا الاجتماع هو، على وجه التحديد، « كيفية دفع جميع الأطراف إلى المشاركة في طاولة المفاوضات »، وفق ما أكدته هيئة الأمم المتحدة في بيان صحفي.

وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن دعا، للسنة الثالثة على التوالي، الجزائر للمشاركة في مسلسل الموائد المستديرة. التذكير الأخير كان من خلال القرار 2703، الذي تم اعتماده في 30 أكتوبر 2023 بأغلبية 13 صوتا وامتناع عضوين عن التصويت. ويبقى أن نرى إلى متى ستتهرب الجزائر، في حين أن مسؤوليتها في الصراع الإقليمي واضحة وجلية، لأنه وباعتراف أبواقها، فإن الصحراء بالنسبة للطغمة العسكرية الجزائرية هي « مسألة أمن قومي ».

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق