هذا هو الطبيب الفرنسي الذي أنقذ آلاف المغاربة؟

5 مايو 2024آخر تحديث :
هذا هو الطبيب الفرنسي الذي أنقذ آلاف المغاربة؟

“موغا سيأتي يوم الاثنين” و”موغا هنا، لقد أتى الرجل الذي سيحملنا إلى فرنسا”، لم تكن هذه الجمل جملا عادية في قرى سوس جنوب المغرب خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، بل كانت إشارة يتلقفها شباب تلك القرى وينتظرون اليوم الموعود لمقابلة “فيليكس موغا”، الرجل الفرنسي الذي سيمنحهم تأشيرة الهجرة للعمل في فرنسا.

ولد فيلكس موغا بمقاطعة “كروا” شمالي فرنسا عام 1926، من أسرة متوسطة متعلمة. وفي عام 1945، أنهى فترة تجنيده بالمغرب في صفوف جيش وحدات الدعم والإسناد المكونة من المغاربة خلال فترة الاستعمار والمعروفة باسم les goumiers أو “الكوم”.

تميز موغا عن باقي أقرانه بالصرامة وبحب التعلم، إذ كان يتقن الحديث باللغة العربية والدارجة المغربية وباللهجات الأمازيغية المتداولة بمنطقة سوس، حيث كان يشتغل ضابطا عسكريا في مكتب الشؤون الأهلية بكلميم، جنوب البلاد.

وبعد انتهاء فترة تجنيده، انضم هذا الشاب الفرنسي إلى الشركة الوطنية الفرنسية للمناجم التي كانت تعاني من نقص حاد في اليد العاملة بعد رفض عدد من الفرنسيين المتقاعدين والذين كان غالبتهم يعانون من أمراض تنفسية ترشيح أبنائهم لشغل وظائفهم.

تحمس موغا للوظيفة، ووعد إدارة الشركة الفرنسية بالعمل شخصيا على انتقاء آلاف العمال من قرى جنوب المغرب، المنطقة التي خبرها ويتقن لغة أهلها.

حل موغا بالمغرب أشهرا بعد الاستقلال (1956)، وعمل بنفسه بعد تنسيق مع السلطات المغربية على تنظيم رحلات منتظمة إلى جنوب المغرب، وزار قرى وارزازات وتزناخت، وتارودانت وتزنيت وتفراوت، وكان خبر قدومه يثير الخوف والفرح في الوقت نفسه في نفوس أهالي تلك القرى.

أقل من 30 عاما وأكثر من 55 كيلوغراما

ساهم ممثلو السلطة المحلية بقرى جنوب المغرب في تنسيق تلك الرحلات، وكان هؤلاء يدعون وأحيانا يجبرون شباب تلك القرى على الحضور إلى ساحة القرية، حيث يجدون بانتظارهم الرجل الفرنسي وبعض مساعديه.

كانت شروط الانتقاء بسيطة ولا تتطلب سوى وزنا لا يقل عن 55 كيلوغراما وعمرا يتراوح بين 18 و30 عاما، “لم تكن مقابلة لطرح الأسئلة، كان الهدف هو فحص العضلات”، يوضح موغا في تصريح سابق لقناة ” Antenne 2″ الفرنسية.

يقول تقرير لصحيفة “لوموند الفرنسية”، إن موغا ومن معه كانوا يجبرون شباب تلك القرى على الانتظار لساعات تحت أشعة شمس حارقة لاختبار مدى استماتتهم، قبل أن يستقبلهم الواحد تلو الآخر في خيمته.

في المقابل، كانت عيون الآباء والأمهات تراقب من بعيد تلك العملية، التي غالبا ما تخلف شجارات بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب رغبة الشباب في الهجرة ومعارضة الأقارب لها.

وأورد التقرير تصريحا للحسن تيغانيمين، وهو من أوائل المغاربة الذين خضعوا لذلك الاختبار ونجحوا فيما بعد في الانتقال للعمل في المناجم الفرنسية، وقال لحسن “لقد حدق إلينا (موغا) مثل الذئب”.

الأخضر والأحمر

وبعد دقائق وربما ساعات من فحصه لأجساد هؤلاء الشبان، يؤشر موغا على صدورهم بطابع أخضر أو أحمر، وهي المرحلة الأكثر انتظارا في ذلك اليوم.

يرمز الطابع الأخضر إلى النجاح في الامتحان وبالتالي المرور إلى مرحلة لاحقة تحمل من نجح من الشباب إلى مدينة أكادير للخضوع لفحوصات إضافية ثم إلى الدار البيضاء لركوب الطائرة أو الباخرة في اتجاه فرنسا.

أما الطابع الأحمر، فيعني الرفض، وبقدر ما أفرح هذا اللون الكثير من الأمهات لأنه يعني بقاء أبنائهن في القرية، بقدر ما أحزن الكثير من الأبناء التواقين إلى الهجرة وإلى العمل في فرنسا.

إضافة إلى ذلك، يفسر اللون الأحمر أيضا على أنه “وصمة عار” على حامليه، وغالبا ما توصف تلك الفئة في قرى سوس بـ”الفاشلين” مقارنة بـ”الشجعان”، حتى أنهم لم يسلموا من لسان شعراء ومغنيي المنطقة.

ففي قرى جنوب شرق المغرب، تردد نساء المنطقة في أهازيجهن الأمازيغية “مامِيتصلْح القلدة نك ولا الهِيبِّي نْك هاناود موغا وركن إِيرِي”، ما يعني “ما جدوى قامتك وتسريحة شعرك فحتى موغا لا يرغب في خدماتك”، بحسب ما جاء في مقال للصحافي المغربي ميمون أم العيد.

من جانبه، أورد الباحث محمد شارف أغنية أخرى، جاء فيها أن موغا قدم إلى القرية، “فاختار الأكباش وترك الخراف”، ولعل ذلك ما يفسر إقبال “الفاشلين” في الامتحان على استعمال وصفات طبيعية ومواد تنظيف لمسح الطابع الأحمر من صدورهم.

أين الاعتراف؟

ووفق تقديرات “لوموند” الفرنسية، استقدم موغا من قرى جنوب المغرب ما بين 80 ألفا و120 ألف مغربي للعمل في مناجم الفحم الحجري بفرنسا خلال الفترة الممتدة بين 1956 و1970، معظمهم ما يزال مقيما بفرنسا.

وعن حالهم، انتقدت الصحافية المغربية المقيمة بفرنسا، مريم أبوري، في مقال لها، نكران فرنسا لجهود هؤلاء المغاربة في بناء الاقتصاد الفرنسي، وكتبت “هم شباب أصبحوا شيوخا الآن، بعد أن قضوا أحلى مرحلة من أعمارهم مقبورين في مناجم، يدخلونها فجرا، ويخرجون منها وقد غربت شمس شمال فرنسا كما غربت شمس شبابهم”.

وتابعت متسائلة “ألا يستحقون أن تلتفت لهم فرنسا وتكرمهم، اعترافا بما قدموه لبنائها، كإصدار كتاب يحكي قصص كفاحهم، وقصص زوجاتهم، اللواتي لهن قصص إنسانية كما أزواجهم، تستحق النشر عرفانا لهم ولهن؟ أو تنحت لهم تماثيل، تعرض في متحف اللوفر (…) اعترافا من فرنسا بما أعطوه لها من حياتهم وشبابهم”.

عن أصوات مغاربية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق