نصاب بحيلة جديدة يجني مئات الملايين في المغرب؟

15 أبريل 2024آخر تحديث :
نصاب بحيلة جديدة يجني مئات الملايين في المغرب؟

كانت قرية القراقرة الواقعة بنواحي البروج، ضمن النفوذ الترابي لإقليم سطات، تعيش في هدوء تام خلال رمضان المنصرم، ولم يكن سكانها يتوقعون أن هذا الهدوء سيسبق العاصفة إلى أن حج إلى المنطقة العشرات من الشبان من مدن مختلفة، يوم الجمعة الماضي، للبحث عن شخص خمسيني عرّضهم وغيرهم لعملية نصب بعدما سلمهم عقود عمل بالخارج مزورة، حيث قاموا بمحاصرة منزله قبل قدوم عناصر الدرك الملكي بالمركز الترابي للبروج.

“السم في العسل”
لم يكن يخطر على بال شبان ساكنة أولاد زيدوح ودمنات والفقيه بن صالح وبني ملال وخميس بني شكدال وقلعة السراغنة، وغيرها من المدن، أن “الحل السحري للهجرة إلى الخارج” سيأتي بـ”طريقة قانونية” على يد شخص خمسيني قادم من دائرة البروج، بناء على عقود عمل من دول إيطاليا وفرنسا وإسبانيا مقابل مبالغ مالية متفاوتة، إلى أن حلّ بمناطقهم وربط علاقة مصاهرة من نواحي دمنات، وجلب بعض عقود العمل الصحيحة في البداية ليكون ذلك “طعم السم الأول في العسل”، حيث ذاع صيته واكتسب شهرة وثقة بين الشبان العاطلين الحالمين بالهجرة.

بعدما انتشر الرقم الهاتفي للمشتبه به بين الشبان، وكسب ثقتهم بعد جلب عقود شغل صحيحة في البداية، بدأت المكالمات تتقاطر على المعني، فبات يختار ضحاياه، وشرع في رفع المقابل المالي للعقود، وقام بتقديم المواعيد وتمكين الشبان من الوثائق التي ينبغي التوفر عليها، وتوجيههم نحو أحد المحلات التي تقوم بملء الاستمارات وحجز المواعيد بطريقة إلكترونية. وقد كانت هذه العملية تمرّ بسلاسة، وهو ما زاد ثقة الضحايا، وشجعهم على تقديم ملايين السنتيمات كعربون حتى تتمة العملية، أو تقديم نصف المبلغ المتفق عليه، والمتراوح بين مليون وثمانية ملايين سنتيم للفرد؛ حسب مدة العقد.

توفير التكاليف
لم يكن عبد الجليل الشافعي المنحدر من دار ولد زيدوح، الذي عاش ظروفا اجتماعية صعبة منذ كان عمره خمس سنوات نتيجة انفصال والديه، يتخيّل أنه سيقع ضحية نصب واحتيال بسبب البحث عن تحسين وضعه الاجتماعي والاقتصادي بعدما تحدى الصعاب واشتغل في البناء مساعدا مياوما وبعدها بناء، وأنشأ أسرة صغيرة، واشترى منزلا بسيطا قبل أن يبيعه لدفع ثمن الحصول على عقد عمل بالخارج.

عبد الجليل الذي كان أمام مقر القيادة الجهوية للدرك الملكي، الأحد، ينتظر دوره ليدلي بأقواله في محضر رسمي، أوضح أنه من الأوائل الذين التقوا بالمشتبه به قبل أن يذيع صيته بعدما اكتسب ثقة بعض المواطنين بمنطقة أولاد قيشّو وبركات بنواحي ولد زيدوح، الذين مكنهم من عقود عمل.

وأضاف عبد الجليل، أنه قدّم في البداية عشرة آلاف درهم للمشتبه به كتسبيق عن المعاملة، على أساس أن يتمم المبلغ المحدد في 8 ملايين ونصف المليون بعد التوصل بالعقد، وأكّد أن المشتبه به كان يدعي معرفته بأصدقائه في القنصليات المعنية بالعقود المزعومة، مشيرا إلى أن عددا من الضحايا قاموا بملء عدد من الوثائق عبر منصات إلكترونية، وتلقى بعضهم رسالتين من القنصليات تؤكد صحة المعلومات، وهو ما زاد في ثقة الشبان، وغمرتهم الفرحة بتحسين عيشهم، خاصة أن المنطقة تعرف البطالة والجفاف.

انتظر عبد الجليل وغيره ما يقارب أربعة أشهر للحصول على التأشيرة، إلا أنهم فوجئوا بالرفض في الإخبار الثالث، فبدؤوا البحث عن المشتبه به لمعرفة مقر سكنه بعدما أوهمهم باسم مستعار وأنه ينحدر من دمنات في بداية الأمر، قبل أن يتحقق الضحايا بأنه ينحدر من دائرة البروج، وأن بطاقته الوطنية لم تعد صالحة للاستعمال منذ صيف 2021، كما أنه لم يعد يرد على المكالمات، وهو ما أكّد للشبان وقوعهم ضحية نصب واحتيال محبوكة الصنع.

تتبع ومحاصرة
فصيح الشكدالي شاب ينحدر من دار ولد زيدوح، وهو من العشرات الذين حجوا إلى مركز الدرك بجهوية سطات قصد الإدلاء بأقوالهم في “ملف النصب” لدى الفصيلة القضائية. قال إنه التقى المشتبه به في دار ولد زيدوح، وتسلّم رقمه قصد مساعدته على الحصول على عقد عمل بديار المهجر بعيدا عن التهميش والفقر الذي تعرفه قبيلتهم.

وأضاف الشكدالي أنه تواصل مع المشتبه به واتفق معه على تقديم عربون محدد في مليون سنتيم، مشيرا إلى أنه بعد مرور ثلاثة أشهر طالبه المشتبه به بمليوني سنتيم إضافيين، قبل أن يكتشف بأن العقد الذي تسلمه وهمي وغير معترف به في المنصات الإلكترونية الخاصة بمعالجة ملفات طالبي مواعيد التأشيرة قصد الهجرة إلى أوروبا.

الشكدالي لم يكن الوحيد الذي فوجئ بوقوعه ضحية نصب، بل المئات الذين تعرّف عليهم بعد بداية البحث عن المشتبه به قصد تكملة المهمة أو إرجاع المبالغ المالية لأصحابها، حيث تم تتبع خطاه بمنطقة الدروة، غير أنه فرّ إلى وجهة مجهولة، قبل التوصل بمعلومات تفيد بأنه في منزل عائلته بنواحي البروج بمناسبة عيد الفطر.

وانتقل العشرات من الضحايا، يضيف الشكدالي، إلى منطقة القراقرة بنواحي البروج، وحاصروا منزله، ثم طلبوا النجدة من الدرك الملكي الذي حلت عناصره على الفور، وعملت على إيقافه وتسليمه إلى الفصيلة القضائية بسطات قصد إجراء البحث التمهيدي.

وطالب الشكدالي بتعميق البحث حول جميع الأملاك التي تحصّل عليها منذ امتهانه النصب قصد تعويض الضحايا.

تقاطر الشكايات
بوشعيب النجار، الرئيس التنفيذي للمرصد الوطني لتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد بالمغرب، قال إنه بلغ إلى علم الهيئة التي يمثلها وقوع المئات من المواطنين ضحايا عملية نصب هي الأولى من نوعها في إقليم سطات، باعتبار المشتبه به ينحدر من دائرة البروج التابعة لعاصمة الشاوية، مشيرا إلى أن الأبحاث لا تزال جارية في انتظار تحديد نوع المتابعة من قبل النيابة العامة المختصة بسطات.

وكشف النجار، أن المبلغ فاق المليار و300 مليون سنتيم إلى حدود الآن، مشيرا إلى أن الشكايات لا تزال تتقاطر على مركز الفصيلة القضائية للدرك الملكي بجهوية سطات، وطالب في الوقت ذاته بإنصاف الضحايا الذين ينحدرون من الطبقة الهشة بكل من أولاد زيدوح وبني ملال والفقيه بن صالح وغيرها من المدن المغربية، التي يحلم شبابها بالهجرة للعمل في الضفة الأخرى. وأبرز أن هذه العملية لا يمكن أن يقوم بها فرد واحد، وهو ما يتطلب تعميق الأبحاث، فضلا عن توفير الشغل للعاطلين للحد من ظاهرة الهجرة التي تعرفها بلادنا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق